|
سادية برامج الكاميرا الخفية فى رمضان هذا العام هى جرائم بإسم الضحك
إيرينى سمير حكيم
كاتبة وفنانة ومخرجة
(Ereiny Samir Hakim)
الحوار المتمدن-العدد: 4163 - 2013 / 7 / 24 - 03:47
المحور:
الصحافة والاعلام
إن برامج المقالب المدعية الكوميدية هذا العام هى برامج مهينة للكوميديا ببراعة، ومسيئة للإنسانية بكل جدارة، وتتفنن فى خلق مرضى من المشاهدين لديهم فصام فى التفكير حيث المطالبة بحقوقهم الإنسانية متغاضون عن حقوق غيرهم فى نفس الوقت، مشاهدون يبكون ويولولن على الدم السائل فى شوارع مدينتهم ويقهقهون على دم محروق لآلام ورعب ضيوف فى برامج مقالب، تلك البرامج التى قد شوهت فكر المشاهد بحرفية تجعله كاذب حينما يطالب بأمنه وسلامه حين يصرخ مستنجدا عند حدوث شئ يهدد أمنه، فى حين انه يتابع يوميا برنامج يعرض صراخ ومخاوف أشخاص تموت من الخوف أمامه على الشاشات، متى نواجه الفساد فى صوره المختلفة؟ متى نعترف أن التناقض يفسدنا وان الضحك أو حتى الابتسامة على معاناة إنسان هى جريمة فى حق أنفسنا وفى حق الإنسانية كلها؟!
أمثلة على بعض البرامج
برنامج "الساحر" وأحداث المقلب تدور فى سيرك، وفكرته تتلخص فى أن ساحر يتقدم له احد الأطفال ليستخدمه فى لعبة سحرية، ومن هنا يبدأ المقلب فى والديه حيث يتم تسريب الطفل وإخفاءه وكأنهم لا يستطيعون الوصول إليه لإرجاعه لأهله، ومن ثَم تبدأ حالة الذعر والبكاء والشجار التى من المفترض أن ننهال من الضحك على مشهد ذعر وآلام الوالدين النفسية!، والذى ادهشنى ما وجدته من تعليق على حلقات الويتيوب من القناة المذيعة للبرنامج: "برنامج الساحر من اقوي كوميديا المقالب الذى كاد أن ينقلب إلى مشاجرات خطيرة اضحك من قلبك"، لا اعلم عن اى كوميديا يتحدثون واى ضحك ممكن أن يخرج من قلب إنسان سوى على مشاهدة ناس تتعذب خوفا على أطفالها، إن مثل هؤلاء هم مقلب فى الإنسانية نفسها، ولا اعرف كيف وصلنا إلى هذه المرحلة من السادية!.
برنامج "فلفل شطة" وهو يصور مسابقة للطبخ بين سيدتان إحداهما هى من يدبر لها المقلب، وفيه نشاهد يوميا "وصلة ردح حريمى" تمتد من أول البرنامج لآخره، مع تدرج فى مستوى المشاجرة من ردح إلى شتائم إلى ضرب، ومن المفترض كعادة تلك البرامج أننا نضحك على مأساة يحياها المجتمع وهى اضمحلال الثقافة، وكأن الردح والشجار وإحضار شخص نجعله ضحية موقف مستفز يُهاجَم فيه ويدفع إلى أن يُهاجِم هو إحدى مظاهر الكوميديا!.
برنامج "رامز عنخ آمون" هذا البرنامج الذى جاء هذا العام كمستوى أعلى من السادية عما يقدمه الممثل رامز جلال فى تخصصه فى المقالب، فقد اعتمد فيه على تفنن فى صياغة الرعب فيمن يطلق عليهم أصدقائه من الفنانين ليجرجرهم إلى مكان التصوير وهو مقبرة فرعونية بحجة تنشيط السياحة، ومن ثَم تغلق المقبرة المظلمة فجأة وتبقى الضحية وحيدة فيها مع خفاش وثعبان، ثم بعد وقت من الصراخ والرعب يتم نقل الضحية إلى مرحلة أخرى أكثر رعبا دون رحمة، حيث يظهر رامز متخفيا فى زى مومياء، ومن الجدير بالذكر انه كان يستفز بعض الضحايا حيث يمسك به ويصرخ إذا كان الضيف على قدر من التماسك حتى يفتعل موقف أكثر إثارة، والسؤال هنا هو كيف يقوم هذا الممثل بكشف قناع المومياء وهو يقهقه بالضحك فى حين أن الضحية تصرخ وترتعش ومنهم من يبكى؟!! كيف نعتبر هذا المشهد شئ طبيعى نشاهده ويمر من أمامنا كبشر طبيعيين نفسيا؟!، هل من المفترض أن المشاهد إذا كان سوى أن تتعالى ضحكاته مع صراخ الضحية فى هذا البرنامج؟!، وكيف أصبح لمثل هذا البرنامج تلك الجماهيرية السقيمة التى تنهال أحيانا بالسباب والتهكم على رد فعل الضحية مبتهجة بما يفعله ذاك الممثل؟!، وأنا أجد أن فى اختيار موقع التصوير واسم البرنامج اهانة للصورة الفرعونية وتشويه للسياحة نفسها لما تضمنه الفكرة لعرض خطر وذعر.
بالإضافة إلى برامج أخرى تعمدت استفزاز الضيوف، وتصور حوار دسم من الاتهامات المتبادلة والشتائم والضرب أحيانا مثل برنامج "من غير زعل" والذى يختم بتوجيه عظة من مقدمة البرنامج عن فكرة ما تريد أن توجهها لجمهورها بعد حلقة لم تقدم سوى حالة من العنف اللفظى والغضب!.
مواجهة الظاهرة وتحليلها
لابد وان نتوقف عند تلك الظاهرة ولا نتجاهلها، فلابد أن ندرك أننا أصبحنا نملك قدر كبير من السادية فى مجتمعنا الذى أصبح يعج بمظاهرها، فنحن باستمتاعنا بهذه البرامج أو باستسلامنا لهذه الظاهرة نقنن نوع جديد من الجرائم فى مجتمعنا وهو القتل النفسي باسم الضحك، وجرائم أخرى تساعد على تفشى السادية ومشاكل نفسية أخرى كثيرة، من المفترض أن نقاومها بدلا من أن نختلقها ونعززها ببرامج تدعى الكوميديا، لان هذا هو سرطان الموقف المأساوى الذى نحن فيه الآن، حيث السم فى العسل من برامج تتسبب فى استفزاز وضغط نفسي بإسم الضحك، فلقد أصبحنا نتلذذ بآلام الآخرين حتى نضحك، نستمتع بمعاناتهم حتى نخرج من مواقفنا السيئة بلعبة تغيير الأدوار، كيف نتجرأ إذن ونطالب بتطبيق القانون على من يُرخص من دم المصرى فى صورة سياسية أو تجارة بالدين ونحن نضحك على من يتعذب نفسيا أمامنا ونصفق لمن يدبر له هذا الألم؟!
لذا أرجو ألا نتغاضى عما يحدث هذا ولابد من مراقبة المجتمع جيدا كذلك الإعلام أيضا لتأثيره عليه، فتلك البرامج وجماهيرها وتعليقات المشاهدين الراضية عن الفكرة والراجمة للضحية أوقات كثيرة، هى مؤشرات خطيرة حقا تهدد المجتمع الذى من المفترض انه دخل طور جديد من البناء، فان كنا نسعى حقا لتطويره وتنقيته علينا بأن نواجه تلك الظاهرة، وان نعترف بحقيقة ما أصبحنا عليه من تناقض وأننا أصبحنا فى اجتماعياتنا اقرب إلى مظاهر الفاشية لما نتمتع به من سادية حتى فى الضحك.
وأتمنى أن يقوم مهتمون من المختصين فى مجال علم النفس وعلم الاجتماع بتحليل تلك الظاهرة، والعمل على التعامل معها بصورة توعية وشرح يصل لكل فئات المجتمع، حتى لا تمتد فى صور أخرى إلى ما ابعد واخطر من ذلك، وحقيقة كنت أتمنى أن الضيوف أنفسهم الذين كانوا الضحايا فى تلك البرامج أن يتخذوا موقف جاد وصادق مع رد فعلهم الحقيقى لهذه المقالب السخيفة.
وأخيرا لابد من الإشادة ببرامج للكاميرا الخفية خرجت من تلك الدائرة المُسفة، وهى تعرض أفكار كوميدية حقيقية مثل برنامج "الصرف الالى"، وبرنامج له فكرة إنسانية ظريفة كبرنامج "اتجنن" والذى يضع الضيف فى موقف مع اثنان مما يعانيان من مرض نفسي دون ضغوط عصبية مبالغ فيها للضيف أو تعرضه لأى أذى نفسي، إنما يخرج المشاهد من الحلقة بكوميديا من تصرفات المرضى ورد فعل الضيف، والذى تُظهر فيه فكرة البرنامج الجانب الانسانى له والطيب أيضا، وبهذا يكون أدى البرنامج دوره الايجابى دون استغلال للضيف أو الاستخفاف بعقلية المشاهد وتشويه فكره ودوافعه.
#إيرينى_سمير_حكيم (هاشتاغ)
Ereiny_Samir_Hakim#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قطة ورجل يتبولان فى الشارع وشتان الفرق بين الحضارة والهمجية
-
ظاهرة الُمتحَررون الأَتباع اجتاحت مجتمعنا
-
الفيلم القصير -حاضر مع المتهم- أصبح المتحدث الرسمى عمن يواجه
...
-
قنوات الأطفال المصرية ما بين التشدد الدينى والابتذال وتشويه
...
-
مصطفى درويش يُحاضِر المجتمع بصور آدمية فى طىّ النسيان
-
فوضى المُعتَقَد العارمة فى المجتمع
-
برنامج -أول الخيط- يكشف حقيقة التحرش بتمثيل مخادع من جنس الج
...
-
فرقة -جرامافون- عازف كمان وممثل بانتومايم يخاطبان المجتمع بم
...
-
نداء للسامرى الصالح
-
دماء غشاء البكارة والدورة كرامة للأنوثة
-
رواية مياه الروح تكشف القناع عن الزيف الدينى وتعرض رجاء لمن
...
-
متعصب وملحد متطرفان
-
إهداء إلى أمهات لا يذكرهن احد
-
فيلم -ساعة ونص- قراءة للواقع الانسانى المصرى ومحاضرة نفسية ل
...
-
مع توفر لقب عاهرة أين العاهرون؟
-
إله الأشرار بدعة
-
صلاح الدالى يقدم توعية سياسية مبسطة بفن الاستاندأب الكوميدى
-
بيان من مجلس إدارة الإتحاد المصري العربي للفرق المسرحية الحر
...
-
لست أنا العورة .. انتم العورة
-
بئس ثائر يحتقر المقهور وشعب هو هولوكوست وطنه لندرة الرحمة وو
...
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|