أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - جواد بشارة - المسألة العراقية















المزيد.....


المسألة العراقية


جواد بشارة
كاتب ومحلل سياسي وباحث علمي في مجال الكوسمولوجيا وناقد سينمائي وإعلامي

(Bashara Jawad)


الحوار المتمدن-العدد: 295 - 2002 / 11 / 2 - 03:35
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


          
 عرض وتعليق : د. جواد بشارة / باريس

 

بيير جون لويزار واحد من أنزه الباحثين الفرنسيين المتخصصين بالشؤون العراقية وأكثرهم معرفة وعلماً وإطلاعاً ومتابعة وموضوعية في الأحكام . لقد كرس قلمه وخبرته لخدمة القضية العراقية منذ أن تخصص في هذا الميدان وخصص أطروحته لنيل شهادة الدكتوراه لموضوع : " تشكيل العراق المعاصر : الدور السياسي لرجال الدين الشيعة في نهاية حقبة الهيمنة العثمانية وتأسيس الدولة العراقية الحديثة " التي نشرت في كتاب صدر عن المركز الوطني للبحوث العلمية وهو أعلى هيئة علمية فرنسية معروفة اليوم وذلك سنة 1991 وأعيد طبعه اليوم في 2002 . كما أشرف هذا الباحث المنصف على تحرير وإصدار عدد خاص عن : " الذاكرة العراقية كشفاً: عن مجتمع مقهور " من مجلة : " مشرق ـ مغرب ، والعالم العربي " الصادرة عن مركز الوثائق الفرنسية " العدد 163 في يناير ـ فبراير 1999 ، والتي أتاح فيها الفرصة لعدد من ألأقلام العراقية والأسماء العراقية من المفكرين والكتاب العراقيين للتعبير عن أنفسهم باللغة الفرنسية  وتقديم ماساتهم وقضيتهم للرأي العام الفرنسي حيث اعتبرت هذه المجلة وهذا العدد بالذات المرجع الأساسي للمعلومات عن العراقي بالنسبة للعديد من وسائل الإعلام الفرنسية لاسيما حين تسلط الأضواء الإعلامية على العراق مع قرب وقوع الضربة الأمريكية المتوقعة ضد النظام العراقي. 
بلغت صفحات الكتاب 370 صفحة ، مقسمة إلى مقدمة وأحد عشر فصلاً ، استعرض فيها المؤلف تأريخ العراق المعاصر بدءاً  من العهد العثماني والاحتلال البريطاني وإنتهاءاً  بالتهديد الأمريكي الذي ينذر بالتدمير ، مروراً بفترات تأسيس الدولة العراقية الحديثة ونهاية الملكية وتأسيس النظام الجمهوري وسقوط نظام الزعيم عبد الكريم قاسم  ووصول البعث إلى السلطة  عام 1963 ، والفترة العارفية برئاسة الأخوين عبد السلام عارف وعبد الرحمن عارف ، ووثوب حزب البعث إلى السلطة مرة ثانية سنة 1968 وصعود  نجم صدام حسين وحربه ضد إيران وغزوه للكويت  وتعريض العراق  لويلات الحظر والحصار والمقاطعة والحرب الثالثة  ، دون أن ينسى بالطبع أهمية ودور النفط العراقي في النزاعات الإقليمية والأطماع الغربية والدولية  ، وإلقاء الضوء على تركيبة المعارضة العراقية قديماً وحديثاً ، وتحليل سياسة إيران العراقية،  والسياسة الأمريكية تجاه العراق ، مع خاتمة  واستعراض تاريخي بالأرقام والسنوات  وقاموس للمصطلحات والتعبيرات والأسماء غير المعروفة  . إنه سفر رائع وكامل تقريباً لكل من يريد أن يعرف العراق على حقيقته وما يحدث له بالفعل وكيف سيكون تصور مستقبله على ضوء الأحداث الجارية .
 يتساءل الباحث في مقدمته قائلاً : " هل صدام حسين ظاهرة منفصلة عن تاريخ العراق وطبيعة مجتمعه ؟ وهل هو المسؤول الوحيد عمّا آلت إليه أوضاع هذا البلد الضحية ؟ إن العراق كما يقول بيير جون لويزار غني بكل شيء، بالماء والنفط والثروات الطبيعية وبشعب متطور ومتعلم، ويمتلك مايزيد عن حاجته من الكوادر المتخصصة في كافة العلوم  والفروع والاختصاصات . ففي بلد الرافدين توجد كل السبل والإمكانات  التي تجعل منه بلداً غنياً ومزدهراً . إذن لماذا يشهد العراق أسوء فترة في تاريخه اليوم ويعيش مآسي مدمرة منذ أكثر من 20 عاماً ؟ التاريخ الإعلامي  يتناسى متعمداً وعن قصد ، أنه قبل احتلال الكويت  ونشوب حرب الخليج الثانية  ، خاضت بغداد وطهران  لمدة ثمان سنوات عسيرة ودامية حرباً شرسة وضع البلد على حافة الإفلاس  الاقتصادي  هذا عدا عن الجرح النفسي  والضحايا بمئات الألوف ومشوهي الحرب والأسرى وتدني الأحوال المعيشية وخراب البنى التحتية . لقد أضفى الغرب الصفات الشيطانية على صدام حسين لتبرير إطاحته لكنه نسي أنه نتاج مجتمع سياسي فرضته المجموعة الدولية سنة 1920 بالضد من إرادة الشعب العراقي وتطلعاته بإسم مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها . وقد هيأ هذا المناخ السياسي  وهذه التركيبة السياسية العراقية الفرصة لأمثال صدام حسين أن يظهروا على مسرح السياسة ويتفاقم وجودهم. فقد بدأ صدام حسين تسلقه لجدار السلطة منذ اللحظات الأولى لانقلاب 1968 وفرض نفسه بالقوة  والحديد والنار وبوحشية لانظير لها وقسوة لم يسبقها مثيل كسيد مطلق على العراق غداة تفجر الثورة الإسلامية  في إيران . ولكن كيف تمكن من حصر كافة السلطات بين يديه دون منازع أو منافس ؟ وكيف استطاع هذا النظام البقاء في السلطة كل هذه السنين التي تجاوزت الثلاث عقود بالاعتماد فقط على عائلة واحدة ؟ ولماذا أصبح العراق بالرغم من إمكانياته الهائلة دولة مارقة ومنبوذة  بالنسبة لجزء كبير من دول الغرب ؟ هذا ما يحاول بيير جون لويزار الإجابة عليه وتقديم مفاتيح لفهم أصول وجذور الصراع الحالي الدائر في العراق وحوله .
إن صدام حسين مصاب بجنون العظمة . ويطرح نفسه وريثاً لنبوخذنصر  وحمورابي وهارون الرشيد وسليلاً للعائلة النبوية الكريمة من نسل فاطمة الزهراء عليها السلام بنت النبي محمد [ ص ]  . ليحكم بلداً تناوبت عليه حضارات عظيمة في سومر و وأكد وبابل وآشور . ليكون سيداً مطلقاً على بلد ولد وهو يعاني من مرض عضال يسمى الطائفية . حيث يقدم بيير جون لويزار لوحة رائعة وتفصيلية عن نشأة التشيع وتجذره في أرض العراق التي سماها "مهد التشيع" منذ أن نقل الإمام علي عليه السلام مقر الخلافة الإسلامية من المدينة إلى الكوفة في وسط العراق واستشهاده فيها ودفنه في النجف الأشرف التي أصبحت بدورها مدينة  الشيعة المقدسة الأولى في العالم إلى جانب أضرحة الأئمة الشيعة الآخرين [ عليهم السلام ] في كربلاء وسامراء والكاظمية في بغداد . ويذكر  المؤلف إن أول عملية مقاومة جهادية كانت على يد رجال الدين الشيعة ضد الاحتلال البريطاني بين أعوام 1914 و 1916 وإرسال آيات الله والمراجع الكرام لرسائل للرئيس الأمريكي ويلسون يطالبونه فيها بتطبيق مبادئه الأربعة عشر وعلى رأسها حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها  للتخلص من الهيمنة البريطانية والاستعمار البريطاني الذي كرسته عصبة الأمم بموجب صك الانتداب. هذا فيما يتعلق بالتاريخ وبين أعوام 1921 و 1958  شيدت دولة ضد مجتمعها على حد تعبير المؤلف حيث كان هذا هو عنوان الفصل الثاني من كتابه . وهو محق حينما يقول أنه لكي نفهم سلسلة المآسي التي تعاقبت على العراق ينبغي علينا أن نعود إلى تاريخ ميلاد الدولة العراقية وأصلها الاستعماري الذي لم يكن فريداً من نوعه لأن هناك كثير من الدول الحديثة المجاورة للعراق تأسست على يد القوى الاستعمارية وحصلت فيما بعد على شرعية حقيقية . لقد لعبت بريطانيا ورقة القومية العربية بينما لم تكن هذه النزعة منتشرة ومتجذرة في نفوس العراقيين آنذاك واستندت في تشكيلها لأسس الدولة على النخبة المنحدرة من الإمبراطورية العثمانية أي على العوائل السنية الكبرى في العراق مبعدة الغالبية الشيعية من سكان العراق عن مفاصل السلطة ومراكزها العليا وألحقت الأكراد قسراً بدولة قومية عربية . هذا هو البناء التحتي للدولة العراقية الحديثة كما يراها الباحث بيير جون لويزار حيث نصبت بريطانيا على عرش العراق العائلة الهاشمية  الملكية التي وضعتها تحت تأثير وإشراف الحكومة البريطانية وفرضت عليها المعاهدة تلو الأخرى من معاهدة 1922 إلى معاهدة 1930  وإعلان الاستقلال الشكلي للعراق سنة 1932 وأصبح عضواً في عصبة الأمم ولكن في واقع الأمر كان هناك مستشارون بريطانيون في كافة الوزارات العراقية وهم الذين يتخذون القرارات وعلى رأسهم المندوب السامي البريطاني . ويستعرض المؤلف الانقلابات والثورات والتمردات  والوثبات التي وقعت داخل الجيش وداخل المجتمع العراقي والتي سبقت حركة الضباط الأحرار  وإنقلاب 14 تموز سنة 1958 وتأسيس الجمهورية العراقية بزعامة عبد الكريم قاسم  الذي وصل إلى السلطة بانقلاب عسكري قام به الجيش العراقي الذي اعتبر بمثابة العمود الفقري للوطن . وخلال تلك الحقب كافة لم تتوقف المواجهة بين السنة والشيعة في العراق وإن اتخذت أشكالاً مختلفة حيث حافظ سنة العراق على احتكار السلطة كاملة بين أيديهم كما كان الحال في العهد العثماني بينما اتبع الشيعة السلطة الدينية والدنيوية للمراجع الكبار في هرم المراتبية الدينية الشيعية  وهم الذين قادوا أولى الثورات ضد الاستعمار البريطاني .
ثم تأتي جمهورية الأوهام الضائعة كما سماها المؤلف عنواناً للفصل الثالث لكتابه، والتي تمتد من سنة 1958 إلى 1968 أي مدة عقد كامل منذ الإطاحة بالعرش الهاشمي وتدخل الجيش  في الشؤون السياسية وممارسة السلطة السياسية في البلاد . أختار الزعيم عبد الكريم قاسم  الأولوية العراقية على الأولوية القومية ـ العربية كما نادى بها جمال عبد الناصر وحزب البعث والقوميين العرب وأستند في اختياره هذا على أقوى الأحزاب السياسية العراقية اليسارية آنذاك وهو الحزب الشيوعي العراقي الذي اتهمه القوميون بالشعوبية. ولم ينجح الزعيم عبد الكريم قاسم في تهدئة أو حل المسألة الكردية التي تفجرت  ضده سنة 1961.
أظهر البعثيون حقدهم ضد الشيوعيين والشيعة على السواء ورفعوا شعارات "لاشيعي ولا شيوعي ولاشركَاوي " منذ اللحظات الأولى لخروجهم من الائتلاف الوطني الذي تشكل ضد الحكم الملكي وخاصة سنة 1963 تاريخ الانقلاب البعثي ـ القومي الأول ضد نظام عبد الكريم قاسم.
تأتي مرحلة  تسلط البعث مرة ثانية على السلطة في السنوات العشرة الأولى الممتدة من 1968 إلى 1979 حيث كان الحاكم الرسمي هو المهيب أحمد حسن البكر وهو عسكري حقيقي  لكن الحاكم الفعلي كان صدام حسين المدني الذي لم يخدم الخدمة العسكرية الإلزامية ولم يكن يحمل حتى رتبة جندي بسيط . بقي هذا الثنائي في السلطة طيلة هذه السنوات التي تفاقمت فيها الصراعات المسلحة بين النظام الحاكم والأكراد في العراق  واتسمت هذه الفترة بتجربة الجبهة الوطنية التي ضمت الشيوعيين في السلطة بصورة شكلية من عام 1973 إلى 1978 ، وتأميم النفط العراقي سنة 1972 وظلت السلطة تخشى من الشيعة ومراجعهم وتحاول إخضاعهم وإرعابهم بكل وسائل التهديد  والتعذيب والاعتقالات ، خاصة ضد حزب الدعوة الإسلامية بقيادة المرجع الشهيد آية الله العظمى محمد باقر الصدر . الذي أعدمته السلطات العراقية سنة 1980 بسبب موقفه المؤيد للثورة الإسلامية في إيران ولزعيمها آية الله العظمى المرجع الكبير روح الله الخميني الموسوي  حيث أتهمه نظام صدام حسين بالتآمر والخيانة العظمى . وأصبح الجيش أداة قمع وتدمير بيد السلطة الحاكمة يسلطها النظام العراقي ضد الشعب وقواه السياسية المعارضة وضد الأكراد بشكل خاص . وتحول الجيش لخدمة البعث والتكريتيين المسيطرين على السلطة . وقد خاض المؤلف في كثير من التفاصيل والخبايا التي يجهلها القاريء الغربي والفرنسي بشكل خاص مثل قصة ناظم كزار وإعدامات الجواسيس واليهود في العراق سنة 1969 وتهجير الأكراد الفيلية الشيعة من العراق منذ عام 1970 والممارسات العنصرية والطائفية للنظام من خلال أمثلة عديدة مثل صدور كتاب خير الله طلفاح خال صدام حسين ووالد زوجته ومربيه : " ثلاثة كان على الله ألاّ يخلقهم :  المجوس واليهود والذباب" . الخ ... ويتصدى أيضاً لموضوع عودة النشاط للتيار الديني السياسي ممثلاً بحزب الدعوة الإسلامية  ومواقف المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد محسن الحكيم . وبوفاة  هذا الأخير ظهرت في جنازته شعارات معادية للنظام لأول مرة مثل " يا صدام شيل إيدك هذا الشعب مايريدك "  . وبروز نجم الزعيم الإسلامي الكبير " خميني العراق" كما يسميه المؤلف ، وهو المفكر آية الله العظمى محمد باقر الصدر الذي دفع حياته ثمناً لمواقفه البطولية .
الفصل الخامس  حمل عنواناً ذو دلالة وهو " الهبوط نحو الجحيم : من سنة 1979 إلى ؟؟؟؟ " خاض فيه المؤلف بتفاصيل وقضايا خافية على الرأي العام الغربي  من حربي الخليج الأولى والثانية إلى استفراد العائلة الصدامية بالسلطة المطلقة واشتداد العنف والقسوة والبطش والاستبداد الوحشي وعمليات الإعدام والتعذيب والتصفية الجسدية والإفقار العام للشعب العراقي وإذلاله ودور الأبناء والأخوة غير الأشقاء  وأبناء عمومة صدام حسين في هذه المجازر وتقلد  المدنيين المناصب  والرتب العسكرية العليا وعسكرة المجتمع  وتكاثر التنظيمات العسكرية والجيوش المتعددة من الجيش النظامي الذي يخشاه النظام دوماً، إلى القوات الخاصة إلى المتطوعين قسراً إلى الميليشيات إلى فدائيوا صدام  الخ ..
كرّس المؤلف الفصل السادس من كتابه للنفط ـ الملك Le Roipétrole، والإفلاس الاقتصادي للبلد  وتبعات الحروب . حيث وضع النفط في خدمة اقتصاد الحرب وحرمان المواطنين من انعكاساته المالية والاقتصادية وفشل سياسة الانفتاح النسبي التي كان النظام يعد بها  الشعب العراقي. منذ وصول صدام إلى السلطة . استعرض الكاتب تداعيات الحرب العراقية ـ الإيرانية ، وغزو الكويت  ، والحرب الثانية بين قوات التحالف والعراق ، من الناحية الاقتصادية والنفسية والسياسية والاستراتيجية  والعسكرية .
الفصل السابع من الكتاب تحدث عن وضع البلاد تحت الوصاية الدولية وانقسامه الفعلي  ودماره  الاقتصادي  والمعنوي . والمساومات بين المنهزم والمنتصر في هذه الحروب ، مقابل بقاء النظام في السلطة ولو بثمن إفقار المجتمع العراقي وتفكك لحمة المجتمع وإنهياره النفسي والأخلاقي حيث تفشت المحسوبية والمنسوبية والرشاوي والنصب والاحتيال والغش وشراء الذمم مع تفاقم العنف والقمع والتعذيب والاغتيالات والتصفيات الجسدية والاعدامات .
يسلط الباحث بيير جون لويزار الضوء على المعارضة العراقية وتشتتها بين المشاريع السياسية ، والمشاريع الجماعاتية أو الشللية، ووصاية الأجانب  والقوى الإقليمية . حيث واجهت المعارضة معضلة عدم حل " المسألة العراقية " . ويتساءل مع كثيرين غيره عن ماهية وحقيقة السياسة الأمريكية تجاه العراق إن وجدت فعلاً . فقد بات مؤكداً اليوم مع كثير من الأدلة القاطعة التي لاتقبل الجدل أو النقض إن الولايات المتحدة هي التي لم تسمح بنجاح الانتفاضة الشعبية  في آذار 1991 التي يسميها العراقيون "الانتفاضة الشعبانية المجيدة ". بل وساعدت الولايات المتحدة الأمريكية وقوات التحالف الغربي النظام العراقي المهزوم في حربه  على سحقها بالحديد والنار وذبح مئات الآلاف من ابناء الشعب العراقي المشاركين فيها من عرب وأكراد أمام أنظارهم وهم يتفرجون ولايحركون ساكناً. كما يستعرض أوضاع كردستان العراق وحيرتها بين المضي في مشروعها منفردة وبين حتمية الحل العراقي للعراق ككل عرباً وأكراداً . ويغوص الكاتب في حيثيات دقيقة للمعارضة العراقية وتشعباتها بالأرقام والأسماء والتواريخ  ليخرج بنتيجة أنها غير فاعلة وحدها وغير قادرة على إطاحة نظام صدام حسين بسبب تشتتها وعدم توحيد صفوفها واتفاقها على برنامج مشترك واضح ولو في حده الأدنى .
فالعراق يقف اليوم وسط الرهانات والأطماع والمشاريع الإقليمية المتضادة والمتباينة والمتنافرة . كما يوحي بذلك مضمون الفصل التاسع من الكتاب. حيث أختفى العراق من المسرح الشرق أوسطي السياسي لفترة من الزمن بعد الحرب واعتراف المحيط الإقليمي ضمنياً وليس علنياً بالهيمنة الأمريكية على العراق منذ وقف إطلاق النار في خيمة صفوان . ويتطرق إلى تفاصيل العلاقات المعقدة بين العراق وحلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة وخاصة العربية السعودية والأردن ومصر . وتفرد الموقف السوري وخصوصيته .
الفصل العاشر  خصص بأكمله لدراسة وتحليل ومناقشة سياسة إيران العراقية وهو نفسه عنوان الفصل . يتناول الباحث مفاصل ومرتكزات  هذه السياسة منذ نشأت الدولة العراقية الحديثة إلى اليوم نظراً لتداخل المجتمعين الإيراني والعراقي والعوامل المشتركة بينهما خاصة من الناحية الدينية والمذهبية ناهيك عن المنافسة التاريخية بين العثمانيين والصفويين، ودعم النظام الإيراني الشاهنشاهي للأكراد في تمردهم ضد النظام المركزي في العراق. النظام العراقي يعرف جيداً طبيعة هذه العلاقة المتميزة بين الشعبية والتداخلات بين رجال الدين والمراجع الشيعة العرب والإيرانيين . ويمكننا القول إن أحد أسباب شن العراق لحربه ضد إيران في 22 أيلول / سبتمبر 1980 هو بغية إحتواء إمكانية تفجر ثورة دينية عراقية ضده كامتداد لعدوى الثورة الإسلامية الدينية الإيرانية ضد الشاه . إلى جانب خدمة المخططات والمشاريع الأمريكية المعادية لإيران الإسلامية واستخدام العراق كذراع مسلحة ضاربة لتدمير الثورة الإيرانية واستنزاف الدولتين العدوتين. ويعالج هذا الفصل موضوعاً شائكاً يسمم العلاقات بين البلدين وهو موضوع " عراقيوا إيران ، وإيرانيوا العراق " حسب تعبير المؤلف ودعم النظامين العراقي والإيراني للمعارضة المسلحة لديهما. وموقف إيران من كردستان العراق حسب تغير الأوضاع الدولية والاستراتيجية والسياسية المحلية والإقليمية والدولية . ويصل المؤلف إلى أحداث 11 ايلول وانتشار  مصطلح محور الشر  والحرب الموعودة ضد العراق أولاً وربما ضد إيران ايضاً فيما بعد .
الفصل الأخير كرّسه الباحث بيير جون لويزار لتحليل ومناقشة السياسة الأمريكية تجاه العراق منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة  واعتبار واشنطن للعراق بمثابة " الثقب الأسود " الذي أصبح غنياً باكتشاف الذهب الأسود في أراضيه ونشوء قصة حب بين النظام العراقي والغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية منذ العام 1975 إلى عام 1990 ونشاط اللوبي العراقي في كافة دول الغرب لتزويده بأحدث المعدات العسكرية وأسلحة الدمار الشامل  لسحق إيران وإجهاض الثور الإسلامية فيها وتشكيل التحالفات الاستراتيجية بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية حتى أن وزير الدفاع الحالي وحامل لواء مهاجمة العراق دونالد رامسفيلد كان مستشاراً عسكرياً لصدام حسين إبان الحرب العراقية ـ الإيرانية وعراباً لعودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وتطوير العلاقات الاستراتيجية بينهما . وبعد إنتهاء حرب العراق ـ إيران حان وقت تصفية الحسابات ووضعت دول الخليج في الواجهة لدفع فاتورة الخسائر المالية والعسكرية والبشرية العراقية خلال ثماني سنوات لحمايتها من الخطر الإسلامي ـ الشيعي ـ الإيراني. لكن الفخ الأمريكي أطبق على صدام حسين وكان معداً له منذ فترة طويلة ، حيث أغري بغزو الكويت لإيجاد الذريعة السياسية  لتقليم أظافره . لكن هذا الأخير حاول التمرد والتهديد والمطالبة بدفع الثمن . لكنه سيدفع هو نفسه ثمن  سياساته الإجرامية  وقد يكون ذلك حياته شخصياً أو على الأقل نهاية نظامه .

إسم الكتاب: المسألة العراقية
المؤلف : بيير جون لويزار
دار النشر : فايار
تأريخ النشر 2/10/2002
عرض وتعليق د. جواد بشارة / باريس

 



#جواد_بشارة (هاشتاغ)       Bashara_Jawad#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من هو العدو ؟
- الجوكر الأمريكي في مباريات النفوذ العالمية
- أمريكا وأوروبا والطموحات الاستراتيجية في عهد الرئيس الأمري ...
- قبل وصول اليورو إلى الجيوب
- الإسلام ماله وماعليه - الجزء الاول
- النظام القانوني لمشروعات البوت B.O.T. البناء ـ التشغيل ـ نقل ...
- مقابلة مع الدكتور إسماعيل قمندار - كتاب اللهجات الكردية الجن ...
- مقابلة مع القاص العراقي جبار ياسين
- قصة سطوع وأفول نجم في سماء باريس السياسية فضيحة ابن الرئيس ...
- محرك الحرب الأمريكية ضد النظام العراقي
- هل هناك حقاً إتصالات بين بن لادن والنظام العراقي؟
- وقفة مع شاعر السينما الراحل اندريه تاركوفسكي
- مقابلة مع مؤلفي كتاب : - 11 أيلول/سبتمبر: لماذا تركوهم ينفذو ...
- الإتحاد الأوروبي وإشكالية التضامن مع الولايات المتحدة الأمير ...
- فرنسا ومعضلة التواد الإسلامي على أراضيها بعد أحداث 11 أيلول ...
- تقرير عن النفوذ الفرنسي في أفريقيا
- الحادي عشر من سبتمبر / أيلول 2001 لماذا سمحوا لقراصنة الجو ...
- " إختيار كبش الفداء " أضواء جديدة على كتاب "بروتوكولات حكم ...
- مشاريع التسلح العراقية: واقعها ومخاطرها
- د. نصر حامد أبو زيد ومسألة التأويل وفلسفته


المزيد.....




- هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب ...
- حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو ...
- بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
- الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
- مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو ...
- مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق ...
- أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية ...
- حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
- تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - جواد بشارة - المسألة العراقية