|
جهود التعويضات من المنظور الدولي
بابلو دي جريف
الحوار المتمدن-العدد: 4165 - 2013 / 7 / 26 - 19:27
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
جهود التعويضات من المنظور الدولي مساهمة التعويضات في تحقيق العدالة غير الكاملة مدير البحوث في المركز الدولي للعدالة الانتقالية بالرغم من الاهتمام المتزايد مؤخراً بموضوع التعويضات وتاريخه الطويل من العجيب أن هذه المسألة قد حظيت باهتمام يقل كثيراً عن الآليات الأخرى للعدالة الانتقالية. ومع ذلك نجد إلا عدداً قليلاً من الدراسات المعمقة حول التعويضات وعدداً أقل يقدم تحليلات مقارنة منهجية للإجراءات المختلفة للتعويضات والتي وضعت موضع التنفيذ في عددٍ كبيرٍ من البلدان في أعقاب صراع أو تحول ديمقراطي. وقد بدأت وحدة البحوث بالمركز الدولي للعدالة الانتقالية مشروعاً بحثياً طموحاً يسعى إلى تصحيح هذا الوضع[1]. وتلخص هذه الدراسة بعض نتائج هذا البحث[2]. إلاً أنه بدلاً من الاقتصار على عرض متسلسل لموجزات ملخصة لبعض الحالات الواردة في المشروع الأكبر(على أهمية ذلك في حد ذاته)، تمثل هذه الدراسة جهداً يسعى إلى منهجة بعض من التحديات الرئيسية التي تواجه المعنيين بوضع برامج تعويضات كبيرة. وعليه تعرض الدراسة بصورة موجزة خمسة من مجهودات التعويضات (1) ثم تعرض تصنيفاً لتلك الحالات بغرض إلقاء بعض الضوء على عدد من المتغيرات الهامة في وضع برامج التعويضات (2). وأخيراً تقدم الدراسة بعض التأملات الختامية حول مفهوم العدالة التي تسعى تلك البرامج إلى تحقيقها. وهكذا تنتقل الدراسة من صعيد الوقائع إلى الصعيد المعياري.[3] (1) إن التحدي الرئيسي في كتابة دراسة حول هذا الموضوع، بعد حل مشاكل جمع المعلومات، هو الاختيار من بين مجموعة كبيرة من الحالات. والحالات الخمس التي وقع عليها الاختيار توضح مدى اتساع نطاق البدائل المتوافرة لدى صانعي السياسات. فكل حالة تختلف اختلافاً كبيراً عن الأخرى من حيث كثير من العوامل مثل الموقع التاريخي، ونوع ومدى المساعدات المقدمة، وعدد المستفيدين من هذه البرامج، وأنواع الجرائم التي سعت تلك البرامج إلى رفع الضيم التي سببته، وطبيعتها البرنامجية وغير البرنامجية، وعلاقتها بالآليات القانونية الأخرى وبالدعاوى المدنية على وجه الخصوص. والحالات المتناولة هي حالة ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، وحالة التعويضات التي قدمتها الولايات المتحدة إلى المعتقلين الأمريكيين من أصل ياباني أثناء الحرب العالمية الثانية، وحالات البرازيل، والأرجنتين، وتشيلي. وفي هذا القسم سنقدم الحالات طبقاً لتسلسلها الزمني لسهولة العرض، أما في القسم الثاني، في عرضنا لنوع من التصنيف، سنرتبها على أساس محاور متعددة. 1- تعويضات الهولوكوست[4] لا أجد من المجدي في دراسة من هذا النوع أن نحاول بصورة مفصلة تتبع الجذور التاريخية لبرامج التعويضات التي تفيد ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان. غير أنه من الواضح أن التعويضات المقدمة "بعد الحرب" (post bellum) هي المصدر الأساسي. بيد أن التعويضات الألمانية المقدمة إلى ضحايا الهولوكوست تشكل علامة فارقة، ففي بعض المناحي عكست النموذج المألوف للتعويضات بين الدول وفي البعض الآخر شكلت أول نموذج للتعويضات المقدمة للأفراد. كما كانت أيضاً أول برنامج تعويضات يتم التفاوض حوله بمشاركة ما سيعرف لاحقاً بالمنظمات غير الحكومية. ومنذ ديسمبر/كانون الأول 2001 دفعت جمهورية ألمانيا الاتحادية حوالي 61,5 بليون دولار أمريكي (70 بليون يورو) على سبيل التعويضات، بما فيها 37،5 بليون دولار (42،5 بليون يورو) بمقتضى القوانين الاتحادية بشأن التعويضات الفردية[5]. نصت اتفاقية لكسمبرج لعام 1952، والتي تم الوصول إليها بين جمهورية ألمانيا الاتحادية ودولة إسرائيل المنشأة حديثاً وعدد من المنظمات غير الحكومية اليهودية، على التزام ألمانيا سن تشريعات وطنية تنص على التعويضات الفردية. وكانت القوانين الوطنية لعموم جمهورية ألمانيا الاتحادية والتي نصت على التعويضات (أعوام 1953 و1956 و1965) قد سبقها وهيأ لها عدد من القوانين الفردية التي سنت في المقاطعات الألمانية وقانون رد الحقوق لعام 1947 الذي وضعه الحلفاء وقانون التعويض الذي وضعته الولايات المتحدة الأمريكية في 1949 في المناطق التي احتلتها. وبالرغم من أن المستشار الأول لألمانيا الاتحادية، كونراد أديناور، طرح سياسة ألمانيا الغربية للتعويضات على أساس أخلاقي، فإن القبول الشعبي لهذا البرنامج (من المبالغة أن نتحدث عن تأييد شعبي في البداية) تفسره أيضاً أسباب سياسية مثل الحرص على المصالحة والاندماج مع الغرب ومنظمة حلف شمال الأطلسي. انقسم ممثلو إسرائيل بدورهم بشأن طلب التعويضات من ألمانيا الغربية. وكانت اتفاقية التعويضات قد نصت في قسم منها على تحويل رأس مال وبضائع من ألمانيا إلى إسرائيل تعيد إسرائيل بيع بعض منها، مما جعل الإسرائيليين في نظر معارضي التعويضات شركاء لجلاديهم السابقين. أما أنصار التعويضات فقد أقاموا حجتهم على أسس سياسية ودينية بما فيها الاحتياجات الاقتصادية للدولة الإسرائيلية حديثة النشأة وتعاليم التلمود التي تنص على عدم جواز تربح المجرم من وراء جريمته. وقد حرص المهندسون الرئيسيون لمفاوضات التعويضات على الحفاظ على الفصل الكامل بين الأسس القانونية للتعويضات من جانب واستحالة التكفير أخلاقياً عن الجرائم الألمانية والتي وضعت الأساس للتعويضات في المقام الأول. اتفاقية لكسمبرج لعام 1952 بعد حوالي ثمانية شهور من المفاوضات اتفق ممثلو إسرائيل وجمهورية ألمانيا الاتحادية ومؤتمر المطالبات[6] على الآتي: 1) تدفع جمهورية ألمانيا الاتحادية لدولة إسرائيل ثلاثة بلايين مارك ألماني أي ما يوازي 882 مليون دولار أمريكي بين عامي 1953 و1965. 2) توافق جمهورية ألمانيا الاتحادية في البروتوكول الأول على إنفاذ سلسلة من القوانين بشأن تقديم التعويضات إلى الضحايا الفرديين. 3) توافق جمهورية ألمانيا الاتحادية في البروتوكول الثاني على دفع 450 مليون مارك ألماني أي ما يوازي 107 مليون دولار أمريكي إلى مؤتمر المطالبات. وقد تم دفع هذا المبلغ على هيئة بضائع إلى إسرائيل والتي من ثم قامت بتحويل أموال إلى مؤتمر المطالبات[7]. وافقت إسرائيل على استخدام المدفوعات لشراء بضائع ألمانية من بين الأبواب التالية: 1) الحديد والصلب والمعادن غير الحديد. 2) منتجات صناعات الحديد والصلب. 3) منتجات الصناعات الكيماوية وغيرها من الصناعات. 4) المنتجات الزراعية والغذائية. 5) الخدمات والتكاليف الإدارية. كما وافقت ألمانيا أيضاً على توفير الثلث من مجموع الثلاثة بلايين والربعمائة والخمسين مليون مارك ألماني بالعملة الأجنبية من أجل شراء بترول من بريطانيا. وتتفق "لجنة مختلطة" من المسئولين الإسرائيليين والألمان المعينين على شراء بضائع غير ألمانية المنشأ وعلى أي تعديلات في جدول الدفعات المستحقة أو عمليات الشراء. وقد وزع مؤتمر المطالبات حصته السنوية على مختلف المنظمات اليهودية المعاونة مثل "اللجنة الأمريكية المشتركة للتوزيع" و"منظمة الإغاثة اليهودية للناجين". واعتماداً على شبكاتهم الخاصة أسست هذه المنظمات برامج للإغاثة الإنسانية (المعونات النقدية والعلاج أو الرعاية الطبية أو النفسية)، وبرامج ثقافية (برامج تبادل مع الجامعات الإسرائيلية)، وبرامج مساعدة للحالات غير الطارئة (الاهتمام بالأطفال وكبار السن). كما قدمت هذه المنظمات مساعداتها أيضاً إلى اليهود في فرنسا وبلجيكا وهولندا. قوانين التعويضات الفردية: القانون التكميلي الاتحادي لعام [8]1953، قانون التعويضات الاتحادي لعام [9]1956، القانون الاتحادي النهائي الخاص بالتعويضات لعام 1965[10] كان أول قانون اتحادي لعموم ألمانيا بشأن التعويضات الفردية قد نص على إجراءات التعويض ورسخ أهلية الحصول على التعويضات لمن تعرض للاضطهاد على يد الحزب الوطني الاشتراكي (النازي) بسبب رأيه السياسي أو عرقه أو ديانته. أما الأضرار الناجمة عن أي سبب غير الاضطهاد فلم تكن أهلاً للتعويض، غير أن الضحايا كان يمكنهم المطالبة بالتعويض عن الضرر الواقع على مهنتهم أو أملاكهم نتيجة للاضطهاد وإن لم يقع عليهم ضرر جسدي أو نفسي. وكان التعويض مقصوراً على المواطنين الألمان السابقين واللاجئين وعديمي الجنسية (طبقاً لتعريف اتفاقية جنيف). وكان على طالبي التعويض أن يثبتوا وقوع الاضطهاد عليهم وفقاً "لإجراءات معتمدة رسمياً" وهو ما كان معياراً صعب الوفاء به نظراً لأجواء العداء العام والمنتشر للأجانب في الرايخ الثالث[11]. وكان على الضحايا أن يتقدموا بمطالباتهم الفردية إلى وكالات التعويض في الأقاليم الألمانية، وإذا ما اختلف الطالب مع الوكالة جاز له أن يعترض على التسوية أمام محاكم الإقليم أولاً ثم محاكم الاستئناف وأخيراً المحكمة الاتحادية العليا. وفي إطار مسار الوصول إلى قرار كانت الأولوية تعطى لمقدمي الطلبات ممن تجاوزوا الستين و المحتاجين والمرضي والمعاقين الذين تقلصت قدرتهم على كسب العيش بنسبة 50% على الأقل[12]. وكان يمكن لمقدمي الطلبات أن يسعوا في نفس الوقت للحصول على التعويض وفقاً للتصنيفات المختلفة للاضطهاد (الضرر الحاصل للحياة أو الجسد أو الصحة أو الحرية، والضرر الحاصل للممتلكات والأصول، والضرر الحاصل للمهنة والتقدم الاقتصادي) من يناير/كانون الثاني 1933 إلى 8 مايو/آيار 1945. التعويض عن الحياة: جاز للأرامل والأبناء والأقارب المعولين التقدم بطلب معاش بناء على مقتل عائل الأسرة، وذلك على أساس المبلغ المدفوع لعائلات الموظفين العموميين الذين ماتوا في حوادث أثناء تأديتهم لعملهم الرسمي، وهو مبلغ يتوقف على مدة خدمة الموظف[13]. وكان أساس تحديد فئة تعويض الموظف العمومي هو الدخل المتوسط الذي حصل عليه في السنوات الثلاث الأخيرة قبل وفاته، وهو ما شكل بدوره أساس تحديد المعاش المطلوب. وكان من حق الطالبين أيضاً الحصول على مبلغ يدفع بأكمله على قسط واحد يحدد على أساس المعاش الشهري مضروباً في عدد الشهور المنقضية بين وفاة الواقع عليه الاضطهاد وبدء صرف الدفعات السنوية. وقد وسّع قانون عام 1965 من نطاق أهلية الحصول على التعويضات لفقدان الحياة بتغطيته للوفيات الواقعة على مدى ثمانية شهور بعد تاريخ 8 مايو/آيار 1945. وعلى نفس المنوال تم إعمال باب فقدان الحياة هذا لصالح الأحياء من أقارب من ماتوا بسبب أذى للجسد أو الصحة نتيجة للاضطهاد وإن وقعت الوفاة بعد فترة السماح المحددة بثمانية شهور[14]. وقد دفعت الحكومة الألمانية في الفترة منذ ديسمبر/كانون الأول عام 2001 حوالي 3,5 بليون دولار (3،9 بليون يورو) في مطالبات تعويض عن الحياة[15]. وفي عام 2001 كان المعاش الشهري وفقاً لهذا الباب حوالي 697 دولاراً (792 يورو). التعويض عن الصحة: كان من حق المطالبين الحصول على الرعاية الطبية في حالة الضرر "غير البسيط"[16] للصحة أو النفسية. أما للحصول على تعويضات تتجاوز توفير الرعاية الطبية، مثل الحصول على معاش شهري، فقد كان على المطالبين أن يثبتوا أن الاضطهاد الواقع عليهم سبب مشاكل صحية أدت إلى تقليص قدرتهم على كسب العيش بنسبة 30% على الأقل. وقد اعتمد الأطباء في كثير من الأحيان على جداول للتحديد الكمي للضرر، فمثلاً فقدان عين يمثل فقدان القدرة على كسب العيش بنسبة 30% وفقدان ذراع يشكل نسبة عجز 50%[17]. وتم قياس انخفاض القدرة على الكسب باستخدام متوسط دخل الضحية في السنوات الثلاث السابقة لوقوعه تحت الاضطهاد معياراً[18]. ومن ثم يتم توفيق نسبة العجز عن الكسب ونسبة معينة من دخل الموظفين العموميين، على سبيل المثال كان يحق للطالب الذي يعاني من نسبة عجز تتراوح بين 30% و39% الحصول على نسبة تتراوح بين 15% و 40% من معاش التقاعد للإعاقة الذي يحصل عليه فئة الموظفين العموميين المحددة في حالته. وبالنسبة للفترة بين وقوع الإصابة (أو العجز عن الكسب) وبدء صرف الدفعات السنوية كان يحق للطالبين الحصول على مبلغ يدفع بأكمله على قسط واحد يحدد كما يحدد نفس المبلغ في حالات التعويض عن الحياة. وفي 1956 تم تخفيض نسبة الثلاثين بالمئة عجزاً عن كسب العيش اللازمة للمطالبة بالتعويض النقدي إلى 25%. وتم توفير مبالغ لمساعدة الطالبين المحتاجين إلى العلاج الجسدي. وفي عام 1965 يسّر القانون إلى حد كبير العبء الواقع على الطالبين لإثبات أن الأضرار الواقعة بصحتهم ناجمة عن سابق اضطهادهم. ونص القانون على افتراض أنه إذا ما كان الطالب قد احتجز لمدة عام في معسكر اعتقال يمكن لمشاكله الصحية اللاحقة على ذلك أن تعزى إلى الاضطهاد الواقع عليه في ظل النظام النازي. وقد دفعت الحكومة الألمانية منذ ديسمبر/كانون الأول 2001 حوالي 21،8 بليون دولار (24,7 بليون يورو) في مطالبات متعلقة بالصحة[19]. وفي عام 2001 كان متوسط المعاش المصروف لهذه الفئة حوالي 450 دولاراً (510 يورو) بالشهر. التعويض عن الأضرار الواقعة بالحرية: كان على الطالبين حتى يستحقوا الحصول على تعويض أن يكونوا قد خضعوا للظروف المنصوص عليها في قانون عام 1953 المادة 16 والتي تشمل الاحتجاز في سجن سياسي أو حربي، أو الاحتجاز في معسكر تجميع، أو الاحتجاز للتحقيق أو العقاب، أو الإقامة الجبرية بأحد الجيتوات. كما شمل القانون أيضاً العمل القسري طالما كان الواقع عليه الاضطهاد يعيش في ظروف شبيهة بظروف السجن. وكان من حق الطالبين الحصول على 150 ماركاً ألمانياً (حوالي 35 دولاراً في ذلك الوقت) عن كل شهر قضوه في الحبس[20]. وفي 1956 تم توسيع هذا الباب ليشمل الطالبين الذين فرض عليهم ارتداء نجمة داوود أو العيش "تحت الأرض" في ظروف غير إنسانية. وقد دفعت الحكومة الألمانية منذ ديسمبر/كانون الأول 2001 حوالي 1،27 بليون دولار (1،4 بليون يورو) في مطالبات خاصة بالأضرار الواقعة على الحرية[21]. التعويض عن الممتلكات والأصول[22] والضرائب التمييزية: كان من حق الطالبين الحصول على تعويض عن الأضرار الواقعة للممتلكات والأصول المفقودة نتيجة للمقاطعة أو دفع ضرائب تمييزية مثل ضريبة "الفرار من الرايخ."[23] وكان ينبغي أن يكون فقدان الممتلكات قد حدث نتيجة لفرار الطالب أو هجرته من ألمانيا أو "أن يكون قد سلبت حريته." وكان الحد الأقصى (بما شمل الفئات الثلاث) 75000 مارك ألماني، أي ما يوازي 18750 دولاراً في ذلك الوقت[24]. وضمن هذا المبلغ يكون الحد الأقصى للمطالبات بالتعويض عن الممتلكات الشخصية 5000 مارك أو مبلغاً يساوي مرة ونصف الراتب السنوي الحاصل عليه الضحية سنة 1932. وفي 1956 قسمت هذه الفئة إلى ثلاثة تبويبات فرعية مستقلة كل منها له سقف تعويضات منفصل (هذا غير الضرائب التمييزية والتي رفع عنها الحد الأقصى). فبالنسبة للممتلكات كان لطالبي التعويض أن يطالبوا بقيمة بدل هذه الممتلكات على ألاّ تزيد على 75000 مارك. وينص القانون أيضاً على حالات أخرى تصح فيها المطالبة بالتعويض عن الممتلكات منها تعرض الضحية إلى الطرد أو الترحيل أو الإجبار على الفرار والعيش في ظروف غير إنسانية. وبالمثل كان للمطالبات المتعلقة بالأصول حد أقصى هو 75000 مارك. ومن ديسمبر/كانون الأول 2001 دفعت الحكومة الألمانية ما يقرب من 568 مليون مارك (645 مليون يورو) في مطالبات خاصة بالتعويض عن الممتلكات والأصول والضرائب[25]. التعويض عن الأضرار الواقعة على المهنة أو التقدم الاقتصادي: كان لمن عملوا في مهن حرة أو توظفوا في القطاع الخاص (أو من كانوا يعيلونهم من أقارب) أن يطالبوا بتعويض بحد أقصى 25000 مارك (أو ما يقرب من 6250 دولاراً في ذلك الوقت) عن الفترة منذ وقوع الاضطهاد (مثل الفصل أو الحد من مهام العمل) وحتى الأول من يناير/كانون الثاني عام 1947، وهو التاريخ الذي اعتبر أن الضحايا ستتوفر لهم فيه أسباب العيش الكريم. وتم تحديد مبلغ التعويض على أساس حد أدنى يساوي ثلثي الراتب الممنوح لدرجة وظيفية حكومية محددة في نفس الفترة. وفي نفس الوقت، إن عجزَ أحد الضحايا عن استئناف عمله كان له أن يحصل على معاش تقاعدي مبكر يساوي ثلثي معاش الدرجة المعنية من الموظفين العموميين. كما توفرت أيضاً بعض التسهيلات الأخرى للضحايا ممن فقدوا مهنتهم، منها تقديم قرض بحد أقصى قدره ثلاثون ألف مارك ألماني لاستئناف أعمالهم أو تجارتهم، بالإضافة إلى إعادة الاعتراف المهني بهم أو تسجيلهم من قبل السلطات المعنية. كما جاز للضحايا أن يطالبوا بالمساعدة على تحصيل ما فاتهم من التعليم بحد أقصى 5000 مارك، وإن كان هذا السقف قد رفع لاحقاً في تعديل 1965 إلى عشرة آلاف مارك (أي حوالي 1250 دولار في ذلك الوقت)[26]. أما تعويض الموظفين العموميين الذين تعرضوا للاضطهاد فقد خضع لقانون مستقل كان قائماً بالفعل منذ 1951[27]. وفي 1956 تم تيسير الأحكام لتسهيل الفرصة أمام طالبي التعويض من العاملين بالمهن الحرة أو القطاع الخاص لاختيار الحصول على معاش ثابت بدلاً من تسلم مبلغ يدفع بأكمله على حصة واحدة إن شاءوا[28]. كما رفع الحد الأقصى الشهري من خمسمائة إلى ستمائة مارك. وتم التحديد الكمي لاستحقاق التعويض عن المهنة بالعجز عن كسب العيش بنسبة 25% على الأقل بالنسبة للعاملين بالمهن الحرة أو بالقطاع الخاص. كما رفع الحد الأقصى للمطالبات الخاصة بالتعويض عن التعليم إلى 10000 مارك (حوالي 1250 دولاراً في ذلك الوقت)[29]. ومنذ ديسمبر/كانون الأول 2001 دفعت الحكومة الألمانية ما يقرب من 8,8 بليون دولار (9,9 بليون يورو) في مطالبات خاصة بالأضرار الواقعة على المهنة أو التقدم الاقتصادي[30]. كما أن القانون النهائي لعام 1965 قد أنشأ بالإضافة إلى ذلك "صندوق مساعدة المعسرين" برأسمال 1,2 بليون مارك (أي 300 مليون دولار أمريكي في ذلك الوقت) لمساعدة اللاجئين من أوروبا الشرقية والذين لم يستحقوا التعويض من قبل في ظل قانون البوندستاج، وهم بالأساس مهاجرون من 1953 إلى 1965. وقد وزع الصندوق مبالغ تدفع على حصة واحدة تبدأ من 1000 إلى 3000 مارك وفقاً للضرر الواقع[31]. ملاحظات ختامية: إن أهول الجرائم المرتكبة في الهولوكوست تبرز بجلاء الاستحالة المطلقة لرد الحق كاملاً (restitutio in integrum)، أي تعويض كل ضحية بما يتناسب والضرر الذي عانوه. ولم يحاول أي من القوانين ذلك. وفي غياب أية معايير أخرى للتعويض الناجع ظلت هذه القوانين هدفاً للنقد بأنها ما قدمت إلاّ أقل القليل وبعد فوات الأوان. ومن ناحية أخرى يركز انتقاد آخر أكثر جدية على المستبعدين من القانون النهائي وهم فئات كبيرة من الضحايا منها: 1) كل من وقعوا للاضطهاد خارج ألمانيا على يد فرق الإعدام الألمانية، والذين ببقائهم في بلدانهم لم يوفوا بشرط القانون فيما يتعلق بضرورة الإقامة في ألمانيا، 2) عمال السخرة، 3) ضحايا التعقيم الإجباري، 4) من أطلق عليهم وصف "العناصر المنحرفة في المجتمع"[32]، 5) الشيوعيون، 6) الغجر، 7) المثليون جنسياً. وقد غطت بعض التشريعات اللاحقة بعض هذه المجموعات[33]. وبالرغم من أوجه القصور هذه وغيرها (مثل المتطلبات الإجرائية وشروط الإثبات والتي تم التيسير منها مع الوقت) تظل جهود التعويض الألمانية مدعاة للإعجاب للعديد من الأسباب، منها: أولاً طبيعتها المبتكرة، حيث أنه لم توجد لها سابقة تاريخية واضحة، وثانياً لعدد المستفيدين منها وتوزعهم الجغرافي، وثالثاً لكم المساعدات التي وزعت على المستوى الكلي العالمي، وإن كان للشكوى من صغر حجم المساعدات على المستوي الجزئي الفردي ما يبررها. ومن خلال تلك البرامج صرف ما يربو على 37,5 بليون دولار تعويضات فردية لما يزيد على مليوني منتفع في أكثر من سبعين دولة[34]. وهذه الأرقام تجعل التعويضات الألمانية الأكثر طموحاً في التاريخ. وكون هذا الجهد ما هو إلا جزء مما سعت ألمانيا إلى القيام به للاعتراف بالمسئولية عن ماضيها يعيننا على تفسير ما يعتبر تحولاً هائلاً في النظرة إلى ألمانيا في السياق الدولي. 2- تعويضات الولايات المتحدة الأمريكية إلى الأمريكيين من أصل ياباني الذين اعتقلوا أثناء الحرب العالمية الثانية[35] في 19 فبراير/شباط 1942، أي بعد بضعة أسابيع من قصف "بيرل هاربر"[36]، وقع الرئيس الأمريكي روزفلت القرار التنفيذي رقم 9066 مخولاً إبعاد "كل وأي شخص" من المناطق التي يعتبرها وزير الحربية والقادة العسكريون "مناطق عسكرية" تحتاج إلى هذا النوع من الحماية. وخول الرئيس الأمريكي استخدام القوات الفدرالية في تنفيذ هذا القرار. وفي 21 مارس/آذار 1942 أصدر الكونجرس الأمريكي القانون العام رقم 503 ناصاً على تجريم مخالفة الأوامر العسكرية. وبالرغم من أن اليابانيين لم يأت ذكرهم لا في القرار التنفيذي ولا في القانون العام، إلا أن هذين المعيارين القانونيين قد أديا إلى احتجاز 120000 أمريكي من أصل ياباني لا ذنب لهم (منهم ما يزيد على 70000 مواطن أمريكي). وهكذا دفع فرعان من فروع السلطة بدولاب ظلم جسيم حظي من بعد بمباركة القضاء أيضاً في ثلاث قضايا اشتهرت لإجحافها وهي قضايا ياسوي وهيراباياشي وكوريماتسو. وغني عن البيان أن الاحتجاز، والأمر التنفيذي والقانون العام اللذين قادا إلى الاحتجاز، علاوة على الأحكام القضائية التي سوغته، كانت تتمة لعملية بدأت قبل فترة طويلة. ففي الثلاثينات كانت وزارة العدل قد وضعت قائمة تضم ألفي ياباني مقيم في الولايات المتحدة ممن اعتبرتهم خطراً، وضمت تلك القائمة أسماء رجال أعمال وقادة مدنيين ومدرسي لغات ورهبان بوذيين ومدربي فنون القتال. كما قامت الحكومة الفدرالية بعدد من الدراسات عن ولاء اليابانيين الأمريكيين، وفي مارس/آذار 1941 وضعت وزارتا العدل والحربية خطط طوارئ خاصة لوضع الأجانب من مواطني العدو قيد الحجز العسكري للاعتقال الدائم.[37] وما هي إلا أيام ثلاثة بعد صدور القانون العام رقم 503 حتى بدأ الفريق جون ديويت، رئيس قيادة الدفاع الغربية، إصدار سلسلة من 108 أوامر إبعاد مدنيين، أدت إلى اعتقال أعداد هائلة من المواطنين والأجانب المقيمين. وأعطي للأمريكيين اليابانيين مهلة سبعة أيام للإخلاء وأجبروا على ترك بيوتهم وأعمالهم وتجارتهم، ولم يسمح لهم بأخذ إلا ما استطاعوا حمله من ممتلكات. وبعد ذلك أرسلوا إلى واحد من ستة عشر مركزاً من مراكز التجميع أدارها الجيش، وبعد ذلك إلى واحد من ثلاثة عشر "معسكر" احتجاز دائم أدارتها وكالة مدنية اسمها "هيئة إعادة التوطين في الحرب" والتي كانت قد أنشئت أيضاً بقرار تنفيذي. وهناك بقوا لسنوات وراء الأسلاك الشائكة يراقبهم الحرس المسلحون. وقد تفرق شمل بعض الأسر ومن المحتجزين من فقدوا بيوتهم وتجارتهم وأعمالهم وممتلكاتهم. ولم توجه إلى أي من المحتجزين أية تهمة ولم يمنحوا فرصة التعبير عن أنفسهم في جلسة استماع ناهيك عن المحاكمة. لم يرتكب الأمريكيون اليابانيون عملاً من أعمال التجسس أو التخريب أثناء الحرب. لقد بالغت المؤسسة العسكرية في الخطر الممكن الذي شكلته تلك المجموعة من السكان، والسلطتان التنفيذية والتشريعية تصرفتا بناءً على هذه المخاوف، أما السلطة القضائية فتخلت عن دورها كمدافع عن الحقوق الأساسية. ومرة أخرى أطاحت الحرب والخوف الناجم عنها حقوق الأفراد الأساسية. لقد تطورت عملية الاعتقال على مراحل وتم تجاهل العديد من الفرص التي سنحت لوضع حد لها. في البدء فرض على الأمريكيين اليابانيين حظر تجوال ليلي. بعد ذلك تم إبعاد ذوي الأصول اليابانية من المناطق المحمية. وأخيراً، خلقت الأوامر شروط الاحتجاز المستمر، دون النص عليها صراحة. في 1942 وبعيد إصدار أمر حظر التجوال بالليل طالب مينورو ياسوي الشرطة في بلدته بورتلاند بولاية أوريجون بإلقاء القبض عليه لخرقه حظر التجوال. في نهاية الأمر أدانته المحكمة وصادقت المحكمة الأمريكية العليا على إدانته[38]. وبعد ذلك بفترة لم تطل أدين جوردون هيراباياشي بتهمة خرق حظر التجوال ومخالفة أمر الإبعاد في مدينة سياتل بولاية واشنطن، وصادقت المحكمة الأمريكية العليا على إدانته فيما يتعلق بحظر التجوال وإن لم تبت في إدانته بتهمة مخالفة أمر الإبعاد[39]. وفي نفس الشهر تم القبض على شخص يدعى فريد كوريماتسو في مدينة سان لياندرو بولاية كاليفورنيا، وبالمثل صادقت المحكمة الأمريكية العليا على إدانته[40]. وكانت استراتيجيات الدفاع في هذه القضايا الثلاث منسقة بصورة عامة. فقد حصلوا على المساعدة من الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية ورابطة المواطنين الأمريكيين اليابانيين. واعترضوا على التهم على أساس "الحماية المتساوية" (والتعديل الدستوري الخامس الخاص بصحة الإجراءات القانونية) دون جدوى، فقد انحنت المحكمة أمام تأكيدات الحكومة بالضرورة العسكرية لهذه الإجراءات. وبقي الأمر إلى أواخر الستينات حين بدأت حملة لتعويض الأمريكيين من ذوي الأصول اليابانية حركها بالأساس ضحايا من الجيل الثاني، ولم يتم إحراز أي تقدم حتى الثمانينات. وعلى الصعيد القانوني رفع ياسوي وهيراباياشي وكوريماتسو دعوى coram nobis أي دعوى تستهدف الحصول على إعلان قضائي بوقوع الظلم عليهم، لا بتعويضهم مادياً، وعليه إعادة فتح ملفات قضايا وقت الحرب. استخدم كوريماتسو وثائق حكومية رفع عنها الحظر أثبتت الآتي: أ) أجهزة المخابرات أكدت بما لا يدع مجالاً للشك لوزارتي العدل والحربية أن الأمريكيين اليابانيين في الساحل الغربي لا يمثلون أي خطر جدي وأنه ليس هناك ما يبرر احتجازهم. ب) اللواء ديويت اتخذ قراره بالاعتقال بناءً على تصورات عرقية نمطية جاهزة. ج) المؤسسة العسكرية ووزارتا العدل والحربية أخفت ودمرت أدلة في عام 1944 أثناء نظر المحكمة العليا قضية كوريماتسو. ومن ثم منحت المحكمة كوريماتسو قرار coram nobis[41]. وفعلت نفس الشيء حينما أعادت نظر قضيتي هيراباياشي وياسوي[42]. وتلى ذلك خطوة أخرى هامة على صعيد القضاء هي رفع دعوى جماعية لتعويض المعتقلين عن حريتهم وأملاكهم المفقودة. ففي مارس/آذار 1983 رفع ويليام هوري دعوى قضائية مفصلاً فيها واحداً وعشرين ضرراً قانونياً حل بالمعتقلين طالباً 10000 دولار تعويضاً عن كل انتهاك، وهو ما مجموعه 24 بليون دولار تعويضاً للمجموعة ككل. وبالرغم من أن الدعوى رفضت على أساس السقوط بالتقادم إلا أن هذا الرفض لم يأت إلا في عام 1988. وفي تلك الأثناء لعبت الدعوى دوراً هاماً في رفع الوعي، بل ربما فاق ذلك في الأهمية أن ضخامة مبلغ التعويض المطلوب كان حافزاً كبيراً للسلطتين التشريعية والتنفيذية على الانتهاء من جهودهما في هذا الصدد[43]. وكانت السلطتان التشريعية والتنفيذية بالفعل قد اتخذتا خطوات أولية هامة قبل رفع الدعوتين. وفي عام 1976 (الذكرى المئوية الثانية للثورة الأمريكية) ألغى الرئيس جيرالد فورد القرار التنفيذي رقم 9066 الذي كان روزفلت قد أصدره معلناً: "نحن الآن نعلم ما كان ينبغي لنا أن نعرف آنئذ – ليس فقط أن الإخلاء كان خاطئاً، بل أن الأمريكيين اليابانيين كانوا ولازالوا أمريكيين مخلصين." وعلى الصعيد التشريعي أنشأ الكونجرس بقانون رقم 5499 باقتراح مجلس النواب "اللجنة المعنية بإعادة التوطين واحتجاز المدنيين زمن الحرب" في عام 1979. واستمعت اللجنة إلى 750 شاهداً وعقدت جلسات استماع في عشر مدن أمريكية. أصدرت اللجنة في عام 1983 تقريراً كان له عظيم الأثر بعنوان "العدالة الشخصية الممنوعة"، ولم يسهم التقرير في إثبات الوقائع التي تشكل أساساً للتعويض فحسب بل إنه أوصى الحكومة صراحة بالاعتذار وتقديم التعويضات للضحايا الباقين على قيد الحياة. وفي العاشر من أغسطس/آب عام 1988 صدر "قانون الحريات العامة لعام 1988" بعد سنوات من التحضير والتأييد الواسع من العديد من المجموعات. وأنشأ هذا القانون "مكتب إدارة رفع الضرر" في إطار وزارة العدل بغرض تولي برامج التعويضات. وألزم القانون رئيس الجمهورية بالاعتذار الرسمي، وقرر تعويضات بقدر 20000 دولار لكل من الضحايا الباقين على قيد الحياة[44] ممن كانوا مواطنين أمريكيين أو أجانب مقيمين بصورة شرعية في الولايات المتحدة وقت اعتقالهم[45]، كما أنشأ "مجلس صندوق التعليم العام للحريات المدنية" لتولي الإشراف على الدراسات المعنية بموضوع الاحتجاز والنشاطات الخاصة برفع الوعي العام به[46]. ومنح القانون مكتب إدارة رفع الضرر عشر سنوات لإنهاء مهمته. وفي 1991 بدأ إرسال خطابات تحوي اعتذاراً من رئيس الجمهورية وكذلك شيكاً بمبلغ التعويض واستمر هذا حتى 1998. وتلقى هذه الخطابات أكثر من 82250 من ذوي الأصول اليابانية المعتقلين زمن الحرب، وتم دفع ما يزيد على 1,6 بليون دولار تعويضات. ملاحظات ختامية: تعد هذه الحالة بوجه عام مثالاً ناجحاً. غير أننا لا يمكننا أن نعزو أي نجاح حققته إلى وفائها بمعايير رد الحق كاملاً (restitutio in integrum) ، فالأضرار المادية التي لحقت المحتجزين وحدها تبلغ أضعاف المبالغ التي حصلوا عليها في النهاية. بل إن المبالغ المدفوعة لا تشكل إلا أقل من عشر التعويض المطالب به في القضية الجماعية التي رفعها هوري نيابة عن الضحايا. ويجب علينا أن نضع في الاعتبار بعض السمات الخاصة بهذه الحالة. فأولاً كانت مدة طويلة من الزمن قد انقضت منذ ارتكاب الانتهاكات وحتى وضع برنامج التعويضات موضع التنفيذ. فقد مرت 33 سنة بين إطلاق سراح المعتقلين ودفع التعويضات. وثانياً كانت مجموعة المستفيدين سهلة التعيين لكونهم مجموعة عرقية. وثالثاً لم تعد الجماعة ككل تثير أي نوع من العداء السياسي. ورابعاً عندما نظر في أمر البرنامج كان أعضاء الجماعة قد اندمجوا في المجتمع الأمريكي تماماً، مما قلل من احتياجاتهم وجعل من الممكن خلق عملية سهلة نسبياً لا تسعى إلى توزيع حزمة معقدة من الخدمات والمساعدات. وخامساً هذه الحالة وقعت في بلد غني في ثروته وبمؤسساته. ومعظم هذه العوامل تغيب عن حالات التعويض الأخرى الأقرب إلى المألوف. ويمكننا القول بأن نجاح هذا البرنامج يمكن أن يعزى إلى كونه قد حقق أحد الأهداف الذي ينبغي في نظري أن يسعى إلى تحقيقه أي برنامج للتعويضات ألا وهو الإقرار بالظلم الواقع على الضحايا. وقد تحقق ذلك من خلال اعتذار رئيس الجمهورية الذي وجه إلى كل شخص بعينه والنقاشات العامة حول محنتهم التي عانوها علاوة على التعبير عن الإدراك الاجتماعي والقانوني في أمريكا أي التعويض النقدي. 3- الأرجنتين[47] من الجائز أن تكون جهود التعويضات الأرجنتينية قد اشتهرت بضخامة حجمها أكثر من أي شيء آخر. فوفقاً للمعايير الدولية تعتبر تلك التعويضات بالفعل كبيرة بصورة استثنائية. أما كون التعويضات ما تزال تثير الخلافات الحادة في البلد، فهذا يدل (إن احتجنا لدليل!) على أن الضخامة وحدها لا تسوي الخلافات حول التعويضات. تأسست اللجنة الوطنية المعنية بالمختفين ("كوناديب" اختصاراً بالإسبانية) على يد الرئيس ألفونسين في الخامس عشر من ديسمبر/كانون الأول 1983، أي بعد خمسة أيام فقط من توليه الرئاسة[48]. وكما يوحي اسمها تأسست اللجنة كرد فعل على حالات الاختفاء الهائلة العدد التي وقعت في البلد ليس فقط في سنوات الحكم العسكري بل وقبلها. وبالفعل فقد أعلنت حالة الطوارئ في ظل حكومة ماريا إستيلا مارتينيز دي بيرون في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 1974، أي قبل الانقلاب العسكري في 24 مارس/آذار 1976.[49] واتساقاً مع تركيزه على الضحايا واستتباعات حالات الاختفاء أوصى تقرير الكوناديب النهائي بالآتي: "اتخاذ الإجراءات اللازمة لتلقي أبناء أو أفراد عائلات الأشخاص الذين اختفوا أثناء القمع للمعونات الاقتصادية والمنح التعليمية والمساعدات الاجتماعية وفرص العمل. وفي نفس الوقت يجب اتخاذ الإجراءات اللازمة لمجابهة مختلف المشكلات الأسرية والاجتماعية الناجمة عن الاختفاء القسري لهؤلاء الأشخاص."[50] وبالنظر إلى المشكلات الكامنة في صلب هذه الجهود، لا نستغرب أنه لم يبدأ بإجراءات صرف التعويضات إلى ضحايا حوادث الاختفاء. وبالفعل فقبل صدور تقرير الكوناديب بفترة طويلة، وبعد تولي ألفونسين الرئاسة بثلاثة أشهر فقط، صدرت سلسلة من القوانين بهدف إعادة الموظفين العموميين من مختلف الدرجات إلى أعمالهم والذين كانوا قد فصلوا لأسباب سياسية أو تعويضهم عن مزايا التقاعد التي حرموا منها[51]. أما القانون رقم 23,466 والذي قدم لأرامل وأبناء المختفين قدراً متواضعاً من المساعدة، فقد تأخر صدوره حتى 30 أكتوبر/تشرين الأول عام 1986، أي بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من رئاسة ألفونسين وسنتين من صدور تقرير الكوناديب. وكان المنتفعون من القانون أرامل المختفين (طالما عاشوا سوياً خمس سنوات على الأقل وحتى وقت الاختفاء) وأبناءهم الأقل من 21 سنة (إلا إن كانوا معاقين فيحصلون على معاش مدى الحياة)[52] واليتامى الذين عاشوا مع أسرة الضحية قبل الاختفاء ووالدي المختفي واخوته إن كانوا غير قادرين على العمل ولا يحصلون على أي معاش أو مساعدات أخرى. وبدا أن القانون استهدف الاستجابة إلى محنة أرامل وأبناء المختفين لا الوفاء بالمعايير القانونية مثل معيار تناسب التعويض والضرر الواقع. وما قدمه القانون، في البداية، كان نصف الحد الأدنى للرواتب لكل منتفع. وعليه فإن الأم والطفل على سبيل المثال لم يحصلا معا إلا على ما يوازي الحد الأدنى للرواتب. ومن ثم تم تغيير وحدة حساب المساعدات بناءً على طلب المنتفعين وأصبحت الحد الأدنى للمعاش التقاعدي للعامل، أي حوالي 200 دولار بالشهر. كما مُنح المنتفعون تأميناً طبياً شاملاً الدواء من خلال مؤسسة الخدمات الاجتماعية للمتقاعدين وأصحاب المعاشات. وبالرغم من ضآلة المساعدات التي قدمها ذلك القانون إلا أن موضوع التعويضات عن حالات الاختفاء انحسر عنه الضوء لفترة. ولا يمكننا أن ننسى أن تلك السنوات كانت سنوات غليان في الأرجنتين. صحيح أن محاكمات الطغمة العسكرية الحاكمة والتي انقسم حولها البلد قد انتهت[53]، إلا أن الفترة الوجيزة التي وقف فيها الجيش موقف عدم التدخل كانت أيضاً قد انقضت وعليه وقعت أربع محاولات انقلاب على أيدي عناصر من الجيش من 1984 إلى 1986. مما أدى إلى إصدار قانونيين اشتد الخلاف عليهما هما "قانون الحد النهائي" و"قانون واجب الطاعة" واللذين سعيا إلى الحد من توجيه الاتهامات إلى أفراد الجيش بوضع حد نهائي لرفع دعاوى قانونية جديدة وبإعفاء الذين ارتكبوا الجرائم تنفيذاً للأوامر من المسئولية[54]. واتسعت الأزمة لتشمل الاقتصاد أيضاً، ولما أصبحت أزمة عامة للحكم قرر ألفونسين وضع حد مبكر لرئاسته مفسحاً الطريق لكارلوس منعم الذي تولى الرئاسة في 9 يوليو/تموز عام [55]1989. وبالرغم من أن القانونين المذكورين قد منعا إمكانية رفع دعاوى جنائية ضد منتهكي حقوق الإنسان كان من أوائل قرارات كارلوس منعم كرئيس للجمهورية منح عفو رئاسي لعناصر الطغم العسكرية الذين أدينوا علاوة على بعض كبار المسئولين العسكريين الماثلين أمام القضاء في ذلك الوقت. كما عفا عن بعض قادة المنظمات المسلحة المقدمين للمحاكمة[56]. وفي هذا السياق استؤنفت النقاشات حول التعويضات، حفزها بعض الدعاوى المرفوعة أمام المحاكم الأرجنتينية والحالات المقدمة إلى اللجنة الأمريكية لحقوق الإنسان، تعلقت معظمها بحالات سجن دون وجه حق. ولم تنجم عن الدعاوى المرفوعة أمام القضاء المحلي نتائج "مبهرة"، فعندما وصل بعضها إلى المحكمة العليا صادقت المحكمة على قرار المحاكم الأدنى بعدم النظر في الدعاوى على أساس السقوط بالتقادم[57]. وكان عدد من المدعين قد تقدم بدعواه إلى المنظومة الأمريكية لحقوق الإنسان[58]. وفي نهاية الأمر توصلت الحكومة إلى اتفاق مع هؤلاء المدعين تضمن بصورة دقيقة عرضاً للقرارات التي ستؤدى إلى تأسيس إجراءات التعويض المتاحة ليس فقط لأفراد هذه المجموعة بل لمجموعة أوسع من الضحايا (وإن كنا سنرى أنها لا زالت غير واسعة بالقدر الكافي). وكان القرار الأكثر أهمية هو القرار رقم 70 لعام 91 الصادر في 10 يناير/كانون الثاني 1991. وفر هذا القرار مساعدات للذين اعتقلوا في ظل حالة الطوارئ بأمر "السلطة التنفيذية" الوطنية قبل العاشر من ديسمبر/كانون الأول 1983 ممن توفر فيهم الشرطان التاليان أو أحدهما: أن يكونوا قد طالبوا بالتعويض بالوسائل القضائية وحرموا منه قبل العاشر من ديسمبر/كانون الأول 1985[59] (على أساس السقوط بالتقادم)، أو أن تكون دعواهم لازالت منظورة أمام القضاء وقت دخول القرار حيز التنفيذ. وطرح على أصحاب الحالة الثانية خيار مرن إلى حد ما هو أن يستمروا في دعواهم وإن رفضت دعواهم على أساس التقادم ظل لهم أن يطالبوا بالمساعدات المنصوص عليها في القرار، أو أن يقبلوا التعويضات التي منحها القرار، وفي تلك الحالة عليهم أن يتنازلوا عن دعاواهم القضائية. قدم هذا القرار أيضاً أحد أهم سمات التعويضات الأرجنتينية، وهي تحديد قيمة المساعدات المقدمة على أساس راتب أعلى درجة وظيفية مدنية في الإدارة الحكومية. وكان الباعث على هذا الاختيار هو الفصل بين التعويضات ومفهوم "العوض" وعلى الأخص العوض المنصوص عليه في قانون العمل. شرح الرئيس السابق للمكتب المسئول عن تنفيذ برنامج التعويضات هذا قائلاً إن ذلك الاختيار لوحدة حساب التعويضات "يعني الابتعاد عن المعايير المطبقة في إصابات حوادث العمل. فالسجن ليس حادثة." وللدقة حدد القرار أن المنتفعين يحصلون على جزء من ثلاثين جزءاً من راتب أكبر موظف عمومي مدني عن كل يوم قضاه الضحية في الحبس، وكان هذا يوازي 27 دولاراً أمريكياً في ذلك الوقت. كما عوض القرار عائلات من ماتوا في الحبس ومن عانوا "إصابات جسيمة" بالمعنى المنصوص عليه في المادة 91 من القانون الجنائي الأرجنتيني. وفي الحالة الأولى يحصل المتضررون على تعويض بقدر 27 دولاراً عن كل يوم من الحبس بالإضافة إلى مبلغ يوازي خمس سنوات من الحبس بنفس المعدل (46275 دولاراً أمريكياً). أما من عانوا من إصابات جسيمة فقد تقرر أن يحصلوا على 27 دولاراً عن كل يوم من الحبس بالإضافة إلى مبلغ يوازي 70% من مقدار التعويض عن خمس سنوات من السجن (أي 34492 دولاراً أمريكياً). وكان من المفروض أن تقدم الالتماسات إلى وزارة الداخلية والتي يمكن الطعن على قراراتها أمام الدائرة الوطنية للاستئناف الإداري. وكان قبول المساعدات وفقاً لهذا القرار يقتضي التخلي عن الحق في رفع أي دعوى مدنية أخرى. وحسب قول وكيل الوزارة لشئون حقوق الإنسان فقد انتفع من هذا القرار 227 شخصاً، ولكن لا توجد معلومات بشأن قدر التعويض الذي حصل عليه كل منهم. وقد نص القرار في المادة 12 منه على أن المبالغ اللازمة للوفاء بهذا المعيار يحصل عليها من الميزانية العامة للدولة. وقبل مرور عام على صدور القرار رقم 70 لعام 1991 سن الكونجرس القانون رقم 24,043[60] الذي وسع من نطاق الحصول على المساعدات بصورتين: أولاً وفرت المساعدات لا لمن اعتقلوا بأوامر من السلطة التنفيذية الوطنية بمقتضى حالة الطوارئ فحسب بل أيضاً لمن اعتقلوا بأوامر المحاكم العسكرية بغض النظر عما إذا كان قد حكم عليهم أو لا. وثانياً لم يشترط القانون أن يكون المتضرر قد رفع دعوى مدنية للحصول على المساعدات[61]. وجاء هيكل المساعدات التي قدمها القانون رقم 24,043 مطابقاً لما طرحه القرار من قبله، فيما عدا أن المساعدات التي نص عليها القانون جاءت في نهاية الأمر أكبر كثيراً. ففي حين قدم القرار 27 دولاراً عن كل يوم في الحبس قرر القانون 74 دولاراً[62]. وبهذا المعدل ارتفع المبلغ المقرر عن السنوات الخمس من 46275 إلى 136254,50 دولارا أمريكيا، وبالمثل ارتفعت نسبة السبعين بالمائة المقررة لمن عانوا إصابات جسيمة من 34492 إلى 94490,10 دولار أمريكي. (وسمح القانون الجديد لمن حصلوا على المساعدات التي قدمها القرار 70 لعام 1991 أن يحصلوا على المبالغ الأكبر التي قررها القانون). كانت الطلبات تقدم إلى مكتب حقوق الإنسان بوزارة الداخلية، وكان على المتقدمين الحلف تحت القسم أنهم قد اعتقلوا في ظل الظروف التي حددها القانون في الفترة من 6 نوفمبر/تشرين الثاني 1974 إلى 10 ديسمبر/كانون الأول 1983. وتم تعيين معايير إثبات فضفاضة، بحيث كان يمكن إثبات وقوع الاعتقال باستخدام مذكرة الجلب والإحضار أو العقوبة المحكوم بها في نفس الحالة أو بوثائق من ملفات الكوناديب أو الملفات الإدارية أو القضائية أو باستخدام الوثائق المرفوعة أمام اللجنة الأمريكية لحقوق الإنسان أو المحكمة الأمريكية لحقوق الإنسان. أما الوثائق التي حصل عليها من منظمات حقوق الإنسان الوطنية أو الدولية أو المواد الصحفية أو الوثائق الأرشيفية فكان يتم النظر فيها إلى جانب الأدلة الأخرى المعتمدة. أما الإصابة الجسيمة فكان يمكن إثباتها عن طريق السيرة الطبية لمكان الاحتجاز أو صورة من الحكم القضائي أو السيرة الطبية أو السريرية المؤرخة بزمن الاعتقال على يد مؤسسة طبية رسمية. وإن لزم الأمر كان يمكن عقد مجلس طبي كان يمكن لوكيل الوزارة لشئون حقوق الإنسان أن يعقد اتفاقات مع المستشفيات العامة بشأنه. وكان يمكن الاستئناف أمام الدائرة الوطنية للاستئناف الإداري ضد قرار رفض منح المساعدات المقررة بالقانون إن كلياً أو جزئياً. وحدد 17 سبتمبر 1998 تاريخاً نهائياً لتقديم الدعاوى. وتم تقديم ثلاثة عشر ألف وستمائة التماس قبل منها أكثر من سبعة آلاف وثمانمائة. وفي هذا الشأن أيضاً يزعم مكتب وكيل الوزارة لشئون حقوق الإنسان عدم وجود أية سجلات بالمبالغ المدفوعة. وعلى كل حال لم تدفع المبالغ نقداً وإنما على هيئة سندات دين عام، وهي سمة أخرى تميز التعويضات الأرجنتينية، وهي ليست منقطعة الصلة بالسمة الأولى أي ضخامة قدر هذه التعويضات. وبالطبع يجب على أي حكومة أن تحسب حساب دفع السندات. غير أنه من السهل علينا أن نفهم لماذا ظن الرئيس منعم وحكومته أنهم يمكنهم اتخاذ إجراءات تعويض سخية نظراً لأن إصدار السندات لم يكن له أثر مباشر على ميزانية العام نفسه وأن تلك السندات كانت مستحقة الدفع بعد 16 سنة[63]، علاوة على قصر الدورة الزمنية التي تتسم بها عملية اتخاذ القرار الديمقراطي. ولما كان المعتقلون دون وجه حق قد حصلوا على مساعدات كبيرة جداً كان حتمياً تقريباً أن يثار موضوع التعويض عن حالات الاختفاء. ومن الغريب أن هذا قد حدث لا نتيجة لضغوط بذلتها عائلات المختفين أو منظمات حقوق الإنسان غير الحكومية، بل كانت مبادرة من الحكومة نأى المنتفعون منها بأنفسهم عنها أو أعربوا عن عدائهم لها صراحة. بل كان هذا هو الموضوع الذي أدى إلى انقسام "أمهات ميدان مايو" (Madres de la Plaza de Mayo)، حيث طرح فصيل هيبي بونافيني (المسمى اتحاد أمهات ميدان مايو) أن قبول هذا الشكل من التعويض هو بمثابة قبول الدية. وبدا المنطق وراء تلك المبادرة بيروقراطياً أكثر منه أي شيء آخر. وعلى كل حال فقد صدر القانون رقم 24,411 في 7 ديسمبر/كانون الأول 1994، في الصباح الباكر ودون كثير مناقشة في الكونجرس. وقد كفل القانون تعويضات اقتصادية لورثة ضحايا الاختفاء القسري والاغتيال على يد عناصر الجيش أو قوات الأمن أو المجموعات شبه العسكرية. وانطوى النص الأصلي للقانون على الحد الأدنى من الترتيبات التي توافق عليها كل الأطراف المعنية مهملاً عدداً من الموضوعات الجوهرية بهدف الشروع في التطبيق. وعليه فبعد بضع سنوات وبعد نقاش محتدم سن قانون آخر هو القانون رقم 24,823 والذي أطلق عليه "القانون الرقعة."[64] أحد الموضوعات التي اقتضت إصدار "القانون الرقعة" كان تردد أفراد عائلات المختفين في قبول المساعدات إن كان يلزم لذلك إعلانهم ورثة كما نص عليه القانون رقم 24,411، لأن ذلك كان يعني القبول بوفاة الضحية. وحل القانون رقم 24,823 ذلك بتحديده أن القانون يمنح المساعدات لضحايا الاختفاء القسري ولكنها تحصِّل على يد "القائمين مقام" الضحايا (causa habientes). ولهذه الصفة، والتي يمنحها قاض، نفس الآثار المترتبة على صفة الوريث، إلا أنها لا تنطوي على القبول بالوفاة. (ومما يذكر أن القانون سمح بأن يكون الشركاء في الزواج العرفي (de facto) قائمين مقام الضحايا طالما استمرت العلاقة على الأقل سنتين قبل واقعة الاختفاء). وكما كان الحال في قوانين التعويض السابقة لزم تقديم الالتماسات الأدلة إلى وكيل وزارة الداخلية لشئون حقوق الإنسان. وهنا أيضاً تم إقرار معايير فضفاضة للإثبات وجاز الاستئناف ضد القرارات المتخذة أمام الدائرة الوطنية للاستئناف الإداري. وقد القانون مساعدات لمن كانوا وقت صدوره مختفين قسرياً، وتم تعريف ذلك بأنه الحرمان من الحرية الشخصية والاعتقال في مكان سري أو الحرمان من حق المثول أمام المحكمة يعقبه اختفاء الضحية. ولم يضع القانون إطاراً زمنياً يلزم وقوع الاختفاء فيه، بل فقط اشترط أن يكون الاختفاء مستمراً وقت صدوره. وهكذا استبعد القانون من كان مختفياً وظهر حياً ومن تم التعرف على جثثهم ومن صدرت له شهادة وفاة، وهي الحالات التي يمكن تناولها وفقاً لأحكام القانون رقم 24,043 الخاصة بالاحتجاز دون وجه حق وفقدان الحياة. وحدد القانون المساعدات الممنوحة بالراتب الشهري للدرجة الأولى للموظفين في الإدارة الحكومية مضروباً في معامل 100، وهو ما بلغ 224000 دولار أمريكي. وهنا أيضاً صرف هذا المبلغ على هيئة سندات دين عام. وكان المنطق المطروح لهذا المبلغ هو أنه يوافق ما كان الشخص المختفي أو المغتال لينفقه لإعالة الزوج أو الزوجة والوالدين والأطفال في عشر سنوات غابها. وطبقاً لأحدث الأرقام فإنه بحلول منتصف عام 2002 قدم 6483 طلب تعويض عن الاختفاء قبل منها 4718. وتم تقديم 1648 طلب تعويض عن الوفاة قبل منها 937. وعليه قبل ما مجموعه 5655 طلباً. وبحساب أن الحالة الواحدة تكلفت 224000 دولار يكون المجموع حوالي 1,3 بليون دولار ( 1266720000 دولار). ملاحظات ختامية: كما أشرنا من قبل فإن ما يميز التعويضات الأرجنتينية هو سمتان مرتبطتان، أولهما وحدة حساب التعويضات والتي لم تكن أجر الحد الأدنى ولا حتى المتوسط القومي للأجور ولا وحدة للإنفاق تكفل حداً أدنى من الحياة الكريمة، بل أعلى راتب تعطيه الحكومة[65]. وعليه تتصف التعويضات بسمة أخرى هي ضخامة قدرها. وغني عن الذكر أن استمرار تلك التعويضات ليس ممكناً إلا في حالة النمو الاقتصادي الاستثنائي. وإلا اقتضت الضرورة اللجوء إلى آليات تمويل مبتكرة، وبمعنى ما فإن سندات الدين العام تطابق هذا الوصف. إلا أن المشكلة هي أن حتى سندات الدين العام هي الأخرى لها يوم تدفع فيه. وجاءت الأزمة الاقتصادية الأرجنتينية لتثير الشك في إمكانية استمرار هذا الجهد كله. وبعيداً عن الاعتبارات العملية، هناك أيضاً السؤال ما إذا كانت جهود التعويض الأرجنتينية قد استطاعت أن تحقق النية المعلنة لفصم العلاقة مع فكرة "العوض." يجوز أن تكون قد فعلت إذا ما فهمنا العوض فقط من منظور قانون العمل. ولكن ضخامة قدر المبالغ الممنوحة وطريقة توزيعها أثارت التفكير بأن هذه المبالغ تمثل تقدير الحكومة لما تساويه حياة شخص أو الإصابة الجسيمة. وبالنسبة للضحايا وعائلاتهم فإن كانت هذا فعلاً ما تمثله فلن يكفيهم أي قدر من المال مهما بلغ. وبالرغم من أن نجاح أو إخفاق أي برنامج للتعويضات يعتمد على العديد من العوامل، إلا أنه وللمفارقة يمكن أن تكون المنح الكبيرة الموزعة على هيئة مبلغ إجمالي يصرف مرة واحدة أقل جدوى كوسيلة للتعويض من المنح الأكثر تواضعاً والتي تصرف في صورة راتب شهري، ويصح هذا أكثر ما يصح إن لم تكن التعويضات جزءاً من سياسة شاملة خاصة بالعدالة الانتقالية. وعلينا أن نتذكر أن في الحالة الأرجنتينية جاءت معظم البرامج في أعقاب وقف مساعي الحصول على العدالة الجنائية وبعد صدور أوامر عفو رئاسية عن القليل من الجناة الذين كانوا قد أدينوا. وهذا المزيج يوحي بأن السياسة المتبعة كانت شيئاً أقرب إلى "العفو عن الجناة وتقديم أموال للضحايا" حيث كان كل منهما في ذاته مثار جدل واسع. فكانت أوامر العفو نتيجة لقرارات سياسية انقسم حولها الناس، وكانت أموال التعويض قد وزعت بصورة شجعت على الالتباسات أو على الأقل سمحت بها. 4- تشيلي[66] سعياَ إلى رفع الظلم الواقع خلال سبعة عشر عاماً من حكم أوجستو بينوشيه (1973- 1990)، اتخذت تشيلي عدداً من إجراءات التعويض. ولمختلف الأسباب، التي تشمل مثلاً الاعتبارات السياسية الداخلية التي تجعل الحكومة لا ترغب في الإعلان عن قدر التعويضات، يعتبر الكثيرون أن برنامج التعويضات في تشيلي برنامج هزيل. وبالرغم من أنه لا لوم على من لديه هذا الانطباع، إلا أنه يظل محض انطباع. وكما سنبين فيما بعد فإن برنامج تشيلي في بعض مناحيه يعد من أكثر البرامج طموحاً على الإطلاق، بالرغم من أوجه قصوره الملموسة. تولي باتريثيو إيلوين أول رئيس منتخب ديمقراطياً بعد سنوات الدكتاتورية منصبه في مارس/آذار 1990. وبعد مجرد شهر واحد أنشأ الرئيس الجديد "لجنة الحقيقة والمصالحة". وبعد عشرة أشهر، في فبراير/شباط 1991، رفعت اللجنة تقريرها إلى الرئيس الذي صرح بنشره علانية. توصلت اللجنة إلى أن 2298 شخصاً قد فقدوا حياتهم لأسباب سياسية ما بين 11 سبتمبر 1973 و11 مارس/آذار 1990، ولم تستطع اللجنة التوصل إلى قرار بشأن 634 حالة. بعض هذه الحالات تم البت فيها على يد "مؤسسة التعويضات والمصالحة" التي جاءت بعد اللجنة. وقد تلقت اللجنة والمؤسسة معاً حوالي 4750 عريضة بشأن حالات وفاة أقرا منها 3197 حالة (2095 إعدامات وحالات قتل أخرى و1102 حالة اختفاء). طرحت اللجنة توصيات بشأن التعويضات، وضعت الحكومة في نهاية المطاف معظمها موضع التنفيذ. ونظراً لأن تفويض اللجنة خولها النظر في حالات انتهاك حقوق الإنسان التي أدت إلى موت الضحية[67] فقد ركزت معظم جهود التعويض الأولى على تلك الحالات. بيد أنه مع الوقت اتسعت دائرة المستفيدين وأنواع الجرائم التي تستأهل التعويض اتساعاً كبيراً. وفي أبريل/نيسان 1991 بعد شهرين من إعلانه تقرير اللجنة قدم الرئيس إيلوين إلى الكونجرس مشروع قانون بإنشاء "مؤسسة التعويضات والمصالحة" يكلفها (بالإضافة إلى مهمات أخرى) بتوزيع التعويضات على أفراد أسر من أعدموا أو اختفوا على يد قوات أمن الدولة ومن قتل من المدنيين لأسباب سياسية على يد جماعات المعارضة المسلحة. أُقر المشروع في 8 فبراير/شباط 1992 وصدر باسم قانون رقم 19,123. وحدد القانون المساعدات الآتية: أ- رواتب التعويض: أقرت مؤسسة التعويضات والمصالحة صرف رواتب شهرية لعائلات الضحايا متخذة مبلغ 537 دولار أمريكي[68] وحدة أساسية تقسم على الوجه التالي: 40% من الراتب (215 دولاراً) للأزواج. 30% (أي 161 دولاراً) لوالدة الضحية أو للوالد في حالة غيابها. 15% (أي 80 دولاراً) لكلٍ من أبناء الضحية حتى بلوغهم سن الخامسة والعشرين أو مدى الحياة إن كانوا معاقين.[69] 15% (أي 80 دولاراً) لوالد أو والدة أي من أبناء الضحية في إطار الزواج العرفي حتى بلوغ الأبناء سن الخامسة والعشرين أو مدى الحياة إن كانوا معاقين.[70] كما تلقت الأسر أيضاً مبلغاً يصرف دفعة واحدة يوازي مقدار سنة من الراتب الشهري (أي حوالي 6500 دولار). وفي بدايته في عام 1991 وزع البرنامج رواتب شهرية على 5794 شخصاً. وبحلول عام 1996 كان يستفيد منه 1330 زوجة أو زوجاً، و1524 أماً أو أباً، و1405 طفلاً أقل من سن الخامسة والعشرين، و260 زوجاً أو زوجةً بمقتضى زواج عرفي، و89 من الأبناء المعاقين، ما مجموعه 4609 أشخاص. وفي نهاية عام 2001 كان لا يزال 3210 أشخاص يتلقون المساعدات. وتوزعت تكاليف البرنامج كالتالي: 708280 دولاراً أمريكياً دفعت في القسط الأولي الذي حصلت عليه الأسر مرة واحدة. 8240905 دولارات أمريكية دفعت بين 1992 و2001 رواتب تعويضية[71]. ب- المساعدات الأخرى: وكانت المؤسسة قد أوكل إليها، من بين ما أوكل، مهمة العثور على جثث المختفين والنظر في الحالات التي لم تقرر فيها لجنة الحقيقة والمصالحة وإنشاء أرشيف تاريخي يضم وثائق اللجنة. وهنا سنركز فقط على التعويضات الأخرى، غير الرواتب، والتي قدمتها المؤسسة إلى أسر ضحايا الإعدامات والاختفاءات والعنف السياسي. وهي تشمل الآتي: - الإعفاء من الخدمة العسكرية الإلزامية لأبناء الضحايا. الاشتراك في برنامج صحي خاص (برنامج التعويضات والخدمات الصحية المتكاملة) شمل والدي واخوة الضحايا علاوة على أزواجهم وأبنائهم.[72] - منح دراسية للتعليم الأساسي لأبناء الضحايا، علاوة على مصروف يد خلال شهور الدراسة قدره 1,24 "وحدة مخصصات شهرية."[73] - منح دراسية للتعليم الجامعي والتعليم المهني لأبناء الضحايا طالما قدموا عليها قبل بلوغهم الخامسة والثلاثين. وبالإضافة إلى ذلك يحصلون على 1,24 من قيمة وحدة المخصصات الشهرية حتى انتهائهم من الدراسة. وفي ديسمبر/كانون الأول 1996 كان 1021 شخصاً يتلقون المزايا التعليمية، أي المنح والمصروف الشهري، منهم 158 طالباً بالتعليم الأساسي والثانوي و863 بالتعليم الجامعي والمهني. وفي الفترة من 1991 إلى 2001 أنفقت الدولة مبلغ 1149008 دولارات أمريكية على هذه البرامج. قد يقال إن هذه المخصصات متواضعة. فمثلاً تحصل الأم الحاضنة لأطفال على راتب شهري قدره 485 دولاراً أمريكيا، وهو ليس بالمبلغ الكبير[74]. بل ويبدو أصغر حينما نقارنه بمخصصات التعويضات لضحايا النزاع في البلد المجاور، الأرجنتين، والتي وصفناها آنفاً. ولكن على الجانب الآخر لم يكن أبداً المنطق وراء برنامج التعويضات بتشيلي محاولة للوفاء بمبدأ رد الحق كاملاً. وفي الرسالة التي بعث بها الرئيس إيلوين إلى الكونجرس والتي قدم فيها مشروع القانون رقم 19,123 (الذي أنشأ المؤسسة ونص على المخصصات المذكورة) دعا إلى النظر إلى التعويضات على أنها "مجموعة من الإجراءات تعبر عن إقرار الدولة والمسئولية الواقعة على عاتقها حيال الوقائع والظروف التي تشكل موضوع التقرير [تقرير لجنة الحقيقة والمصالحة] ... ينبغي أن تكون العملية بأسرها موجهة نحو الاعتراف بالوقائع وفقاً للحقيقة ونحو تكريم الضحايا وتوفير مستوى حياة أفضل للعائلات التي تأثرت أكثر من غيرها [بالعنف السياسي]."[75] ج- الرعاية الصحية: حتى قبل إنشاء لجنة الحقيقة والمصالحة، وفي عام 1989، كان قد أعرب البرنامج السياسي "للتحالف" (تحالف أحزاب المعارضة الذي فاز في أول انتخابات بعد سنوات الدكتاتورية) عن نية توفير خدمات الرعاية الصحية، وعلى وجه الخصوص الصحة العقلية، لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان[76]. وعلى الرغم من أن اللجنة لم تقدم في تقريرها توصيات حول الصورة المحددة لمثل تلك البرامج، إلا أنها شددت على أهمية توفير خدمات رعاية الصحة العقلية "للضحايا" وهي فئة أوسع بكثير من أسر ضحايا الإعدامات والاختفاءات والعنف السياسي. وبدأ البرنامج، الذي أطلق عليه برنامج التعويضات والخدمات الصحية المتكاملة، في وقت مبكر نسبياً في عملية التعويضات التشيلية (في شهر يونيو/حزيران 1990)، كما بدأ بداية متواضعة بالعمل فقط في مدينة إيكيكي النائية. وبعد سنة كانت توجد فرق عمل تابعة لهذا البرنامج في سبع مدن مختلفة. وتكونت هذه الفرق من ثمانية إخصائيين منهم طبيب عام وأخصائي نفسي أو اثنان وطبيب نفسي وأخصائي اجتماعي ومعاون طبي وسكرتير. وطبقاً للحاجة أضيف أعضاء آخرون إلى الفريق مثل الممرضين وأخصائيي العلاج الطبيعي. وفي النهاية أصبح البرنامج أكثر طموحاً بكثير من حيث فئات الضحايا الذين يوفر لهم الخدمة أو من حيث الخدمات التي يوفرها ذاتها. فبالنسبة لفئات الضحايا امتد البرنامج ليغطي السجناء السياسيين السابقين، ومن كانوا قد فصلوا في ظل الدكتاتورية عن أعمالهم في الحكومة أو الجامعات أو المؤسسات التعليمية الأخرى أو الشركات التي كانت قد تدخلت فيها حكومة اللندي التي سبقت الدكتاتورية (1970- 1973)، والمنفيين السابقين العائدين وأسرهم، وكل من انتهكت حقوقه الإنسانية (وهي فئة ترجمت بصورة مرنة لتشمل على سبيل المثال الفلاحين الذين منعوا من الاشتراك في برامج الإصلاح الزراعي لأسباب سياسية). وكما ذكرنا من قبل شمل البرنامج أيضاً أفراد أسر من أعدموا أو اختفوا أو قتلوا نتيجة للعنف السياسي. ومن الجدير بالذكر أن البرنامج غطى أيضاً ضحايا التعذيب. ونظراً إلى أن معظم المستفيدين من برنامج التعويضات والخدمات الصحية المتكاملة ينتفعون من برامج أخرى في نفس الوقت حد هذا من مشكلة الإثبات إلى حد كبير. وعلى أي حال فقد بذل مجهود واضح من أجل عدم تكرار الإجراءات المهينة في إثبات الأحقية. فالمرضى لا يجب عليهم أن يثبتوا أن حالتهم الراهنة ناجمة عن تعرضهم للعنف السياسي. إن ما يفعله البرنامج هو أن يوفر بالمجان الاشتراك في نظام الصحة القومي والذي يستعمله 80% من أبناء تشيلي. ويغطي البرنامج كلاً من الصحة الجسدية والعقلية من خلال العيادات الخارجية وخدمات الطوارئ علاوة على إجراءات المستشفيات المعتادة. والاشتراك في هذا البرنامج لم يعنِ فقط الحصول على تلك الخدمات بل التمتع بالأولوية على المنتفعين الآخرين من النظام الصحي. وجدير بالذكر أن التغطية والأولوية ليستا بالميزة اليسيرة، فالمواطن التشيلي العامل عليه أن يدفع 7% من راتبه لتغطية التأمين الصحي ويشارك في تغطية تكاليف مختلف الإجراءات الصحية بنسبة تتراوح بين 25% و75%[77]. ويعفى المستفيدون من برنامج التعويضات والخدمات الصحية المتكاملة من هذه النفقات. وبنهاية عام 2002 كان هناك 93,272 مشاركاً في هذا البرنامج. وفي العام السابق قام المشاركون بزيارات طبية تتعلق بالصحة العقلية بلغت 32,640 و22,363 زيارة طبية أخرى إلى مختلف الأطباء. ولا يوجد تقدير معروف لتكاليف الخدمات المقدمة. د- الرواتب ومخصصات التقاعد: سعى قانونان منفصلان (القانونان رقم 19,234 لعام 1993 ورقم 19،582 لعام 1998) لإعادة مخصصات الرواتب لمن فصلتهم الدكتاتورية لأسباب سياسية من أعمالهم في الحكومة أو الجامعات أو المؤسسات التعليمية الأخرى أو في الشركات التي تدخلت فيها حكومة الوحدة الوطنية برئاسة سلفادور اللندي. والبرنامج (الذي سمي برنامج الاعتراف بالمفصولين سياسياً) تديره وزارة الداخلية. ورئيس الجمهورية له الكلمة الأخيرة في تحديد أحقية الحالات ولا يجوز استئناف قراراته. وإذا نأينا بأنفسنا عن جملة التعقيدات، نجد أن ما يفعله البرنامج هو إما توفير رواتب متواضعة أو إعادة حساب مزايا رواتب من فصلوا بإضافة 54 شهراً حداً أقصى لسجلهم الوظيفي، أو الاثنين معاً. ولا يزيد هذا من مزايا الرواتب فحسب بل يسمح للبعض بالتقاعد عن العمل. وفي بعض الحالات يصرف البرنامج بالإضافة إلى ذلك تعويضات عن الفصل التعسفي من العمل. ويحق لبعض الفئات الحصول على هذه المخصصات تلقائياً، وهم: موظفو الحكومة المفصولون عن العمل في الشهور الثلاثة الأخيرة من الدكتاتورية (أقسى فترات الحكم وأشدها عسفا)، والمنفيون إما خوفاً على أمانهم الشخصي أو بأمر إبعاد، وأفراد أسر المختفين والمعدمين (الأزواج والأبناء الأصغر من 24 سنة والذين لا يزالون يحصلون في تشيلي بوجه عام على راتب الموظفين). أما من فصلوا من أعمالهم قبل التاسع من فبراير/شباط عام 1979 فعليهم أن يثبتوا أنهم كانوا يعملون لمدة 15 عاماً قبل الفصل، ومن فصلوا من أعمالهم بين 10 فبراير/شباط 1979 و10 مارس/آذار 1990 فعليهم أن يثبتوا أنهم كانوا يعملون لمدة 20 عاماً. وانتهت فترة التقديم للحصول على تلك المساعدات في سبتمبر 1999، وقدم أكثر من 103000 شخص طلباتهم. وبحلول فبراير/شباط 2003 حصل 71404 من المتقدمين على المساعدات. وتلقى حوالي 41000 شخص راتباً شهرياً قدره 112 دولاراً أمريكياً تقريباً. وحصل أكثر من 15000 على زيادات في مزايا رواتبهم. وبلغت ميزانية برنامج الاعتراف بالمفصولين سياسياً في فترة السنوات الأربع من 1999 إلى 2002 ما يقرب من مليوني دولار أمريكي. هـ- رواتب للفلاحين: لم تكتف الحكومة العسكرية بوقف برنامج الإصلاح الزراعي الذي كان قائما منذ عشر سنوات في ذلك الوقت بصورة حادة وفجائية بل وأرغمت قادة الفلاحين على ترك الأراضي التي كانوا قد حصلوا عليها بمقتضى الإصلاح. كما سجنت الآلاف من العمال الزراعيين وأعدم أو اختفى منهم حوالي 700 (أي ما يقرب من 30% من الضحايا الذين أقرتهم لجنة الحقيقة والمصالحة). كما أن أفراد أسرهم استبعدوا من منح الأراضي بعد ذلك. وطالبت منظمات الفلاحين أثناء حكم الإدارة الديمقراطية الأولى بتعويضات على هيئة "صندوق للأراضي" ولكن دون جدوى. وفي فترة حكم الرئيس (إدواردو فري) تم التوصل إلى اتفاق، باسم المواءمة السياسية، يحصل بمقتضاه بعض الفلاحين لا على أراض بل على رواتب شهرية. وتم تحديد ثلاث فئات من المنتفعين على أساس السن، وهي: أ) من بلغوا الخامسة والستين أو أكثر، ب) الذين يتراوح عمرهم بين الخمسين والرابعة والستين، ج) والأصغر من التاسعة والأربعين. وحصل المنتفعون من تلك الفئات على 110 دولارات، وثمانية وثمانين دولاراً، و44 دولاراً على التوالي. وحصل من الفئة الأولى 1089 شخصاً على رواتب، ومن الفئة الثانية 1684، ومن الفئة الثالثة 226، مجموعهم 2999 منتفع في عام 1999. وقد صرف البرنامج في هذه السنة 3,335,112 دولاراً رواتب. وهذه الرواتب تصرف مدى الحياة ولكنها لا تورث أو تنقل وتتوقف المساعدات بوفاة المنتفع. ويقدر أنه يمكن لحوالي 1600 شخص إضافي أن ينتفعوا من هذا البرنامج (وهناك 374 طلباً يجرى النظر فيها منذ عام 2000)، إلا أنه لم تتخذ أية خطوات جديدة على هذا الصعيد. ملاحظات ختامية على عكس ما هو شائع فإن جهود تشيلي في التعويضات تعتبر طموحة جداً. ومع أن الرواتب التي تقدمها تعتبر متواضعة ولكنها تصل إلى أيدي عدد كبير من الناس. وعلاوة على ذلك فقد أنشأت تشيلي برامج مختلفة توزع المساعدات على مجموعات مختلفة من المستفيدين. ويجدر في هذا المجال ذكر برنامج التعويضات والخدمات الصحية المتكاملة والذي يغطي تشكيلة واسعة للغاية من ضحايا الانتهاكات وأسرهم. وكون هذا البرنامج متاحاً لضحايا التعذيب أيضاً يكذب الرأي الشائع القائل بأن ضحايا التعذيب قد أهملوا تماماً من حيث التعويضات. وهذا البرنامج الذي يزيد المنتفعون منه على 93000 يعتبر واحداً من أضخم البرامج الطبية لرعاية ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في العالم. ومع ذلك فمن الصحيح أن ضحايا التعذيب والذين تصل أعدادهم إلى مئات الألوف لم يتلقوا تعويضات مادية مباشرة. وهذه الثغرة تصعب على الفهم بصورة خاصة بالنظر إلى البرامج القائمة لصالح ضحايا جرائم أقل وطأة مثل الفصل التعسفي من الوظيفة الرسمية والطرد من الأراضي. وفي مارس/آذار 2001 أنشئت "اللجنة الأخلاقية لمكافحة التعذيب" كمجموعة ضغط تدعو، من بين ما تدعو إليه، إلى "لجنة حقيقة" تحقق في حالات التعذيب في تشيلي وتوصي بتعويض الضحايا. إن وجود مثل هذه الفئة العريضة من ضحايا جريمة بهذه الخطورة لم تلق الاهتمام الواجب يجعل من المؤكد أن تشيلي ستضطر إلى إعادة النظر في موضوع التعويضات. ومسألة أن القوانين المختلفة المتعلقة بالتعويضات لم تضع شروطاً مقابل تلقي التعويضات (تقييد رفع الدعاوى المدنية على سبيل المثال) يزيد من هذا الاحتمال. فبحلول سبتمبر 2002 كانت 140 دعوى قد رفعت ضد الدولة بنتائج مختلفة. وفي بعض الأحيان جاءت المبالغ التي قررتها المحاكم أضعاف المخصصات التي تقدمها برامج التعويضات المختلفة. ومنذ سبتمبر 2002 والحكم النهائي بشأن عدم قدرة بينوشيه المثول للمحاكمة زادت القضايا المرفوعة ضد الدولة حيث رفعت منذئذ 180 قضية. إلا أن قراراً صدر حديثاُ عن المحكمة العليا في أبريل/نيسان 2003 وضع حداً لآفاق الحصول على مبالغ كبيرة من خلال الدعاوى المدنية. وفي مايو/آيار 2003 تقدم الحزب السياسي الموالي لبينوشيه والذي طالما وقف في وجه كل المبادرات في شأن حقوق الإنسان باقتراح فاجأ الجميع، ينطوي على مراجعة شاملة لسياسات التعويضات تشمل منح مبلغ يصرف دفعة واحدة لكل ضحية من ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك ضحايا التعذيب، يصل إلى 200000 دولار أمريكي. ويعد هذا منحىً مختلفاً عن ممارسات تشيلي بخصوص التعويضات، ويعزو بعض المعلقين هذا الطرح إلى رغبة الحزب في التفاوض حول تعويضات أكبر للضحايا مقابل تجميد أكثر من 300 قضية مرفوعة ضد مسئولين عسكريين لا زال ينظر فيها بالرغم من قانون العفو. ومن الواضح أن الفصل الأخير لقصة التعويضات في تشيلي لم يكتب بعد. 5- البرازيل[78] يجمع برنامج التعويضات في البرازيل، كما هو حتمي تقريباً، بين سمات الفترة التي يسعى البرنامج إلى جبر بعض أضرارها وبين سمات مسار البرازيل نحو الديمقراطية. لقد عانت البرازيل وطأة أحد الانقلابات العسكرية المبكرة التي توالت في أمريكا اللاتينية خلال ثلاثة عقود حالكة من الحكم السلطوي. ففي 31 مارس/آذار عام 1964 قام الجيش – يسانده بعض المدنيين - بخلع الرئيس خوا جولارت وهكذا بدأت فترة طولها 21 عاماً من الحكم العسكري في البرازيل. ومع ذلك فطبقاً لمعظم المعلقين كانت أسوأ فترة للقمع هي الفترة التي بدأت في 1968 واستمرت حتى 1973. وفي تحليلنا لقانون التعويضات الذي صدر أخيراً في ديسمبر/كانون الأول 1995 يجب علينا أن نضع في الاعتبار عاملين اثنين: أولاً، لم يصل العنف في البرازيل أبداً إلى مستوى العنف في البلدان المجاورة، وثانياً، لم يكن التحول إلى الديمقراطية هزيمة كبيرة حلت بالنظام[79] ولم يتمكن من إزاحة قبضة الجيش عن أدوات الحكم بالتفاوض، بل جاء هذا التحول نتيجة لسياسة مقصودة "للانفتاح البطيء والآمن والتدريجي" بدأت أيضاً في 1973 واستمرت 12 عاماً كاملاً. كان المسار الذى أدى إلى إصدار قوانين التعويض أكثر التواءً عنه في الحالات الأخرى، مما عكس الطبيعة التدرجية للتحول الديمقراطي في البرازيل. فقد تم سن قانون التعويضات بعد 22 عاماً من بداية الانفتاح السياسي وبعد عشر سنوات من إصدار قانون العفو في 28 أغسطس/آب عام 1979. وعلى عكس العفو الذاتي الذي أصدره النظام قبل ترك الحكم في الأرجنتين وتشيلي على سبيل المثال، أفاد قانون العفو العام في البرازيل معارضي النظام وصدر بناءً على جهودهم. ومنح القانون عفواً عن أعضاء المعارضة القابعين في السجون والمنفيين والمختفين. وإن كان القانون قد سكت عن هذا الموضوع إلا أنه لم يعرض مرتكبي الانتهاكات من أعضاء النظام إلى المسئولية. فقد كان القانون كما قيل نتاجاً لصفقة ارتضى الجيش بمقتضاها منح العفو عن المعارضة في مقابل عدم خضوعه للتحقيقات في المستقبل. وهكذا خلا التحول الديمقراطي في البرازيل من أي جهود في ميدان القضاء أو حتى إفصاح النظام عن الحقيقة[80]. ثانياً، بعدما صدر قانون العفو العام ومع استمرار عملية التحول الديمقراطي في مسارها البطئ ركز الناشطون انتباههم على إعادة الديمقراطية، ومما له أهمية خاصة أنهم ركزوا جهودهم على العودة إلى انتخاب رئيس الجمهورية انتخاباً مباشراً[81]. وانقضت فترة من الزمن قبل أن تهتم البرازيل بمسألة التعويضات. ونظراً لتركيز الناشطين اهتمامهم على موضوعات أخرى ظل موضوع التعويضات مهمة قاصرة على أفراد أسر الذين قتلوا أو اختفوا. وكجزء من مسار الحصول على العفو العام كانت الأسر قد جمّعت ملفاً يحوي 217 حالة من حالات الاغتيال السياسي و152 حالة للاختفاء القسري[82]. وكان لهذا الملف أن يلعب دوراً هاماً في المسار المؤدي إلى الحصول على التعويضات. ثالثاً، كان أفراد الأسر قد رفعوا دعاوى قانونية ضد الدولة حتى قبل انتهاء الدكتاتورية ومازالوا يفعلون حتى يومنا هذا. وعليه ففي سنوات 1978 و1980 و1981 و1991 حمّلت محاكم مختلفة الدولة المسئولية عن موت وتعذيب واختفاء عدد من الأشخاص ومنحتهم تعويضات ضخمة. وصادقت المحاكم العليا على تلك الأحكام في 1983 و1987 (حالتان) و1999. على التوالي. وبالمثل وافقت اللجنة الأمريكية لحقوق الإنسان في 1995 على قبول النظر في دعوى كانت قد ضلّت سبيلها بين المحاكم لسنوات عديدة. رابعاً، غالباً ما لعب المجتمع المدني المحلي والدولي، بما يشمل وسائل الإعلام، دوراً كبيراً في دعم النقاشات حول التعويضات، حتى وإن كان على الأقل بتوجيه الانتباه إلى عدم حسم جدول أعمال العدالة في البرازيل. وفي عام 1985 تكونت المجموعة الأولى، وتدعى "لا تعذيب بعد الآن" في سان باولو بهدف النضال من أجل كشف الحقيقة في أمر الاغتيالات السياسية وحوادث الاختفاء. وبدءا من 1990 نقلت وسائل الإعلام أخبار اكتشاف جثث ناشطين سياسيين في مقابر جماعية للفقراء في أنحاء مختلفة من البرازيل. وفي 1995 ساهم بيير سانيه الأمين العام لمنظمة العفو الدولية في إعادة إحياء الاهتمام بحوادث الاختفاء القسري في زيارة له للبرازيل نالت اهتماماً إعلامياً واسعاً في أعقاب انتخاب فيرناندو إنريك كاردوسو رئيساً للبلاد. ثم بدأت الحركة بداية جدية على جبهة التعويضات في مايو/آيار 1995 بحضور وزير العدل بحكومة كاردوسو لجلسة استماع عقدتها لجنة حقوق الإنسان التابعة لمجلس النواب المشكلة حديثاً. وفي الجلسة قدم أهالي الضحايا اقتراحاً بتأسيس "لجنة خاصة تابعة لمجلس النواب" للنظر في كل حالة ذكرت في الملف على حدة. ومن ثم شرع الوزير في تكليف رئيس ديوانه بمهمة صياغة مشروع قانون ينشئ "لجنة خاصة" لصرف التعويضات إلى أهالي المختفين. ولم يستشر في ذلك لا الأهالي ولا منظمات حقوق الإنسان، بل عرفوا عنها من برنامج تليفزيوني. وبعد مقابلة رئيس ديوان الوزير حصلت أسر الضحايا على ثلاثة تنازلات هامة. أولاً، حصلوا على ضمان أن اللجنة ستقر قائمة المختفين الموجودة بالملف. ثانياً، وافقت الحكومة على وضع آلية لضم أسماء جديدة. وثالثاً، وافقت الحكومة على ضم ممثل عن أهالي الضحايا إلى اللجنة. وبعد ذلك بفترة وجيزة، وفي ظل قواعد الإجراءات المستعجلة والتي تقريباً تمنع النقاش والتعديل، طرحت الحكومة مشروع القانون للتصويت في الكونجرس. تم إقرار المشروع ووقع عليه الرئيس كاردوسو في 4 ديسمبر/كانون الأول 1995. وكان القانون 9,140 لعام 1995 له ثلاثة أهداف صريحة، هي: 1) الاعتراف الرسمي بموت المختفين، وهو لا يعني بالضبط الإقرار بمسئولية الدولة عن موتهم، ناهيك عن تقديم الاعتذار. 2) صرف تعويضات مادية لأسر الضحايا. 3) المساعدة في العثور على بقايا أجساد المختفين. تم تحقيق الهدف الأول جزئياً، بالقانون ذاته، من خلال ضم قائمة الأسماء التي حواها الملف كملحق بالقانون[83]. وفيما يتعلق بهم نص القانون على أنه "يقر بوفاة الأشخاص المذكورين في الملحق رقم 1 من هذا القانون، لكل الأغراض القانونية، لانخراطهم أو الظن بانخراطهم في نشاطات سياسية في الفترة من 2 سبتمبر/أيلول عام 1961 وحتى 15 أغسطس/آب عام 1979، وللقبض عليهم على يد موظفين عموميين نتيجة لذلك، نظراً لاختفائهم منذئذ ولعدم توافر أية معلومات عنهم."[84] وهكذا تم الإقرار باختفاء 132 شخصاً ذكروا بالقائمة بصورة مباشرة واستحقت أسرهم المساعدات بمقتضى القانون دونما الحاجة إلى النظر في أي أمر آخر. وفيما يتعلق بوضع آلية لضم أسماء جديدة إلى الملف، فإن نص القانون ذاته يكشف كامل نطاق مهمة اللجنة (وحدودها أيضاً): "تنشأ لجنة خاصة يكون لها، فيما يخص الوضع السياسي المذكور في المادة (1) وبالتماشي مع هذه المادة، الصلاحيات التالي ذكرها: أولاً: أن تشرع في الإقرار بالأشخاص المختفين والذين لم يأتِ ذكرهم في الملحق رقم (1) من القانون الحالي، والذين قضوا نحبهم لأسباب غير طبيعية في مقار الشرطة أو ما شابهها، لانخراطهم أو لاتهامهم بالانخراط في نشاطات سياسية في الفترة من 2 سبتمبر/أيلول عام 1961 وحتى 15 أغسطس/آب عام 1979. ثانياً: أن تسعى جهدها لتحديد مكان جثث الأشخاص المختفين إن كان هناك ما يدل على موقعها المحتمل. ثالثاً: أن تقدم المشورة فيما يتعلق بطلبات التعويض التي يقدمها الأشخاص المذكورون في المادة (10) من هذا القانون."[85] وهكذا نجد أن هذا القانون جاء لجبر أضرار الاختفاءات وفئة ضيقة من الاغتيالات السياسية، أي تلك الواقعة في "مقار الشرطة وما شابهها،" وهي نقطة سنعود إليها لاحقاً. والفترة الزمنية التي ينص عليها القانون، أي من 2 سبتمبر 1961 إلى 15 أغسطس/آب 1979، توافق قانون العفو العام. ومن الواضح أن القانون أهمل حوادث الاختفاء والاغتيال التي وقعت بعد ذلك التاريخ. ومن حيث البنية التنظيمية، تشكلت اللجنة الخاصة التابعة لوزارة العدل من سبعة مفوضين (لا يحصلون على مقابل مادي) يعينهم رئيس الجمهورية. وقضى القانون بأن يختار أربعة منهم من الفئات التالية: أ) أعضاء لجنة حقوق الإنسان التابعة لمجلس النواب، ب) أقارب الضحايا، ج) وكلاء النيابة الفدراليون، د) أفراد القوات المسلحة. ويعاون المفوضين السبعة طاقم من الموظفين يتكون من سكرتير تنفيذي، واثنين من كبار المساعدين، وموظف من وزارة العدل، وسكرتير ومتدربين اثنين. وخولت اللجنة صلاحية طلب الدعم والأدلة (بما فيها تقارير الطب الشرعي) وشهادات الخبراء من مؤسسات الدولة الأخرى، ولكنها لم تعط صلاحية إصدار أوامر الجلب والإحضار، وعليه كانت طلباتها غير ملزمة، وفي الواقع كان التعاون والمشاركة في الأدلة هزيلاً جداً خاصة من جانب الجيش. وكلفت اللجنة بإصدار تقارير ربع سنوية عن سير عملها وتقرير ختامي في نهاية أعمالها ثم تنحل بعده. ولم يضع القانون حداً زمنياً نهائياً لانتهاء اللجنة من مهمتها. وعلى الصعيد الإجرائي أعطى القانون الأهالي فترة 120 يوماً من تاريخ صدوره للتقدم بطلب المساعدات وتقديم أدلة الإثبات بما في ذلك شهادة الناجين أو الخبراء أو أية وثائق عثروا عليها في بحثهم. وبعد ذلك توزع الحالات على المفوضين بحيث يعمل كل منهم كمقرر يجهز ويحلل كل المعلومات ذات الصلة بالقضايا المحالة إليه، ثم يعرض كل حالة على اللجنة ويقدم توصياته. ويلزم لمنح التعويض موافقة أغلبية الأصوات. وتم التصويت على معظم الحالات على الفور، وفي الواقع اتخذ القرار في معظمها بإجماع الآراء[86]. وإن كانت هناك شكوك يقوم مفوض آخر بمراجعة الوثائق وتؤجل الحالة. ويجوز للمتقدمين بالطلبات أن يطلبوا إعادة فتح الحالة إذا توفر لديهم أدلة جديدة. وبالطبع كان قبول حالات جديدة، أي بمعنى ما فرصة الحصول على المساعدات التي قدمها القانون، يتوقف على تفسير صيغة "مقار الشرطة أو ما شابهها الواردة في 1 (ب). وهناك " ثلاثة تفسيرات طرحت نفسها على اللجنة، الأول وهو أكثرهم تضييقاً تفسير مكاني يقضي بأن المساعدات لا تقدم إلا في حالة الموت أو الاختفاء في أعقاب الحبس في أقسام الشرطة أو مقار الجيش أو منشئات تملكها أو تديرها قوات الأمن. وكان هناك تفسير أوسع يقضي بأن منح المساعدات يجوز أيضاً في الحالات التي يكون فيها الضحية قد مات في الحبس، وإن لم يكن قد تم توقيفه. وهذا التفسير يمد المساعدات لتشمل أسر من قتلوا عندما لم يكن بوسعهم المقاومة، بما يشمل من أعدموا بعد أن كانوا قد جرحوا أثناء القتال. أما أوسع التفسيرات، وهو ما كان يطرحه ممثل أهالي الضحايا، فكان يتطلب تقديم المساعدات تعويضاً عن الوفاة الناجمة عن أي استخدام غير شرعي للقوة من جانب موظفي الدولة حيثما يكون قد وقع. ولا يشمل هذا التفسير المقاتلين الذين تم إعدامهم فحسب، بل أيضاً من قتلوا أثناء قمع المسيرات بل ومن انتهى بهم الحال إلى الانتحار بعد تعذيبهم في السجن. وفي النهاية قررت اللجنة إقرار التفسيرين الأولين، وعلى هذا الأساس نظرت في 234 حالة منحت المساعدات في 148 منها ورفضت 68. وبعد إضافة المئة والاثنين والثلاثين حالة المذكورة في الملف والمضافة ملحقاً إلى القانون والتي أقرت بصورة تلقائية، تكون 280 حالة قد تلقت تعويضات من بين 366 حالة[87]. أما بالنسبة للتعويضات المقدمة وفقاً للقانون، فكانت كالتالي: 3000 ريال برازيلي عن كل سنة فقدت من الحياة بحساب الفرق بين سن الوفاة والعمر المتوقع للشخص العادي من نفس السن والجنس. وكان هذا يوازي 3000 دولار أمريكي أو سبعة وثلاثين مرة ونصف الحد الأدنى للرواتب في البرازيل في وقت صدور التشريع في 1995، وحوالي 1250 دولاراً أمريكياً أو 16 ضعفاً للحد الأدنى للرواتب في مايو/آيار 2002. غير أن القانون قضى بألا تقل أية مدفوعات عن 100000 ريال برازيلي أي حوالي 100000 دولار أمريكي. وكان أكبر قدر قررته اللجنة 138,000 ريال (140000 دولار تقريباً). وكانت المدفوعات تقدم حصة واحدة وغير خاضعة للضرائب. وصرفت معظم المدفوعات في الفترة بين 1996 و1997. وبحلول عام 2002 كان الدفع قد تم في كل الحالات. وفي الفترة من 1996 إلى 2002 صرفت اللجنة 33456284,47 ريال كتعويضات، وهو ما قيمته 30 مليون ونصف مليون دولار أمريكي. لم ينص القانون على وجود تعارض بين التقدم لطلب المساعدات ورفع الدعاوى المدنية. وينطبق هذا على الحالات التالية والسابقة للقانون. فرفع دعوى مدنية، أو حتى كسب قضية تعويضات، لم يمنع من التقدم بطلب للحصول على المخصصات التي قررها القانون، بل إن واحدة من المفوضين، وهي أرملة أحد المختفين، كانت لها قضية تنظر أمام القضاء في حين كانت عضو في اللجنة. وبالمثل فإن الحصول على المساعدات وفقاً للقانون لم يمنع المستفيدين من رفع دعوى مدنية في المستقبل، بما فيها رفع القضايا ضد الدولة. وهذا في الواقع ما حدث. وقضت المحاكم في قضيتين بأن القانون رقم 9,140 لم ينص بصورة واضحة على مسئولية الدولة وأن التعويضات التي قررها القانون تتعلق فقط بالتعويض المادي، وعليه شرعت المحكمة في منح تعويض أدبي قدره 225000 ريال. بيد أن محاكم أخرى حكمت في قضيتين أخريين على الأقل باقتطاع قدر المساعدات التي حصل عليها المنتفعون وفقاً للقانون رقم 9,140 من مبلغ التعويض المادي، غير أنها حكمت في نفس الوقت بصرف تعويض أدبي. وبوجه عام جاءت التعويضات التي منحتها المحاكم أكبر كثيراً من تلك التي قررها القانون. ملاحظات ختامية ظل القانون رقم 9،140 واللجنة التي أنشأها محل العديد من الانتقادات، تعلق الكثير منها بالفشل في تحديد مكان بقايا أجساد من اختفوا. وهناك انتقادات رئيسية أربعة توجه لجهود التعويض التي قررها القانون، هي: (أ) يطرح أنها محدودة النطاق بصورة مخلة، ليس فقط بمعنى أنها لا تغطي أشكال الانتهاكات التي تغطيها برامج التعويضات في أماكن أخرى، بل أنها حتى لا تغطي كل أشكال العنف المفضي إلى الموت. وبالرغم من أن التفسير غير الحرفي للقانون سمح في بعض الحالات بالتعويض عن العنف المفضي إلى الموت بالإضافة إلى حالات الاختفاء، يبقى القانون قانوناً هدفه الأساسي هو التعويض عن حالات الاختفاء. وعليه يستبعد حالات من ماتوا أثناء القتال أو في المسيرات أو حيثما لا يمكن اثبات أنهم لم يكونوا محتجزين من قبل الدولة. كما تستبعد أيضاً ضحايا المتمردين، وهي فئة من الضحايا لم تتلق أي نوع من التعويض. (ب) وجهت الانتقادات أيضاً حول الفترة الزمنية التي يحددها القانون لأغراض قبول الحالات والتي تنتهي في 1979. وحالياً يتم النظر في مشروع قانون (رقم 4,908 لعام 2001) يمد هذه الفترة حتى 5 أكتوبر/تشرين الأول 1988، وهو يوم إصدار الدستور الجديد. (ج) وبالمثل يطرح المنتقدون أن فترة المئة والعشرين يوماً التي يحددها القانون لتقدم الأسر بطلباتهم فترة غير كافية، وعلى الأخص بالنظر إلى غياب الجهود الرسمية لنشر الوعي بالقانون. ومشروع القانون رقم 4،908 يطرح مدة 120 يوماً جديدة للتقديم. (د) طرحت أسر بعض فئات الضحايا أن القانون يضع عبء الإثبات على كاهلهم للتدليل على استحقاقهم التعويض. ومن الواضح أن هذا ليس حال من أتت أسماؤهم في ملحق القانون وينطبق جزئياً فقط في الحالات التي يقوم فيها الدليل على الانخراط في العمل السياسي ووقوع التوقيف، على الرغم من أن العائلات كان لا يزال عليها تقديم الدليل على الاثنين كليهما. ولكن كانت هذه حالة من كان لدى الدولة "قصة رسمية" بشأن وفاتهم. فبالنسبة لهؤلاء كان على عائلاتهم إقامة الدليل على أن الضحية قد تم إعدامه، وبالرغم من أنهم نجحوا في ذلك في العديد من الحالات، فغاية الأمر هو أن عبء الإثبات وقع عليهم لا على الدولة. على الجانب الآخر لعب القانون دوراً في كشف الحقيقة لم يكن متوقعاً. وجزء من الأهمية يخص السياق، أي أنه في دولة غاب عنها أي جهد رسمي لكشف الحقيقة يكون لأصغر محاولة "أثر هامشي" ضخم. ولكن ليس هذا كل ما في الأمر. إن كون اللجنة في نهاية الأمر أصبحت أكثر من مجرد آلية لتوزيع المعونات على قائمة من المنتفعين معدة سلفاً، ونظرها في العديد من الحالات بصورة فردية، وقيامها بنقض أسباب الوفاة المعلنة من قبل وشروعها في منح التعويضات، كل هذا كان يعنى على الأقل بالنسبة لأهالي الضحايا وحتى دون أي اعتذار رسمي أو تحمل صريح للمسئولية (فقد غاب الاثنان) نوعاً من الإقرار بالتضليل والظلم الواقعين فيما سبق. ففي إطار أن الدولة ككل مضت إلى الأمام دون التفات، ولوقت طويل، في سياق ينعدم فيه التأييد لمساءلة مرتكبي الانتهاكات في السابق، ولا مجال فيه لكثير من المصارحة، لا يمكننا أن نعتبر تلك الانتصارات الفردية التي تحققها عائلات الضحايا الذين صدِّقوا أخيراً في قولهم إن أبناءهم قد أعدموا، أنها أمر هين على الإطلاق. (2) المجموعة التالية من التصنيفات تسمح بإجراء مقارنة منهجية وتبويب لجهود التعويضات. أ- النطاق: يمكن أن يكون لجهود التعويضات نطاق يزيد أو ينقص وفقاً للعدد الكلي للمنتفعين منها. وباستخدام هذا معياراً للتبويب وبقصر الحديث على من تلقوا تعويضات مالية عن فقدان الحياة يكون للحالات الخمس المذكورة في هذه الدراسة الترتيب التالي[88]: ألمانيا: مئات الألوف[89] تعويض الأمريكيين من أصل ياباني: أكثر من 82000 الأرجنتين: أكثر من 13455 منتفعاً[90] تشيلي: ما يقرب من 6000 منتفع[91] البرازيل: 280 منتفعاً ومن الواضح أنه من هذا المنظور ليس هناك قيمة لاتساع نطاق البرنامج في ذاته، فكون برنامج ما يعوض عدداً أكبر من الناس عن غيره قد يدل ببساطة على مدى عظم اتساع جماعة المنتفعين المحتملين. وهنا يتعين علينا أن نفرِّق بين نطاق برنامج ما واكتمال غطائه. ب- اكتمال الغطاء: يشير هذا إلى قدرة البرنامج، في تمامه، على تغطية كامل نطاق المنتفعين المحتملين. ولا يوجد برنامج يفي بهذا المعيار بصورة كاملة، ولا يرجع هذا فقط إلى الصعوبات التي تحف بتحديد ما يشكل النطاق الكامل لجماعة المنتفعين "المحتملين" لبرنامج تعويضات ما من حيث المبدأ. ففي نهاية الأمر مهما كان هناك إجماع في القانون الدولي حول التعويضات، يظل هذا الإجماع في مرحلة التشكل، وتظل حدود هذا الالتزام لم تتصلب بعد. فعلى سبيل المثال يبدو أن هناك إجماعاً يتشكل في القانون الدولي حول الالتزام بتقديم تعويضات عن حوادث الاختفاء والموت. غير أن الإجماع أقل، أو حتى لا يوجد إجماع على الإطلاق، حول ما إذا كان الالتزام يمتد ليشمل التشريد. والوضع في الممارسة أكثر تعقيداً. فعلى سبيل المثال تقصر برامج التعويضات القائمة بالفعل عن تمثيل إجماع القانون الدولي حول الالتزام بتعويض حالات التعذيب. وبوجه أعم، فالمشاكل العملية التي تحد من اتساع نطاق البرامج بحيث ينتهي بها الحال لأن تكون عاجزة عن خدمة كل من تم إقرارهم بالفعل كمنتفعين محتملين يجب إضافتها إلى المشاكل المفاهيمية والمبدأية المذكورة من قبل، وهي تؤدي إلى تقليص احتمال خدمة البرنامج لكل المنتفعين المحتملين منه. وبصرف النظر عن ذلك هناك أنواع مختلفة من الاستبعاد الواضح والتي تؤثر سلباً على اكتمال غطاء جهود التعويضات. وفي سياق ارتكبت فيه صور محددة من العنف ضد مجموعات مختلفة من الناس فإن استبعاد بعض أسوأ أنواع العنف أو بعض المجموعات المستهدفة من التعويضات يقلص تلقائياً من اكتمال غطاء البرنامج. ويشكل استبعاد تشيلي لضحايا التعذيب من البرامج التي تمنح تعويضات مادية مثالاً سيئاً على عجز برنامج التعويضات عن إكمال غطائه على الوجه الصحيح. ج- الشمولية: وهو معيار ليس بمنفصل عن المعيار الأخير، ويتصل بالأنواع المحددة للجرائم المرتكبة أو الأضرار التي يسعى لمعالجتها. وباستخدام هذا المعيار يكون للحالات الخمس الخاضعة للدراسة الترتيب التصاعدي التالي: البرازيل التي سعت فقط لتعويض حالات الاختفاء[92]، والولايات المتحدة في حالة الأمريكيين من أصل ياباني والتي عوضت عن "الاحتجاز" دونما تمييز، وتقع هاتان الدولتان في أسفل الدرج. وفي الدرجة الأعلى تأتي الأرجنتين بقوانينها التي غطت الاحتجاز دون وجه حق (علاوة على الموت أو الإصابة الجسيمة أثناء الحبس) وحوادث الاختفاء. ثم تأتي جهود تشيلي والتي سعت إلى التعويض عن الموت والاختفاء والفصل عن العمل لأسباب سياسية والاستبعاد من برامج الإصلاح الزراعي، وقدمت برامج رعاية صحية لمعالجة بعض عواقب تلك الجرائم والاحتجاز دون وجه حق والنفي السياسي والتعذيب، وهي جهود أكثر شمولية في تغطيتها للأنواع المختلفة من الجرائم. وأخيراً تأتي التصنيفات الواسعة المعمول بها في قوانين التعويض الألمانية، وهي: 1) الضرر الواقع على الحياة أو الجسد أو الصحة، 2) الضرر الواقع على الحرية، 3) الضرر الواقع على الممتلكات والأصول، 4) الضرر الواقع على المهنة والتقدم الاقتصادي. وهذه التصنيفات تجعل ألمانيا النموذج الأكثر شمولاً في البلدان المذكورة. والشمولية في كل الأحوال سمة مرغوب فيها في برامج التعويض. فمن الأفضل، من الناحيتين الأخلاقية والعملية، تعويض أكبر عدد ممكن من فئات الجرائم.[93] د- التعقيد: في حين أن الشمولية ترتبط بأنواع الجرائم التي تسعى التعويضات إلى رفع الضيم التي سببته، يرتبط التعقيد بالطرق التي يسلكها هذا المسعى. وعليه فبدلاً من صب الاهتمام على العوامل الحافزة فإن معيار التعقيد يقيس طبيعة ردود الأفعال ذاتها. ويكون برنامج التعويضات أكثر تعقيداً إذا وزع المخصصات لعدد أكبر من التصنيفات المحددة وبعدد أكبر من طرق التوزيع مقارنةَ بالبرامج الأخرى. وعليه فعلى أحد طرفي الطيف نجد البرامج البسيطة التي توزع مثلاً الأموال فقط وعلى دفعة واحدة كما هو الحال في الأرجنتين[94]. أما تقديم المال والاعتذار (مثل تعويضات الولايات المتحدة للأمريكيين من أصل ياباني)، أو المال وبعض إجراءات الكشف عن الحقيقة (كما انتهى إليه الحال بالبرنامج البرازيلي)، فهى تؤدي إلى زيادة في التعقيد. أما التعويض المالي وتوفير الرعاية الصحية والمساعدات التعليمية وقروض الاستثمار وإصلاح الرواتب والمعاشات، كما هو الحال في ألمانيا وتشيلي، فتزيد إلى درجة أكبر من تعقيد جهود التعويض. وبوجه عام ونظراً لأن هناك أشياء لا تشترى بالمال فالتعقيد يأتي معه بإمكانية المرونة في توجيه المعونات بحيث تستجيب لاحتياجات الضحايا بصورة أفضل. وعليه فإذا تعادلت كل الجوانب فإن التعقيد يكون سمة مرغوباً فيها. ولكن حيث إن الجوانب لن تتعادل في معظم الأحوال، فإن هناك بعض النفقات لزيادة التعقيد قد تجعله غير مرغوب فيه بعد نقطة محددة. هـ- التكامل أو الاتساق: في الحالة المثلى يجب أن يكون لبرامج التعويضات ما أسميه التكامل أو الاتساق، ويمكن تحليل ذلك على مستويين، الداخلي والخارجي. فالاتساق الداخلي يتعلق بالعلاقة بين الأنواع المختلفة من المعونات التي يوزعها برنامج التعويضات. معظم برامج التعويضات تقدم أكثر من نوع واحد من المعونات. وهذه قد تشمل تعويضات رمزية بالإضافة إلى المادية ينطوي كل منهما على إجراءات مختلفة وتوزع إما فرديا أو جماعياً. وهكذا يمكننا القول بأن تعويضات الولايات المتحدة إلى الأمريكيين من أصل ياباني، والتي شملت الاعتذار علاوة على شيك التعويضات، هي أكثر اتساقاً داخلياً من البرنامج البرازيلي الذي لم يتعد صرف الأموال دون الإقرار الرسمي بالمسئولية، والذي ما لعب دوراً في عملية المصارحة إلا عَرَضا لا كهدف أصيل له. والاتساق الخارجي يعبر عن ضرورة تصميم جهود التعويضات بحيث ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالآليات الانتقالية الأخرى مثل العدالة الجنائية والمصارحة والإصلاح المؤسسي على الأقل. وهي ضرورة عملية ومفاهيمية في آن واحد. وتزيد هذه العلاقة من احتمال اعتبار كل من تلك الآليات نجاحاً (بصرف النظر عن أوجه القصور التي تشوب كلا منها حتماً) واحتمال أن تلبي الجهود الانتقالية بوجه عام توقعات المواطنين، وهو الأهم. والأكثر من هذه الميزة العملية يمكن الطرح بأن هذه الضرورة تنبع من علاقات التكامل بين آليات العدالة الانتقالية المختلفة. ولا يسعنا هنا إلا العرض الوجيز لهذا الطرح. فعلى سبيل المثال، فإن المصارحة في غياب أي جهود تعويضية يمكن اعتبارها من قبل الضحايا كلاماً أجوف. بل ولا يقتصر الأمر على ذلك، فالعلاقة تقوم في الاتجاه الآخر أيضاً، فجهود التعويض دون مصارحة يمكن أن تعتبر من قبل المنتفعين محاولة من الدولة لشراء صمتهم وإذعانهم هم وأسرهم. ويمكن ملاحظة تلك العلاقة الوثيقة وثنائية الاتجاه نفسها بين التعويضات والإصلاح المؤسسي، حيث لن يفهم الناس على الإطلاق الإصلاح الديمقراطي إن لم يصحبه السعي إلى رد اعتبار المواطنين الذين وقعوا ضحية للظلم. وعلى نفس المنوال فإن المعونات التعويضية في غياب إصلاح يقلل من إمكانية تكرار العنف ما هي إلا مدفوعات تحيط بنفعها وبالتالي مشروعيتها ظلال من الشك. وأخيراً ترتبط العدالة الجنائية والتعويضات بذات العلاقة الوثيقة الثنائية الاتجاه. وبهذا المعنى، ومن منظور الضحايا، وبالأخص بعدما تمر لحظة الرضا العابرة الناجمة عن عقاب الجناة، فإن إدانة بضع جناة دون أي مجهود فعال لرفع الضرر عن الضحايا بصورة إيجابية يمكن أن يراه الضحايا محض انتقام لا مغزى له. والتعويضات دون أي جهد لتحقيق العدالة الجنائية قد تبدو لهم محض دية تدفع. (وهذه العلاقات المركبة لا تقوم فقط بين التعويضات وكل من العناصر الأخرى للعدالة الانتقالية، ولكن بالأحرى بينها جميعا. أي أننا يمكننا أن نقدم أطروحات موازية لوصف العلاقة بين العدالة الجنائية والمصارحة وبين أي منهما والإصلاح المؤسسي). ومن نافلة القول أن تحقيق التماسك الداخلي والخارجي أسهل في حالة وضع التعويضات في هيئة برنامج، وإذا كان هذا البرنامج جزءاً من سياسة للعدالة الانتقالية. ولأنه نادراً ما يكون الوضع كذلك، فقد أشرت إلى الحالات المستعرضة هنا بلفظة "جهود" لا "برامج" تعويض. وبالرغم من أن حالتي الأرجنتين وتشيلي تطورتا متقاربين في توقيتهما من آليات انتقالية أخرى، وأن حالة تشيلي تطورت كجزء من البرنامج السياسي للتحالف، فإنه لم يحدث في أي من الحالات المستعرضة أن صممت على أساس برنامجي (لا بالمعنى الداخلي، أي توفيق التعويضات للجرائم المختلفة بشكل منهجي، ولا بالمعنى الخارجي، أي توفيق برنامج التعويضات مع السياسات القضائية وسياسات المصارحة والإصلاح المؤسسي). و- النهائية: ونشير بنهائية برنامج التعويضات إلى ما إذا كان البرنامج ينص على أن تلقي المعونات يوصد الأبواب الأخرى للتعويض المدني أم لا. فليست كل جهود التعويض نهائية بهذا المعنى. وبالتحديد فمن بين الحالات المستعرضة نجد أن حالتي ألمانيا والولايات المتحدة وأحد قوانين الأرجنتين نهائية، أما البرازيل وتشيلي فهما غير نهائيتين. ومن الصعب تحديد ما إذا كان من المرغوب فيه أن تكون برامج التعويضات نهائية على المستوى المجرد. فمن جانب تعني النهائية أن باب اللجوء إلى القضاء قد سد في وجه المواطنين. ومن جانب آخر إذا قامت الحكومة بجهود حسنة النية لإنشاء نظام إداري ييسر على المواطنين الحصول على المعونات، لأسباب سبق ذكرها، فإن السماح للمواطنين برفع الدعاوى المدنية لا يثير فقط خطر الحصول على التعويض مرتين عن نفس الضرر بل الأسوأ أن يثير خطر زعزعة استقرار برنامج التعويضات بأجمعه. وهذا أمر محتمل الحدوث لأن التعويضات الممنوحة من المحكمة عادةً تكون أكبر من التعويضات التي يقدمها برنامج ضخم، وهو ما يمكن أن يغير التوقعات تغييراً كبيراً وبذا يؤدي إلى شعور عام بخيبة الأمل تجاه المساعدات التي يقدمها البرنامج. وعلاوة على ذلك قد يحدث ذلك التغيير في التوقعات بناءً على حالات قد لا تكون ممثلة لعموم الضحايا[95]. ز- سخاء التعويضات[96]: هذه هي سمة برامج التعويضات المتعلقة بقدر المخصصات (من منظور المنتفع الفرد)[97]. وغني عن الذكر أنه لا توجد وسيلة مضمونة تماماً لقياس القيمة المطلقة للمخصصات، ولن نكسب إلا تعقيد الأمر إذا ما حاولنا إجراء تحليل مقارن بين البلدان لمعرفة قيمتها النسبية. ومع ذلك فبالتجريد من التعقيدات الأخرى يتضح أننا إذا قارننا ببساطة القيمة الدولارية للمخصصات المادية المصروفة مباشرة إلى الضحايا في الحالات الخمس المستعرضة هنا يكون ترتيبها التصاعدي من حيث سخاء التعويضات بصورة تقريبية كالآتي: الولايات المتحدة الأمريكية، تشيلي، ألمانيا، البرازيل، الأرجنتين[98]. وكما يوضح هذا الترتيب لا يعتبر السخاء في ذاته معياراً لنجاح التعويض. فبمعظم المعايير تعد تعويضات الولايات المتحدة للأمريكيين من أصل ياباني أكثر نجاحاً من جهود التعويض الأرجنتينية. (3) إن السؤال عما يؤدي إلى نجاح أو فشل برنامج تعويضات هو إلى حد كبير سؤال معياري، لأن الأمر لا يتعلق فقط بتلبية التوقعات الفعلية للمواطنين بل تلبية توقعاتهم المشروعة، وهو ما لا ينفصل عن الوفاء بمعايير العدالة. إن أعم أهداف أي برنامج للتعويضات إذن هو إنصاف الضحايا. غير أن السؤال الحاسم هو: ما هي مقتضيات العدالة في مسألة التعويضات؟ ولا يسعنا هنا إلا الاستعراض الموجز لطرح عرضناه بالتفصيل في مجال آخر[99]. في حالة معزولة لانتهاك حقوق الإنسان يكون رد الحق كاملاً (restitutio in integrum) هدفاً أمثلَ لا تشوبه شائبة. ويتكون رد الحق كاملاً من إعادة الوضع إلى ما كان عليه أو التعويض بما يتناسب والضرر. ولكن كما رأينا من قبل فبالرغم من أن القانون الدولي ما فتئ يطرح رد الحق الكامل باعتباره معيار العدالة في التعويض، فلا يوجد على الإطلاق برنامج سعى إلى الوفاء بهذا المعيار. والأسباب وراء ذلك معقدة غير أن منها الندرة الحقيقية للموارد والتي تجعل من غير الممكن تلبية مطالب الضحايا وفي نفس الوقت حاجات قطاعات المجتمع الأخرى والتي للعدل تقتضي اهتمام الدولة. وفي هذه الحالة لا يمكن للدولة أن تتجاهل مطالب الضحايا مكتفية بحجة أنه لا يوجد موارد كافية لتغطية النفقات. وهذا يعتبر بمثابة الإقرار بأن الدولة في وضع لا يسمح لها بإقامة نظام عادل. ومع ذلك فأنا أظن أنه من المهم أن نضع في اعتبارنا أن رد الحق كاملاً قد يكون هدفاً أمثلَ للعدالة التعويضية في الحالات الفردية ولكنه لا يقدم سوى القليل من الهدي، بل قد يكون حتى مضللاً، في حالة الانتهاكات الواسعة النطاق والمرتكبة بصورة منهجية. واستجابة لهذه الحالة الأخيرة فإن مسئولية الدولة تتوقف على تصميم برنامج للتعويضات يمكن القول عنه إنه يلبي مقتضيات العدالة، حتى وإن كانت المساعدات التي يقدمها ليست كتلك التي تمنحها المحاكم التي تنظر في قضايا لا تتكرر كثيراً أو تكون على الأقل حالات معزولة. ولكن علامَ تنطوي "تلبية مقتضيات العدالة"؟[100] قبل أن نحاول وضع إجابة بصورة أولية، هناك تعليق يفرض نفسه حول مجال الطرح الذي أقدمه: إن برامج التعويضات من النوع الذي يعنينا هنا غالباً ما يوضع في إطار التحول إلى الديمقراطية. وأهمية هذه الملاحظة هي أنه بصرف النظر عن المضمون المحدد المضفى على مفهوم العدالة (وأي تعريف سيكون لزاماً موضع خلاف) ينطوي السعي إلى العدالة في الفترات الانتقالية على ما يلي: محاولات لعقاب مرتكبي أسوأ انتهاكات حقوق الإنسان، وجهود للفهم وإزالة اللبس فيما يتعلق بطبيعة بنية العنف ومصير الضحايا، وينطوي أيضا على محاولات لإصلاح المؤسسات بحيث يتم تحييد الأسباب التي تكون قد ساهمت في العنف، وأخيراً مساعٍ لتعويض الضحايا. وهذه عناصر أربعة أساسية في العدالة الانتقالية (وتبقى الموازنة بينها مسألة تتحدد إلى حد كبير وفقاً للسياق). وهناك استنتاجان ينبعان من ملاحظة أن التعويضات هي أحد عناصر العدالة الانتقالية. أولاً، بما أنها عنصر من بين غيرها من العناصر، ينبغي ألا ننظر إلى التعويضات على أنها تحمل عبء إعادة العدالة وحدها. وكما بينّا فيما سبق في الجزء الخاص بالتكامل أو الاتساق، فإن سياسة العدالة الانتقالية ينبغي أن تصاغ بصورة تجعل كلاً من عناصرها يساند العناصر الأخرى ويساعد في تعويض النقص الذي لا محيد عنه في أي منها. وثانياً، وكما هو واضح فإن التعويضات بصفتها جزءا من سياسة العدالة الانتقالية ينبغي أن تخدم الأغراض العامة للانتقال كيفما تحددت هذه بصورة ملموسة. هناك ثلاثة أهداف محددة، وثيقة الصلة بالعدالة، يمكن لبرامج التعويضات أن تخدمها. وهذه الأهداف شروط واستتباعات ضرورية للعدالة في آن واحد. الإقرار أحد أهم أهداف العدالة الانتقالية هو إعادة صفة المواطنة للأفراد (أو في بعض الأحيان إنشاؤها لأول مرة). وهذا يربط بين التعويضات والإقرار، بقدر ما يستهدف برنامج التعويضات المساهمة في تحقيق العدالة، وطالما كان الإقرار شرطاً للعدالة وناتجاً عنها. ومن أجل الاعتراف بالأفراد كمواطنين ينبغي الاعتراف بهم كأفراد أولاً. وهذا يعني أنه من الضروري الإقرار بهم ليس فقط كأفراد في جماعة (بصرف النظر عن أهمية ذلك في حد ذاته)، بل أيضاً بصفتهم بشراً لا يمكن تعويضهم ولا تبديلهم. إن المواطنة في إطار الديمقراطية الدستورية وضعية يمنحها الأفراد لبعضهم البعض، وكل منهم ينظر إلى الآخر على أنه له قيمة في ذاته. أحد طرق الاعتراف بشخص آخر، بالإضافة إلى إدراك السمات الخاصة لشكل حياته (أي إدراك الشخص بصفته فاعلاً)، هو إدراك صور تأثره بالبيئة، أي إدراك أن الشخص ليس فقط ذات أفعاله بل أيضاً موضوع أفعال الآخرين. وبكلمات أخرى، هناك شكل من أشكال الظلم لا يتمثل في الحرمان من الحرية دون وجه حق بل في غياب أي نوع من الاعتبار الواجب لكل من تأثر تأثراً سلبياَ وشديداً بتصرفات الآخرين. من الصعب أن نتخيل نظاماً يطمح إلى العدالة ولا ينطوي على الإقرار المتبادل بين أفراده. وبهذا المعنى يمكننا القول بأن الإقرار شرط للعدالة. وكأن هذا ليس كافياً، فمن المهم في الديمقراطية الدستورية أن يقر الأفراد بعضهم ببعض ليس فقط بصفتهم أفراداً بل أيضاً بصفتهم مواطنين. إن حرمان الضحايا من نوع الاعتبار الواجب الذي نتحدث عنه يجعل الإضفاء المتبادل لهذه الوضعية مستحيلاً. ففي نظام ديمقراطي تكون المواطنة وضعية تستند إلى مساواة من يتمتعون بها في الحقوق. وهذه المساواة في الحقوق تقضي بأن من انتهكت حقوقهم يستحقون معاملة خاصة، معاملة تنحو نحو إعادة تأسيس أوضاع المساواة. وفي رأيي فإن برنامج التعويضات المصمم جيداً يساهم في تحقيق العدالة بالتحديد لأن التعويضات تمثل صورة من صور الإقرار. هي، بتعبير آخر، تجسيد للإقرار الذي يدين به المواطنون لمن انتهكت حقوقهم الأساسية. وبالرغم من أنه بالتأكيد سيكون هناك بعض العوامل الخاصة بالسياق والتي تربط بين كم المعونات وإثبات الإقرار (وهي رابطة تتضح أكثر ما تتضح عند فصم عراها)[101]، إلا أننا يمكننا القول بأن برامج التعويضات الناجحة تدين ببعض نجاحها لمسألة أن تجعل المنتفعين وآخرين يشعرون بأنه بالرغم من استحالة التعويض بما يتناسب والضرر فإن المعونات تساهم في الإقرار بالضحايا باعتبارهم أفراداً ومواطنين وهو الأهم على الإطلاق. وباستخدام التصنيفات التي قدمناها في القسم السابق نجد أن برنامج التعويضات لا يحتاج إلى أن يكون سخياً حتى يعبر عن الإقرار. فاكتمال غطائه، أي عدم إهماله أقساماً بأكملها من الضحايا، بهذا المعنى قد يكون أكثر أهمية. ولا ريب أنه بصرف النظر عن مدى ضآلة المخصصات التي قدمها برنامج التعويضات في الولايات المتحدة أو ألمانيا مقارنة برد الحق كاملاً فقد شعر المنتفعون وغيرهم أنها نقلت رسالة اجتماعية عامة بالإقرار بهم. ثقة المواطنين أحد الأهداف المشروعة الأخرى لبرامج التعويضات بصفتها أداة للعدالة هو خلق الثقة أو استعادتها بين المواطنين. وهذا الشكل من الثقة يختلف كثيراً عن الثقة بين أفراد تجمعهم علاقة حميمة. فالثقة بين المواطنين هو اتجاه سلوكي يمكن أن ينشأ بين أفراد جماعة سياسية يظلون بالرغم من ذلك أغراباً عن بعضهم البعض. وكمثل الإقرار تكون الثقة بين المواطنين في نفس الوقت شرطاً للعدالة ونتاجاً. وهناك العديد من الوسائل لرصد كيف يعتمد النظام القانوني على الثقة بين المواطنين. على أعم المستويات، يعمل النظام القضائي فقط بافتراضه مستوىً عالياً من الامتثال الطوعي لمعاييره الأساسية. وبكلمات أخرى، نجد أن معظم التفاعلات الاجتماعية أن دور الوسيط ليس هو القانون ولكن الثقة بين المواطنين (بدرجة أو أخرى). بل والأهم إن كل النظم القانونية لا تستند فقط إلى ثقة المواطنين ببعضهم البعض فحسب بل ثقتهم في النظام نفسه. فبادئ ذي بدء، في غياب المراقبة الكاملة (أو الشمولية) يعتمد نظام العدالة الجنائية على استعداد المواطنين للتبليغ عن الجرائم التي إما شهدوها أو كانوا ضحيتها. ومن جانب آخر، لا يستند النظام القانوني إلى ثقة المواطنين ببعضهم البعض وبالنظام نفسه، بل بالأحرى إن النظام نفسه إذا ما عمل على الوجه الصحيح يحفز كلا النوعين من الثقة. وبقدر ما يساعد النظام على استقرار التوقعات وبالتالي تقليص مخاطر الثقة بالآخرين، فإنه يساهم في خلق الثقة بين المواطنين. وبقدر ما تكون المؤسسات جديرة بالاعتماد عليها فإنها تعطي المواطنين أسباباً لوضع ثقتهم فيها وائتمانها على مهمة حل خلافاتهم. والنقطة الأساسية هي توضيح العلاقة بين التعويضات والثقة بين المواطنين. وكما رأينا من قبل، بالنسبة للضحايا تمثل التعويضات تعبيراً عن جدية الدولة ومواطنيهم في سعيهم لإقامة علاقات المساواة والاحترام من جديد. وفي غياب التعويضات سيكون لدى الضحايا دائماً أسباب للشك في أن المجتمع الديمقراطي "الجديد" يقام على كواهلهم وعلى تجاهل مطالبهم المشروعة، حتى لو تم وضع الآليات الانتقالية الأخرى موضع التنفيذ بدرجة من الإخلاص. والخلاصة أن التعويضات يمكن أن ينظر إليها على أنها وسيلة لتحقيق أحد أهداف الدولة العادلة وهو ضم الجميع، بمعنى أن كل المواطنين مشاركون على قدم المساواة في مشروع سياسي مشترك. ومع ذلك فنظراً للطبيعة الشمولية للعدالة الانتقالية فإن هذا أيضاً يعني أنه مهما كان برنامج التعويضات سخياً إن أعطى المنتفعين وغيرهم أسباباً للاعتقاد بأن المخصصات التي يتلقونها هي محاولة لشراء إذعانهم لنظام ما برح ظالماً في أساسه (وهي مشكلة يمكن وصفها بغياب "الاتساق الخارجي") لا لتعزيز الثقة المتبادلة والثقة في مؤسسات النظام، يمكن لبرنامج التعويضات أن يأتي بنتيجة عكسية، وهذا هو ما يرى البعض أنه حدث في الأرجنتين. التضامن وأخيراً، هناك هدف مشروع آخر لبرامج التعويضات، بصفتها إحدى صور تعزيز العدالة، هو تعضيد أو خلق التضامن الاجتماعي وهو، مثله مثل الإقرار وثقة المواطنين، شرط ونتاج للعدالة في نفس الوقت. يأتي التضامن – شأنه شأن ثقة المواطنين - في مختلف الصور والدرجات. التضامن الاجتماعي هو ذلك النوع من التعاطف الذي يتسم به من لهم الميل والاستعداد لوضع أنفسهم محل الآخرين. ويمكننا أن نرى أن هذا الاتجاه السلوكي شرط للعدالة وفقاً للمنطق التالي: لا يمكن الوصول إلى حياد النظر وهو الشرط الضروري لإقامة العدل ما لم يكن الشخص القائم بالقضاء على استعداد لوضع نفسه محل المتخاصمين. وعلاوة على ذلك، في نظام ديمقراطي يميز الشرعية عن مجرد توازن السلطات تكون الوسيلة الوحيدة لضمان شرعية قانون ما هي ضمان اشتمال القانون على مصالح كل من يمسهم. ويفترض هذا الاكتراث بمصلحة الآخرين. وهذا هو بالتحديد التضامن الاجتماعي. يمكن النظر إلى التعويضات بصفتها تعبيراً عن هذا النوع من الاكتراث وفي نفس الوقت بصفتها أدوات لتوليد هذا النوع من التضامن. في المجتمعات التي تنقسم بين الحضري والريفي وتتوزعها عوامل العرق والثقافة والطبقة ونوع الجنس تعبر التعويضات عن اكتراث أصحاب الامتيازات التقليدية بمصالح أكثر الناس تعساً. وبالرغم من أنه لا يمكننا الافتراض بأن الفئة الأولى ستؤيد برامج التعويضات بصورة تلقائية، فهذه نقطة يمكن عندها أن تلعب العلاقات بين التعويضات والآليات الانتقالية الأخرى، وعلى وجه الخصوص المصارحة، دوراً هاماً حيث يمكن لتجلية التاريخ أن توقظ الشعور بالتعاطف مع الضحايا. وعلى جانب آخر، بقدر ما يشعر الضحايا بأن المطروح هو "عقد اجتماعي" جديد يقر بصورة وافية بكرامتهم ومصالحهم بقدر ما يكون لديهم أسباب الاكتراث بالمصالح العامة، وبذا يساهمون في تقوية دعائم مجتمع عادل. استعرض القسم الأول من هذا البحث بصورة موجزة جهود التعويض التي اتخذت في خمس بلدان مختلفة استجابة لصنوف مختلفة من انتهاكات حقوق الإنسان. وفي القسم الثاني حاولنا أن نضع بعض المعايير التي يمكن استخدامها لتصنيف برامج التعويضات. ويعين التحليل، بالإضافة إلى فائدته الوصفية - السمات التي قد تكون مرغوبةً فيها. أما القسم الثالث فبالرغم من طابعه المعياري من الناحية الأساسية فإنه يستقي من الوقائع التجريبية لإعادة تشكيل الأهداف التي يمكن القول بأن برامج التعويضات تخدمها. وأحد البواعث الرئيسية لطرح هذه المناقشة المعيارية التجديدية هو السعي لسد فجوة معيارية هائلة في هذا المجال. إن إدراك أن رد الحق كاملاً كمثل أعلى لم يتحقق قط في أي برنامج قائم وأنه في بعض الحالات يمكن لهذا المثل الأعلى أن يعيق نجاح برامج التعويضات الممكنة التحقيق يجعل من الضروري محاولة صياغة معايير للعدل. ويقدم هذا القسم مخططاً أولياً لمثل تلك المحاولة. إن اعتبار الهدف الأساسي لبرنامج التعويضات هو تعزيز الإقرار وثقة المواطنين والتضامن الاجتماعي يعطيه طابعاً استشرافياً مفيداً. وأحد المصادر الرئيسية للاستياء من معظم المدفوعات التعويضية هو أن المنتفعين غالباً ما يعتبرونها غير كافية على سبيل التعويض. وهم في هذا غالباً ما يكونون على حق، بصرف النظر عن سخاء البرنامج، لأسباب تتعلق بصعوبة (وفي نهاية الأمر استحالة) التقدير الكمي للضرر الكبير. إذ إنه لا يوجد قدر من المال يستطيع أن يعوض خسارة أحد الوالدين أو الأبناء أو الزوج. ليس هناك قدر من المال يمكن أن يعوض بصورة كافية عن كابوس التعذيب وصدمته النفسية. وفي رأيي أنه ينبغي على برامج التعويضات ألا تحاول، بل أن تتجنب استخدام لغة التعويض المتناسب في كل الأحوال، وذلك على الأقل بسبب الصعوبات المالية التي تنطوي عليها حالات الأعداد الهائلة من طالبي التعويض. ينبغي أن يخلو برنامج التعويضات من أي شيء قد يغري مصمميه أو منتفعيه بتفسيره كمحاولة لوضع سعر لحياة الضحايا أو لتجارب الرعب التي خاضوها. والأحرى أن تفسر التعويضات على أنها تقدم إسهاماً في نوعية حياة من بقى من الضحايا. إن التفكير في التعويضات من حيث الإقرار وتعزيز ثقة المواطنين والتضامن الاجتماعي يدعو إلى تبني هذا المنظور الاستشرافي. وميزة أخرى لاعتبار هذه العناصر أهدافاً للبرنامج هي أنها تسمح بشكل صحي من الحكم على الأمور في سياقها. وعلى سبيل المثال فإن ما يكفي في مجتمع ما لتوفير الإقرار الكافي للضحايا هو بالأساس مسألة سياق. فما يتوقعه مواطنو الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل الإقرار قد يختلف اختلافاً كبيراً عما قد يتوقعه المنتفعون المحتملون في سياقات أخرى. ومن الواضح أن تلبية تلك التوقعات المختلفة، بالرغم من اختلافها، ليس بالسيئ. إذن يمكن القول بأن برامج التعويضات تسهم في تحقيق شكل متواضع وغير كامل للعدالة، وذلك بمقتضى تعزيزها لنوعية حياة من عانوا الظلم وتحقيقها للإقرار وتعزيزها لثقة المواطنين وتطوير التضامن الاجتماعي. ولا يعتبر أي مما سبق بمثابة إعادة الحال إلى ما كان عليه أو تعويض متناسب مع الضرر الواقع. ومع ذلك فهي ليست فقط تعزية، وإنما أرضية يمكن على أساسها إقامة علاقات عادلة بين المواطنين ربما للمرة الأولى في بلدان تخرج لتوها من الصراع أو الحكم التسلطي.
المراجع والهوامش [1] سينشر هذا المشروع تحت عنوان "إصلاح الماضي." وسوف يحتوي على دراسات حالة ووثائق أساسية ودراسات منهجية. [2] أدين بالفضل الكبير لأنطوني تريولو لمساعداته الفائقة في المشروع ككل. [3] إلا أن هذا الانتقال ليس من خلال الاستنباط. فلا حتمية هنا، لا توجد محاولة لاستنباط "ما يجب" من بين "ما هو كائن." الانتقال بالأحرى يجيء من خلال إعادة التشكيل، ويمثل جهداً لإعادة تشكيل الأهداف التي يقال إن برامج التعويضات الواقعية تسعى إليها. المزيد من التفصيل لاحقاً. [4] هذا القسم يعتمد على بحث بعنوان "التعويضات الألمانية لضحايا الهولوكوست," أعدها آرييل كولونوموس وأتمها موظفو المركز الدولي للعدالة الانتقالية وهم أندريا أرمسترونج، بابلو دي جريف، أنطوني تريولو. وأنا أدين بالفضل لأندريا أرمسترونج للمساعدة في تفصيل هذا الموجز. [5] القنصلية الألمانية بنيويورك. “Leistungen der Offentlichen Hand auf dem Gebiet der Wiedergutmachung: Stand 31. Dezember 2001” وتم حساب الأرقام باستخدام سعر الصرف في ديسمبر/كانون الأول 2001 حيث 1 يورو= 0,8813 دولار. [6] مؤتمر المطالبات اليهودية المادية لدى ألمانيا، أو "مؤتمر المطالبات" هو منظمة شاملة تضم 51 منظمة، تشكلت عام 1951 لتمثل احتياجات من بقى على قيد الحياة بعد الهولوكوست. لمزيد من المعلومات حول المنظمة أنظر: http://www.claimscon.org [7] رونالد زفيج، التعويضات الألمانية والعالم اليهودي. (لندن، مطبوعات فرانك كاس، 2001)، ص. 112. [8] Bundeserganzungs-gesets zur Entschadigung fur Opfer der national-sozialistischen Verfolgung, 21 September 1953. [9] Bundesentschadigungsgesetz (BEG), 29 June 1956. [10] Bundesentschadigungsgesetz Schlussgesetz, 18 September 1965. [11] على سبيل المثال، من الصعب إثبات أن انتحار أحد الأقارب هو نتيجة لسياسة رسمية، حتى بالرغم من أن السياسة الرسمية قد تكون خلقت الظروف التي جعلت الحياة لا تطاق. [12] Bundeserganzungs-gesetz zur Entschadigung, 1953, Vierter Abschnitt, Zweiter Titel, 85 [13] انقسم الموظفون العموميون إلى أربع درجات من حيث الدخل، المستوى الأدنى والمستوى المتوسط والمستوى العالي والمستوى الأعلى). [14] يشير شويرين إلى أن اللاجئين والأشخاص عديمي الجنسية كان يجوز لهم فقط طلب التعويض عن فقدان الحياة وفقاً للمادة 15 من قانون عام 1953 (المقتل نتيجة للاضطهاد) أو المادة 41 (المقتل نتيجة لإصابة الجسد أو الصحة). Kurt Schwerin, “German Compensation for Victims of Nazi Persecution,” in Transitional Justice, Volume II, ek. Neil Kritz (Washington, DC: USIP, 1995), p.51 [15] القنصلية الألمانية بنيويورك، عام 2001. [16] كما جاء في المادة 15,1 من قانون عام 1953 "لفظة بسيطة تنطبق على تلك الأضرار التي لا تنتقص من القدرة على الانتاج الروحي والجسدي للمضطهد ولا يتوقع منها ذلك." Christian Pross, Paying for the Past (Baltimore, MD: Johns Hopkins University Press, 1998), P. 72 [17] [18] مدفوعات تعويض الضرر الواقع على الحياة أو الصحة تحددت على أساس الدخل المتوسط للمضطهد، إما قبل وفاتهم بثلاث سنوات أو بعدما بدأ الاضطهاد ضدهم بثلاث سنوات. قد يكون المتقدمين بالطلب عانوا من انخفاض في دخلهم قبل هذين الحدثين بسبب له عمومية أكثر (كراهية الأجانب وما شاكلها). ولذا فإن أساس تحديد المساعدات غالباً أقل مما لو كان استند إلى متوسط الدخل في الثلاث سنوات السابقة على صعود النظام النازي. (قانون عام 1956، المواد 31 و40 و41) [19] القنصلية الألمانية بنيويورك، 2001 [20] محكمة الولايات المتحدة الأمريكية لقطاع شرق نيويورك، "فيما يتعلق بمسألة التقاضي بشأن أصول ضحايا الهولوكوست (البنوك السويسرية)" 11 سبتمبر 2000. مأخوذة من الموقع التالي على شبكة الإنترنت: http://www.nyed.uscourts.gov/pub/rulings/cv/1996/665994.pdf [21] القنصلية الأمريكية بنيويورك، 2001. [22] لم يتم تحديد الأصول أو الممتلكات في إطار قوانين التعويضات لأعوام 1953، 1956 أو 1965. وفسر قانون المحاكم الألمانية لفظة "الأصول" (بالتمايز عن الممتلكات) على أنها تشمل "الإختراعات والبراءات والهبات والعلاقات التجارية والفوائد العقارية المؤجلة." أنظر: محكمة الولايات المتحدة الأمريكية لقطاع شرق نيويورك، 2000. ص. E26 [23] ضريبة الفرار من الرايخ (Reichfluectsteuer) كانت ضريبة مفروضة على كل من رغب في الهجرة من ألمانيا. [24] محكمة الولايات المتحدة لقطاع شرق نيويورك، 2000. ص. E26 [25] القنصلية الألمانية بنيويورك، 2001. [26] محكمة الولايات المتحدة لقطاع شرق نيويورك، 2000. ص. E27. Artkiel 1, 69, 70, 71 [27] هذا القانون "قانون تسوية التعويضات لأفراد الخدمة العامة" (Gesetz zur Regelung der Wiedergutmachung fur Angehorige des Offentlichen Dienstes vom 11. Mai 1951) يعرف أيضاً بقانون "131" نسبة للمادة 131 من القانون الألماني الأساسي (الدستور)، وهذا القانون قد صدر قبل أي قانون لعموم ألمانيا لتعويض الضحايا اليهود لنظام النازي. (Pross, Paying for the past, pp. 21-22, 228) يشير كيرت شفيرين إلى أن الموظفين العموميين السابقين، بما فيهم الضباط السابقين والقضاة والمدرسين والأساتذة، إما أعيدوا إلى "المناصب والرواتب أو درجة الراتب التي كان مقدم الطلب ليصل إليها ما لم يقع الاضطهاد," شفيرين "التعويضات الألمانية"، ص. 60 [28] في قانون عام 1953 كان علي المتقدمين بالطلبات أن يثبتوا أنهم لم يعودوا قادرين على ممارسة مهنتهم السابقة، أما في قانون عام 1956 فما كان عليهم إلا أن يبينوا أنهم في وقت التقدم بالطلب لا يعملون بالقدر الكافي للحصول على مستوى لائق من العيش وأنه لا يمكن التوقع بالوصول إلى ذلك المستوى. (المادة 33 بقانون عام 1953، و82 بقانون عام 1956). [29] محكمة الولايات المتحدة الأمريكية لقطاع شرق نيويورك، ص. E27 [30] القنصلية الألمانية بنيويورك، 2001. [31] Artikel V, BEG Schlussgesetz. بالنسبة للأفراد الذين عانوا أكثر من 6 شهور من الاحتجاز أو نسبة 80% عجز في قدرتهم على الكسب، تضمن قانون عام 1956 أحكاماً تسمح بالمضاعفة أكثر من مرة للمخصص الأدنى المحتسب على أساس سنوات السجن وما إلى ذلك. [32] ومنهم من اقتيدوا إلى أماكن العمل بعد 1933 ومعسكرات الاعتقال بعد 1938، في أعقاب العديد من الحملات الكبرى في مواجهة من أطلق عليهم اسم "المتهربين من العمل" والمومسات والمتشردين والمتسولين." وهؤلاء حرموا التعويض بمقتضى قانون BEG لأنهم لم يوفوا بشرط تعرضهم للاضطهاد "على أساس العرق،الدين أو المعتقدات السياسية." أنظر: Pross, Paying for the Past, p. 53 [33] على سبيل المثال، كما رأينا أعلاه، أعطى القانون النهائي مساعدات لمن أجبروا على العمل القسري فقط بقدر ما عاشوا في ظروف "شبيهة بالسجن." ولكن هذا الوصف لا ينطبق على كل من أجبر على العمل القسري، بل ولا عوضهم عن عملهم سواء في معسكرات التجميع أو شركات ألمانية خاصة. وقد أدى هذا الاستبعاد إلى إعادة فتح موضوع التعويضات في ألمانيا في بداية الثمانينات وخلال التسعينات، بما انتهى بتعويضات العبيد والعمل القسري الشهيرة والتي تم التفاوض حولها لتفادي مقاضاة الشركات الألمانية في الولايات المتحدة، وإن لم يكن هذا هو كل الأسباب. هذا البرنامج الجديد لا يقر فقط بالعمل القسري والسخرة ولكنه فتح أبوابه أيضاً لبعض من استبعدوا من القانون النهائي بسبب شروطه المتعلقة بالإقامة. أنظر في ذلك دراسة جون أوثرز في "إصلاح الماضي." "Repairing the past" John Authers. [34] 37,5 بليون دولار منذ ديسمبر/كانون الأول 2001 و2 مليون منحة من مجموع 4384138 طلباً بحلول ديسمبر/كانون الأول 1987. أنظر القنصلية الألمانية بنيويورك، 2001. [35] العرض اللاحق يتبع بصورة وثيقة مقال إريك ياماموتو وليان إبيسوجاوا "تقرير حول رفع الظلم: احتجاز الأمريكيين من أصول يابانية," في "إصلاح الماضي." [36] وقع القصف فجر السابع من ديسمبر/كانون الأول 1941. [37] لم يكن في هذه الخطة فكرة الاحتجاز الجماعي لمجموعة من الناس، بل توقعت إلقاء القبض على أفراد بعينهم بمقتضى أذون صادرة عن وكلاء نيابة فدراليين ثم إجراء جلسات استماع للنظر في ولاء كل فرد على حدة. وعلاوة على ذلك استهدفت الخطة الأجانب لا المواطنين، ما يدل على أن المواطنين سيعاملون بمقتضى الأحكام العادية للقانون. [38] قضية ياسوي ضد الولايات المتحدة، 1942. [39] قضية هيراباياشي ضد الولايات المتحدة، 1942. [40] قضية كوريماتسو ضد الولايات المتحدة، 1944. وقد صلت قضية رابعة خاصة بالاحتجاز إلى المحكمة العليا، وهي قضية ميتسوي إندو، والتي تقدمت بطلب الحصول على إذن لمغادرة معسكر الاحتجاز. طرحت إندو أنها مواطنة أمريكية ذات ولاء وملتزمة بالقوانين وأنه لم يوجه إليها أي تهم وأنها كانت محتجزة بصورة غير شرعية. وقد صادقت المحكمة العليا على إطلاق سراحها لا على أسس دستورية بل لأنها كانت محتجزة على يد هيئة مدنية "هيئة إعادة التوطين في الحرب" لا الجيش، وعليه لا يمكن أن تحتجز لغير أمد محدد دون سبب وجيه. Ex Parte Endo, 323 U.S. 283 (1944) [41] قضية كوريماتسو ضد الولايات المتحدة. 584 F. Supp. 1406 (N.D. Cal. 1984). وقد أبدت المحكمة التي نظرت القضية الملاحظة التالية التي يجدر إعادة قراءتها في هذه الأوقات الصعبة: Q.p.12 [42] قضية هيراباياشي ضد الولايات المتحدة. 828 F. 2d 591 (9th Cir. 1987) [43] إن قضية coram nobis وقضية "هوري" الجماعية كانتا وجهين لاستراتيجية قانونية منسقة. وقد اتصل المحامون على الجانبين ببعضهما البعض وتبادلوا المعلومات والوثائق. [44] سمح القانون بصرف المبالغ إلى الورثة فقط في حالة موت المنتفع بعد صدور القانون وقبل أن يتلقى المبلغ. وفي تلك الحالات كان المبلغ يدفع أولاً للزوج أو الزوجة الباقين على قيد الحياة، فإن لم يوجدا ينقسم المبلغ إلى أنصبة متساوية ويوزع على الأبناء الأحياء في وقت الدفع، فإن لم يوجد أبناء يوزع المبلغ بأنصبة متساوية على من على قيد الحياة من الوالدين. [45] هذا الاشتراط بالنسبة للمنتفعين المحتملين استبعد 2260 أمريكياً جنوبياً من أصل ياباني من 12 بلداً من أمريكا الجنوبية (لكن معظمهم من بيرو)، كانت الولايات المتحدة قد ساعدت على اختطافهم وكانوا محتجزين في المعسكرات لأغراض التبادل المحتمل للرهائن. وبعد الحرب تم الإفراج عنهم من المعسكرات ولكنهم أبلغوا بأنهم "أجانب غير شرعيين" في الولايات المتحدة. وبما أنهم لم يكونوا مقيمين شرعيين في وقت احتجازهم لم يستحقوا المساعدات الممنوحة وفقاً للقانون. وفي 1998 ونتيجة لقضية جماعية بدأتها كارمن موتشيزوكي وآخرون سوّت الحكومة الأمر وقدمت اعتذاراً رسمياً لهذه المجموعة أيضاً وعرضت دفع مبلغ 5000 دولار. واعتبر البعض أن هذه التسوية يشوبها التمييز السلبي واستمروا في التقاضي للحصول على مبلغ 20000 دولار. كما تضمن قانون الحريات المدنية أيضاً تعويضات قدرها 12000 دولار لسكان جزر ألوتس وبريبيلوف بألاسكا الذين كانوا قد تم إخلاؤهم من موطنهم أثناء الحرب بزعم حمايتهم من هجوم ياباني. [46] كفل القانون مبلغ 50 مليون دولار للصندوق ولكن الكونجرس حصل فقط على 5 ملايين. وطبقاً لأحدث المعلومات لم يصرف إلا 3,3 مليون دولار وزعت على 132 مشروعاً. [47] أنظر: ماريا خوزيه جيمبي، "التعويضات الاقتصادية للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان: خبرة الأرجنتين," في "إصلاح الماضي." "Repairing the past". [48] بدأت ولاية ألفونسين في 10 ديسمبر/كانون الأول 1983. وصدر القرار التنفيذي الذي أنشأ الكوناديب (قرار السلطة التنفيذية الوطنية رقم 157) في 15 ديسمبر/كانون الأول 1983. [49] وفي القرار ذاته أعلنت الحكومة حالة الطوارئ وأمرت "بالقضاء على القلاقل" في الأرجنتين، ممهدة الطريق لإرهاب الدولة في البلاد. ومسألة أن العنف المنظم قد أعمل ضد المعارضة في عهد رئاسة أرملة بيرون قد أدت إلى بعض الصعوبات للبيرونيين عندما أتى الأمر إلى اتخاذ القرار بشأن تحديد الجرائم التي يجب رفع الضرر عنها. وقد عارض بعض البيرونيين التعويض عن الجرائم المرتكبة قبل الانقلاب العسكري في مارس/آذار 1976. [50] كوناديب، ص. 477 Nunca Mas 2a. edicion (Bueuos Aires: Editorial Eudeba, 1984) [51] قانون 23,053 (22 فبراير/شباط، 1984)، قانون 23,117 (30 سبتمبر، 1984)، قانون 23,238 (10 سبتمبر، 1985)، قانون 23,278 (سبتمبر 1985)، قانون 23،523 (يونيو/حزيران 1988) [52] وفيما بعد تم مد أمد الراتب الذي يحصل عليه الطفل غير المعاق حتى يبلغ الخامسة والعشرين أو ينهي دراسته الجامعية. [53] قررت السلطة التنفيذية الوطنية بأمر منها تقديم أعضاء الطغم العسكرية الثلاث إلى المحاكمة. وقد حكمت محكمة Camara Federal en lo Criminal y Correccional في العاصمة الفدرالية في القضية في 9 ديسمبر/كانون الأول 1985. أدانت المحكمة خمسة من قادة الطغمة العسكرية بجرائم القتل العمد والحرمان من الحرية دون سند من القانون والتعذيب وجرائم أخرى. وصرحت المحكمة بأن هذه الجرائم كانت تعبيراً عن سياسة متضافرة من الإرهاب وهو الوسيلة الأساسية التي لجأت إليها الطغمة العسكرية في قضائها على القلاقل. برّأت المحكمة أربعة من القادة لعدم وجود أدلة كافية أو وجود أدلة غير قطعية. [54] نص قانون "الحد النهائي" القانون رقم 23,492 لعام 1986 على أنه ينبغي رفع أي دعوى جديدة ضد الجيش قبل حلول فبراير/شباط 1987، بعد سن القانون بفترة ليست طويلة، وبدخول الإجازة القضائية في شهر يناير/كانون الثاني في المدة. توقعت الحكومة أن المحاكم لن يكون لديها الوقت لإجراء التحقيقات. ومع ذلك قطعت سبع محاكم فدرالية إجازتها القضائية، وقبل الحد النهائي كان ثلاثمائة ضابط كبير الرتبة قد أدينوا. أما قانون "وجوب الطاعة"، القانون 23,521 لعام 1987، فقد حد من مسئولية كبار الضباط وصغار الضباط وضباط الاحتياط والجنود في القوات المسلحة أو الشرطة والعاملين بالسجون، طالما يمكن إثبات أنهم قد فعلوا ما فعلوا امتثالاً لأوامر السلطات الأعلى. في هذا أنظر: Carlos H. Acuna and Catalina Smulovitz, "Guarding the Guardians in Argentina", in Transitional Justice and the Rule of Law in New Democracies, A. James McAdams, ed. (Notre Dame: University of Notre Dame Press, 1997): 93-122. ويطرح أكونا وسمولوفيتز أن هذه القوانين لم تكن نتيجة لضغط نابع من المحاولات الانقلابية، بل كانت نتيجة لاتفاقات عقدت بين إدارة ألفونسين والجيش سبقت في تاريخها انتفاضات الجيش. [55] امتدت ولاية ألفونسين قانوناً حتى 10ديسمبر/كانون الأول 1989. [56] الأوامر رقم 1002، 1003، 1004، و1005 المنشورة في الجريدة الرسمية بتاريخ 10 أكتوبر/تشرين الأول 1989 والأوامر من 2,741 إلى 2,746 الصادرة في 29 ديسمبر/كانون الأول 1990. [57] وفقاً للمادة 4037 من القانون المدني تكون فترة التقادم في الدعاوى المدنية الخاصة بالالتزامات غير التعاقدية عامين. ولم تأخذ المحكمة بطرح المدعي بأن فترة التقادم يجب حسابها من 10 ديسمبر/كانون الأول 1983، أي تاريخ عودة الديمقراطية، حيث أنه قبل هذا التاريخ لم تكن الدولة توفر ضمانات كافية لأحد بحيث يرفع دعوى مدنية، ولم تكن نتائج محاكمات الطغمة العسكرية قد توفرت، وهي التي رسخت مسئولية الدولة عن سياسة الإرهاب. وقد تمسكت المحكمة بأن فترة التقادم تحسب من يوم الإفراج عن الشخص المعني. [58] عرضت الحالة الأرجنتينية الأولى في 15 فبراير/شباط 1989 قبل إصدار المحكمة العليا لحكمها. ثم قدمت حالات أخرى بعد ذلك. [59] لاحظ غياب تاريخ بداية لفترة العنف التي تسمح بتلقي المساعدات. [60] صدر في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 1991. [61] في الواقع أن من كانوا قد حصلوا على تعويض بالفعل نتيجة لحكم قضائي على أساس نفس الوقائع منعوا قانوناً من طلب المساعدات. قد تغير هذا أيضاً بالقرار رقم 1313 لعام 1994 الصادر في 1 أغسطس/آب عام 1994 والذي وسّع من طائفة المنتفعين بالقانون. وهذا القرار وضع إمكانية الحصول على المساعدات لمن كانوا قد حصلوا على تعويضات من خلال القضاء ولكن أقل من تلك التي يمنحها القرار 70 لعام 91 أو قانون رقم 24,043. وهذه الفئة من طالبي التعويض يمكنها التقدم بطلب الحصول على المساعدات فتحصل على الفرق. [62] اتبع القانون هدي القرار رقم 70 لعام 91 باتخاذه الجزء من الثلاثين جزء من الراتب الشهري لأعلى درجة من الموظفين العموميين كوحدة أساسية لحساب المساعدات. ولكن في الفترة الواقعة بين إصدار القرار وسن القانون، والأهم، صرف المساعدات والذي ما بدأ حتى 1994 (أي بعد صدور القرار بثلاث سنوات)، كانت الإدارة الحكومية قد أعيد تنظيمها (بالقرار رقم 993 لعام 91) وازدادت رواتب الفئة العليا من الموظفين بصورة كبيرة جداً. أنظر القرار رقم 352 لعام 94 من وزارة الاقتصاد والأشغال العامة، مارس/آذار 1994. [63] كان للسندات علاوة على استحقاقها في 16 عاما السمات التالية: فترة سماح من 72 شهراً تستثمر فيه الفوائد (بسعر الفائدة المتوسط الذي يعلنه البنك المركزي). وبعد هذه السنوات الخمس، تصرف دفعات 120 شهراً المئة وتسعة عشر الأولى تساوي 0،84% والأخيرة تساوي 0،04% من القدر المصدر علاوة على الفوائد المستثمرة في فترة السماح. ودفعت الدفعة الأولى في يناير/كانون الثاني 2001 وقت اشتداد الأزمة الاقتصادية بالضبط. [64] صدر في 7 مايو/آيار 1997. [65] استخدمت القوانين التعويضات الألمانية أيضاً كما رأينا رواتب الإدارة الحكومية وجداول للمساعدات ولكن بصورة مختلفة تماماً، فقد استخدم كل فئات الجدول لا طرفه الأعلى فقط. وبالفعل حصل الموظفون الحكوميون السابقون على تعويضات أفضل من غيرهم من الضحايا. [66] أنظر دراسة إليزابيث ليرا الوافية "سياسات التعويضات عن انتهاكات حقوق الإنسان في تشيلي: 1990-2002" في "إصلاح الماضي." "Repairing the past" Elizabeth Lire. [67] أنظر تفويض اللجنة. [68] بسعر الدولار عام 1996. [69] بما أن هذا القدر كان يعطى للطفل الواحد فإجمالي الراتب بالنسبة للأسرة قد يتخطى وحدة الخمسمائة والسبعة والثلاثين دولاراً. [70] وجود شريك وأبناء في زواج عرفي يمكن أيضاً أن يجعل الراتب يتخطى وحدة الخمسمائة والسبعة والثلاثين دولاراً. [71] ويمكننا أن نقسم هذا الرواتب سنة بسنة أثناء السنوات الأربع لعمر المؤسسة كالتالي: 2582370 دولار في 1992، 1711327 دولار في 1993، 1719415 دولار في 1994، 1458263 دولار في 1995. [72] سيأتي وصف ذلك البرنامج بالتفصيل لاحقاً. [73] "وحدة المخصصات الشهرية" وحدة تذبذبت في قيمتها صعوداً وهبوطاً. في أبريل/نيسان 2003 كانت هذه الوحدة تساوي في قيمتها من 42 إلى 45 دولاراً. وعليه تراوح المصروف بين 52 و55 دولاراً للطفل بالشهر. [74] هذا هو إجمالي راتبها وراتب طفليها (215 بالإضافة إلى 160 دولاراً) والمصاريف التعليمية (110 دولارات). [75] Diputados, (sesion 41a, 3 abril, 1991), p.4865. [76] كانت هناك مجموعات مختلفة في تشيلي تقدم خدمات رعاية الصحة العقلية للضحايا منذ أوائل فترة الدكتاتورية. منها Vicaria de la Solidaridad منذ 1975، ومجموعة "Fasic" منذ 1977، ومجموعة "Pidee" منذ 1979، ومجموعة "Codepu" منذ 1980. وهناك مجموعتان تتخصصان في الصحة العقلية هي Cintras (المركز الدولي لمعالجة التوتر) و Ilas (معهد أمريكا الجنوبية للصحة العقلية وحقوق الإنسان)، وتأسست المجموعتان في 1985 و1988 على التوالي. وشارك أعضاء من هذه المجموعات المختلفة في صياغة برنامج التحالف، ثم بعد ذلك قدموا المشورة إلى لجنة الحقيقة والمصالحة بشأن توصياتها في مجال الصحة العقلية. [77] إن رسم السبعة بالمئة يعطي للمنتفعين العاديين من النظام الحق في اختيار طبيبهم. ونسبة المشاركة في تحمل النفقات تخضع للتحقيق الرسمي في موارد الفرد وتكون تصاعدية، أي أن كلما زاد دخل المنتفع العادي زادت النسبة التي يدفعها لتغطية نفقات علاجه. [78] أنظر إيجنازيو كانو وباتريشيا فيريرا "برنامج التعويضات في البرازيل" في "إصلاح الماضي." "Repairing the past". [79] كما كان الحال في الأرجنتين حيث يمكن القول بأن النظام قد هزم على يد إخفاق الجيش في جزر الفوكلاند / المالفيناس وأزمة البلاد الاقتصادية، أو كما كان الحال في تشيلي حيث خسر بينوشيه الاستفتاء الذي دعا إليه. [80] وهذا يفسر لماذا اكتسب قانون التعويضات وظيفة هامة فيما يتعلق بالمصارحة أكبر كثيراً مما توقع المراقبون المعتادون على نتائج لجان الحقيقة. لمزيد من التفصيل أنظر أدناه. [81] القانون المؤسسي رقم (2) والذي أصدره النظام في 1965 بالإضافة إلى حظره جميع الأحزاب السياسية ومنحه رئيس الجمهورية سلطة فض الكونجرس فقد أرسى طريقة الانتخاب غير المباشر لرئيس الجمهورية ونائبه. القانون المؤسسي رقم (1) الصدر في 1964 بعد الانقلاب العسكري بفترة وجيزة أضفى الصبغة الرسمية على عزل جولار، وعزل سياسياً عدداً من السياسيين (بما فيهم أعضاء في مجلس الشيوخ ومجلس النواب والعمد) وأرسى طريقة الانتخاب غير المباشر للكونجرس. وقد عنى هذا أن حق التصويت أصبح مقصوراً فقط على السلطات البرلمانية الباقية. وبمعنى ما فهذا السعي لإعادة انتخاب الرئيس بطريقة مباشرة قد نجح ولكن بصورة غير مباشرة فقط. في 1984 طرح للتصويب تعديل مقترح للدستور يسمح بالانتخاب المباشر لرئيس الجمهورية ورفض. وفي أثناء رئاسة خوزيه سارني فقط والتي بدأت في 1985 تمت صياغة دستور جديد ديمقراطي في فترة ثلاث سنوات انتهت في 1988. وكان سارني نفسه منتخباً بصورة غير مباشرة. وفي الواقع فإن هذا هو الحال بمعنيين. سارني كان شريك تانكريدو نيفيز على قائمة الانتخاب. نيفيز، زعيم المعارضة، كان قد انتخب رئيساً للكونجرس في يناير/كانون الثاني 1985. ولكنه توفي بعد انتخابه مباشرة. وهكذا أصبح سارني أول رئيس مدني (وإن كان غير منتخب شعبياً) للبرازيل في 20 عاماً. [82] Dossie dos Mortos e Desaparecidos. ملف حول المختفين والمغتالين، صادر عن المجلس التشريعي لريو جراندي دو سول في 1984. [83] شمل الملحق جميع الأسماء الموجودة في الملف، ما عدا من اختفى في الخارج ومن لم تكن أسماؤهم كاملة. وقلص هذا عدد الأسماء من 152 إلى 136. [84] القانون رقم 9,140 لعام 1995، المادة (1). [85] القانون رقم 9,140 لعام 1995، المادة (3). [86] نظرت اللجنة في 234 حالة واتخذت قرارها في 168 (72%) منها بالإجماع. ومن بين تلك الحالات كان هناك قبول لمئة وثلاث حالات، ورفض خمسة وستين حالة. 9 طلبات فقط تم قبولها بصوت واحد، و8 طلبات تم رفضها بهامش صوت واحد أيضاً. وهكذا فإنه بالرغم من الانقسامات الداخلية في اللجنة توصلت إلى اتفاق سهل في الأغلبية الغالبة من الحالات. [87] لقد تلقت اللجنة في الواقع ما مجموعه 373 التماساً بشأن 366 ضحية (في بعض الحالات قدم الالتماس أكثر من طرف). اثنان من الالتماسات طلبا شهادتي وفاة والعون على تحديد موقع الأجساد، لا مساعدات اقتصادية. [88] لا يلزم أن يتطابق عدد المنتفعين وعدد ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان. [89] كما ذكر أعلاه، أفادت جهود التعويض الفردي الألمانية أكثر من مليوني شخص. ولكن هذا العدد يضم الحاصلين على مختلف المساعدات المذكورة، وهنا نركز على التعويضات المالية لفقدان الحياة فقط. أنفقت ألمانيا 3,5 بليون دولار من ديسمبر/كانون الأول 2001 على تعويضات فقدان الحياة. ولكن ليس لدينا أرقام دقيقة حول أعداد المنتفعين. [90] يضم هذا الرقم 7800 منتفع بمقتضى القانون 24,043(الاحتجاز غير المشروع، الموت، الإصابة الجسيمة) و5655 منتفعاً وفقاً للقانون 24,411 (الاختفاء والموت). وعلى ذلك فهذا الرقم يعد حداً أعلى، فقانون 24,043 قد أعطى مساعدات لحالات غير فقدان الحياة. [91] يضم هذا الرقم فقط المنتفعين ببرنامج الرواتب الذي بدأ في 1991 على يد مؤسسة التعويضات والمصالحة، ويمثل أكبر رقم وصله البرنامج، وذلك في بدايته لأن بعض المساعدات توقفت عندما بلغ أبناء الضحايا سن الخامسة والعشرين أو أنهوا تعليمهم الجامعي. وبنهاية عام 2001 انخفض عدد المنتفعين حتى وصل إلى 3210. وهكذا فالرقم لا يضم الآلاف العديدة من المنتفعين من البرنامج الصحي أو معاشات المفصولين عن عملهم لأسباب سياسية وما إلى ذلك. [92] بالرغم مما سبق ورأينا من أن التفسير الأكثر مرونة لنص القانون، وعلى وجه الخصوص لتعبير "مقار الشرطة أو ما شابهها"، سمح لبعض المفوضين بأن يمنحوا المساعدات لعائلات من وقعوا ضحايا شكل آخر من أشكال القتل السياسي. [93] في حين أن الميزات المعنوية قد تكون واضحة، فإن المزايا العملية قد لا تكون بهذا الوضوح، وذلك يقتضي منا التعليق الموجز. إن ترك مجموعات هامة من الضحايا دون النظر في احتياجاتهم يضمن أن موضوع التعويضات سيظل على جدول الأعمال السياسي، وهو ما يعني أنه سيبقى هدفاً للمساومات التشريعية والبيروقراطية. وقد يزعزع هذا من استقرار الاتفاقات الخاصة بالتعويضات ومدى القدرة على الاعتماد عليها، كما يتضح في حالة تشيلي. [94] هذا بالطبع يبسط من الواقع. وهو يجرد الأمر بعيداً عن التعقيدات التي تضفيها مسألة أن المدفوعات اتخذت صورة سندات، وعن السمات الأخرى للسياق العام مثل المتاهات التي خاضتها جهود إدانة الجناة قضائيا أو القدر الكبير من المعلومات حول الماضي والتي أصبحت متاحة من خلال "محاكمات الحقيقة" وغيرها من الطرق، كما يجرد الأمر بعيداً عن الإصلاحات المؤسسية التي كانت تتشكل في الأرجنتين وقت كانت قوانين التعويضات تسن وتوضع موضع التنفيذ. [95] هكذا يثير التقاضي المدني خطر تكريس التحيزات الاجتماعية القائمة. فنجد أن الأغنى والأفضل تعليماً والحضريين من الضحايا غالباً ما تكون فرصتهم في النجاح في جهودهم للحصول على تعويضات من خلال المحاكم المدنية أكبر من الضحايا الأفقر والأقل تعليماً والريفيين الذين قد يحدث أن يكونوا من مجموعة إثنية أو عرقية أو دينية أقل حظاً. [96] أنا أري التعويضات مسألة حق لا تفضل. غير أنه من الواضح أننا حتى عندما نعتبر ذلك مسألة حق فهناك تشكيلة واسعة من الخيارات المتعلقة بما يحتاج إليه الأمر للوفاء بهذا الحق. [97] وهذا الشرط له أهميته، فعلى المستوى الكلي يمكن أن ينتهي الحال ببرنامج ما موزعاً كميات كبيرة من الأموال إذا كان عدد الضحايا كبيراً، ولكن كل ضحية يتلقى قدراً ضئيلاً. والتعويضات التي قدمتها الولايات المتحدة للأمريكيين من أصل ياباني مثال على ذلك. [98] أود هنا أن أشدد على مسألة تقريبية هذا الترتيب. وجزء من الأمر يرجع إلى مسألة أن بعض البرامج توزع التعويضات على دفعة واحدة إجمالية (الولايات المتحدة والبرازيل والأرجنتين) واثنان منها قدما التعويضات في صورة رواتب ومعاشات (تشيلي وألمانيا)، وتقدير القيمة الإجمالية للراتب صعب دائماً. [99] راجع مقال الباحث "العدالة والتعويضات" (قيد النشر). "Justice and Reparation". [100] إن التباينات بين التعويضات التي تمنحها المحاكم وتلك التي تقدمها البرامج الضخمة في ذاتها لا تدل على أن تلك الأخيرة غير عادلة. وبهذا المعنى ينبغي ألا ينظر إلى برامج التعويضات ببساطة على أنها ثاني أفضل بديل بعد الإجراءات القضائية. إن برامج التعويضات في أفضل صورها هي إجراءات إدارية تذلل بعض الصعوبات والتكاليف المرتبطة بعملية التقاضي. وهذا يشمل التأجيلات الطويلة، والكلفة العالية، والحاجة إلى جمع الأدلة التي تستطيع أن تثبت في وجه الفحص والتمحيص (والتي في بعض الحالات ينعدم وجودها على الإطلاق)، والآلام المرتبطة بالاستجواب في المحكمة وباستعادة لحظات وتجارب مؤسفة، وأخيراً المخاطرة بأن يأتي القرار في غير صالح رافع الدعوى، وهو ما قد يكون له آثار مدمرة على الضحية إذ لم يحصل إلا على االهوان ونكأ الجراح. على الجانب الآخر قد يوزع برنامج جيد التصميم تعويضات أقل في قيمتها المطلقة ولكنها نسبياً أكبر من تلك التي تمنحها المحاكم إذا وضعنا في كفة المقارنة التأجيلات القصيرة، والتكاليف الأقل، ومعايير الإثبات الأكثر مرونة، والإجراءات التي لا تقوم على نظام المخاصمة، وشبه اليقين الذي يصاحب الإجراءات الإدارية لبرامج التعويض. [101] ينطوي هذا غالباً على تقديرات مقارنة معقدة. فكون كمية محددة من التعويض مناسباً أم لا يتحدد بعوامل منها (على سبيل المثال لا الحصر) الوضع الاجتماعي الاقتصادي النسبي للضحايا ورؤيتهم للجهود التي تبذلها الحكومة نيابة عنهم والمصروفات الحكومية الأخرى في ذلك الوقت.
#بابلو_دي_جريف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عاجل | أسوشيتد برس: منظمة عالمية سحبت تقريرا يحذر من المجاعة
...
-
وزيرالخارجية اليمني:ندعو الأمم المتحدة وكل المنظمات لتجريم م
...
-
قطف مطار صنعاء استخفاف إسرائيلي بالأمم المتحدة
-
الاحتلال يُمعن في ارتكاب جريمة إبادة جماعية بزيادة وتيرة تدم
...
-
مراسل RT: ممثل الأمين العام للأمم المتحدة والمنسق المقيم توا
...
-
في جريمة هي الأكبر ضد الصحفيين في قطاع غزة خلال حرب الإبادة
...
-
من لبنان وتركيا والأردن.. ضوابط لعودة اللاجئين السوريين إلى
...
-
اعتقال قاضي المحاكم الميدانية في سجن صيدنايا بسوريا
-
اعتقال -سفاح صيدنايا- في طرطوس وحراك دبلوماسي سوري مع دول ال
...
-
منظمة حقوقية: أكثر من 10 آلاف مهاجر لقوا حتفهم بالبحر العام
...
المزيد.....
-
التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من
...
/ هيثم الفقى
-
محاضرات في الترجمة القانونية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة
...
/ سعيد زيوش
-
قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية
...
/ محمد أوبالاك
-
الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات
...
/ محمد أوبالاك
-
أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف
...
/ نجم الدين فارس
-
قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه
/ القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ اكرم زاده الكوردي
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ أكرم زاده الكوردي
-
حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما
...
/ اكرم زاده الكوردي
المزيد.....
|