|
إشكالية الهوية السورية في سياق الأزمة الراهنة
معتز حيسو
الحوار المتمدن-العدد: 4157 - 2013 / 7 / 18 - 12:58
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يقف السوريون على أعتاب تحولات مجهولة المآلات. إذ من الصعوبة بمكان التكهن بمصير ومستقبل سورية. فحمّى الصراع الدموي، وتناقض المشاريع التي تُرسم لسورية، وتلك التي تحاول صياغتها قوى المعارضة والنظام، تبدو حتى اللحظة ضبابية متناقضة ومحكومة بتقاطع تناقضاتها البينية مع التناقضات الدولية المشاركة في استنزاف الدم السوري. لقد فشلت حتى اللحظة القوى الوطنية السياسية والأطراف المسلحة والنظام عن صياغة مشروع سياسي وطني جامع. إن هذا العجز، إضافة إلى تناقضات هذه الأطراف الذاتية والداخلية الشكلانية والبنيوية، ورفضها لأي حل سياسي والتمسّك بالحل العسكري، إضافة إلى التدخلات الدولية.. يضع المجتمع السوري أمام كارثة وطنية عامة وشاملة، أولى تجلياتها تراجع الخطاب الوطني وارتفاع وتيرة خطاب ديني مذهبي، وهذا يضع سورية دولة وشعباً على عتبة التفكك والانهيار. ويساهم في تحويل سورية إلى دولة فاشلة،وإلى أداة في حقل الصراع الدولي. أمام هذه التحولات فإن جملة من التساؤلات والهواجس تُنغص حياة السوريين وتؤرقهم وتجعلهم يتخوفون من المستقبل: ــ ما هو شكل هوية سورية السياسية: علمانية، ديمقراطية، ليبرالية، إسلامية؟ ما هو مصدر التشريع؟ ما هو شكل الحكم فيما لو تمكن الإسلاميون من السيطرة على البلاد؟ وهل سيكون في سورية انتخابات؟ كيف سيتم اختيار أو انتخاب رئيس الجمهورية فيما لو كان النظام المقبل جمهورياً؟ كيف سيتم انتخاب الهيئات التنفيذية والتشريعية والقضائية؟ بدقة أكثر هل سيمارس السوريين حقهم في الترشيح والانتخاب في لحظة يؤكد فيها قادة الكتائب الإسلامية وقياداتهم السياسية بأن مشروعهم السياسي هو إقامة دولة الخلافة الإسلامية مصدر التشريع فيها الشريعة الإسلامية والسنّة النبوية؟ ووفق منظورهم فإن أولي الأمر والراسخون في العلم والهيئات الشرعية هم من سيحدد قيادات الدولة وكذلك (الحاكم). وهذا يطرح تساؤلاً آخر: هل سيخضع السوريون إلى سلطة دينية إسلامية تستند إلى أغلبية عددية يمكن أن يقودها متطرفون؟ولكون المسلمين يشكلون أغلبية سكانية فإن قادة الإسلام السياسي يرون في الهيمنة على السلطة وكذلك فرض عقيدتهم الدينية على المجتمع أحد حقوقهم المشروعة. ويأتي هذا في سياق زعمهم أن أقلية طائفية انتزعت السلطة وهيمنت عليها ووظّفتها قهرياً ضد أغلبية إسلامية. وهذا الموقف يتحدد من منظور مذهبي ضيق ومشوه، لذا فإنه يثير التساؤل عن مصير الأقليات،وحقهم بالمشاركة في إدارة شؤون البلاد. فهل سيكون لهم حق الترشح والانتخاب؟ أم سيضطرون لاعتناق الإسلام،أو دفع الجزية، وإن رفضوا كلا الخيارين فحدّ السيف. أما بالنسبة للاقتصاد فما هي هوية الاقتصاد السوري، في وقت يعلم فيه الجميع إن خيار الإسلاميين الاقتصادي عندما يقبضون على السلطة هو تحرير الاقتصاد؟ وهذا يطرح علينا جملة من التساؤلات : هل تحرير الاقتصاد يحقق العدالة الاجتماعية؟ ألم يكن من أسباب الأزمة الراهنة: تحرير الاقتصاد والأسعار والتجارة الداخلية والخارجية، اعتماد إجماع واشنطن، تخلي الدولة عن دورها التنموي والاجتماعي، فتح سورية على الخارج وإطلاق حرية الاستثمار، تطبيق سياسات التقشف والانكماش وتخفيض الإنفاق العام، تخفيض المعدلات الضريبية على الاستثمارات الأجنبية وعلى حركة رأس المال، إطلاق الحرية لرأس المال والقطاع الخاص العاجزين عن إنجاز تنمية اقتصادية وبشرية، كبح وإعاقة القطاع العام الذي كان يشكّل أحد مصادر قوة الدولة، وضماناً لكثير من المواطنين... وهذا يعني إن ارتفاع معدلات الفقر والبطالة والفساد والإفساد والتخلف وتخلع الاقتصاد وتراجع معدلات التنمية الاقتصادية والبشرية كان نتيجة تحرير الاقتصاد واعتماد مبدأ التجارة قاطرة للنمو، وقد ساهم هذا التحول فعلياً في تخليع أوصال البنية الاجتماعية وتساقط أعداد كبيرة من السوريين الذين كانوا يشكّلون الحاضنة الشعبية للنظام في مستنقعات الفقر والتخلف والبطالة، وفي ظل قمع السلطة للقوى السياسية الوطنية الديمقراطية فإن الجهات الإسلامية تلقفت كثيراً من هذه الفئات، فيما تعمل في اللحظة الراهنة على تحويلها إلى وقود لمعارك طائفية. فهل سيعتمد الإسلاميون فيما لو تمكنوا من القبض على السلطة ذات السياسيات الاقتصادية و والسياسية التي كانت تنتهجها السلطة المسيطرة؟ وإن حصل هذا ألن يواجهوا مقاومة شعبية؟ ــ ما هو مصير التنوع الاجتماعي والثقافي، فيما لو تم الاعتماد على الشريعة الإسلامية كمصدر وحيد للتشريع؟ ألن يكون هذا إيذاناً بفرض سيطرة سياسية وثقافية أحادية على مجتمع متنوع؟ يعلم الجميع بأن هاجس السوريين،هو تحقيق العدالة الاجتماعية وضمان الحريات السياسية وحرية التعبير والاعتقاد. وهذا يؤكد أن الشعب السوري يتخوف من إقامة دولة إسلامية قامعة للحريات، في لحظة بات فيها واضحاً إن جماعات تكفيرية متخلفة، تكفّر الديمقراطية وتعاديها، لأنها لا تتوافق مع الشريعة الإسلامية. وهذا لن يوافق عليه الشعب السوري، بل سيواجهه بمزيد من القوة والإصرار،لأن هكذا مشروع يناقض آمالهم، ويهدد مصير الأقليات ومستقبلها، ولا يحقق التغيير الديمقراطي.ونتساءل: هل من يعمل على فرض دولة الخلافة الإسلامية يمثل الإسلام والمسلمين.؟؟؟ ونظراً لعجز الأطراف المتصارعة عن تحديد التناقض الأساسي، وإيجاد حلول وآليات تُخرج المجتمع السوري من أزمته الدموية، فإن تحديد مستقل سورية وإعادة صياغة هويتها السياسية والثقافية والاقتصادية سيكون مرتبطاً بتوازنات القوى الداخلية والدولية والإقليمية المحكومة بالتناقض. لقد حوّلت الأطراف الدولية،والمجموعات الجهادية والتكفيرية، وصقور المعارضة السياسية والمسلحة، وصقور النظام، سورية إلى غنيمة حرب الكل يحاول النيل من أمنها واستقرارها وثرواتها. وقد بات واضحاً، بأنه لن يكون في المستقبل القريب بمقدور أياً من الأطراف حسم الصراع عسكرياً، وبذات اللحظة يغلقون كافة أبواب الحل السياسي. لذا فإن هوية سورية قبل تشكلها النهائي ستعاني مزيداً من التشوه والتمزق والتناقض. فالأطراف الدولية تغض النظر عن مجريات الصراع السوري، ولا تريد إيقافه حالياً، بل تعمل على زيادة حدة العنف، طالما يخدم مصالحها ويساهم في تهديم كيانية الدولة وتفتيت المجتمع. ويتعامل الغرب وباقي القوى الفاعلة في الأزمة السورية، مع ما يجري في سورية على أنه مدخلاً لمشاريعها في المنطقة. وتنفيذ هذه المشاريع من وجهة نظر هذه الأطراف، لن يكون إلا على أنقاض الدولة السورية وعلى أشلاء السوريين الذين تحوّلوا إلى وقود لحرب دولية بالوكالة ،وهذا يخدم بشكل خاص إسرائيل وإنشاء دولة اليهود المستقبلية. إن يوميات الأزمة، وتحديداً في المناطق التي تسيطر عليها الكتائب الإسلامية تنبئ بمستقبل ومصير سورية والسوريين فيما لو انتصرت الأطراف الجهادية ( يورد أحد قادة الكتائب الإسلامية في معرض حديثه لمحطة الجزيرة بأنه لا يوجد كتائب مسلحة غير إسلامية، ويؤكد آخر ضرورة تطبيق الشريعة وإقامة دولة إسلامية...) وهذا يحمل خطورة كبيرة، لأنه يحصر الصراع بين جهاديين إسلاميين وقوى شيعية، ويؤكد إن مشروع الأطراف الجهادية والفصائل السياسية الإسلامية، هو إقامة دولة الشريعة، ليبقى مصير باقي مكونات المجتمع السوري مجهولاً. وبالتأكيد فإن لغة العنف الديني المتأججة والمتنامية في ساحات الصراع تشكّل التهديد الأكبر والأخطر للمجتمع السوري،ولمصير الأقليات المذهبية والعرقية وحتى السياسية. إن تحديد مستقبل سورية وهويتها، يحتاج إلى بحث عميق لإشكالية الصراع، وإلى تحديد موازين القوى الفاعلة، ويتوقف على قدرة أطراف الصراع في تحديد آفاق التحولات المستقبلية. ويبدوا حتى اللحظة بأن الغائب الوحيد عن المشهد السوري هو الشعب،رغم أن جميع أطراف الصراع تدّعي تمثيله. وبالرغم من معاناة المجتمع السوري من تداعيات الصراع، فإن غالبية السوريين لم تصطف بشكل واضح خلف أياً من أطراف الصراع، ولم تمنح ثقتها لطرف محدد، لأنها لم ترى من كافة أطراف الصراع حتى اللحظة إلا العجز والإقصاء والتخوين والارتهان للخارج، وتغييب صوت الداخل، والتمسك بالعنف كوسيلة وحيد لحل الأزمة. فهذه الأطراف ليست فقط لا تمثل السوريين، بل تقف ضد مصالح الشعب السوري الحقيقية. وبغض النظر عمن سيحسم الصراع، فإنه لن يكون في سورية منتصر،وأي انتصار هو انتصار على دماء السوريين، وهذا سوف ينعكس على شكل وبنية الهوية السورية. وبالرّغم من معاناة السوريين، فإن صوت غير المنخرطين في الصراع غير مسموع ولن يكون، ولن يتاح لهم اختيار مستقبلهم بحرية فيما لو حسم الصراع عسكرياً، وهذا مستبعدٌ حتى اللحظة. و يمكننا القول إن جانباً هاماً من الصراع،يدلل على أزمة وجودية تتعلق بالمفاهيم والقيم والسلوكيات، وكذلك الهوية والثقافة والتطلعات السياسية، وما نراه اليوم من تحويل المذاهب الدينية إلى واجهات سياسية. يدلل على أن المجتمع يعاني أزمة حضارية نتيجة تراكمات فشل سياسي ساهم في إضعاف التماسك الاجتماعي وتخلع بُنى الدولة. إن بنية الصراع الدائر وأشكال تجلياته تشير إلى أن موجات التديّن المسيّس والتمذهب المطيّف تشكّل بدايات استنهاض وعي قديم مشوه. وتمكين هذا الوعي اجتماعياً يساهم في تحريض الكامن من أسباب التخلف التي كانت من أسباب صراعات مذهبية لم تندمل آثارها حتى اللحظة. وهذا يؤشر إلى دخول المجتمع في طور أزمة إنسانية. إن مرحلة ما بعد الاستقلال لم تفضي إلى بناء سياسات مستقلة تخدم المصالح الوطنية بشكل كافٍ،فكانت سورية في دائرة التجاذب والمشاريع الدولية، وهذا الواقع لم يستطع أن يحجب المخاض الداخلي الذي يكشف حالياً عن وجود مشكلات وتصدعات خطيرة داخل السلطة والمعارضة والمجتمع، ويكشف أيضاً عن هشاشة الأوضاع الداخلية. فكانت العلاقة مع الخارج تزيد من افتضاح الخلل البنيوي للنظام والقوى السياسية التي عجزت و مازالت عن تقديم مشروع سياسي وطني جامع للسوريين وعابر للتنوع الإثني العرقي المذهبي الديني والجهوي ... وهذا سوف يؤدي إلى نتائج كارثية؟ إن الواقع السياسي والظواهر الظلامية التي تنبعث من جوف المجتمع المحكوم بالاستبداد هي نتائج مرحلة سابقة لم تنته مفاعيلها، ونتيجة لمخططات دولية تتلاعب بها وتستخدمها لأغراضها ومصالحها. وهذا يدلل على أن المجتمع السوري يعاني في اللحظة الراهنة خطرين: استبداد سياسي يحاول جاهداً إعادة تجديد ذاته في مناخات جديدة، ويتحمل بنسبة كبيرة مسؤولية ما آلت إليه أوضاع السوريين سياسياً واقتصادياً. وأشكال من الإسلام السياسي الذي يدّعي لنفسه مسؤولية تمثيل الإسلام والمسلمين. فالإسلام السياسي يكشف في اللحظة الراهنة عن ضعفه ومطاعنه وتناقضاته، ويتصرف بقواه وأدواته التقليدية، فيقدم نماذجه المشوّهة. وهذا الواقع لا ينفصل عن مشاريع الإسلام السياسي في المنطقة، كما أنه مرتبط بالغرب. وإذا كانت القومية والليبرالية واليسارية والديمقراطية والعلمانية مشتقات من ثقافة غربية، فإن الإسلام السياسي الذي يحاول إخضاع المجتمعات العربية، يدّعي أنه وليد ثقافة المنطقة وممثّلها. فالمنطقة العربية، ليست فقط مهداً للإسلام الذي يدين به اعتدالاً غالبية العرب، كذلك هي مهداً لكافة الديانات السماوية، وهذا يفترض ويستوجب التعايش والمشاركة الاجتماعية دون إقصاء أو إلغاء.ومع هذا فإن الإسلام السياسي يمارس بأدواته التقليدية حجماً من العنف والإكراه والتسلّط أكثر بكثير من الإيديولوجيات الأخرى. فهو يعمل على إلغاء الهويات المجتمعية المتعددة والمتنوعة، و يهدّم الأسس الفكرية التي تأسس عليها الإسلام:( ثقافة حياة وثقافة عيش إنساني وثقافة مشتركة)، ويعتدي على الإسلام المعتدل ومن يدين به، وعلى تراث و ديناميكية الإسلام الفكرية. وبفرض وجود مشروع إسلامي موحد وهذا ليس موجود، فإن ما يجري على الأرض منفصل عن الواقع الاجتماعي، ويقدم نموذجاً لهوية عصبوية منفصلة ومنقطعة عن حياة الناس ومعاشها ومتطلباتها وطموحاتها، ويؤسس إلى تنامي العنف والتشظي إلى عصبيات قاتلة. وإضافة لذلك فإنه يفتح المجتمع على قوى الخارج ويضعها تحت وصاية القوى الدولية. وهذا المأزق يضع جميع مكونات المجتمع السوري، على طاولة التفاوض الدولي الذي يلغي إرادة الشعوب ويصادرها ويقودها إلى عبودية جديدة تحت عناوين ولافتات مشاريع خلاصية تتناقض بداهة مع أي مشروع ديمقراطي وتنموي. وهذا يدلل على أن تأثير ثقافة السبعينات والثمانينات ومفاهيم العروبة والاشتراكية والقومية تتراجع لصالح طائفية ومذهبية تلوح في الأفق السوري على شكل اصطفاف سنّي، شيعي مسيّس، ينذر بنشوء حروب دينية ومذهبية إقليمية، وهذه الحروب فيما لو سادت فإنها وتداعياتها وآثارها لن تكون محصورة في سورية، وربما تكون بداية لحرب باردة بين الروس والأمريكان من أجل الهيمنة على الشرق الأوسط أياً كان الثمن. فالصراع السوري يساهم في تشكّل اصطفافات جديدة, ويساعد في إنضاج التناقضات الداخلية. كذلك يستدعي تدخلات إقليمية ودولية تهدف إلى تعزيز مواقع المتدخلين وأوراقهم في الصراع الدائر، دون النظر إلى ما يريده السوريون. وقد علمتنا تجارب الشعوب، بأن العوامل الخارجية أياً كانت قوتها، لا تستطيع أن تفرض ذاتها على شعب يمتلك إرادة الحياة والتغيير. ومن هذا المنظور، نرى بأن الكلمة الفصل وتحديد المآلات النهائية للتغيير تبقى لقوى الداخل الحرة. لكن آليات اشتغال التدخلات الخارجية، وصقور المعارضة والنظام، والإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي غير المستندة إلى منطق عقلاني أو منطق سياسي موضوعي، يمكن أن تساهم في إغلاق أبواب التغيير الديمقراطي مرحلياً، ويمكن أن تُدخل المنطقة في صراعات دينية ومذهبية عامة وشاملة. ويبدو واضحاً بأن دولاً إقليمية وعربية( تركيا، إيران، السعودية، قطر..) تعمل على توظيف التحوّلات التي تمرّ بها المنطقة لمصالحها الخاصة ومن أجل فرض توجهاتهما الإستراتيجية. وهذا لا ينقطع عن سعي الدول الكبرى في إعادة النظر في استراتيجياتها وشبكة علاقاتها ومصالحها. إضافة لذلك فإن الحرب الدائرة في سورية كشفت مسالب وعجز وتناقض البنى العصبوية. وكذلك تآكل جوهر القومية العربية الموسَّعة، وتفكك عقيدتها، وانكشاف عجزها عن الحفاظ على ما كان قد تبقى من نسيج وطني. فيما العصبيات العشائرية والإثنية والمذهبية والعقائد الطائفية المذهبية تحقق انتصاراتها المتواصلة على (الثورة) والوطن. واللافت أن المعارضة السورية التقليدية، الداخلية والخارجية، تسير على ذات نهج السلطة، ما يجعل المحاصصة وإعادة إنتاج الاستبداد سيناريوهات أكثر من ممكنة. وبدلاً من أن تتفهم النخب السورية المعارضة وتحديداً الإسلامية، ظروف الأقليات وتعمل على تبديد مخاوفهم وطمأنتهم لمستقبلهم، فقد أخذت هذه النخب من تصريحات ومواقف بعض رجال الدين الموالين للنظام، ذريعة لاتهام الأقليات بالوقوف مع النظام ضد (الثورة). وهذا يدلّل على أن ما يحصل من اعتداءات لا تعود لأسباب سياسية، وإنما لدوافع تتعلق بعقيدتهم الدينية. فالمجموعات الإسلامية المتشددة، تعادي الغرب لأسباب دينية وعقادية. لكنها ترتبط به عضوياً. وهي تنظر للأقليات عموماً على أنهم أذناباً للنظام. ونتساءل هل هذه المواقف تساهم في الانتقال الديمقراطي وتحقيق العدالة الاجتماعية والتخلص من الاستبداد؟ أم أنها تؤسس إلى نظام سياسي أكثر تخلفاً وقمعاً واستبداداً، وتُعبّد الطريق لعمليات تصفية جماعية، واستهداف ممنهج لا تطال الأقليات فقط، بل كل من يعارض استبداد الأكثرية الدينية. وإذا كانت الحداثة قد أسست لمبادئ عامة وأساسية في الفكر والسياسة والاجتماع.أولها أولوية العقل واستقلاله عن إملاءات العقائد الدينية والمذاهب الأيديولوجية والضغوط الطائفية والعشائرية والقبلية. وثانيها مبدأ الحرية الإنسانية وتلازمها مع الحداثة على المستوى السياسي من خلال عقد اجتماعي شكل منحى جديداً في إدارة شؤون الدولة. فإن انتفاضات «الربيع العربي» وتحديداً بعد امتطاء الإسلام السياسي صهوتها، وإحكام قبضته على ناصيتها، تساهم في تكريس مواجهة خارج التحول الحداثي، مواجهة تدور بين دولة لم تأخذ من الحداثة إلا آلتها القمعية وجهازها الأمني متكئة على إرث مملوكي في الاستبداد تصادر من خلاله إرادات الناس وتقبض على أفكارهم وأحلامهم فتضيع بالكامل وتنحل استقلالية المجتمع إزاء دولة تفترسه إكراهاً واغتصاباً. وإسلام سياسي مغرق في الماضوية ويدعي تمثيل تراث الأمة، ويعمد إلى إفراغ الحداثة من مقولاتها ومضمونها الحداثي التنويري معتبراً الديمقراطية كفراً، لكنها وسيلة للوصول إلى السلطة لإعادة إنتاج الاستبداد بأشكال ومعايير مختلفة. وهذا يؤكد ضرورة تلازم الحداثة والتنوير والديمقراطية، واستحالة إنجاز أي تحول سياسي أو اجتماعي ديمقراطي من دون وضع مقدمات التحول الديمقراطي. إن ما يجري في سوريا والعالم العربي يفتقد روح الحداثة وثقافتها الديمقراطية، لذا فإن انتفاضاته مهددة بالفشل، فالأنظمة التي تطالب الانتفاضات بإسقاطها، تعاني تخلفاً بنيوياً وتمارس القمع ضد شعوبها وتتحكم بمصائره. لكن البدائل التي يطرحها قادة الانتفاضات، تساهم في تكريس مقدمات الاستبداد الديني والمذهبي الأشد تخلفاً. وهذا يهدد بارتكاس الهوية السورية والعربية إلى مكوناتها البدئية، ويساهم في إدخال شعوب المنطقة في أتون حروب دينية ومذهبية تعيد المجتمعات العربية إلى أشد مراحله تخلفاً. وتنذر بتفككها و تحللها وإعادتها إلى مكوناتها الأولية (المذهب والطائفة والعرق والعشيرة..) وتترسخ هذه الميول في سياق تراجع تأثير الفكر والوعي الديمقراطي والمدني والتنويري الحداثي الذي يجب أن يكون حاملاً لمشروع ديمقراطي عربي، ومساهماً في تأسيس هوية عربية حضارية حداثية تقوم على التعددية السياسية وفق معايير ديمقراطية تحقق العدالة الاجتماعية.
#معتز_حيسو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المعارضة السورية من أجل ذاتها تدور حول ذاتها
-
بحث في واقع المعارضة السورية
-
المجتمع السوري على عتبة كارثة وطنية القسم الثاني(الأخير )
-
المجتمع السوري على عتبة كارثة وطنية القسم الأول
-
مساهمة في تحليل بنية وتجليات الصراع السوري
-
العنف .... مدخل لانهيار الدولة والديمقراطية
-
معادلة الرعب
-
الأزمة السورية في سياق التناقض الدولي
-
الحركة الثورية: مدخل نظري سياسي
-
سوريا في عين العاصفة
-
إشكالية وعي اللحظة الراهنة
-
العصبيات الحديثة
-
السوريون بين سندان الصراع السياسي ومطرقة الأزمة الاقتصادية
-
واقع الطبقة العاملة في سياق تطور النظام الرأسمالي
-
انعكاسات الدستور السوري الجديد على الأوضاع في سوريه
-
الثورة السورية في عامها الثاني ((واقع وآفاق))
-
المعارك الاسمية
-
عتبة التحول الديمقراطي ((الاستعصاء السوري))
-
عودة السياسية إلى المجتمع السوري
-
معاً من أجل سوريا
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|