حسين عجيب
الحوار المتمدن-العدد: 1192 - 2005 / 5 / 9 - 07:45
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
في المساهمات التي أشارك فيها حول الأزمات السورية المختلفة, أنطلق من أمراضي
الشخصية والمشتركة, في محاولة للعلاج المعرفي من جهة, وللتعبير عن خبرة
شخصية قد تساهم في كشف بعض مناطق الخلل في الشخصية السورية المشتركة.
وسأرضى بأجر المجتهد المخطئ دوما.
*
يكفي الاستبداد الفكري بأحاديته وجموده, يكفي لتدمير الفرد وتخريب عالميه الداخلي
والخارجي معا, وبالتالي تدمير إبداعيّته الخاصة بمجملها. وفي حال ترافق مع
الاستبداد الديني والسياسي,كما حصل في سوريا على امتداد أربعة عقود, يكون
الانهيار شاملا في الأخلاق والفكر والمجتمع. وبتقديري هذا ما نعانيه اليوم بمختلف
مواقعنا وأدوارنا الاجتماعية. على السطح لم تحدث حرب أهلية صريحة(وإن رأى
البعض غير ذلك في المواجهة الدامية بين الإخوان المسلمين وأجهزة السلطة في
الثمانينات), لكن ومع اختلاف الآراء حول تسمية ما حدث على السطح السياسي
والاجتماعي, كان الدمار الأفظع والأعمق على المستوى النفسي والقيمي, وقد
شملت آثاره الجميع. لقد كان خيار القاتل أو المقتول وبصيغته المخففة المعتدي و
الضحية هو الوحيد المتاح لمن يعيش داخل البلد.
تلك الثنائية التي حكمت البلاد وأفقرتها, لم تستقر على السطح السياسي سلطة
ومعارضة, بل تغلغلت إلى داخل الوجدان السوري الفردي, وامتزجت كذلك
بالنسيج الاجتماعي وتسببت بما يمكن تسميته"العصاب السوري"
وصل بازار المزايدات في التضحية والوطنية والغيرية إلى الحدود القصوى
والتي يتعذر تمثّلها , ولم تقتصر على أطراف النزاع.
*
شعار "بالروح بالدم" الشهير سوريا وعربيا, استبطنه الجميع في اللاوعي الفردي
وشكل مع الزمن حلاّ سحريا, للسلطة والمعارضة وامتد إلى بقية أفراد المجتمع.
بالنسبة للسلطة وأصحاب الثروة و النفوذ, يقتضي ذلك الحل, بأنهم سيضحّون بالدم
والروح عندما يحين الوقت,أ يبعد وصول الأعداء, وبالتالي لا لزوم لأي شكل من
التنازلات الجزئية, وستكون الامتيازات الأسطورية واستعباد الأغلبية مع تجاهل
أبسط الحقوق الأساسية ليست بلا مقابل, بل مبررة ومقنعة مع الاستعداد لليوم
الموعود, هكذا يقول العقل للضمير, ولا يبقى ثمة مشكلة أو مشاكل آنية تحتاج
للحلول, يخطئ من يظن المستبد بلا ضمير. وهذا الجانب للإنصاف لا اعرف
منه سوى التفسير المنطقي, فأنا لم أكن يوما لا صاحب سلطة ولا ثروة ولا نفوذ,
فيبقى التوسع في هذا الجانب لأصحاب ذلك الموقع.
بالنسبة للمعارضة كذلك شكل الشعار وما يتضمنه من مبالغات, حلاّ سحريا بدوره,لقد
قدم الحل الأمثل للنزاع الوجداني الذي يعيشه الفرد المعارض لكن بشكل مختلف,
اسقط دوافعه المكبوتة على السلطة من جهة, وتمثّل بالمضحّي النموذجي, بتحّوله إلى
مناضل مطلق خارج الشرط الانساني, وذلك يفسر حالات القسوة الشديدة وانعدام
الحد الأدنى الأخلاقي, في بعض سلوكيات المناضل السوري, الذي هو من جهة
مناضل فعلي, ويقوم بتضحيات بطولية تصل إلى التفاني ونكران الذات وبنفس
الوقت من جهة ثانية وضيع ويتعامل بجفاف عاطفي خطر, والتعايش بين النقيضين
قد يدوم العمر بطوله, وذلك ما يعرفه بشكل مباشر المقربون من المناضل.
المشترك بين السلطوي والمعارض هو إنكار الواقع الفعلي بتفصيلاته وجزئياته,
واستبداله بالمطلق الديني والوطني.
الفرد السوري العادي, خارج ثنائية السلطة والمعارضة, لم يسلم بدوره من المبالغات
واجتياح الشعار الشهير لحياته وقيمه, الروح والدم سيقدمهما في الوقت الناسب, فهو
من جهة المناضل البطل كما يقول عقله لضميره, وهو المنتصر بدون معركة كما
ستؤكد له استيهاماته الدائمة. سيعيش التضحية لا شعوريا من خلال توحده بالنماذج
التراثية أو العالمية للمناضل, وسيقدم له كتّاب الإثارة السياسية الرخيصة ما يكفي
من أدب السجون وأدب المقاومة, خلفه إعلام تلفيقي ومبتذل يغذي لا وعيه المريض,
وهو بدوره لن ينحدر إلى التفاصيل والأحداث الصغيرة, فالحق والصح والتضحية
غذاؤه الفكري الدائم, وموقفه العادل لا يحتمل التغيير أو التعديل, ولا التفكير طبعا.
*
المشترك بين المواقع الثلاث, النظرة إلى السوري أو السورية المقيمين في الداخل
على أنهم كتل صماء لا تتغير, ويكفي سلوك أو فكرة من الماضي للحكم المبرم
بشكل نهائي لا يقبل المراجعة أو التعديل, كذلك النظرة إلى الخارج على أنه فرد
مشابه,وهو إما شبيه ومع قضيتنا باطلاق أو عدو ينبغي محاربته, ولا حاجة للمعرفة
أو الحوار أو المساومة. مشترك آخر بين أغلبية السوريين (قد يكون الأكثر خطورة)
هو شعور الجميع بالظلم من الآخر, ذلك الشعور الرهيب الذي يدفع صاحبه إلى
القسوة المفرطة, والتي تتسبب بالخوف الشديد, وتعيد إنتاجه بنفس الوقت في حلقة
دورية متزايدة, وتستمر الدورة المغلقة من التوتر الشديد إلى السلوك العنيف فالندم
الذي يقود بدوره إلى التوتر من جديد.
وما دامت الشروط العامة الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية بهذه القسوة,
يبقى اللاوعي الذي احتلّه العصاب بالكامل, هو ما يحدد الفكر والسلوك, لهذا الشخص
الخائف ولهذه الثقافة المريضة حتى العطب.
من فريق كرة القدم إلى المشفى إلى الجامعة إلى وسيلة الإعلام, مرورا بالمعارضات
اليسارية ومنتديات المجتمع المدني والتجمع الليبرالي ورابطة الكتاب المستقلين,
ناهيك عن الجبهة الوطنية التقدمية وملحقاتها, فشلنا في إقامة الحد الأدنى من المشاركة
والحوار, وما زال أغلبنا يرفضون بشكل صبياني محير, أي حوار حول تقديم
المساعدة من الآخر الأوربي أو الأمريكي, في الوقت الذي نعيش جميعا على منجزات
الحضارة الغربية من الحذاء إلى الكمبيوتر والسيارة والطب وعلوم النفس والاجتماع,
وأشدنا عداء للغرب, من يهرعون إلى مشافيه لدى أدنى عارض صحي, ويرسلون
أولا دهم وأقاربهم للدراسة في جامعاتهم وللتعلم في مجتمعاتهم, ويفرضون علينا نحن
الذين لم نغادر أسوار أوطاننا الحبيبة, العداء والاستعداد للمنازلة الكبرى مع الغرب
المتوحش!
عاجلا أم آجلا ستتدخل البلاد المتحضرة, لتعليمنا مبادئ وأسس الحضارة الحديثة, ويا
ليتنا نفعلها بكرامتنا ورغبتنا مشاركين ومقررين, لا مهزومين ومهانين, لا خيار آخر.
#حسين_عجيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟