|
شرف التقليد وعار الإبداع /تحية إلى الكاتب إحسان طالب
نور الدين بدران
الحوار المتمدن-العدد: 1190 - 2005 / 5 / 7 - 11:08
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
هذا العنوان قاعدة سقيمة ، تسير وفقها العقلية الماضوية، على نحو كارثي الأداء والنتائج . الحياة مستمرة وتلك العقلية لا عمل لها سوى إيقاف الحياة عند هذا أو ذاك ولو كان مضى دهور على أفول ذلك القائد ، أو النبي أو غيرهما من البشر الذين حولتهم تلك العقلية إلى أوثان، مع أنهم هم أنفسهم لم يأتوا إلا ليعلنوا نهاية حقبة من الأعراف والتقاليد ، وبداية حقبة جديدة ، وهم أنفسهم وعوا ذلك أم لا ، كانوا بمجيئهم هذا يؤسسون لتجاوزهم ، من قبل اللاحقين كما تجاوزوا أسلافهم ، وهذا ما يجعلهم في نظري ذوي قيمة خاصة ، ومختلفين عن سواهم من البشر العاديين . ورغم أن هذه القضية باتت من النوافل ، فما دمنا نجد من يعيد نبش القبور(وللأسف أنا منهم) ، إما ليثبت لنا أنها تضم موتى لا أحياء ، وإما ليثبت لنا العكس ويقول أن من بداخلها مازال نابضاً بالحياة ، ويستطيع أن يقود حياتنا ، بطريقة أمثل ، وطبعاً المقصود تعاليمه. بنظري الطرفان كلاهما رواد مقابر ، والمقابر للموتى فقط.
ولكن ونحن في قلب الحياة ، علينا أن نتحاور ، ولا يجوز الاستبداد لا بزمن الحوار ولا بمكانه ، وهكذا أجدني أحياناً أمضي مع من يحاورني إلى أحد المقابر ، وبكل وعي ومحبة أنزل عند رغبته وليس عند رأيه الذي لا معنى لرأيي المختلف عن رأيه ، إذا لم أقدم على ذلك. لفت نظري في صفحات " مرآة سوريا" مقالة طويلة للكاتبة إحسان طالب بعنوان : "العدل والنساء وإشكالية تعدد الزوجات " ولست هنا بصدد الرد وإنما الحوار ، وأكثر ما لفت انتباهي الجهد الكبير المبذول على رفع حجر صغير . هذا الحجر الصغير واقعياً كرحى طاحونة ، بل كجبل ، وهو كابوس من سلسلة لا تنتهي من الكوابيس التي نعيشها في مجتمعاتنا كبشر عموماً وتعيشها المرأة على نحو خاص ، ولكنه لا يعدو في النص والكتابة أن يكون حصاة صغيرة جداً ، إلا إذا توهمنا أن الحروف سترفع الجبال ، والحقيقة أني لا أؤمن بذلك. ببساطة شديدة ، لست مضطراً إلى أي مرجع لأعيش حياتي ، خاصة إذا كان المرجع نفسه رفض مراجع زمنه ، وأخص بالذكر هنا الأنبياء فهم أول الكفرة في معتقدات عصرهم وثقافة زمنهم ، وبالأخص النبي محمد الذي كانت معاناته الكبرى ، في أن قومه يعبدون ما يعبد آباؤهم ، وقد خلقت عنده هذه الحجة الغبية ، توتراً لا تكاد سورة واحدة من القرآن تخلو من الإشارة إليها، ولحسن الحظ أنه لم يكن ، كما وصلنا، في زمنه مهدئات ، وإلا كنا خسرنا كثيراً من اللمعان النصي ، حول هذه النقطة وسواها. يا سيدتي الفاضلة ، تعدد الزوجات في هذا الزمن غباء وإرهاق وجناية على الذات والآخر، بنظري ، وإني من المعجبين بالرئيس التونسي الراحل الحبيب أبو رقيبة ، لأنه الزعيم العربي الوحيد الذي قام بإنجازات عملاقة في مجال العلمنة والحريات ، ومن ضمنها منع تعدد الزوجات ، وكما لن أقبل من عصر ماض أن يؤطرني في تعاليمه ، لا أقبل من نفسي أن تحاكم أو تحكم على حياة الناس في ذلك العصر ، والنبي محمد كان غير ما وصفته مقالتك الطويلة ، ولا أدري لماذا؟ لكنه مع كل حبه واحترامه لجميع نسائه وليس لخديجة وحدها كان يتزوج عليهن ويتزوج ثم يتزوج وحتى وهو على فراش الموت كان خاطباً ولكنه حسب الطبري ، لم يدخل بها ، لقد منعه الموت، حتى أن السيد الطبري يخصص لنبي الهدى فصولاً كاملة خاصة بتنوع زيجاته ، بين من نكح ولم يدخل بها ، وبين من خطب ولم ينكح وإلى آخر الأوضاع التي نعرفها جميعاً. أما عن سر عدم زواجه من غير السيدة خديجة في حياتها ، فنظرية حضرتك منطقية ، وكان يمكنني قبولها ، لو أن النبي تابع المسيرة عينها ، ومع أن السيدة عائشة :"حبيبة حبيب الله " والتي كان تزوجها بعد فترة قصيرة من زواجه من السيدة سودة بنت زمعة، إلا أنه وحسب السيد الطبري أيضاً ، لم يصبر عليها أكثر من 11 شهراً حتى دخل بالسيدة حفصة بنت السيد عمر وبعد أشهر بالسيدة زينب بنت جحش ( التي زوجها الله للنبي بسورة الأحزاب فكانت تتباهى على ضرائرها وتقول:" أنا أكرمكن رسولاً (جبريل) وأكرمكن وصياً(الله)" ثم دخل بالسيدة زينب بنت خزيمة ، التي لم تحتمل الحياة ، وأسلمت الروح بعد3 أشهر وكلهن في عام واحد ، وكرت السبحة ، فدخل بالسيدة أم سلمة وبالسيدة جويرية وبالسيدة صفية بنت حيي ثم بالسيدة ميمونة بنت الحارث فالسيدة أم حبيبة بنت السيد أبي سفيان ، وكذلك بالسيدة ماريا القبطية التي جاءته هدية من المقوقس ملك مصر والإسكندرية ، وكلهن في غضون عامين أو ثلاثة ، حتى أن السيدة عائشة وعلى ذمة بعض الرواة ورغم حب الرسول واحترامه الشديدين لها ، أكلتها نار الغيرة (ولا حاجة لتسمع وردة الجزائرية عن نار الغيرة) وقالت له :" ما أرى ربك يسعى إلا في هواك " وكان هناك أخريات لم يدم النصيب كما نقول ، فكان الزواج خاطفاً ، كأم شريك التي دخل بها فوجدها مسنة فطلقها ،أو أسماء بنت النعمان التي دخل بها فوجد بها بياضاً فسرحها (ويقال بل هي سرحته واستعاذت منه /الطبري) ، والشنباء بنت عمرو الغفارية التي عركت (حاضت) حين دخلت عليه ومات ابنه إبراهيم قبل أن تطهر فقالت لو كان نبياً ما مات أحب الناس إليه ، فسرحها.(الطبري وسواه) لذلك كله أجد أن نظرية حضرتك عن عدم زواج النبي أيام السيدة خديجة تحتاج إلى مراجعة ، ولكن هناك نظريات كثيرة ، أكثر منطقية ، تجدينها عند مؤرخينا النابهين ، ولن أذكر المستشرقين فهؤلاء مفترون أو غرباء ، يحاكموننا وأجدادنا بمقاييس حضارتهم المادية الشهوانية ، ووفق مدارسهم كالتحليل النفسي وغيره مما لا ينطبق علينا ، بل عليهم وعلى حضارتهم لعنها ولعنهم الله معها، فنحن كما يعلم الجميع شهواتنا روحانية ، حتى أكثرها حسية كالجنس مثلاً ، ودائماً مرتبطة لا بأجسادنا وغرائزنا ، وإنما بعالم الغيب والشهادة الذي يكتب لنا ما نعيشه ويصيبنا ، وشهوات قادتنا دائماً هي ليست منهم ولهم والسلام عليهم فقط ، وإنما هي من الأعلى ولأجل الأمة أو الوطن أو الدين أو القضية ، حتى الشخص العادي منا ، يبحث عن تبرير لشهواته باعتبارها خطيئة ، وليست حقيقة.
كنت ومازلت أتمنى أن نناقش قضايانا بدون مراجع تاريخية ، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وجنسياً ، ولا مانع من الاستئناس والفائدة من التراث وغيره ، ولكن غير مطلوب ممن عاشوا قبلنا أن يضعوا لنا قوانين حياتنا ، وغير مطلوب منا أن نبحث عن هذه القوانين خارج أجسادنا وعلاقاتنا الفعلية ، وإلا لماذا ولدنا؟ وما الحكمة من وجودنا؟ وهذه مشكلة كبرى نعانيها فحتى حين نريد الحديث في التضخم نقول قال تعالى وفي الديمقراطية فعل كذا صلى ورضي وزعل ، ولو رأى النبي محمد صفحات فكرنا لنفخ وزفر وقال هذا عصر جاهلي يعبد ما عبد آباؤه ، واتصل على الخط الساخن بالملاك جبريل ، ليكلم الله لينقذنا من جاهليتنا ومن آبائنا.
بدون مراجع أعلن أني مع الزواج المدني وضد تعدد الزوجات (وهذه ليست قضية فردية كما يتفيقه فقهاؤنا) ، مع الحب والحرية وتهديم جميع الحواجز بين الإنسان وحريته ، ولا حرية للإنسان بنصفيه: المرأة والرجل إلا بتحرر المرأة ، لأنها هي مستقبلنا ، هذا إذا كان للإنسانية مستقبل.
#نور_الدين_بدران (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدولة الدينية والدولة الحديثة
-
الإصلاح في المملكة العربية السعودية
-
أصغوا إلى الأغنية البحرينية
-
نبيل فياض يهجر
-
قاصمة الظهر
-
شادي سلامتك ... ويا سيادة الرئيس
-
كون آخر
-
العلاقة بالآخر مرآة الذات
-
النهر الهادر أصم
-
الفأس والرأس
-
الولايات المتحدة ليست فوق التاريخ
-
انتظري
-
أشتهي... بعد
-
اصح يا نايم .....كفاية
-
اللعبة الغامضة
-
أهرامات الحماقة
-
نقي العظام
-
ليت رذائلنا كرذائلهم وفضائلنا كفضائلهم
-
كهدوء يتفجر بياضاً له قرون
-
وماذا بعد الانسحاب أيها الأحباب؟
المزيد.....
-
الحوثيون يزعمون استهداف قاعدة جوية إسرائيلية بصاروخ باليستي
...
-
إسرائيل.. تصعيد بلبنان عقب قرار الجنايات
-
طهران تشغل المزيد من أجهزة الطرد المركزي
-
صاروخ -أوريشنيك-: من الإنذار إلى الردع
-
هولندا.. قضية قانونية ضد دعم إسرائيل
-
وزيرة الخارجية الألمانية وزوجها ينفصلان بعد زواج دام 17 عاما
...
-
حزب الله وإسرائيل.. تصعيد يؤجل الهدنة
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين مقاتلي -حزب الله- والقوات الإسر
...
-
صافرات الانذار تدوي بشكل متواصل في نهاريا وعكا وحيفا ومناطق
...
-
يديعوت أحرونوت: انتحار 6 جنود إسرائيليين والجيش يرفض إعلان ا
...
المزيد.....
-
فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال
...
/ المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
-
الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري
...
/ صالح ياسر
-
نشرة اخبارية العدد 27
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح
...
/ أحمد سليمان
-
السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية
...
/ أحمد سليمان
-
صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل
...
/ أحمد سليمان
-
الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م
...
/ امال الحسين
المزيد.....
|