|
الثقافة الدستورية
ديندار شيخاني
الحوار المتمدن-العدد: 1191 - 2005 / 5 / 8 - 11:54
المحور:
المجتمع المدني
مفهوم الدستور القانون هو مجموعة قواعد قانونية ملزمة مجردة تحكم علاقات الأفراد في المجتمع و كل جماعة مهما صغر حجمها تحتاج إلى القانون ، فلابد أن يكون للجماعة السياسية المنظمة قانون أعلى يحوي على قواعد تنظم كيفية ممارسة الحكم من قبل الحكام بالإضافة إلى تنظيم العلاقات بين الأفراد وبيان حقوقهم وواجباتهم ، ويطلق على القانون الأعلى مصطلح القانون الأساسي أو قانون القوانين أو الدستور ، بيد أن المصطلح الأخير هو الشائع . إن للدستور أهمية بالغة في حياة الدول والشعوب، سواء من الناحية القانونية ، أو من النواحي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية ،حيث يقع الدستور في قمة الهرم القانوني للدولة ، و تكمن أهمية الدستور في إنه يتناول أموراً هامة و ضرورية جداُ في الدولة ، إذ أن جميع دول العالم اليوم تملك الدستور( سواء كان مكتوباً أو غير مكتوب ) لأنه يحدد التنظيم السياسي للدولة ( الإطار الرئيسي لمكونات النظام السياسي) ، و كان فلاسفة اليونان أول من تناول مصطلح الدستور بالمفهوم السياسي ، و كان أبرزهم هو (أرسطو ) ، وإذا كانت بداية استخدام مصطلح الدستور كمفهوم سياسي قد بدأت في اليونان القديمة، إلا أن الاستخدام الحديث والمعاصر لهذا المصطلح قد ارتبط بنظريات العقد الاجتماعي والتطور الديمقراطي الذي بدأ في أوروبا.
إن الدستور كمفهوم سياسي قانوني قد تطور عبر العديد من المراحل ، وتبعا لنتيجة الصراع في كل مرحلة وصولا إلى مرحلة الدستور الديمقراطي ، فقد أدى هذا إلى تبلور مجموعة من التقاليد الدستورية الأصلية التي صارت تحكم العمل السياسي في الدول الغربية ، خاصة وأن هذه التقاليد نابعة من واقع خبرة هذه المجتمعات ، الأمر الذي أدى إلى توفير الإطار الملائم للتطور الدستوري المستمر في هذه البلدان باعتباره أمراً طبيعيا ، وغير مفروض من خارج المجتمع . ولابد أن يحتوي الدستور على جملة من المبادئ يجري تفصيلها على نحو يلزم المشرع العادي بالتقيد بها من جهة، و أن تجد هذه المبادئ طريقها للتطبيق الكامل والنزيه من جهة أخرى، ومن أهم خصائص الدستور الديمقراطي والتي تبلورت عبر سنوات طويلة من الصراع بين أنصار إطلاق السلطة و أنصار تقييدها هي :
أ – احترام أحكام الدستور : قديما كانت السيادة تعنى الحق المطلق في الأمر دون قيد أو منازع. و نشأ هذا المفهوم للسيادة في ظروف خاصة في أوروبا وفرنسا على وجه الخصوص ، ألا انه في الممارسات الدستورية الديمقراطية المعاصرة ليس هناك حق مطلق غير منازع وغير مقيد يعطى لصاحبه الحق في إصدار الأوامر ، حتى الشعب لا يملك هذا الحق المطلق غير المقيد ، وإنما يمارس الشعب سلطاته بموجب أحكام الدستور وكل دستور ديمقراطي معاصر مقيد بحقوق وحريات عامة لا يجوز مسها وشرائع وعقائد يجب مراعاتها . إن وضع هذا المبدأ موضع التطبيق يتطلب ضرورة انتخاب أعضاء السلطة التشريعية (البرلمان ) ، المناط بهم مهمة التشريع في ظل قيود الدستور ، بمعنى ألا تخالف التشريعات التي يضعونها أحكام ونصوص الدستور ،كما يتطلب ضرورة انتخاب المسؤولين عن السلطة التنفيذية المناط بهم دستوريا السيطرة على قرارات الحكومة وسياساتها، كما والقيام بمساءلة السلطة التنفيذية عن أداء مهامها وفقا لاختصاصاتها الدستورية . ب - مبدأ سيادة القانون : و يعني إن القانون هو أعلى سلطة في الدولة و لا يعلو عليه أحد ، إن تطبيق هذا المبدأ على ارض الواقع هو ما تتميز به الحكومة الدستورية الديمقراطية و من أجل تطبيق هذا المبدأ لابد من وجود ضمانات لاحترامه ، وتتمثل هذه الضمانات في وجود جزاء على مخالفة أحكام هذا المبدأ وأفضل أداة لتحقيق ذلك هي وجود هيئة قضائية تتوافر فيها ضمانات الاستقلال والنزاهة والكفاية وتكون مهمتها إلغاء القرارات الإدارية المخالفة للقانون . وأبرز مظاهر هذا المبدأ هو ( مبدأ سمو الدستور)، ، أي انه لا يوجد أي نص أعلى من الدستور أو يساويه في المرتبة ، ومن ثم لا يجوز مخالفة أحكامه ، لذا يُطلق على الدستور مصطلح القانون الأساسي، أو قانون القوانين، تمييزاً له عن بقية التشريعات (القوانين والأنظمة)، فلكون الدستور أعلى مرتبة من القوانين فقد نشأ تبعاً لذلك: مبدأ سمو الدستور.
وينطوي سمو الدستور على سمو موضوعي وآخر شكلي:
ويتحقق السمو الموضوعي بالدستور لأنه يتضمن قواعد بشأن شكل الدولة ونظام الحكم فيها، والسلطات الثلاث ( التشريعية و التنفيذية و القضائية )، أي كيفية ممارسة السلطة ومصدرها، والعلاقة بين الحكام و الشعب ، إضافة إلى حقوق وحريات الأفراد.
أما السمو الشكلي فإنه يتضمن شكل وإجراءات وضع القواعد الدستورية، وهي طريقة أصعب من طريقة وضع قواعد القوانين العادية، وكذلك قواعد وطرق تعديل الدستور.
ويترتب على هذا المبدأ ، نتيجتين هامتين : 1 - دعم مبدأ المشروعية القانونية ، من خلال أيجاد مرجعية دستورية تنبثق عنها القوانين وتقيد سلطة المشرع في إصدار القوانين . 2 - التأكيد على إن الدستور يبين الاختصاصات وأنه على جميع سلطات الدولة أن تراعى اختصاصاتها الدستورية ، فلا تخرج عن إطار اختصاصاتها في الدستور . جـ - الفصل بين السلطات الثلاث وتحقيق التوازن فيما بينها : الدستور الديمقراطي يقوم على عدم تركيز السلطة في هيئة واحدة ، وإنما يقوم على توزيع السلطات وتحقيق التوازن بين سلطة التشريع والتنفيذ والقضاء ، بما يؤدى إلى عدم انفراد أي مؤسسة من مؤسسات النظام السياسي بالسلطة ، و في نفس الوقت يحقق التعاون المطلوب بينها لتسيير العمل السياسي، ولذلك اقتضى نظام الحكم الديمقراطي أن يقوم الدستور بمنع الجمع بين السلطات ، و ضرورة قيام الدستور الديمقراطي بإيجاد مؤسسات تكفل عدم إلحاق سلطة بأخرى ، أو منع سلطة لسلطة أخرى من أداء اختصاصاتها المبينة بالدستور . د - ضمان الحقوق والحريات العامة : يتمثل هذا البعد للدستور الديمقراطي في توفير الضمانات اللازمة لممارسة الحقوق والحريات العامة ، وهو بعد مكمل لخصائص الدستور الديمقراطي ، ويعبر عن مميزاته ، ومن ثم فالدستور الديمقراطي يهتم بتوفير هذه الضمانات قدر عنايته بتحديد اختصاصات السلطات وضبط تصرف الحكام . هـ - تداول السلطة سلمياً : وهو مبدأ أساسي من مبادئ الدستور الديمقراطي ، فتداول السلطة بين القوى السياسية الشرعية ، أي المعترف بها قانونيا يجب أن يكون وفقا لنتائج الاقتراع العام ، وما تسفر عنه انتخابات ديمقراطية ، وعلى أحكام الدستور الديمقراطي أن توجد المؤسسات وتخلق الآليات اللازمة لذلك .
#ديندار_شيخاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إعلام عبري: صفقة وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى في غزة تتضمن
...
-
تفاصيل جديدة عن اتفاق تبادل الأسرى بين الإحتلال وحماس
-
إيران تطالب الأمم المتحدة بالاهتمام بالوضع في سوريا
-
ليبيا.. حكومة الوحدة تدين مشاهد التعذيب في سجن قرنادة المتدا
...
-
أبرز التفاصيل حول الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية
-
ألمانيا تحاكم قياديا في تنظيم الدولة بتهمة ارتكاب جرائم حرب
...
-
يديعوت أحرونوت: حماس ستظل فاعلة ومتجددة بعد صفقة الأسرى
-
لأول مرة في تاريخها.. اعتقال رئيس كوريا الجنوبية واستجوابه ب
...
-
المفوض الأممي لحقوق الإنسان يدعو لعدم السماح بتكرار الفظائع
...
-
مصدر فلسطيني: الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وتبادل
...
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|