|
المعارضة السورية واللا شائعات
نور الدين بدران
الحوار المتمدن-العدد: 1192 - 2005 / 5 / 9 - 07:53
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
مقالة السيد سامر عبد الحميد :"المعارضة السورية والشائعات " تثير شجوناً ، وإذا كانت الأخلاقية والطيبة تنضح من كل عبارة فيها ، فهذا لا يمنع من أن الواقع لا أخلاقي وسيء. كثيرون من المؤمنين يرفضون التصديق أن النبي الفلاني فعل كذا والحواري أو الصحابي الفلاني ، قام بكذا ، بل إن الإيمانية تجعل المقتول وقاتله في الدنيا ، أنيسين في جنة الخلد ، والمؤمن لا يسأل كيف تمت هذه الفنتازيا الخارقة لكل عقل ، وكل منطق ، مع أنها طبيعية جداً في عالم البشر ، لكن المؤمن يقوم بلا وعيه بعملية تصعيد خارقة ، تخرج هؤلاء البشر من بشريتهم ، وكي لا يبقى الأمر مبهماً عليه، يحل كل ألغازه ، بإحضار الأجوبة الجاهزة كالمعلبات ، والعمى الإيديولوجي الإيماني ، يمنع من رؤية انتفاخ تلك المعلبات وفسادها فيقال هذا اجتهد لنصرة الدين ، والآخر فعل مثله ، ولكن ربك أعلم بالمخطئ والمصيب ، وللمخطئ أجر على اجتهاده ، بينما للمصيب أجران ، ورضي الله عن الاثنين ، ولو كان نتيجة اجتهادهما إزهاق مئات بل آلاف الأرواح . المنطق نفسه ، فالسيد سامر (الطيب أكثر من اللزوم على ما يبدو) يعتبر سلفاً أنها شائعات ، والجواب جاهز ، وراءها الأجهزة الأمنية ، ولا أدري إذا كان سيكون وراء مقالي هذا بعض الأجهزة ، لكني أنا الآن بعيد آلاف الكيلو مترات عن سوريا ، وأتابع ما ينشر وقرأت ، وأحببت أن أدلي بدلوي ، ولا سيما أني معارض حزبي سابق ، واليوم ، ما أكتبه يمثل شخصي فقط ، ورأيي في أن الأخ سامر مصيب جزئياً ، بأنه لا بد فثمة شائعات ، والجزء غير الكل، ومن الطبيعي أن تواجه السلطة خصومها ، وبكل الوسائل ، ولكن ليس كل ما يجري ، هو من صنع الكفار والشيطان الرجيم ، والمؤمنون أخوة أنقياء، ومنزهون وما إلى ذلك من الخزعبلات التي أكل عليها الزمان وسلح. بل إني أميل للقول مع الأخ سامر وببعض التصرف : عار عليكم يا كهول ، أيها الشيوخ المخرفون استحوا وأغربوا عن الوجوه ، فأنتم (وأنا واحد منكم إلى زمن ما ) الوجه الآخر للأزمة التي تعيشها البلاد ، فكما تكون السلطة تكون المعارضة ، إلا في ظروف تاريخية استثنائية لم نشهدها في سوريا، وهذا حديث يطول. بدون استثناء جميع أحزاب المعارضة ، تحمل أمراض السلطة : الاستبداد ، التشهير بالمختلف ، الافتراء وتركيب الروايات على الخصم ، وجمعيات حقوق الإنسان هي تفقيسات هذه الأحزاب ، والمعارضة التي تطالب السلطة ، بمراجعة نقدية لتاريخها ورد مظالمها، والاعتذار عن جرائمها، ورفع قانون الطوارئ وإلغاء المحاكم الاستثنائية ...الخ وهي مطالب حق ويجب ألا تتوقف حتى إنجازها ، ولكن هل هذه المعارضة تقوم بذلك تجاه نفسها وجمعياتها وأحزابها وتاريخها ، ولو شاءت لكان لديها ملفات لا تنتهي ، فالسلطة بحكم القدر جددت رئيسها ، وأصبح شاباً ، هل تجرأ حزب على الإعلان أن زعيمه أو قيادته شاخت أو أفكاره قديمة وأنه أفلس، لا بل" لقد أكدت الأحداث صوابية تحليلنا " حتى وصل الأمر بميشيل كيلو إلى الحديث عن معارضة قادرة على قيادة البلاد ، ونسي أن يقول إلى كارثة من نوع آخر غير كارثة البعث. صحيح أن الفساد يبدأ في رأس السمكة ، لكنه لا يتوقف هناك، وتبعات الحكم الشمولي غسلت المجتمع برمته من شرطي السير حتى الأمناء العامين وأتباعهم المسحورين في الجبهة الموالية والمعارضة على حد سواء، ولا أمل إلا بشباب سوريا ، أما ما يحكى عن الديناصورات وما يصنفه السيد سامر كشائعات ، فإنه بمعظمه جزء من الحقيقة ، والمخفي أعظم ، وأنا شخصياً زرت السيد نزار نيوف إثر خروجه من المعتقل ، وقال كلاماً عجيباً عن أكثم نعيسة ، ما لم يقله مالك في الخمر ، ولم يقل أكثم :"أبتاه أغفر له إنه لا يدري ماذا يصنع" وهكذا فالحوار مستمر، وحين كانت المخابرات تزج بأعضاء رابطة العمل الشيوعي بالمعتقلات ، كان رياض الترك خارج المعتقل ، يقول لمحازبيه:"الرابطة صنيع المخابرات ، والأخوان المسلمون حركة شعبية ضد الاستبداد " وكانت الرابطة التي صارت حزباً، تحاكم الأقلية المعارضة ضمنها ، بتهمة التكتلات ، ولا محاكم التفتيش وكاتب هذه السطور ، كان أحد الذين حوكموا لشهور ، وحين غادرت صفوفها ، جاء الترغيب في البداية ، ثم حين أخفق الترغيب ، جاء الترهيب ، وبشكل عار : " أنت تسيء للحزب (حزب العمل) والحزب سيحمي نفسه ، وكنت أعرف من موقعي في الحزب ، بأنهم قادرون على قتلي أو إيذائي ، فتركت لهم البلد وغادرت ، وقد مارسوا ضد غيري الأذى كأية سلطة غاشمة، وهناك مئات القصص التي لو فتحت ملفاتها ، لانشغل بها أعواماً طوالاً ، كقصة الصديق كامل عباس ، مع أن الأخير لم يبح إلا بالقليل من معاناته مع حزبه (راجع كتابه في الدرك الأسفل من النار). إن السادة نزار نيوف وأكثم نعيسة وهيثم مناع وغيرهم مع احترامي للجميع ، مثلنا بشر ومن أبناء هذا البلد الشمولي وأبناء هذه الأحزاب الشمولية ، وهذا الفساد الشمولي، ولنا سلبياتنا وإيجابياتنا ، شهواتنا ونزواتنا وأمراضنا وتضحياتنا ومآثرنا، فليست المسألة من النمط اللاهوتي السكوني : لا ..لا ، نعم ..نعم ، إنما لها آلية بالغة التعقيد ، وهي تتجاوز الإدعاء الفكري واللون الإيديولوجي ، وحتى الوعي والصدق الفرديين للذات ، وهكذا نجد ذلك الذي ادعى الليبرالية وأعني السيد نبيل فياض ، يحمل الفيروس عينه ولكن (ربما لأنه مميز أكثر) بشكل مزدوج : مرض السلطة ومرض المعارضة ، معاً ، وأهم معالم تميزه أنه بجرة قلم كان الجميع عملاء للمخابرات ، مع أنه استضيف استضافة واحتفي به على أحسن ما يرام ، كما قال. فعلاً عيب ....عيب يا شباب. من ناحيتي أصدق معظم ما يقال عن السلطة والمعارضة من السلبيات والأوساخ ، فكلنا في المستنقع نفسه الواقع في هذه السوريا الواقعة في هذه المنطقة الواقعة في هذا العالم ، الذي هو النوع البشري : ( والذي حارت البرية فيه /حيوان مستحدث من جماد) بحسب المعري ، ولكني أصدق وعن الطرفين أيضاً بعض الإيجابيات ، وأمحص وأدقق في كل شيء ، وكما تطلق الأولى على الثانية الإشاعات تفعل الثانية بالأولى ، وهذا كلام بالجملة ، لكنه يصح بالمفرق أيضاً ، فكما في المعارضة أفراد طيبون وأخلاقيون ، كما يبدو على الأخ سامر الذي لا أعرفه شخصياً ، هناك في السلطة أفراد طيبون ويريدون الخير للبلاد ، وأعرف بعضهم ، وإن كانوا في مواقع بعيدة عن القرار ، وعلينا أن ننتهي من هذه الطائفية اللاهوتية البغيضة ، وأهم ما في الفكر الفردي النقدي الحر أنه لا ينظر للإنسان حسب انتمائه وإنما حسب ممارسته الشخصية الفردية ، ولعل الماركسية أخذت هذه الفكرة الهامة منذ بداياتها :"ليس سر اليهودي في دينه ، بل سر الدين اليهودي، في ممارسة اليهودي الواقعية والفعلية (البراكسيس) خلال أيام الأسبوع " (ماركس /المسألة اليهودية) ، ولشدة إعجاب غرامشي بهذا المنظور العميق والبعيد ، سمى الماركسية بفلسفة البراكسيس، لكن ولسفالة وتفاهة أوضاعنا وفسادها ، لا ماركسيينا ولا ليبراليينا تشربوا هذا المنظور ، لأننا ببساطة من أنماط بدائية جداً ، بالغة الفوات حسب تعبيرات الراحل ياسين الحافظ.
#نور_الدين_بدران (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شرف التقليد وعار الإبداع /تحية إلى الكاتب إحسان طالب
-
الدولة الدينية والدولة الحديثة
-
الإصلاح في المملكة العربية السعودية
-
أصغوا إلى الأغنية البحرينية
-
نبيل فياض يهجر
-
قاصمة الظهر
-
شادي سلامتك ... ويا سيادة الرئيس
-
كون آخر
-
العلاقة بالآخر مرآة الذات
-
النهر الهادر أصم
-
الفأس والرأس
-
الولايات المتحدة ليست فوق التاريخ
-
انتظري
-
أشتهي... بعد
-
اصح يا نايم .....كفاية
-
اللعبة الغامضة
-
أهرامات الحماقة
-
نقي العظام
-
ليت رذائلنا كرذائلهم وفضائلنا كفضائلهم
-
كهدوء يتفجر بياضاً له قرون
المزيد.....
-
نتنياهو يتعهد بـ-إنهاء المهمة- ضد إيران بدعم ترامب.. وهذا ما
...
-
روبيو: إيران تقف وراء كل ما يهدد السلام في الشرق الأوسط.. ما
...
-
بينهم مصريان وصيني.. توقيف تشكيل عصابي للمتاجرة بالإقامات في
...
-
سياسي فرنسي يهاجم قرار ماكرون بعقد قمة طارئة لزعماء أوروبا ف
...
-
السلطات النمساوية: -دافع إسلامي- وراء عملية الطعن في فيلاخ و
...
-
اللاذقية: استقبال جماهيري للشرع في المحافظة التي تضم مسقط رأ
...
-
حزب الله يطالب بالسماح للطائرات الايرانية بالهبوط في بيروت
-
ما مدى كفاءة عمل أمعائك ـ هناك طريقة بسيطة للغاية للتحقق من
...
-
ترامب يغرّد خارج السرب - غموض بشأن خططه لإنهاء الحرب في أوكر
...
-
الجيش اللبناني يحث المواطنين على عدم التوجه إلى المناطق الجن
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|