|
لماذا احمد وليس محمد؟
سليم سوزه
الحوار المتمدن-العدد: 4155 - 2013 / 7 / 16 - 14:01
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
هذا سؤال بريء، لطالما سألته دون ان اجد جواباً شافياً له. لماذا سمّى الله نبيّه محمد احمداً في سورة الصف، الآية السادسة "وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ". لماذا لم يضع حداً للتأويلات والتفسيرات المطّاطة ويقطع دابر الفتنة بتسمية الاشياء بمسمّياتها؟ لماذا احمد وليس محمد؟
لعل ابسط شروط الموضوعية ان نُقاد بالموضوع لا بالعاطفة او الايديولوجيا المُسْبَقة، وهآنذا اُقاد موضوعاً لا عاطفةً لأرى ماهو تأويل او تفسير هذه الآية عند علماء المسلمين. اتعمّد ذكر المصطلحين "تأويل" و "تفسير"، فثمّة مَن يقول باختلافهما دلالياً. جلال الدين السيوطي يرى فرقاً في الدلالة بين اللفظتين، في حين علماء آخرون لا يتشدّدون في مثل هذا التمييز. أنا مع السيوطي ومع مَن يقول باختلاف المَعْنَيَين لان دلالة التفسير تدل على تفسير الحقائق او النصوص الظاهرة، بينما يكون التأويل للرمز او للأشياء غير الحقيقية مثل الاحلام، فلا يصح ان نقول تفسير الاحلام لانها ليست واقعاً حقيقياً ظاهراً، بل الاصح هو تأويل الاحلام لانها رموز وصور تحتاج الى تأويل لا الى تفسير.
ليس هذا موضوعنا لكنها مقدّمة لمعرفة كيف أخرج التأويل معنى الآية المذكورة من سياقها الواضح وادخلها وادخلنا معها في متاهات الظن والاحتمال. قال القرطبي في تفسيره لاسم "احمد" الذي ورد في الآية اعلاه:
"و « أحمد » اسم نبينا صلى الله عليه وسلم. وهو اسم علم منقول من صفة لا من فعل؛ فتلك الصفة أفعل التي يراد بها التفضيل. فمعنى « أحمد » أي أحمد الحامدين لربه ...... فلذلك تقدّم اسم أحمد على الاسم الذي هو محمد فذكره عيسى عليه السلام فقال: « اسمه أحمد »" ... 1
يستمر القرطبي في متاهة التأويل ليدخلنا في عالم الصفات والاسماء والحزّورات حتى ينتهي بالقول: "وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اسمي في التوراة أحيد لأني أحيد أمتي عن النار واسمي في الزبور الماحي محا الله بي عبدة الأوثان واسمي في الإنجيل أحمد واسمي في القرآن محمد لأني محمود في أهل السماء والأرض ) . وفي الصحيح ( لي خمسة أسماء أنا محمد وأحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي تحشر الناس على قدمي وأنا العاقب )" ... 2
انا اطلب تفسيراً لاشكالية اسم "احمد" في القرآن والقرطبي يعقّد الامور اكثر ويقول لي ان محمداً له خمسة اسماء؟! باختصار يقول القرطبي ان القرآن سمّى محمداً بصفته (احمد) لا باسمه الفعلي (محمد)
أمّا ابن كثير فأورد عن أبو داود الطيالسي "وهو يقول حدثنا المسعودي، عن عمرو بن مُرّة، عن أبي عُبَيدة، عن أبي موسى قال: سَمَّى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نَفسه أسماءً، منها ما حفظنا فقال: « أنا محمد، وأنا أحمد، والحاشر، والمقفي، ونبي الرحمة، والتوبة، والملحمة »" ... 3
يبدو انها لم تكن اسماءً خمسة فقط، بل اكثر حتى ان ابا موسى لم يحفظ منها سوى سبعةً فقط كما يقول الحديث اعلاه!
لقد اجمع علماء المسلمين ان اسم نبي الاسلام "احمد" قد ذُكر في كتب اليهود والنصارى قبل بعثته، مصداقاً لقول النبي عيسى في القرآن "مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ".
طيّب، في ظل زحمة الاسماء هذه، كيف لكتابيٍ (يهوديٍ او مسيحيٍ) ان يعرف ان الاسم الذي ذُكر في كتابه التوراة او الانجيل (احمد) يُقْصَد به نبي الاسلام "محمد" نفسه؟ كيف يعرف ان "احمداً" صفة النبي محمد لا اسمه، حسب تأويل القرطبي؟ لو حاججنا بقرآننا لأثبت ان دينه هو الاحق ان يُتَّبَع لا ديننا نحن. نعم، لان القرآن أكّد على ان كتابي الانجيل والتوراة قد بشَّرتا بنبيٍ سيظهر بعد نبييهما اسمه "احمد" ولم يقل اسمه "محمد". هذا اثبات لتلك الديانتين اكثر ممّا هو تأكيد على ديانة الاسلام. فأحمد واقع ويقين اكّد من خلاله القرآن على وجود كتابين، الانجيل والتوراة، امّا محمدٌ فليس سوى تأويلاً مُحيِّراً لاسم "احمد" قال به المؤوّلون ليس الاّ.
بكلام آخر، لو جاء الى النبي محمد كتابيٌ وقال له انا اؤمن بنبيٍّ اسمه "احمد" يأتي بعد نبيّ، لكنك لست احمداً. انت محمد، فكيف لي ان اصدّق بك؟ أليس هذا اشكالاً؟ كيف سنردّه؟
في الوقت الذي يتملّص فيه السيد الطباطبائي في كتابه "الميزان في تفسير القرآن" عن ايّة اجابة او حتى اشارة لاسم "احمد" عند تفسيره هذه الآية، يُجيب السيد ابو القاسم الخوئي في كتابه "البيان في تفسير القرآن" اجابة ذكية على الاشكال اعلاه، فيها قليل من الهروب والمراوغة، حيث يقول:
"وقد آمن كثير من اليهود والنصارى بنبوته في زمن حياته وبعد مماته. وهذا يدلنا دلالة قطعية على وجود هذه البشارة في الكتابين المذكورين في زمان دعوته. ولو لم تكن هذه البشارة مذكورة فيهما، لكان ذلك دليلا كافيا لليهود والنصارى على تكذيب القرآن في دعواه، وتكذيب النبي في دعوته، ولأنكروا عليه أشد الانكار. فيكون إسلام الكثير منهم في عصر النبي صلى الله عليه وآله وبعد مماته، وتصديقهم دعوته دليلا قطعيا على وجود هذه البشارة في ذلك العصر. وعلى هذا فإن الايمان بموسى وعيسى عليهما السلام يستلزم الايمان بمحمد صلى الله عليه وآله من غير حاجة إلى وجود معجزة تدل على صدقه." انتهى كلام الخوئي .... 4
هو طبعاً يركّز (بدهاء مفسّرٍ محترفٍ) على البُشارة ولا يتعرّض لاشكالية الاسم، اما انا فأركّز على الاسم. مع هذا اعجبني في تخريجه لهذا الاشكال وكأنه يقول ما معناه، لو لم يجد اليهود والنصارى الذين عاصروا النبي محمد وآمنوا بنبوّته اسم النبي عندهم في كتبهم لمَاَ آمنوا به، بل لكانت مناسبةً قويةً للتأنيب ضده، لأنه هو مَن كان يقول لهم ارجعوا لكتبكم فستجدون اسمي مذكوراً عندكم. طبعاً لا يمكن لعاقل ان يتحدّى المخالفين في كتبهم لو لم يكن على يقين من ذكر اسمه هناك، وايمان هؤلاء به لهو دليل على انهم بالفعل وجدوا اسمه فصدّقوا به، والاّ كيف آمنوا "بمدّعي" حاشاه!!
مازلت اعتبر تخريج الخوئي ناقصاً لا يُعبّر عن كامل الصورة من كل جوانبها. اننا اليوم على بعد 1400 عاماً من بعثة النبي محمد، ولو جاءنا كتابيٌ يتّبع النص فقط ويعتبر ما غير النص ثقافةً شفاهيةً تناسلتها الازمنة ففقدت مصداقها وحجّيتها، ماذا كنا سنجيبه في اشكال الاسم الاحمدي الذي ورد نصاً جلياً في القرآن؟
اذا سَأَلَنا وقال لا اعرف هؤلاء النصارى او اليهود الذين آمنوا بنبيّكم في تلك الفترة ولا ادري صدق رواياتكم، لكني ابن اليوم، فحدّثوني عن سبب تسمية القرآن لنبيكم "احمد" ولم يسمّيه "محمد" وكلنا نعرف انه محمد. لا تقولوا لي انه محمد في الارض واحمد في السماء ومحمود عند العرش؟ انا مطالب بايمان الارض لا بايمان السماء والعرش؟ هذه الاوصاف والتوصيفات هي من قبيل التأويل ولا تفسّر لنا سبب تسميته باسم غير ما عرفناه به؟ نعم، ربما يقول انا اؤمن بوجود نبي خاتم الازمان، لكنه لم يأت بعد، لان الذي انتظره اسمه "احمد" وليس "محمداً" بشهادة قرآنكم انتم!! دلّوني على احمد وانا سأكون مصدّقاً به ومؤمناً بدعوته؟ ذكر القرآن اسم "محمد" صراحةً في سورٍ اربع مختلفة، فَلِمَ لم يذكره هنا في هذه الآية ايضاً؟؟
لماذا يصرّ القرآن في بعض مواطنه على المُخاتلة وعدم الصراحة؟ لماذا احياناً يصر على الضبابية واللعب بطريقة اشبه بلعب "الحزّورة" في قضية مهمة جداً كهذه القضية التي يتوقف عليها ايمان ديانتين كبيرتين مثل اليهودية والمسيحية؟ لماذا لم يقل اسمه "محمد" وينهي هذا الجدل؟ انا اسأل ولا اكفر، واتمنى ان اسمع جواباً ملمّاً من علماء الاسلام، ليس من اجلي طبعاً، بل من اجل الدفاع عن دينهم.
يقول الله في سورة الانعام، آية 149 "قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ۖ-;- فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ"، فهل كانت حجّته بالغة على اليهود والنصارى في آية التسمية الاحمدية؟
المصادر:
1- تفسير القرطبي لسورة الصف / المصحف الالكتروني http://www.e-quran.com/kurtoby/kur-s61.html
2- نفس المصدر اعلاه ونفس الصفحة
3- تفسير ابن كثير لسورة الصف / المصحف الالكتروني http://www.e-quran.com/katheer-s61.html
4- البيان في تفسير القرآن للسيد ابو القاسم الخوئي / الصفحة 119 http://shiaonlinelibrary.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/2404_%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%8A%D8%A7%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%AA%D9%81%D8%B3%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%88%D8%A6%D9%8A/%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%81%D8%AD%D8%A9_114
#سليم_سوزه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اشكالية الحَسَد بين الخرافة والقرآن
-
بين الاخْوَنة والدَعْوَنة
-
محمد حنش .. سطر جديد في كتاب الدراما العراقية
-
ديمقراطية الطوائف
-
في قضية البند السابع
-
نصوص التأويل والعنف الرمزي
-
الحكيم .. سلالة عقل
-
شعراء -القنادر-
-
لو كان هنا اويس لعَرَفَ كيف يدعو
-
اختلاف ابراهيم الصميدعي ومغايرة سرمد الطائي
-
كيف فاز المالكي مرة اخرى
-
شندلر لست
-
قراءة نقدية في تداعيات الازمة السياسية الراهنة في العراق - ا
...
-
قراءة نقدية في تداعيات الازمة السياسية الراهنة في العراق - 5
-
قراءة نقدية في تداعيات الازمة السياسية الراهنة في العراق - 4
-
قراءة نقدية في تداعيات الازمة السياسية الراهنة في العراق - 3
-
قراءة نقدية في تداعيات الازمة السياسية الراهنة في العراق - 2
-
قراءة نقدية في تداعيات الازمة السياسية الراهنة في العراق - 1
-
الفيسبوك هو الحل
-
فلسفة الربيع
المزيد.....
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
-
ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على النايل سات لمتابعة الأغاني
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|