أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - علي إبراهيم - قبول الآخر في فكر وممارسة الرفيق الخالد فهد















المزيد.....


قبول الآخر في فكر وممارسة الرفيق الخالد فهد


علي إبراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 1 - 2001 / 12 / 9 - 02:23
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    



هل كان الرفيق الخالد فهد يقبل الرأي الآخر ؟
الإجابة على هذا السؤال ليست سهلة كما يتصورها البعض ، ينبغي أولا أن نضع تلك الحقبة في إطارها التاريخي وما رافق تلك المرحلة من تطورات سياسية واجتماعية على صعيد العراق وعلى صعيد العالم وبشكل خاص تأثير الحزب الشيوعي السوفيتي على عموم الحركة الشيوعية العالمية . هذا المنهج سيجعلنا موضوعيين أو نقترب من الحقيقة نسبيا ، علينا ألاّ نسقط وعينا الحالي على وعي تلك المرحلة ، وبالمقابل لا بد من الاستفادة من الإضاءات والنهج الحديث في التفكير وكذلك كل إفرازات وأحداث العقد الماضي وما نتج عنها من تطورات أطاحت بكثير من " الثوابت " و " المسلمات " التي لا يمكننا الآن الارتكاز عليها لأننا سوف نجافي الحقيقة ونسقط في لجة من الشعارات الفارغة أو الحماسية التي لا تستند على العقل والتحليل العلمي بل على العاطفة .
1 – الثوابت التي يستند الرفيق فهد في موقفه من الآخر .
كانت للرفيق فهد ثوابت فكرية ، وطنية ، تنظيمية وأمنية يستند عليها في تحديد موقفه وهي ضوابط تنطبق على الشيوعيين وبعضها على الآخرين ، وتفصيلاتها تتمحور حول النقاط التالية :
- الموقف من إسقاط البرجوازية وإقامة دكتاتورية البروليتارية .
- الالتزام بالمركزية الديمقراطية وبالنظام الداخلي بشكل عام .
- أن يكون الحزب أو الفرد أو الرفيق نزيها لا يتعامل مع سلطة أو بلد أجنبي كجاسوس .
- ألاّ يكون متذبذبا في آرائه أو خاملا أو ثرثارا .
- مكافحة التحريف اليساري واليميني ، وعدم قبول التكتلات والفرق داخل الحزب .
- الالتزام بالثوابت الوطنية . ومنها محاربة الاستعمار والتبعية
- الموقف من الأقلية الصحيحة والأكثرية الخاطئة .
- الولاء للماركسية اللينينية .
2 – الموقف من الآخر الشيوعي .
أن الرفيق فهدا شخصية إشكالية و" تبقى محاطة بآراء متناقضة ، حيث يسبغ عليه أتباعه فضائل خيالية ، ويعزو إليه أعداؤه عيوبا خيالية."(1) فهو من جهة وضع المعايير أعلاه نصب عينيه وسعى لتطبيقها ، أحيانا بمرونة وأخرى بصلابة ، ومن جهة نراه يتجاوز ثوابته في مكافحة خصومه أو أولئك الذين يشم منهم رائحة خطر على الحركة ، نراه مثلا " يضم إلى لجنته المركزية رجالا لم يكونوا أبدا في الحزب قبل ذلك ، وليس لديهم إلا فكرة ضبابية جدا عن الشيوعية والعمل السري " (2) والبعض

من هؤلاء أصبحوا قادة للإنشقاقات فيما بعد نذكر منهم : ( ذا النون أيوب وداود الصائغ ) . ولم يعر الرفيق فهد اهتماما للجنة المركزية القديمة التي وجدت نفسها فجأة مزاحة من مكانها بلا أية مراسيم " () والمفارقة أن العناصر التي تركت لم تظهر فيما بعد أنها عناصر عميلة ، أو لها رغبة أو روحية للتكتل والإنشقاق ، بل أن هذه الحالة ظهرت لدى الرفاق الذين أبقاهم ضمن قوام اللجنة المركزية الجديدة .
أ - ظاهرة الإنشقاقات في الأحزاب الشيوعية وغيرها .
هي ليست حالة بل ظاهرة ملازمة للأحزاب والحركات السياسية منذ نشوئها ، وتظهر عادة في الأزمات التي تمر بها الأحزاب في الظروف الديمقراطية وتختفي -
ولا أقول تتلاشى – في ظروف سيادة القبضة القوية وخاصة إذا كانت مدعمة من قبل سلطة ولو أخذنا الحزب الشيوعي السوفياتي مثالا لرأينا أن الإنشقاقات التي حدثت في صفوفه كانت قبل استلامه السلطة حيث انقسم إلى المناشفة والبلاشفة ، وما أن انهار النظام"الإشتراكي " حتى تشظى الحزب إلى مجموعة من الأحزاب داخل البلد الواحد ، والحال نفسه ينطبق على بقية الأحزاب الشيوعية في بلدان أوربا الشرقية . ويمكن نذهب إلى أبعد من ذلك ونشير إلى الكتل التي ظهرت داخل الحزب الواحد وكذلك الأحزاب داخل الأحزاب . ولا بد من القول أنني لم أسمع أو أقرأ تجربة من تجارب التأريخ المؤثرة استثناء عما ذكرته بما فيها الحركات التي ارتكزت فكريا في دعوتها على المعتقدات السماوية( المسيحية والإسلامية وغيرها).
من هنا يمكن الإستنتاج أن الانشقاقات أو الإنقسامات ليست حالة طارئة بل هي ظاهرة أو قدر لا يمكن رده ما دام هناك تفكير وواقع متحرك ، متغير . تسوده المصالح والاعتبارات الذاتية – الشخصية .
أسباب تلك الظاهرة كثيرة ، فكرية ، تنظيمية ، انتهازية و طبقية لكن أبرزها وأهمها هي الفكرية ، أن عملية الصراع الفكري عملية متواصلة وملازمة للحركة ، حتما وبالضرورة ترافق هذه العملية صراعات ، انسجاما مع النهج الديالكتيكي الذي يؤكد على أن الجديد دائما يحل محل القديم ولا أحد يمكنه منعه لكن ليست كل ظاهرة جديدة تأخذ صفة التقدم . هذا الإستدراك يدخل في صلب الفلسفة ، الإستدراك الثاني المهم جدا هو من يمكنه أن يحدد رجعية هذا الجديد أو ذاك غير الممارسة العملية ومن يمكن إقناع الآخر بخطل جديده غير التجربة العملية والنقاش العلمي الديمقراطي . أن الأحزاب الشيوعية حرصت أن يكون الصراع الفكري داخليا وجميع الأنظمة الداخلية نصيا أعطت حق طرح الأفكار ومناقشتها في إطار تنظيمي محكم ، ولكن في التجربة العملية كانت الآراء المغردة خارج السرب ، تقمع من قبل اللأكثرية السائدة ، أحيانا يتعرض صاحبها إلى التشهير أو الإقصاء عن المراكز الحزبية .
---------------------------------------------------------------------------------------------------



إن الحركة الشيوعية كانت تنطلق في سلوكها مع الآخر من موقف فكري هو
الاعتقاد الجازم بامتلاك الحقيقة ، انطلاقا من التفسير الديالكتيكي – التأريخي للمجتمعات وتطورها وحتمية انتقالها إلى الاشتراكية ومن ثم إلى الشيوعية ، وهذا سر صلابة الشيوعيين في الدفاع عن مبادئهم ، لكن هذه القناعة ينبغي ألاّ تشكل انغلاقا أمام الجديد الذي ربما يأتي عبر الآخر .
كان موقف الرأسماليين حازماً في معاداتهم للشيوعية ، لكنهم كانوا يتابعون الحركة الشيوعية وتجاربها المتحققة بدقة ، واستفادوا من الاشتراكية كثيرا ، لا ضرر ما دام الأمر لا يؤثر على جوهر نظامهم الرأسمالي . بينما بقيت الأحزاب الشيوعية ترفض كل ما يتعلق بالرأسمالية على الرغم من أن ماركس نفسه أكد على أن الاشتراكية لا يمكن أن تبنى إلا في مجتمع رأسمالي متطور . وعمد البعض إلى إعطاء تصورات غير واقعية عن المجتمع الرأسمالي لتأكيد النظرية .
وعلى مستوى الأحزاب يتعرض الحزب المجتهد إلى حملة واسعة تمارس ضده من قبل عموم الحركة الشيوعية ، نذكر هنا الحملة التي واجهتها الأحزاب الشيوعية الثلاثة: الأسباني ،الفرنسي و الإيطالي عندما طرحوا فكرة (الأوروشيوعية ).
ونذكر أيضا الموقف من تجربة الحزب الشيوعي الصيني ، ومن دار في فلكه وكذلك التطبيق " الاشتراكي" في يوغسلافيا . وأنا هنا لست بصدد تقيم هذه التجربة أو تلك، لكنني أتحدث عن مبدأ كيفية التعامل مع الآخر في تجربتا اللاحقة .
وغالبا ما يربط بين القضايا الفكرية الجديدة والجذر الطبقي وبين الأخير والإنتهازية ، قد يكون هذا الربط جديا ، ولا ينبغي التقليل من تأثيره سيما وأن الفكر بني على أساس المصلحة الطبقية ، ولكن غالبا ما استغلت هذه القضية لمحاربة الخصوم دون الخوض في الحوار العلمي الجدلي ، والقضية الطبقية تكون حجة واهية إذا توافقت الجذور الطبيقة للمتنازعين .
ب- ظاهرة الإنشقاقات في الحزب الشيوعي العراقي في زمن الرفيق فهد
الإنشقاقات - وإن اختلفنا مع أسلوبها- تعبر بشكل ما عن نوع من الرأي الآخر،أو ما يسمى بـ ( الأقلية ) وقبولها عند الرفيق فهد مشروط بأن لا تكون " جماعة " ،برأيه أن " وحدة الحزب في الإرادة والعمل والتنظيم لا يحد من اجتهاد الرفاق الحزبيين في جميع القضايا " (3)
دعنا نتوقف عند تلك الانشقاقات وبالتحديد في زمن الرفيق فهد : وقبل التطرق إليها لا بد من ذكر حادثة كانت سببا مباشرا أو لنقل فجرت ما كان كامنا ،ألا وهي محاكمة يعقوب كوهين حزبيا الذي طرح فكرة" إمكانية تحقيق الإشتراكية في العراق على أيدي الطلبة والإنتلجنسيا والبرجوازية الصغيرة عموما ولا حاجة للاعتماد على العمال والفلاحين لأنهم قلائل ويفتقرون للوعي الطبقي ". دعته المحكمة إلى سحب نظريته الخاطئة والعقيمة ،وإلى الخوض في الكلاسيكيات بصورة أعمق ، لكنه لم يتراجع واستخف بقرار المحكمة ، فأمر الرفيق فهد بطرده من الحزب . (4)
-----------------------------------------------------------------------------


أظن كان على الحزب أن يدخل معه في حوار فكري ، سياسي ، بدلا من اللجوء إلى قرار فوقي يحمل في طيّاته إرهابا فكريا بينما كان الحزب يمتلك حجة قوية ومنطقا متوافقا مع الواقع العراقي هو :" أن المهمة المطروحة على الحزب في تلك المرحلة لم تكن تحقيق الاشتراكية بل تحقيق نظام بورجوازي– ديمقراطي"(5).
هذا الخطأ – برأيي – أدى إلى حدوث أول انشقاق في الحزب فما أن طرد ( يعقوب ) حتى ظهر من يدافع عنه ومنهم ( ذو النون أيوب ) عضو اللجنة المركزية وأحد المساهمين في محاكمته ، ويبدو أنه لم يكن مقتنعا بقرار الحزب ، فأشترك بإصدار بيان مع عدد من كوادر الحزب ومنهم عبد الملك نوري وجورج تلو الذي أصبح عضوا للمكتب السياسي فيما بعد . وعلى أثر ذلك اجتمعت اللجنة المركزية على عجل يوم 16 آب 1943 واعتبرت ما حدث ظاهرة انشقاقية وقررت طرد ذي النون أيوب وشركائه . هذا التصرف دفع المطرودين إلى تكوين انشقاق ( المؤتمرين) وأصدروا صحيفتهم ( إلى الأمام ) وكان شعارهم الأساسي هو عقد مؤتمر وتحديد صلاحيات السكرتير العام والمكتب السياسي واللجنة المركزية ووضع شروط معروفة لقبول أعضاء الحزب أو طردهم . ((6 ولا شك أن ما طرحه الأماميون مهم جدا وكان ينبغي أن يعقد المؤتمر بشكل محدود وسري . بحيث لا يعرض الرفاق للخطر .
وتزعم الانشقاق الثاني عبد الله مسعود ( رياض ) وكانت أسبابه شخصية تتعلق بزعامة الحزب ، كان رياض سكرتير الحزب حتى اعتقاله يوم 29/10/1941 وعندما خرج من السجن وجد نفسه نائبا لسكرتير الحزب- الرفيق فهد- وعضو في المكتب السياسي ، وظلت هذه القضية مؤثرة في نفسه ، رغم عمله المتفاني والمواضب مع الرفيق فهد حتى جاءته الفرصة عندما سافر الرفيق فهد إلى موسكو لغرض الدراسة عندها عقد مؤتمرا للحزب جمع فيه مريديه وتم انتخابه سكرتيرا للحزب وأبقى الرفيق فهد في عضوية اللجنة المركزية ، لكن هذا المؤتمر لم يكتب له النجاح رغم التفاف غالبية الأعضاء . ورغم أن أنصار الرفيق فهد أقلية إلا أنهم كانوا يمثلون الحزب ، وبعد أيام تنكر حتى أولئك الذين حضروا المؤتمر وصدرت جريدة القاعدة مقابل الشرارة التي استولى عليها جماعة رياض والذين صار يطلق عليهم (جناح الشرارة الجديدة ) .
وحلت المشكلة حين شنت الشرطة حملة إعتقالات شملت الجميع - نجا منها الرفيق فهد بأعجوبة – حيث تهاوت تلك الجماعات وطلبت العودة إلى الحزب لكن الرفيق فهد رفض مساومتهم وقبلهم كأفراد منطلقا من مبدأ " ليس لكل انشقاق أن يصنع الضعف ولن تكون أية وحدة مصدرا للقوة " (7)
ولكن فلول هذين الانشقاقين تجمعوا في انشقاق جديد هو : ( وحدة النضال )عام 1943 . وقاد داود الصايغ والنقيب الركن سليم فخري انشقاقا آخر عام 1944تحت
-----------------------------------------------------------------------------

اسم ( رابطة الشيوعيين العراقيين ) التي أصدرت جريدة العمل .
وآخر انشقاق في زمن الرفيق فهد هو الانشقاق الرفيق زكي خيري والمسمى بـ( اللجنة الوطنية الثورية) وكان ذلك عام 1946 .
المتفحص لتلك الانشقاقات يلاحظ أن انشقاقا واحدا فقط استولى على الحزب واسمه هو انشقاق الرفيق رياض أما البقية فقد أخذت أسماء أخرى ولكنها وضعت نفسها بديلا للحزب . لقد وقف الرفيق فهد بشكل حازم ضد أي انشقاق . مهما كانت نواياه . ، انطلاقا من فكرة نبيلة وهي وحدة الطبقة العاملة .
يبدو لي أن الرفيق فهدا في تلك الأيام لم يكن قادرا على عقد مؤتمر في ظل تلك الصراعات بل هو غير مقتنع بالمرة بعقد المؤتمر وبهذا الصدد يتوصل حنا بطاطو إلى استنتاج مهم وهو أن ما حصل من إنجازات لا يمكن أن تعود فقط لوحدة القيادة بل " ربما جزء من الفضل إلى المعارضة التي استاء فهد منها أشد استياء ، لأن فهدا انتهى إلى صياغة برنامج وأنظمة داخلية للحزب ، وإلى الدعوة إلى أول كونفرنس حزبي ، وإلى مؤتمر للحزب في النهاية ." (8) . وأظن كان بالإمكان عقد الكونفرنس الأول أو المؤتمر الأول للحزب في الفترة التي عقد رياض مؤتمره . لو قدر لهذا المؤتمر الانعقاد لكان أكثر حيوية بسب وجود أكثر من رأي ولو قارنا تحضيرات كل تلك الفعاليات لوجدنا أن هناك توافقا فقد عقد مؤتمر رياض يوم 20 /11/1942 وحضره 26عضوا من ضمنهم ثلاثة أعضاء من اللجنة المركزية ()
وحضر الكونفرنس الأول للحزب 28 عضوا من ضمنهم أربعة أعضاء من اللجنة المركزية وعقد في آذار 1944 وحضر المؤتمر الأول للحزب 27 عضوا من ضمنهم أربعة أعضاء من اللجنة المركزية وعقد في آذار 1945.
لم يعقد الرفيق فهد الكونفرنس والمؤتمر إلا بعد الانتهاء من إقصاء المعارضة الحزبية وحل مشكلة الكتل الانشقاقية ، والسيطرة بشكل جيد على زمام الأمور بحيث تم كل شيء كما أراده " فالبرنامج والأنظمة كانا من صنع يديه . كما أنه اختار شخصيا كل أعضاء الكونفرنس والمؤتمر . أن معرفة فهد النظرية وخبرته العملية كانتا أعلى بكثير من أن يستطيع المؤتمرون عمليا فعل أي شيء غير الإيماء بالموافقة " (9) .
نعت الرفيق فهد خصومه بالخونة والماكرين والمنبوذين ، لكن حقيقة الأمر لم يظهر خائن واحد من قيادة المعارضة الحزبية بمفهوم الخيانة المعروف بين الشيوعيين وهو التعامل مع السلطة وأجهزتها الأمنية وتعريض الآخرين للأذى ، لم
-----------------------------------------------------------------------------

() ذكر في تقرير اللجنة المركزية للحزب المقدم إلى اجتماعها المنعقد في كانون الأول 1942 أنهم " أربعة خونة متآمرين من أعضاء اللجنة المركزية " وفي مكان آخر من التقرير يذكرهم بأسمائهم الحزبية وهم (رياض ، كاظم ، ظافر ، وكرادي ) ولكنني عند أجريت مقارنة بين أعضاء اللجنة المركزية المشكلة قبل هذا االانشقاق واللجنة المركزية التي شكلها رياض وجدت أن أعضاء اللجنة المركزية الذين اتفقوا على عقد المؤتمر بغياب الرفيق فهد هم: ( عبد الله مسعود ، وديع طلبة ، وصفاء الدين مصطفى ). وهذه هي أسماؤهم الصريحة
يظهر ما يشير إلى تورط عبد الله مسعود ، ذي النون أيوب ، أو داود الصائغ ، وما كان هؤلاء منبوذين في المجتمع ، فقد كان مسعود سكرتير الحزب ثم نائبا للرفيق
فهد وهو أول من أسس جريدة الشرارة عام 1938 وقبلها كفاح الشعب . وكان ذو النون أيوب كاتبا معروفا وعضو اللجنة المركزية للحزب وهو من صنيعة الرفيق فهد نفسه . ورسالته إلى الزعيم السوري وصفي البنّي عبرت عن معاناته إذ يقول فيها أن " الشيوعيين ينظرون إلي وإلى رفاقي كـ " جواسيس " و " نازيين " بينما ينظر النازيون ورجال الشرطة إلينا كشيوعيين ... إن اتفاق نازي وشيوعي أسهل من أن يعمل شيوعيان يداً بيد " . (10)
إن إطلاق هذه الصفات تقليد ورثه الرفيق فهد عن الرفيق لينين وهو أسلوب أو وسيلة لتبشيع الآخر وإسقاط آرائه التي لا تتوافق مع منطلقات الحزب البلشفي . ربما يلتقي السلوك الانشقاقي مع أهداف السلطة الرجعية الرامية ‘إلى إضعاف الحزب ولكن هذا شيء والخيانة شيء آخر ، أنها معارضة حزبية قد لا تخلو من نوازع مخلصة أو انتهازية أو الاثنين معا . لكن الرفيق فهد سد كل المنافذ الممكنة للتعاون معهم ففي معرض دعوته للجبهة يقول : " لا يمكن ولن يمكن أن نضم أشخاصا فضحت أعمالهم التخريبية بصورة عامة وأشخاصا كانوا رفاقا طردوا من الحزب من جراء مؤامراتهم وخياناتهم " (11)
لاحظت أن الرفيق فهداً في كل كتاباته التي تناول فيها الكتل الإنشقاقية لا يذكر الأسماء الصريحة لقادتها بل يستخدم أسماءهم الحركية كي لا يعطي فرصة للتعرف عليهم من قبل السلطة وأجهزتها "الأمنية " كما لم أقرأ أن هذه الكتل أعطت أسرار الحزب لأجهزة الأمن والمخابرات ، باستثناء من سقطوا وهؤلاء من الطرفين فقد وجدنا أن أقرب الرفاق إلى الرفيق فهد هم الذين خانوا الحزب ومنهم عبد الوهاب عبد الرزاق الذي أبلغ الشرطة بمكان مقر الحزب السري وبسبب ذلك ألقي القبض على مالك سيف ويهودا صدّيق والأخير أخبرهم أن مالك سيف هو المسئول الأول في الحزب ، مما أدى إلى انهياره وأفشى كل أسرار الحزب بل أصبح شرطيا وبسببه أعدم الرفاق : ( فهد ، وحازم ، وصارم )
. 3 – الموقف من الآخر الوطني .
وانطلاقا من تلك الثوابت التي ذكرناها كان الرفيق فهد مخلصا في التحالف والتعاون مع الحركة الوطنية ، فقد رفع شعار " قووا تنظيم حزبكم الشيوعي، قووا تنظيم الحركة الوطنية "وهو شعار يحرص على الوحدة الوطنية ويؤكد على تقوية تنظيم الحزب وليس اعتباطا جاء الشق الأول في المقدمة ، فقد كرس الرفيق فهد جل حياته على تقوية تنظيم الحزب ومن أجل ذلك لم يتردد في محاربة أي حزب أو شخص يفكر في مزاحمة الحزب ومن هنا جاءت إشكاليته مع حزب الشعب. أن
-----------------------------------------------------------------------------
.


تأسيس حزب الشعب هي فكرة الرفيق فهد أساسا وأقرها الكونفرنس الأول للحزب فقد رأى ضرورة أن تكون هناك واجهة علنية وشرعية للعمل وعندما نجح عزيز شريف في إجازة الحزب نشبت الخلافات بينه وبين الرفيق فهد وجرى حصرها فقد بالنقاط التالية :
أ- (يعتقد الرفيق فهد أن الرفيق خالد بكداش - وكان صديقا لعزيز شريف له علاقة بهذا الموضوع لأنه كان يمتلك أفكارا غير تقليدية وأراد تطبيقها في العراق من خلال صديقه وهذا ما تم إنكاره من قبل الشيوعيين السوريين .
ب - وجد الرفيق فهد أن عزيز شريف " لم يكن الشخص الذي بإمكان فهد أن يبقيه تحت قبضته "
ج - ظن الرفيق فهد أن عزيز شريف ومعاونيه بدأوا بالتحرك من أجل " تصفية النضال السري وحل الحزب الشيوعي العراقي " وهذا ما أنكره عزيز شريف أكثر من مرة . ) (12)
كان الرفيق فهد يتخوف من نمو هذا الحزب وبالتالي يؤدي إلى شق العمال وإرباكهم لذلك كان يسعى لأن يبقيه بلا قوة وعلى هذا الأساس أسس حزبا منافسا هو حزب التحرير الوطني ، ومن جهة أخرى " وصم قادة حزب الشعب بعار الإنتهازية وعزل أتباعهم واجتثاثهم من نقابات العمال والحرفيين " (13)
أعتقد أن شعار " قووا تنظيم حزبكم قووا تنظيم الحركة الوطنية" وجد تطبيقه العملي بعد رحيل الرفيق فهد . لأن في عهده قوبلت الدعوة لتكوين جبهة وطنية موحدة " من العناصر الديمقراطية بالصد مرة بالرفض أخرى " (14) ويبدو أن الرفيق فهداً - في زمنه - جسد تطبيقه العملي لهذا الشعار من خلال دفع أعضاء الحزب وأصدقائه للانخراط في صفوف الحركة الوطنية من أجل تقويتها، وكانت تتمثل بـ ( الحزب الوطني الديمقراطي بزعامة جعفر أبو التمن وحزب الشعب بزعامة عزيز شريف وحزب الاتحاد الوطني بقيادة عبد الفتاح إبراهيم ) والرفيق فهد لم يقف ضد (المعارضين الوطنيين الشاعرين بضرورة الإصلاح ومنهم نائب الديوانية سعد صالح ، وداخل الشعلان ونظيف الشاوي ولم يقف ضد أصحاب المصالح الذين اصطدموا مع الشركات الأجنبية أو من الذين تضرروا بسبب الأوضاع السائدة فهؤلاء عارضوا دفاعا عن مصالحهم الشخصية والطبقية ، فكانت معارضتهم تتفق مع نقاط معينة من المصالح الوطنية .) (15)



وهذا ما يؤكد على أن الرفيق فهد مع المعارضة التي تتفق أهدافها حتى ولو مع جزء من أهداف الحزب شرط أن لا تضع نفسها بديلا للحزب أو تمس بوحدة الطبقة العاملة .
أردت الاحتفاء بالذكرى المئوية لميلاد الرفيق الخالد فهد بطريقة مختلفة بعض الشيء ، وذلك من خلال منهجية البحث عن الخطأ والاستفادة منه بدلا من البحث عن الصواب ، ظنا مني أن الفائدة في الحالة الأولى أكبر وفي غمرة هذا البحث أضفت إلى ما تعلمته من الرفيق فهد الكثير من الصفحات الناصعة في سلوكه الإنساني والثوري ،وما ورد من أخطاء تبقى في إطار زمنها وهي ملك البشرية مع كل سفره المجيد تشكل مساحة واسعة للدراسة والبحث وهنا تكمن عظمة هذا الرجل الذي صار رمزا من رموز المناضلين وقدوة لكل الثوريين في العالم

2001/7/8


) ) وهنا لابد من تدقيق ما ذكره حنا بطاطو في الحقيقة أن الرفيق فهد عندما شكل اللجنة المركزية للحزب في 29 تشرين الأول 1941 استثنى منها (جورج يوسف ستو ) و( حسن طه ) فقط وأضاف إليها ( صفاء الدين مصطفى ، حسين محمد الشبيبي ، داود الصايغ ، ذا النون أيوب ، أمينة الرحال ، زكي بسيم ، )

(1) حنا بطاطو – العراق ، الكتاب الثاني ، الحزب الشيوعي ،ترجمة عفيف الرزاز، ط1 بيروت 1992 ، مؤسسة الأبحاث العربية ص 14
(2) حنا بطاطو ، المصدر السابق ، ص 149

(3) كتابات الرفيق فهد ، دار الفأرابي –بيروت ، الطريق الجديد –بغداد ص51
(4) أنظر حنا بطاطو- المصدر السابق – ص 153

(5) أنظر حنا بطاطو – المصدر السابق – ص 153
(6)أنظر حنا بطاطو –المصدر السابق – ص 154
(7) أنظر حنا بطاطو – المصدر السابق – ص 160
((8 أنظر حنا بطاطو ، المصدر السابق ، ص 167
((9 حنا بطاطو ، المصدر السابق ، ص 167
10) حنا بطاطو ، المصدر السابق ، ص 143
(11) كتابات الرفيق فهد ، دار الفأرابي –بيروت ، الطريق الجديد –بغداد ص 406

12) أنظر حنا بطاطو ، المصدر السابق ، ص 247
(13) حنا بطاطو ، المصدر السابق ، ص 252
(14) كتابات الرفيق فهد ، دار الفأرابي –بيروت ، الطريق الجديد –بغداد ص 406
(15) أنظر كتابات الرفيق فهد ، دار الفأرابي –بيروت ، الطريق الجديد –بغداد ص147





#علي_إبراهيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاشتراكية بين التجربة والنظرية


المزيد.....




- مشتبه به بقتل فتاة يجتاز اختبار الكذب بقضية باردة.. والحمض ا ...
- في ظل استمرار الحرب والحصار، الشتاء يضاعف معاناة نازحي غزة و ...
- قصف إسرائيلي عنيف يزلزل الضاحية الجنوبية لبيروت
- صدمة في رومانيا.. مؤيد لروسيا ومنتقد للناتو يتصدر الانتخابات ...
- البيت الابيض: لا تطور يمكن الحديث عنه في اتصالات وقف النار ب ...
- نائب رئيس البرلمان اللبناني: لا توجد عقبات جدية تحول دون بدء ...
- استخدمت -القرود- للتعبير عن السود.. حملة توعوية تثير جدلا في ...
- -بيروت تقابلها تل أبيب-.. مغردون يتفاعلون مع معادلة حزب الله ...
- مشاهد للجيش الإسرائيلي تظهر ضراوة القتال مع المقاومة بجباليا ...
- ماذا وراء المعارك الضارية في الخيام بين حزب الله وإسرائيل؟


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - علي إبراهيم - قبول الآخر في فكر وممارسة الرفيق الخالد فهد