أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - أنس المرزوقي - المسؤولية الدولية عن الأضرار الناتجة عن تلوث البيئة البحرية















المزيد.....

المسؤولية الدولية عن الأضرار الناتجة عن تلوث البيئة البحرية


أنس المرزوقي

الحوار المتمدن-العدد: 4157 - 2013 / 7 / 18 - 11:02
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


ان المسؤولية الدولية رابطة قانونية تنشأ في حالة الإخلال بالتزام دولي بين الشخص القانوني الدولي الذي أخل بالتزامه وبين الشخص القانوني الدولي الذي حدث الإخلال بالالتزام في مواجهته. فالمسؤولية الدولية، هي مبدأ من المبادئ المسلم بها في القانون الدولي العام، تنظمه مجموعة من القواعد العرفية التي أفرزتها الممارسة الدولية. كما يشكل هذا المبدأ أحد الأركان الرئيسية للنظام القانوني الدولي باعتباره ضمانا لتنفيذ قواعده والتكريس الفعلي لإلزامية أحكامه.
ومن الجدير بالذكر أن موضوع المسؤولية ولو أنه يأخذ مكانه في النظام القانوني الدولي كأحد المبادئ المسلم بها إلا أنه مازال من المسائل الغامضة المبهمة، والمثيرة للجدل والنقاش من الناحية النظرية بل ويمثل مشكلة من أوسع وأصعب المشاكل التي يواجهها القانون الدولي بشكل عام، وميدان حماية البيئة البحرية بشكل خاص.
ويبدو – لأول وهلة – أن اتفاقية الأمم التحدة لقانون البحار لم تحاول أن تزيل هذا الغموض أو تخفف منه، وذلك عندما أقرت في المادة 235 بمسؤولية الدول عن الوفاء بالتزاماتها الدولية المتعلقة بحماية البيئة البحرية والمحافظة عليها، وما أشارت إليه من أن تلك المسؤولية تكون وفقاً للقانون الدولي. ذلك أن تلك الإشارة تعني – في الواقع – أن البحث عن أبعاد وحدود مسؤولية الدولة – في حالة مخالفة التزامها الدولي بحماية البيئة البحرية – يجب النظر إليه من خلال قواعد القانون الدولي المنظمة لتلك المسؤولية بصفة عامة.
لذلك فإن قيام المسؤولية الدولية تجاه أحد أشخاص القانون الدولي العام يستلزم بالتالي الاستناد إلى نظرية تخضع لها تلك المسؤولية. وبالرغم من تعدد هذه النظريات التي تناولت أساس المسؤولية الدولية، فلم يستقر الفقه والعمل الدوليين على أساس موحد لها حتى الآن. وواقع الأمر أن متطلبات، وطبيعة العلاقة القانونية، ونوعية النشاط المسبب للضرر، تفرض نفسها على الفقه الدولي، لاختيار الأساس الذي يحكم العلاقة القانونية. ويكاد يتفق الفقه الدولي على أن المسؤولية في القانون الدولي تحكمها ثلاث نظريات رئيسية، هي: نظرية الخطأ، ونظرية الفعل الدولي غير المشروع، ونظرية المخاطر.
1 - نظرية الخطأ
تعود أصول هذه النظرية إلى نهاية القرن الثامن عشر، حيث قام الفقيه الهولندي "جروسيوس"، بنقل نظرية الخطأ من القانون الداخلي، إلى مجال القانون الدولي، وتقوم نظرية الخطأ على أساس أن الدولة لا يمكن أن تكون مسؤولة، ما لم تخطئ، إذ أن على الدولة التي تريد إثبات ادعائها أن تثبت خطأ الدولة المسؤولة عن الضرر، ومن ثم لا تقوم المسؤولية الدولية ما لم يصدر عن الدولة فعل خاطئ يضر بغيرها من الدول وهذا الفعل الخاطئ إما أن يكون متعمداً أو غير متعمد، ويترتب على قيام المسؤولية الدولية التزام بإصلاح الأضرار أو دفع تعويض كاف عنها.
غير أن هذه النظرية عرفت مجموعة من الاعتراضات أثارها الفقه الدولي، فقد أبدى جانب كبير من هذا الفقه، تخوفه من اللجوء إلى هذه النظرية، لإقامة المسؤولية الدولية عن الإضرار بالبيئة البحرية، خصوصاً أن معايير الحرص، ومعايير التنبؤ، التي يستند إليها في تقدير الخطأ، أصبحت متزايدة الإبهام، وغير محددة، في ظل التقدم والتطور التقني والتكنولوجي، وأنه في ظل هذا التطور أصبح من المتعذر إثبات الخطأ في أحوال الضرر البيئي العابر للحدود، وذلك لما للتغير الذي قد يشوب الجسم المسبب للضرر، أو لتأخر ظهور الضرر وقتاً طويلاً بعد وقوع الحادث الضار، مثلما في أحوال التلوث النووي، والتلوث بإغراق النفايات السامة أو المشعة، مما قد تتعذر معه تحديد مصدر التلوث بشكل دقيق، وبالتالي نسبة الخطأ إلى من ارتكبه. مما دفع الفقه إلى البحث عن أسس جديدة لإقامة المسؤولية الدولية وبصورة خاصة بشأن الأضرار الناتجة عن تلوث البيئة البحرية، تقوم على أساس حصول الضرر لدولة ما ناتج عن نشاط دولة أخرى قد يكون ذلك النشاط مشروعا أم غير مشروع.
2 - نظرية الفعل غير المشروع
ففي مطلع القرن العشرين، صاغ الفقيه الإيطالي "أنزيلوتي" نظريته الجديدة في المسؤولية الدولية، والتي تتجنب بها الطابع الشخصي المؤسس على الخطأ وتنحو بها نحو اتجاه موضوعي مجرد يتمثل في انتهاك أحكام القانون الدولي، باعتبار هذا الانتهاك فعلاً غير مشروع دوليا. ويجمع الفقه الدولي على أن الفعل غير المشروع، هو الفعل الذي يتضمن مخالفة لقواعد القانون الدولي العام الاتفاقية أو العرفية، أو لمبادئ القانون العام. وأن هذه القاعدة العامة تظل قابلة للتطبيق في ميدان حماية البيئة البحرية من التلوث.
وهذا ما دفع المجتمع الدولي إلى عقد مجموعة من الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحماية البيئة البحرية والحفاظ عليها، تنطوي على عدد من الالتزامات القانونية الدولية، التي تفرض على الدول الأطراف واجبات محددة تستهدف حماية البيئة البحرية، بحيث أن أي انتهاك لأحكام هذه الاتفاقيات، ينسب لدولة طرف، يرتب مسؤوليتها الدولية عن فعل غير مشروع دولياً. كذلك فإن لجنة القانون الدولي، وهي بصدد إعدادها لمشروع قانون مسؤولية الدول، قامت بإبراز الدور الكبير الذي يمكن أن تؤديه نظرية الفعل غير المشروع دولياً، في إقامة المسؤولية الدولية، عن الإضرار بالبيئة البحرية.
لكن، ونتيجة للتقدم العلمي والتكنولوجي، أصبحت الأنشطة المشروعة ذاتها تحدث أضراراً جسيمة دفعت خطورتها إلى البحث عن أساس جديد لتغطية حالات المسؤولية الدولية عن الأضرار العابرة للحدود التي لا يشملها مفهوم الخطأ ولا تدخل في عداد الأفعال غير المشروعة دولياً.
3 - نظرية المخاطر
إن للتقدم العلمي الهائل الذي حدث في العالم، دوراً في كشف عدم استطاعة عناصر المسؤولية الدولية التقليدية في إيجاد حلول للمسائل القانونية في العلاقات الدولية المعاصرة، فكان لا بد من البحث عن أساس جديد للمسؤولية الدولية حتى تساير الأوضاع الجديدة المستحدثة، واتجه الفقه إلى إقرار المسؤولية المطلقة عن الأضرار الناتجة بسبب استخدام الأنشطة الخطرة والمشروعة. ويقصد بنظرية المخاطر، إقامة المسؤولية على عاتق المسئول عن نشاط خطر، عما يحدثه بالغير من أضرار، ودون اللجوء إلى إثبات الخطأ في جانبه. وتعد هذه النظرية أحد أنماط المسؤولية الموضوعية، التي لا تستند إلى معيار شخصي، لإقامة المسؤولية الدولية. إلا أنه يلاحظ غياب نص اتفاقي صريح يقضي بالمسؤولية الدولية على أساس نظرية المخاطر عن الإضرار التي تمس البيئة البحرية. مما يفسح المجال أمام تطبيق القواعد الدولية العرفية التي تواتر العمل الدولي على استعمالها منذ أمد طويل، والتي تشكل القاعدة العامة المستقرة في النظام القانوني الدولي، وبمقتضى هذه القاعدة العامة تقوم المسؤولية الدولية على أساس الفعل غير المشروع، حيث لا تسأل كل دولة إلا عن انتهاكها لالتزام دولي سواء ترتب عن ذلك ضرر أم لا. ذلك أنه بالنظر للانعكاسات الاقتصادية والسياسية المحتملة لتطبيق نظرية المخاطر، فلازالت الدول متخوفة، ولو عبر إبرام اتفاقيات، من إرساء نظام للتعويض التلقائي يقوم على أساس نظرية المخاطر. لكونه يجعل الدول ملزمة بالإصلاح الكلي أو الجزئي للضرر لمجرد حصوله، بقطع النظر عما إذا كان الفعل المسبب للضرر فيه خرق للقانون الدولي أم لا، فتلك مسألة ثانوية. ومع هذا فإننا نرى أن نظرية المخاطر بذاتها لا يمكن أن تعد الأساس الوحيد للمسؤولية الدولية، ونساير معظم الفقه الدولي في قصر نطاقها، على المسؤولية الدولية عن الأنشطة الخطرة التي تؤثر في البيئة البحرية.
و فقد خلصنا إلى أن هناك التزاماً عاماً يقع على الدول كافة مفاده (حماية البيئة البحرية من التلوث) وأن مخالفة ذلك الالتزام تستتبعه إقامة المسؤولية الدولية وفق أحكام القانون الدولي، وتلك المسؤولية تقام كما أوضحنا بناءاً على نظريات، هي نظرية الخطأ، الفعل غير المشروع، ونظرية المخاطر، وعند انتقالنا من مستوى الدراسات الفقهية والاقتراحات المعيارية إلى مستوى الممارسة الاتفاقية، تأكد لنا بوضوح أن القاعدة العامة في القانون الدولي تجعل المسؤولية الدولية للدول تقوم على أساس نظرية الفعل غير المشروع دولياً، أما في حال حصول ضرر نتيجة فعل دولي مشروع فإنه لا يمكن الأخذ بها، والسبب في ذلك يعود لعدم إمكانية إثارة مسؤولية الدولة كون الضرر ناتج عن فعل يعد مشروعاً بنظر القانون الدولي العام، ففي هذه الحالة يصار إلى الأخذ بنظرية المخاطر التي تقوم بها مسؤولية الدولة عندما يصدر عنها فعل تؤدي نتائجه إلى ضرر بغض النظر عن كون الفعل مشروع أو غير مشروع دولياً، ففي هذه الحالة تسأل الدولة بمجرد حصول الضرر بدولة أخرى، وهذا ما يظل قابلاً للتطبيق في ميدان الإضرار بالبيئة البحرية.
المراجع المعتمدة :
1- د.عبد العزيز محمد سرحان: " القانون الدولي العام "، دار النهضة العربية، القاهرة، السنة: 1991.
2- د.عبد الواحد الناصر: " مبدأ المسؤولية الدولية عن الأفعال غير المحضورة دولياً "، المجلة المغربية للقانون والسياسة والاقتصاد، عدد مزدوج: 31-32، السنة: 1999.
3- د.رشاد عارف يوسف السيد: " المسؤولية الدولية عن أضرار الحروب العربية والإسرائيلية " ج1، دار الفرقان، الطبعة الأولى، السنة: 1984.
4- د. محمد حافظ غانم: " مبادئ القانون الدولي العام "، دار النهضة العربية، القاهرة، السنة: 1967، الطبعة الأولى.
5- د.محمد البزاز: " حماية البيئة البحرية: دراسة في القانون الدولي "، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، السنة: 2003، الطبعة الأولى.
6- د.عبد الواحد محمد الفار: " الالتزام الدولي بحماية البيئة البحرية والحفاظ عليها من أخطار التلوث: دراسة قانونية في ضوء اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار سنة 1982 "، دار النهضة العربية، القاهرة، السنة: 1985.
7- د.صلاح هاشم: " المسؤولية الدولية عن المساس بسلامة البيئة البحرية "، مكتبة سعيد رأفت، القاهرة، السنة: 1991.
8- أحمد خالد الناصر: " المسؤولية المدنية عن أضرار تلوث البيئة البحرية "، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، السنة 2010، الطبعة الأولى.
9- تقرير لجنة القانون الدولي عن أعمال دورتها الثلاثين، السنة: 1978، ص: 192، الوثيقة رقم (U.N.Doc, A/33/10)، النسخة العربية.
10- - Sorensen.M : « Régles Génerales du Droit de la Paix », R.C.A.D.I, tome 58, 1936.
11- - M.Bedjaoui: «droit international : Bilan et perspectives », Pedone Unesco, paris, 1991.



#أنس_المرزوقي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الأمم المتحدة: إسرائيل منعت وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لق ...
- مقارنة ردة فعل بايدن على مذكرتي اعتقال بوتين ونتنياهو تبرزه ...
- كيف أثر قرار إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت على دعم ...
- سفير ايران الدائم بالأمم المتحدة: موقفنا واضح وشفاف ولن يتغي ...
- سفير ايران بالأمم المتحدة: أميركا وبريطانيا تساهمان في استمر ...
- كنايسل تنتقد ازدواجية المعايير لدى الغرب تجاه مذكرات الاعتقا ...
- -المملكة المتحدة ستفي بالتزاماتها القانونية-.. لندن تعلق على ...
- 5 شهداء وعشرات الإصابات بقصف الاحتلال خيام النازحين بخانيونس ...
- شهيدان وأكثر من 20 جريح بقصف الاحتلال خيام النازحين بخانيونس ...
- مدفيديف: روسيا تدعم قرارات الأمم المتحدة لحل الصراع الفلسطين ...


المزيد.....

- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي
- حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما ... / اكرم زاده الكوردي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - أنس المرزوقي - المسؤولية الدولية عن الأضرار الناتجة عن تلوث البيئة البحرية