أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - الانتقال إلى العالم الآخر والأصل المصرى















المزيد.....


الانتقال إلى العالم الآخر والأصل المصرى


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4162 - 2013 / 7 / 23 - 21:58
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



يعتقد كثيرون أنّ الصورة الخيالية لعالم ما بعد الموت فى الإبداع ، اقتصرتْ على (رسالة الغفران) للشاعر إبى العلاء المعرى و(الكوميديا الإلهية) للشاعر الإيطالى دانتى . بينما البداية كانت من مصرالقديمة، فى البردية التى تحكى انتقال (آنى) إلى العالم الآخر. وهى البردية التى أخذتْ عنوانـًا خاطئـًا (كتاب الموتى) بينما الترجمة الدقيقة عن اللغة المصرية القديمة (الخروج إلى النهار) وعرض البردية40سم وطولها ثلاثون مترًا ومحفوظة فى المتحف البريطانى .
يحكى (آنى) أنه مات وسافر إلى العالم الآخر. ووصف رحلة الروح منذ فارقتْ جسده . وأنه مرّ بسبع سماوات وصفها بالتفصيل . ثم وصف إجراءات المحاكمة والملكيْن اللذيْن يُسجلان الحسنات والسيئات. ثم ينتقل من المحكمة إلى حقول اليارو (الجنة) والمكوّنة من سبع طبقات تبدأ (بجنة الأبرار) ثم (جنة شهداء العقيدة) و(جنة المُرسلين) و(جنة الملائكة) وأخيرًا (جنة النور) وفيها نهرًا من خمر ونهرًا من لبن ينزل من ثدى (نوت) إلهة السماء ونهرًا من عسل. وأنّ الحقول بها ((القمح الذى سنابله من ذهب)) وأنّ الملابس لا تتسخ والشباب دائم لا يعرف المرض. ويرى علماء علم المصريات أنّ تلك البردية جمعتْ بين الفلسفة والأخلاق ، ورسمتْ صورة للحياة بعد الموت.
أما صورة الجحيم فهى مختلفة عن صورته فى أغلب ثقافات الشعوب الأخرى وكذلك مختلفة عن صورته فى (رسالة الغفران) وفى (الكوميديا الإلهية) إذْ أنّ مصير المذنب (الذى ارتكب بعض المعاصى على الأرض) أنْ يلتهمه (عم – موت) أى الوحش الذى يلتهم قلوب الأشرار. أما مصير الإنسان الذى لم يرتكب الآثام فيدخل حقول اليارو (الجنة) وكتب العالم الكبير(برستد) أنّ الذى خلص تلك البردية من وصمة أنها كتاب سحرى ((تقديرها الظاهر لمسئولية الضمير)) (فجرالضمير- ترجمة سليم حسن- أكثرمن طبعة- ص 289) أما عالم المصريات محسن لطفى السيد فكتب فى تفسيره لعبارة ((أنا الأمس وأعلم علم الغد)) الواردة فى تلك البردية أنّ ((الأمس هو أوزير. والغد هو الإله أتوم (رع) وهكذا يُشير أوزير إلى الزمان الماضى أما (رع) فهو المستقبل ، وما الماضى والمستقبل إلاّ جزءان لا غنى عنهما كى تتم حركته الأبدية)) (كتاب ما هو كائن فى العالم الآخر- طبعة على نفقة المؤلف – ص 9) وذكر أيضًا أنه لا يوجد متحف فى العالم للمصريات يخلو من البردية التى دّون فيها نص كتاب (الخروج إلى النهار)
فى الفصول الأولى نتعرّف على المحكمة التى ستـُحاكم روح المرحوم (آنى) ويرأس المحكمة الإله أوزير. وأعضاء المحكمة 42قاضيًا يُمثلون محافظات مصر القديمة. يقف المرحوم آنى (كل متوفى فى مصر القديمة كان يُطلق عليه أوزير أى المرحوم) أمام القضاة مُرتلا ((يا قلب أمى لا تقف ضدى شاهدًا . لا تفترى علىّ كذبًا أمام الإله)) وفى الختام يقول الإله تحوتى ((إنّ أفعاله وُجدتْ صالحة فى الميزان العظيم. الأوزير آنى لم يرتكب إثمًا ولم يصنع شرًا. إنّ عم – موت لن يكون له سلطة عليه)) والميزان فى قاعة المحكمة فى إحدى كفتيه ريشة ماعت أو (ماعاط فى بعض الترجمات ومنها الاسم المصرى معاطى) (إلهة العدالة) وفى الأخرى قلب المتوفى . والمعنى الرمزى هنا أنْ يكون القلب خفيف الوزن مثل الريشة لم تثقله الخطايا. ورمز آخر هو أنّ القلب والريشة متساويان . وفى الفصول الأخيرة تدخل الروح حقول اليارو (الجنة) ونرى آنى وهو يقود زوجًا من الثيران ويحصد ثمار القمح ويقول ((أريد أنْ أكون قويًا عساى أنْ أحرث هناك وأصنع كل شىء كنتُ أصنعه على الأرض)) (ترجمة المرحوم محسن لطفى السيد عن النص الهيروغليفى كما ترجمه إلى اللغة الإنجليزية أيضًا) والمعنى أنّ الحياة فى حقول اليارو (الجنة) صورة طبق الأصل من حياة المصرى على الأرض ، حياة تعتمد على العمل وبصفة خاصة الزراعة التى مهّدتْ لنشأة الحضارة. وهنا نلاحظ أنّ صورة الجنة عند جدودنا مختلفة تمامًا عن صورة الجنة فى تراث شعوب أخرى حيث تصور الذين دخلوا الجنة وهم يأكلون ويشربون ويتمتعون بحور العيون والغلمان المخلدين وبدون أى عمل ، كما أنّ صورة الجنة المصرية لم يرد لها أى شبه فى (رسالة الغفران) أوفى فردوس دانتى .
وتصل الفلسفة فى البردية إلى معنى إنسانى عميق ، إذْ عندما يسأل آنى عن المتع الجنسية يرد عليه الإله آتوم ((إنك سوف تحيا بسلام . لقد أعطيتك التجليات بدلا من الماء والمتع الجنسية. وهذا القلب عوضًا عن الخبز والحنكت (= البيرة وهى المشروب الشعبى فى مصر القديمة) والمعنى هنا أنّ المتع فى الجنة المصرية روحية وليستْ مادية. وفى الفصل 125يُرتل المرحوم آنى الاعترافات الانكارية وعددها 42 اعترافــًا ، ويتضح منها حرص المصرى على نبذ رذيلة الكذب التى تمقتها الشعوب المتحضرة فى عصرنا الحالى وتعتبرها من الكبائر، وذلك بعد آلاف السنين من كتابة بردية آنى الذى يقول لإله أبيدوس ((التحيات لك يا من تمقت الكذب)) وأكثر من ذلك نجد فى اللوحة العاشرة نصًا بالغ الأهمية (لم أعثر على مثيل له- وفق قراءاتى- فى كل الشرائع والفلسفات) إذْ أنه يُساوى بين رذيلة الكذب وفضلات الكائن الحى ، ووفق نص البردية فإنّ ((الآلهة المصرية تمقت الكذب والبراز)) كما أنّ البردية تـُدين رذيلة أخرى وهى جريمة التلصص على الآخرين فيقول آنى ((أنا لم أسترق السمع)) وتشمل الاعترافات تجريم الاعتداء على حقوق الغير، وتجريم الزنا والسرقة وعدم الاعتداء على مياه النيل خشية تلوثها إلخ.
وخيال كاتب البردية يتضح من فكرة الصعود إلى السماء بواسطة (سلم) مُتخيّل صنعه الإلهان (رع) و(حورس) وفى رصده لظاهرة الشروق والغروب ، فإنّ (رع) يُغرب فى صورة (أوزير) وأوزير يُشرق فى صورة رع ، ثم أصبح أوزير هو الأمس ورع هو الغد. كما أبدع مركبًا للصباح رمزًا للخلود ومركبًا للمساء رمزًا للأبدية وهما وجهان لشىء واحد هو الخالق السرمدى. وفى اللوحة رقم 16 نجد المرحوم آنى يركع فى بركة ماء نبتتْ فيها شجرة جميز مورقة وداخل فروعها نرى إلهة السماء (نوت) وهى تصب الماء على كفتىْ المرحوم آنى . أى أنّ خيال كاتب البردية (أنسن) الإلهة (نوت) فى حركة صب الماء وأضفى عليها صفات الرحمة والمودة بالصورة وليس بالكلمات ، كما أنّ هذه (الأنسنة) الرحيمة للآلهة تكررّت كثيرًا فى البرديات العديدة وهو ما انفردتْ به الميثولوجيا المصرية. ومن الخيال البديع أيضًا تحول المرحوم آنى إلى طائر يُحوّم حول قريته ليرى منزله ويُشاهد أهله. ويبدو أنه اشتاق لرؤية زوجته (توتو) التى نراها فى اللوحة رقم34وهى تحمل باقة طويلة من أزهار اللوتس . وفى اللوحة رقم 28نرى رأسًا لإنسان يخرج من زهرة اللوتس ، وهو رسم رمزى لبزوغ الشمس يوميًا وفق عقيدة منف وتـُسمى (نفرتوم) أى الحُسن التام أو الجمال المُكتمل وفق الترجمة عن الهيروغليفية. والرسم يرمز إلى ضمان بعث المتوفى وأنه يستطيع أنْ يتحوّل إلى زهرة لوتس . والخيال يرسم صورة بديعة للإله الذى يرى كل شىء فى الوجود ، إذْ أنّ ((وجهه فى قفاه)) وتشير البردية إلى أنّ جدودنا عرفوا تقسيم العمل والنظام الحسابى والأعداد الكبيرة مثل الحديث عن ملايين السنين .
إنّ بردية (الخروج إلى النهار) سبقتْ (رسالة الغفران) و(الكوميديا الإلهية) بآلاف السنين ، وأشارتْ إلى أنّ موت الإنسان ماهو إلاّ موت الجسد أما الروح الطاهرة التى لم تركتب الآثام فسوف تعيش فى حقول اليارو. وأنّ الروح تنتقل من حياة إلى حياة شبيهة بالحياة فى الحقول المصرية على الأرض. وهذا الخيال ينفى افتراءات أعداء الحضارة المصرية الذين يزعمون أنها (حضارة موت) وعن العلاقة الجدلية بين الحياة والموت ذكر عالم المصريات الكبير سليم حسن أنّ اللغة المصرية القديمة لم تعرف لفظة (الموت) وكان المصرى يستخدم للتعبير عنها لفظة (الغرب) وكان ((الغرب عند قدماء المصريين مكان الخلود والشرق مكان الولادة)) وأنّ العلاقة بين الحياة والموت استمدّها من ظاهرة شروق الشمس ثم غروبها ثم شروقها من جديد، ومن ظاهرة تجدد الفيضان كل عام . وعن تلك العلاقة الجدلية بين الحياة والموت قال الأديب الكبير (أندريه مالرو) وزير الثقافة الفرنسية عندما زار مصر((إنّ ما بحثتْ عنه مصر فى الموت ، هو (تحديدًا) القضاء على الموت.. إننى باسم فرنسا أشكر مصر التى كانت أول من ابتكر الخلود))
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مصطلح ( متأسلمين ) ومغزاه
- قصص أبطالها حيوانات والأصل المصرى
- سيناء ضحية بين حماس وإسرائيل
- تحولات المستشار طارق البشرى
- إدوارد سعيد : داعية إسلامى
- المثقف بين الولاء للسلطة والولاء لشعبه
- لمصلحة من القتل والارهاب ؟
- الأحزاب الدينية والحداثة
- بورتريه ل ( ع . ف )
- السيسى حفيد حور- إم - حب
- الحداثة والإسلام نقيضان لا يلتقيان
- نص عبرى / حداثى
- اعتذار للأستاذ أحمد الخميسى
- الحضارة المصرية وأصل الموسيقى
- العلاقة بين الآثار والسياحة
- أحمد الخميسى يفتح كنوز أوراقه الروسية
- وعد بالفور بالمصرى
- العرق والدين آفتان للتعصب
- أحادية الفكر
- التنفس بالقصبة الهوائية العبرية


المزيد.....




- وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور ...
- بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
- ” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس ...
- قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل ...
- نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب ...
- اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو ...
- الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
- صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
- بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021 ...
- كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - الانتقال إلى العالم الآخر والأصل المصرى