|
معروف الرصافي والقرآن
سامي الذيب
(Sami Aldeeb)
الحوار المتمدن-العدد: 4157 - 2013 / 7 / 18 - 11:03
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
طالما ذكر لي قرائي مؤلف الشاعر العراقي الشهير معروف الرصافي الذي توفى عام 1945 والمعنون "كتاب الشخصية المحمدية أو حل اللغز المقدس"، منشورات الجمل، كولن - المانيا، 2002، 758 صفحة، والذي يمكن تحميله مجانا من هذا الرابط http://www.4shared.com/file/35991507/8741a9a5/__online.html.
وقد ترددت كثيرا قبل قراءة هذا الكتاب. فصاحبنا مصنف في عالمنا العربي تحت خانة الشعراء، وكل ما تعلمناه منه في مدارسنا هو شعره. وكتابه هذا صادر بعد سنين من وفاته في الغرب الكافر وممنوع في الدول العربية. وقد تجلدت وقرأته من الجلدة إلى الجلدة فبهرت بالكم الهائل من المعلومات والجرأة التي لم نعهدها من كُتابنا. ولا عجب ان شكك الكثيرون من المسلمين في نسبته إليه. وقد توصلت في نهاية قراءتي للكتاب إلى ثلاث قناعات: - لو ان هذا الكتاب كان قد صدر خلال حياة مؤلفه لكان تم تعليقه من رجليه كمرتد. - ولو انه كان قد صدر حالاً بعد وفاته في عالمنا العربي لشهدنا ثورة فكرية وفَّرت دماءً كثيرة في بلد مؤلفه العراق وفي عالمنا العربي والإسلامي ولما احتجنا لما نسميه عشماً ثورة الربيع العربي أو ثورة الشوارع والتي تقودنا يومياً إلى صدامات دامية مع التيار الإسلامي المشؤوم، تلك الثورة التي لن تحقق أي من اهدافها إلا إذا صاحبتها ثورة فكرية. فالمشكلة ليست مشكلة إخوان مسلمين كما يتصورها البعض، ولكن مشكلة ما تربينا عليه جميعا والذي نتجت عنه التيارات الإسلامية الحالية (انظر مقالي: موش مشكلة إخوان مشكلة تعليم ديني http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=335895). - ولو انه كان قد صدر حالاً بعد وفاته لوفر علينا آلاف الكتب والمقالات والأشرطة والخطب التي تتكلم عن اعجاز القرآن وآلاف الأشجار التي قطعت لنشر تلك الكتب والمقالات التي ليست في حقيقتها إلا خزعبلات، والتي إن دلت على شيء فهي تدل على غباء من يكتبها وينشرها ويقرأها ويصدقها.
وما دام اننا ذكرنا إعجاز القرآن الذي يوجع رأسنا به المسلمون ليلاً نهاراً، حتى من بين المثقفين، ناهيك عن أنصاف المثقفين والجهال، اقتبس من معروف الرصافي الفقرات التالية:
إن مسألة إعجاز القرآن إن اعتبرت مسألة فنية أدبية محضة لكان للمنطق فيها مجال، وللحجج والبراهين فيها حيال ونزال، ولكن كيف والأفكار غير حرة، وأين والعقائد التقليدية دائبة مستمرة. وايضا إن الذين كتبوا في تفسير القرآن وفي اعجازه لم ينشأوا إلا في القرن الثاني، ولم تطلق إذ ذاك للفكر ولا للقول حريته. وفي هذا القرن نشأ الإيمان التقليدي الذي يكون المرء فيه تابعاً لدين أبويه، والذي هو أقوى وأرسخ في قلوب أصحابه من الإيمان الناشئ من أسباب غير التقليد... وكيف تطلق للناس حرية أفكارهم وأقوالهم في عصر كل ما فيه قائم باسم الدين، فالدولة والحكومة والخليفة والملك والأمير والوزير والقاضي والقائد والجيش، كل ذلك مصبوغ بصبغة الإسلام ومخضرب بخضاب ديني لا نصول له منه. فليس من مصلحة أحد من هؤلاء أن تكون الأفكار حرة خصوصاً في الدين وصبغته، بل رجال الحكم كلهم ولا سيما كبيرهم يعملون في جانب هذه الصبغة على بقاء ما كان على ما كان، ويراقبون النصول منها في السواد الأعظم بكل ما عندهم من حول وطول. وإن هذه الحالة دائمة مستمرة إلى يومنا هذا، لا بل هي في زماننا أشد وأنكى. فلا يستطيع أحد منا اليوم أن يكتب ما كتبه كتاب السيرة النبوية في عصر التدوين، فضلا عن نقاشهم فيما رووه وذكروه. هذه مصر، وفيها من أهل العلم والأدب ما فيها، فلا يستطيع أحد منهم أن يكون حراً في افكاره إذا خطب أو كتب إلا فيما لا يمس الدين. وقد كتب الدكتور حسين هيكل كتاباً في السيرة النبوية لم يأت فيه بأكثر مما قاله الأولون، لأنه غير حر فيما يكتب ويقول. وكيف يكون حراً وهو يرى الجامع الأزهر مطلاً عليه بعمائمه المكورة على اللجاجة ترقبه بعين الغضب إذا حاد عن طريقها لكي تثور عليه وتمور ومن ورائها السواد الأعظم. ولا ريب أن هذه الحالة أينما وجدت وجد الرياء فهو معها لا يفارقها في كل زمان ومكان. ولله در أبي العلاء إذ قال: أرائيك فليغفر لي الله زلتي **** فديني ودين العالمين رياء والرياء، قبحه الله، من أكبر الرذائل الاجتماعية لأن فيه التمويه والتضليل وكلاهما من سموم السعادة في الحياة الاجتماعية.... فإن قلت: في الزمان الذي نشأ فيه من الفوا كتباً في إعجاز القرآن قد نشأ أناس من الزنادقة أيضاً وهم أحرار في أفكارهم، فلماذا لم يردوا على هؤلاء ما قالوه في إعجاز القرآن؟ قلت: نعم قد نشأ معهم أناس من الزنادقة أيضاً، ولكنهم ليسوا بأحرار في أفكارهم كما تقول، بل كانت عقوبة الزنديق القتل إذا تكلم بما يخالف الدين. وقد قتل العباسيون كثيراً من الزنادقة، ولم يكتفوا بقتلهم بل محوا كل ما كتبوه وطمسوا كل أثر تركوه، فأين ما كتبه أولئك الزنادقة وأين الدامخ لابن الرواندي (صفحة 600-601).
وفيما يخص بلاغة القرآن المزعومة، يقول معروف الرصافي: ومما يختص به القرآن في تراكيبه ومبانيه دون غيره من الكتب المنزلة وغير المنزلة كثرة الحذوف والمقدرات في التراكيب. إقرأ كتب التفسير المطولة لا سيما التي عني مؤلفوها ببلاغة القرآن وفصاحته كالكشاف للزمخشري مثلاً، فإنك لا تكاد تجد آية خالية من حذف وتقدير. وإنما يقدر المفسرون هذه المحاذيف لتوجيه الكلام وتخريجه على وجه يكون به معقولاً ومفهوماً أكثر... فبالنظر إلى هذا يجوز أن نسمي القرآن "كتاب المحاذيف والمقدرات". ونحن نعلم أن الحذف جائز في الكلام، بل قد يكون واجباً مما تقتضيه البلاغة وتستلزمه الفصاحة، ولكن الأصل في الكلام هو عدم الحذف. فإذا كان في الكلام حذف فلا بد من أمرين أحدهما المجوز أو المرجح للحذف، والآخر وجود قرينة في الكلام تدل على المحذوف، وإلا كان الكلام من المعميات والأحاجي، وكان المتكلم به كمن يقول: ايها الناس افهموا ما في ضميري. نحن لا نقول أن محاذيف القرآن كلها من قبيل المعميات، بل فيه من المحذوف ما تقتضيه البلاغة وتدل عليه القرائن، وفيه ما ليس كذلك (صفحة 553-554). لا شك أن البلاغة من التبليغ... فالمقصود من جميع طرق البلاغة ومناحيها هو الوصول إلى إفهام المعنى للمخاطب على وجه يكون أحسن وقعاً في سمعه وأشد تأثيراً في نفسه. فكل من استطاع أن يفهم مخاطبه المعنى الذي حاك في صدره وجال في خاطره بأسلوب من أساليب البالغة فهو بليغ وفي كلامه بلاغة. فالإفهام هو المحور الذي يدور عليه فلك البلاغة. والكلام يبعد عن البلاغة قدر بعده عن فهم المخاطب ويقرب منها قدر قربه منه، ولا يماري في هذا إلا معاند. إن آيات القرآن متفاوتة في بلاغتها، بل فيها ما لا يتمشى مع البلاغة، بل فيها ما لا يتمشى بظاهره مع المعقول. فمنها ما هو غير مفهوم، ومنها ما لا يبلغه الفهم إلا بتأويل وتقدير. وليس هذا القول ببدعة. فالقرآن نفسه قائل بذلك ومعترف به. ففي سورة آل عمران: "هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ" (3: 7) (صفحة 616-617).
وفيما يخص دخول الناس في الإسلام في زمن محمد يقول معروف الرصافي: ومما لا يستراب فيه أن الدعوة لما اقترنت بالسيف أخذ عدد الداخلين في الإسلام يزداد مطرداً بازدياد سيوف الدعوة ... ومن هذا نستطيع أن نستنتج إن الذين دخلوا في الإسلام مدة حياة محمد في المدينة كان أكثرهم يدخلون فيه خوفاً من السيف، وأن الذين اعتنقوه كمبدأ ذي غاية شريفة قليلون. ويؤيد هذه النتيجة ارتداد أكثرهم عقب وفاة محمد. ولولا عزم أبي بكر الذي لا يقل في صدقه ومضائه عن عزم محمد، ولوا إصابته في اتحاذ التدابير الناجرة لمناجزة المرتدين، ولولا أن قبض الله له رجالاً من القواد العظام كخالد بن الوليد وأضرابه، فجلا بسيوفهم عماية أهل الردة، لكنا اليوم نقرأ خبر صاحب الدعوة الإسلامية وأخبار الإسلام والمسلمين في الكتب ليس إلا" (صفحة 286-287).
هذا قليل من كثير. وأدعو الجميع لتحميل كتاب معروف الرصافي وقراءته والتمعن فيه فلعله يخرجنا من النفق المظلم الذي نحن فيه بسبب التيارات الإسلامية الإرهابية والرسمية: http://www.4shared.com/file/35991507/8741a9a5/__online.html
ويا حبذا لو ان دولنا وضعت هذا الكتاب ضمن مناهج التعليم بدلا من الغباء الذي تعلمه في مدارسنا.
-------------------------------------- أطلبوا كتبي: http://www.sami-aldeeb.com/sections/view.php?id=14 حملوا كتابي عن الختان http://www.sami-aldeeb.com/articles/view.php?id=131 حملوا طبعتي العربية للقرآن بالتسلسل التاريخي http://www.sami-aldeeb.com/articles/view.php?id=315 موقعي http://www.sami-aldeeb.com مدونتي http://www.blog.sami-aldeeb.com عنواني [email protected]
#سامي_الذيب (هاشتاغ)
Sami_Aldeeb#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نسخة محدثة من طبعتي العربية للقرآن
-
القرآن 6: التسلسل التاريخي للقرآن
-
القرآن 5: أسباب النزول
-
القرآن 4: القرآن والشعر الجاهلي
-
سورة الحمار
-
صوم وصلي رزقك يولي
-
القرآن 3: مؤلف القرآن من خلال مصادره
-
القرآن 2: مؤلف القرآن
-
القرآن 1: جمعه وفقاً للتقليد الإسلامي
-
لماذا تهجمك الغامض على الاسلام؟
-
توقفوا عن صيام رمضان لمكافحة الجوع
-
جريمة الختان 154: رأي موسى بن ميمون
-
حد الردة: لقد وصل السيل الزبى
-
وزراء عدل عرب اولاد عاهرات
-
جريمة الختان 153: رأي القاضي الليبي مصطفى كمال المهدوي
-
جريمة الختان 152: فتوى سعودية
-
جريمة الختان 151: غباء الشيخ يوسف القرضاوي
-
جريمة الختان 150: فتوى الشيخ محمّد سيّد طنطاوي
-
جريمة الختان 149: فتوى الشيخ محمود شلتوت
-
جريمة الختان 148: فتوى الشيخ جاد الحق علي جاد الحق
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|