|
آفة التمييز العنصري: هل من علاج؟
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 4166 - 2013 / 7 / 27 - 11:30
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
ظلّ العالم طيلة أسابيع يترقب بقلق الحالة الصحية للزعيم الجنوب أفريقي والشخصية العالمية البارزة نيلسون مانديلا. ومع زوال حالة الخطر التي رافقت وضعه، فإن جنوب أفريقيا والعديد من الجهات والمنظمات المعنيّة بحقوق الإنسان استعدت للاحتفال بعيد ميلاده الخامس والتسعين، كرمز للتسامح وأحد أبرز الداعين في العالم لتحقيق المصالحة الوطنية في إطار العدالة الانتقالية، دون ثأر أو انتقام أو كيدية. وكانت دعوة مانديلا إلى "المصالحة"، وهو الذي قضى 27 عاماً في السجن، بمثابة المسمار الأساسي لتصفية نظام الفصل العنصري "الأبرتايد" وتهيئة الأجواء لإجراء انتخابات لكل الأعراق والأصول والسلالات، للانتقال الديمقراطي، ووضع حد للعنصرية "الأقلوية" البيضاء، التي تعتبر شكلاً من أشكال الإستعمار الإستيطاني، الذي دام نحو قرنين من الزمان. وبزوال نظام جنوب أفريقيا فلم يتبقَّ في العالم سوى " إسرائيل" كنظام عنصري استيطاني إجلائي. وقد اعتبرت حادثة إطلاق الرصاص على تظاهرة شارفيل في جنوب أفريقيا العام 1960 وقتل 69 متظاهراً مناسبةً لإحياء ذكرى الضحايا، الذين كانوا يحتجّون على "قوانين المرور" العنصرية، حيث أخذ العالم كلّه يحتفل بذكرى تلك المجزرة العنصرية الشنيعة منذ العام 1966، حين دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة المجتمع الدولي، إلى مضاعفة جهوده من أجل القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، وذلك بصدور القرار 2142 (الدورة الحادية والعشرون/1966). لقد كان موضوع التمييز العنصري محطّ نقاش وجدل طيلة السنوات التي أعقبت تأسيس الأمم المتحدة، وذلك قبل التوصّل إلى اتفاقية دولية بهذا الخصوص، تلك التي تعتبر تطوّراً كبيراً في القانون الدولي وفي مناهضة العنصرية والتمييز العنصري. ولم تنشأ العنصرية كظاهرة اجتماعية وسياسية وإقتصادية وقانونية وفكرية ونفسية دفعة واحدة، بل مرّت بمراحل عديدة واتخذت أشكالاً مختلفة، حتى غدت خطراً يهدّد العلاقات الإنسانية والتفاهم والسلم والصداقة بين الشعوب، ناهيكم عن كونها تنتهك أبسط مبادئ حقوق الإنسان. وباستفحال ظاهرة العنصرية والتمييز العنصري فقد سعى المجتمع الدولي وعبر جهود مضنية لإصدار إعلان ضد العنصرية في العام 1963 تضمن أربع نقاط رئيسية، حيث اعتبر إن أي مذهب للتفرقة العنصرية أو التفوق العنصري هو مذهب خاطئ علمياً ومشجوب أدبياً وظالم وخطر اجتماعياً وأن التمييز العنصري، هو انتهاك لحقوق الإنسان الأساسية واخلال بالعلاقات الودية بين الشعوب وبالتعاون بين الأمم وبالسلم والأمن الدوليين، وهو لا يقتصر على إيذاء الذين يستهدفهم، بل يمتدّ أذاه إلى ممارسيه، كما حدّد الاعلان هدف الأمم المتحدة الذي يتلخّص في بناء مجتمع عالمي متحرر من جميع أشكال العنصرية والتمييز العنصري. وفي 21 كانون الأول (ديسمبر) العام 1965 أصدرت الجمعية العامة قراراً برقم (2106) "الدورة العشرون" وهو عبارة عن اتفاقية دولية دعت فيه الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والأعضاء في أية منظمة من المنظمات الدولية المتخصصة المرتبطة بها أو أية دولة أخرى، الانضمام إليها لكي تصبح طرفاً فيها بالتوقيع والتصديق عليها. وتضمنت الاتفاقية ديباجة مطولة و(25) مادة. وقد عبّرت الديباجة عن التوجهات الأساسية للجمعية العامة، التي ينبغي أن تكون الأصل في ما يتعلق بمواقف الدول عموماً إزاء مسألة حقوق الإنسان. ومن هذه التوجهات: • إن البشر متساوون ويولدون أحراراً ولا ينبغي التمييز بينهم لأي اعتبار. • إن التمييز بين البشر بسبب العرق أو اللون أو الجنس يمثل عقبة حقيقية في سبيل تنمية العلاقات الودية والسلمية بين الأمم والشعوب والإخلال بالوئام بين الأشخاص الذين يعيشون جنباً إلى جنب، حتى في داخل الدولة الواحدة، كل ذلك إلى جانب أن وجود الحواجز العنصرية، يشكّل أمراً منافياً للمثل العليا لأي مجتمع إنساني. وحول تعريف التمييز العنصري قالت المادة الأولى: " كل تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفضيل يقوم على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الجنس ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها على قدم المساواة في الميدان السياسي أو الميدان الاقتصادي أو الميدان الاجتماعي أو الميدان القضائي أو أي ميدان آخر من الميادين العامة". ودخلت الاتفاقية حيّز التنفيذ في العام 1969 بعد أن صدّقت عليها أو انضمت إليها 27 دولة. وقد انضم إليها حتى الآن أكثر من ثلاثة أرباع أعضاء الأمم المتحدة. وتعتبر هذه الاتفاقية من أقدم اتفاقيات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وأوسعها نظاماً من حيث التصديق عليها. جدير بالذكر أن الأمم المتحدة واصلت دعواتها ومؤتمراتها بخصوص مكافحة العنصرية والتمييز العنصري. وذلك في السنة الدولية لمناهضة العنصرية والتمييز العنصري (1971) وخلال عقدين كاملين 1973-1983 و 1983-1993 عقدت مؤتمرين دوليين للغرض نفسه في جنيف العام 1978 والعام 1983، وتتوّج ذلك بعقد أكبر مؤتمر دولي لمناهضة العنصرية في ديربن (جنوب أفريقيا) في 31 آب (اغسطس)/8 ايلول (سبتمبر) العام 2001، وذلك بعد تحضيرات لمؤتمرات إقليمية أوروبية وأمريكية وأفريقية وآسيوية، وبينها مؤتمر تمهيدي انعقد في عمان ، وهو المؤتمر الذي نظمته المنظمة العربية لحقوق الإنسان برعاية الأمم المتحدة، وكان له فضل طرح موضوع عنصرية الصهيونية وممارسات " إسرائيل" (شباط /فبراير/2001). وفي مؤتمر ديربن كان للجنوب دور مهم في وضع جدول أعمال المؤتمر (بخلاف الكثير من المؤتمرات الدولية) وبخاصة لمؤسسات المجتمع المدني التي زاد حضورها على ثلاثة آلاف منظمة. ومن العلامات المميزة التي تجدر الإشارة إليها أن الآسيويين كانت إحدى شواغلهم مسألة الاتجار بالبشر وبخاصة النساء والأطفال، وانشغل الأفارقة بموضوع الاعتذار والتعويضات، وأخذ موضوع الأصول الأفريقية بالنسبة لأمريكا حيّزاً، وكان الهّم الأوروبي يتركز على ارتفاع موجات العنصرية وكراهية الأجانب. وتصدّر الموضوع الفلسطيني، وبخاصة العنصرية "الإسرائيلية"، أولويات الجانب العربي والإسلامي، خصوصاً المطالبة بتأمين حماية دولية للفلسطينيين وإعمال اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبخاصة الاتفاقية الرابعة بشأن المدنيين، والعمل على وقف بناء المستوطنات تمهيداً لتفكيكها، وتأكيد حق الشعب العربي الفلسطيني في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة. كما احتلّ موضوع دمغ الممارسات " الإسرائيلية" بالعنصرية بالاهتمام والاثارة وردود الفعل. لقد حاولت الولايات المتحدة أن تؤثر في المنظمات غير الحكومية بإطلاق العديد من التهديدات لمقاطعة المؤتمر، ومثلها فعلت "إسرائيل" وبعض الدول الغربية، وسعت لابتزاز بعض الدول والحكومات، بما في ذلك الضغوط التي قامت بها على المفوضية السامية لحقوق الإنسان وعلى السيدة ماري روبنسون، وبخاصة بعد تقريرها الصادر يوم 29/11/2000 عقب زيارتها للأراضي العربية المحتلة، والذي يبين أن السلطات "الإسرائيلية" لا تمارس شكلاً واحداً من أشكال العنصرية والتمييز العنصري، بل تمارس عدة أشكال في آن واحد. وإذا كان مؤتمر ديربن نصف انتصار مهم حققته مؤسسات المجتمع المدني العربية، الاّ أنه لم يؤدِ إلى التراكم المطلوب، حيث سرقت الأضواء منه بعد عدّة أيام أحداث 11 أيلول (سبتمبر) الارهابية التي حصلت في الولايات المتحدة، وانكفأ العرب، بعد إعلان الحملة الدولية لمكافحة الارهاب والتي أعقبها احتلال العراق في العام 2003، فما أن انعقد مؤتمر ديربن (الثاني) أو مؤتمر جنيف الرابع حول العنصرية في نيسان (ابريل) 2009، حتى وتمكّنت "إسرائيل" وخلفها واشنطن من استعادة زمام المبادرة، وعلينا الاعتراف من باب النقد الذاتي ونحن في ذكرى اليوم العالمي ضد العنصرية ومرور 12 عاماً على مؤتمر ديربن، إن "إسرائيل" تتعلم من دروسها، فهي لا تترك شاردة أو واردة الاّ وتدقق فيها وتعيد النظر بحساباتها، في حين نحن لم نستثمر البيئة الدولية المناسبة التي أنتجت قرارات ديربن الأولى. وعلى الرغم من الجهود المبذولة على النطاق العالمي لمكافحة العنصرية، الاّ أنها ما تزال موجودة بكثرة في ربوع العالم وتعاني منها الكثير من المجتمعات والأفراد، حيث يستمر الظلم والتمييز والاستعلاء، ناهيكم عن وجود نظام يمارس العنصرية كسياسة للدولة، وهو النظام الذي يرتكز على عقيدة عنصرية أدانتها الأمم المتحدة في قرارها 3379 الصادر في 10 تشرين الثاني (نوفمبر) 1975 والذي ألغي في العام 1991 بسبب اختلال موازين القوى الدولي. ولا يزال فايروس العنصرية مستشرياً بأشكاله القديمة والجديدة وإن لم يتم القضاء عليه سيظلّ يلوّث حياة البشر وعلاقاتهم الإنسانية سواءً على المستوى الدولي، أو الداخلي في الكثير من البلدان والمجتمعات، تلك التي تتعلق بالتمييز المؤسسي إلى العنف العنصري وجرائم الكراهية والعداء للأجانب والاتجار بالبشر، إلى مظاهر التطرّف والتعصب والتهميش وغيرها.
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لاهاي وهاجس العدالة!
-
نشيد موطني والأَخوَان فليفل
-
45 مليون لاجئ يؤرقون العالم
-
مكبّ النفايات الأمريكية
-
العدالة الانتقالية: مقاربات عربية للتجربة الدولية!
-
العدالة الانتقالية: عفو مستتر أم آلة انتقام؟
-
شرنقة الفصل السابع
-
دبلوماسية حقوق الإنسان
-
النهضة والمشروع النقدي
-
الزيوغانيفية ولعبة الكراسي
-
الاختفاء القسري قضية إنسانية
-
بصمات الفوضى وإرث الاحتلال
-
السويد والآذان !!
-
عن العدالة الانتقالية
-
الدستور مليء باختلالات وألغام انفجرت بعضها وستنفجر غيرها
-
عن الكرد والنجف والثقافة
-
الطائفية وانعكاسات الجغرافيا السياسية
-
التفكير الديني وفقه المعرفة
-
حكاية الحوار العربي- الكردي
-
المثقف ونقد الثورة
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية
/ هاشم نعمة
-
من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية
/ مرزوق الحلالي
-
الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها
...
/ علي الجلولي
-
السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق
...
/ رشيد غويلب
-
المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور
...
/ كاظم حبيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟
/ هوازن خداج
-
حتما ستشرق الشمس
/ عيد الماجد
-
تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017
/ الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
-
كارل ماركس: حول الهجرة
/ ديفد إل. ويلسون
المزيد.....
|