|
دماء العراقيين هل تحتاج إلى فتوى لتحريمها ؟
احمد عبدول
الحوار المتمدن-العدد: 4158 - 2013 / 7 / 19 - 18:28
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
من بديهيات الأمور وأساسياتها التي لا ولن يختلف بخصوصها اثنان ان الدماء مصانة والنفوس محترمة على ضوء سائر الشرائع السماوية والقوانين الوضعية والأنظمة الأخلاقية والاجتماعية والفلسفية على حد سواء فالأديان السماوية والأرضية واللوائح البشرية منذ ان خلق الله الأرض وقدر أرزاقها وبث فيها من الحياة ما ميزها عن سائر الكواكب الأخرى حسب ما نمتلكه من علم ومعرفة كلها تصب في ذات الاتجاه وتنحو ذات المنحى بخصوص صيانة الدماء والحث على حرمتها وقدسيتها لا تحيد - عن ذلك الحث والتأكيد- قيد أنملة في الحفاظ على قدسية الدماء من أي اعتداء خارجي ومن أي جهة كانت هو أمر مرفوض منبوذ محرم باتفاق سائر الأديان والشرائع والقوانين . الديانة اليهودية كما هي المسيحية كما هي الديانة الإسلامية سوف لم ولن تتساهل في أمر الدماء والإعراض والأموال متخذة من الإنسان وكرامته وقدسيته شعارا لها ودثارا لمتبنياتها ومنطلقاتها . الإسلام كدين أعطى لحرمة دم المسلم منزلة ومكانة أعظم خطرا واجل شانا من حرمة الكعبة ذاتها (لهدم الكعبة حجرا حجر أهون عند الله من سفك دم امريء مسلم )(حديث شريف ) بل ان الإسلام تجاوز مربع ثنائية الكفر والإيمان الى مساحة الإنسان كانسان بغض النظر عن دينه ولونه وعرقه وجنسه ومذهبه وهذا عين ما أشارت إليه الآية الكريمة بقوله (أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) الآية تشير وبقوة الى ان من يسفك دم امريء بغير جرم مشهود فكأنما سفك دماء البشرية جمعاء . الدماء محترمة مصانة على ضوء جميع الشرائع والدساتيرالبشرية والسماوية لا فرق بين دم وأخر (الناس صنفان أما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق ).وفق كل ما تقدم من معطيات تضافرت عليها الأدلة والبراهين ودرجت عليها المجتمعات الإنسانية والبشرية منذ ألاف السنين يأتي السؤال وبقوة هل نحتاج الى فتاوى تحرم سفك الدماء وتمنع من التجاوز على حرمتها بعد كل ما جاءت به الأديان والشرائع والأنظمة والقوانين والدساتير الوضعية بخصوص قدسية الدماء وصيانتها هل نحتاج الى فتاوى تذكرنا بما تشكله الدماء من خطوط حمراء غير قابلة للتجاوز والاعتداء الا في ظروف مقيدة ومحددة بنصوص قانونية غاية في الدقة والحساسية . الحقيقة إننا لا نحتاج الى هكذا نوع من الفتاوى ولو أنّا سلمنا جدلا بأننا نحتاج هكذا سنخ من الفتاوى لكنا إذن أمام حاجة لمن يفتي لنا بضرورة شرب الماء حفاظا على الأرواح والأنفس من الموت والهلاك علما ان ضرورة شرب الماء هي معلومة بديهية لا تحتاج الى نص أو توصية أو فتوى ، ذات الأمر ينطبق على فتوى تحريم الدم العراقي والذي لن تأتينا بجديد حتى ينطبق عليها عنوان الفتوى التي تترتب عليها جملة من المعطيات التي تتضافر على بلورتها وإنضاجها حزمة كبيرة من العوامل الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية من جانب اخر فان مثل هذه الفتوى سوف لن تجد لها آذان صاغية من قبل من يستحلون دماء العراقيين فيفسدون في الأرض ويهلكون الحرث والنسل قتلا وتفخيخا وخرابا لان هؤلاء المجرمين لا يصدرون عن دين بقدر ما يصدرون عن أجندة سياسية ضيقة بلبوس دينية مشوهة لذلك فان مثل تلك الفتاوى قد تزيدهم إصرارا على ما يقدمون عليه من أفعال وجرائم ، ان هؤلاء الذين يكفرون سائر عباد الله من الشيعة والسنة ممن يختلف معهم فلا يُرى رأيهم ولا يُذهب مذاهبهم ولا يصدرون عن دين بقدر ما يصدرون عن برامج وإيديولوجيات سياسية بثياب وشعارات دينية مؤدلجة .باختصار إنهم أناس محكومون بنصوص سياسية قامت على أساس لَيّ عنق النصوص الدينية لغرض تطويعها بما يتوافق مع أفكارهم الضالة وتصوراتهم المغلوطة لذا فان فتوى تحريم دماء العراقيين سوف لن تجدي نفعا مع أولئك المتخفين وراء جملة من السور والنصوص والأحاديث النبوية الشريفة التي وظفوها لاهوائهم زورا وبهتانا ، لا شك ان المسألة اكبر بكثير من عملية إصدار فتاوى لن تأتنا بجديد بل ان الأمر يتعدى كل ذلك متطلبا من الجميع جهودا استثنائية على المستوى الفردي والجماعي لفضح وكشف وتبيان حقيقة تلك الجهات التي تعتمد العنف وتروج للقتل وتدعو للفتنة باسم الدين متخفية وراء عناوين الطائفة تارة والمذهب تارة أخرى المسألة اكبر من فتوى تؤكد على حرمة دماء لا يَرى في سفكها هؤلاء المرتزقة أدنى حرمة بل ان المسألة تتطلب من الجميع من قبل أبناء السنة والشيعة الوقوف على ارتباطات تلك الجهات التكفيرية وفضحها أمام الملأ وبالتالي كشف مخططاتها ومتبنياتها وزيف معتقداتها وتبعية مشاريعها السياسية التي باتوا على ضوئها مطية لقوى عالمية مؤثرة لغرض تحقيق أجندة سياسية مشبوهة تريد لها موطأ في المنطقة العربية لاسيما في منطقة الخليج العربي عبر تسميم الأجواء وخلق البلابل والقلاقل وصولا الى حرب شيعية سنية كمرحلة أولى وحرب سنية سنية شيعية شيعية كمرحلة أخرى .
#احمد_عبدول (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رجل دين ، رجل سياسة
-
هل تقف امريكا وراء تقسيم العراق؟
-
هل من معجزة؟
-
وماذا عن المرجعية ؟
-
ما الذي يجري في العراق واقعا ؟
-
هل تعيد المصافحة للعراقيين قتلاهم؟
-
مزامير الاغنياء
-
الصحابة في ميزان علي ( عليه السلام )
-
الشعوب ليست قطيعا
-
البعث مرة اخرى
-
شعب الله الثرثار
-
الطائفية السياسية ..بين الواقع والشعار
-
علي بن ابي طالب رائد المصالحة التاريخية
-
ثنائية الخوف والطمع
-
موتانا وموتاهم
-
النص والمرأة
-
مطر السوء
-
القوم الكافرون
-
أضغاث أحلام
-
الإنسان أم الأديان
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|