إن بناء التحالفات مسألة تخضع لإعتبارين اثنين :
إنها تندرج وتخدم أهدافنا
الاستراتيجية المتمثلة في المساهمة في بناء الأداة السياسية للطبقة العاملة
والكادحين وقيادتها لتحالف كل الطبقات والفئات الوطنية من اجل إنجاز مهام المرحلة
التاريخية الحالية ( القضاء على المخزن وبناء الديمقراطية والقضاء على الكمبرادور
وملاكي الأراضي الكبار وعلى التبعية وتحقيق الثورة الزراعية ) على طريق بناء
الإشتراكية.
- إن
صيغتها العملية يحددها الواقع العيني للصراع الطبقي في الفترة الحالية وما يتيحه من
إمكانيات فعلية لاصطفاف القوى السياسية والطبقية.
إن الواقع السياسي والإجتماعي الحالي يتميز بما يلي :
- فشل قوى
الكتلة الممثلة للطبقات المتوسطة في إنجاز الإصلاحات السياسية وتحقيق حد أدنى من
المطالب الإجتماعية للجماهير وإنخراطها في خيار التناوب المخزني. مما أدى الى :
- تشكل
موقف يساري شبه عام مناهض للتجربة الحكومية الحالية استطاع أن يحقق لاطروحته
المصداقية اللازمة عبر رؤية واعية للإشتراطات المسبقة للتجربة ومحدوديتها وأبعادها
العكسية.
- شغور /
فراغ في عملية التأطير السياسي التقدمي الذي من شأن استمراره أن يقوي احتمالات
إنتعاش الحركة الأصولية في الشارع المغربي.
- تنامي
موجات الغضب والإحتجاج من جراء تفاقم الأوضاع الإجتماعية
واْلإقتصادية.
- تشكل
مواقف انتقادية لتجربة التناوب تبنتها العديد من إطارات وفعاليات أحزاب المعارضة
البرلمانية السابقة.
- تطور
مستوى التنسيق السياسي بين النهج الديمقراطي وحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي،
بما حقق من مكتسبات رغم قصر فترته الزمنية وبما اصبح يطرحه من آفاق.
- الإقتناع
المبدئي على الأقل والملح بين فصائل اليسار الجديد بضرورة التنسيق والتحالف السياسي
في المرحلة الراهنة.
إزاء هذا
الواقع أصبحت الحاجة تتعمق إلى إصطفاف سياسي وإجتماعي يوحد قوى وحركات المعراضة
الحقيقية في مواجهة المشروع المخزني. إن إمكانية قيام قطب ديمقراطي جذري يناضل بحزم
ضد المخزن بهدف القطيعة معه ومع الرأسمالية المتوحشة التي أوصلت شعبنا إلى الحضيض
متوفرة في الواقع. ولكي يندرج بناء هذا القطب ضمن صيرورة إنجاز المهام التاريخية
المطروحة على شعبنا والتي لا يمكن أن تنجز إلا بقيادة القوى الممثلة لمصالح الطبقات
الأساسية في التغيير وتحالفها مع الطبقات المتوسطة، فإن على القوى التي تطمح إلى
المساهمة في بناء الأداة السياسية للطبقة العاملة والكادحين أن تنخرط بحماس وقوة في
إنجاز المهام التالية :
- توحيد
القوى المتشبثة بالمشروع الاشتراكي الأصيل وإنغراسها في الطبقة العاملة والكادحين.
هذه الصيرورة التي ستؤدي إلى بناء حزب الطبقة العاملة والكادحين.
-
توحيد جهود كل القوى الديمقراطية الرافضة لسياسة التوافق مع المخزن في قطب ديمقراطي
جذري يمثل مصالح كل الطبقات والفئات الوطنية، بما في ذلك الطبقات المتوسطة التي
سيؤدي الواقع الموضوعي الذي يتجه نحو ضرب مصالحها وتطور القوى الاشتراكية إلى فك
إرتباطها بالطبقات السائدة والمخزن.
ان مهمة بناء القطب الديمقراطي الجذري تقتضي القيام بمبادرات
سياسية موجهة لكل القوى الرافضة لسياسة التوافق، بما في ذلك داخل أحزاب الكتلة، وهو
ما يفرض علينا في النهج الديمقراطي خوض هجوم وحدة على الفصائل الأخرى لتوفير ارضية
تعاقدات للنضال من اجل الديمقراطية الحقيقية.
إن بناء القطب الذي سيكون ثمرة لمبادرات سياسية ونضالات
مشتركة كثيرة ومتنوعة هو استثمار كل إمكانيات التقارب والعمل في إتجاهات متعددة
سياسية وإجتماعية وثقافية والإنخراط مع القوى الأخرى في وحدة نضالية ميدانية وتعميق
العمل الموقعي معها لتصريف مواقف وإنجاز مهام مختلفة، منها المحدودة في الزمان
والدائمة، مهام يتداخل فيها القطاعي بالوطني والمحلي والجهوي، غير أن القطب ليس
مجرد صيغة جمعوية للعمل، بل انه إجابة سياسية وتنظيمية. وعليه، فلابد من العمل على
تهيكل إطار الوحدة ( القطب ) ضمن شكل تنظيمي تتمثل فيه القوى المتحالفة حتى يشكل
بذلك القيادة الطبقية والسياسية البديلة اللازمة لنضالات الشعب
المغربي.
إن المهام المطروحة على
القطب الديمقراطي الجدري هي :
- النضال
الحازم ضد المخزن بهدف القطيعة معه وبناء الديمقراطية ودولة الحق
والقانون.
- المواجهة
الصارمة للرأسمالية المتوحشة.
إن
البرنامج الذي طرحه النهج الديمقراطي في المهرجان المشترك مع حزب الطليعة الذي يجسد
هذه المهام ويربطها بمهام المرحلة التاريخية الحالية المحددة أعلاه يمكن ان يشكل
مقترحنا للنقاش وهو البرنامج التالي :
سياسيا:
1- بلورة دستور ديمقراطي بواسطة
مجلس تأسيسي منتخب انتخابا حرا ونزيها يضمن فصلا حقيقيا للسلط ويجسد إرادة الشعب
بإعتباره صاحب السيادة ومصدر كل السلط.
2-تفكيك الأجهزة المخزنية :
- الأجهزة
القمعية السرية والموازية واعتماد الشفافية ودولة القانون في الحفاظ على
الأمن.
- إعادة
بناء جهاز وزارة الداخلية بما يرفع يدها عن باقي الوزارات والمرافق ويجعلها في خدمة
المواطن وتحت إشراف هيآته التمثيلية المنتخبة محليا وطنيا.
- إعادة
هيكلة القضاء بما يضمن استقلاله التام عن السلطة
3-إقامة دولة الحق والقانون
- رفع كل القيود المنافية
لحقوق الإنسان في الإعتقال والنفي والحجز وإطلاق سراح ما تبقى من المعتقلين
السياسيين والكشف عن مصير المختطفين وتعويضهم أو تعويض عائلات من توفوا منهم
ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم والسماح برجوع ابراهام سرفاتي الى وطنه
المغرب.
- إحداث
تغييرات جذرية في القوانين المغربية لتلائم المواثيق الدولية ذات الصلة واحترام
حقوق الإنسان والحريات الديمقراطية والتصديق على المواثيق الدولية
المعنية.
- احترام
سيادة القانون ومؤاخذة ومحاسبة كل من يخرقه كيفما كانت حيثياته.
2- إقامة جهوية حقيقية تضمن أقصى
حد ممكن من التسيير الذاتي للجهات التي تتوفر على شخصية متميزة.
اقتصاديا :
1- مواجهة الليبرالية المتوحشة وتحرير
البلاد من التبعية للمراكز والمؤسسات المالية الدولية ووضع حد للمديونة
الخارجية.
2-
إصلاح زراعي حقيقي يعيد للفلاحين الأراضي التي سلبت منهم.
3- تخطيط إقتصادي يرتكز إلى استراتيجية
تنموية عبر تعبئة الموارد والإمكانيات الوطنية وتوجيهها نحو القطاعات المنتجة ووضع
حد للتبذير والبذخ والرشوة وتأهيل العنصر البشري وإعادة هيكلة الدولة لتقليص دورها
القمعي وتعويضه بدور اجتماعي وإنتاجي.
ثقافيا واجتماعيا :
1- تحسين أوضاع الشعب المغربي فيما يخص
الأجور والشغل والسكن والصحة.
2- تعميم التعليم ومجانيته
وعصرنته.
3-
تدريس اللغة الأمازيغية.
4- تحقيق مساواة فعلية بين المرأة والرجل
على جميع المستويات المدنية والسياسية والإقتصادية والاجتماعية وضمان الحقوق الخاصة
للمرأة كإمرأة وأم.
5- تطوير كل مكون من المكونات الثقافية
المغربية العربية والأمازيغية بإرتباط مع التراث الثقافي الإنساني.
6- إعلام ديمقراطي مفتوح على
الشعب يحاور ويتقبل الرأي الآخر.
جهويا، عربيا، ودوليا :
1- تحرير سبتة ومليلية والجزر الجعفرية.
2- اعتماد
المواثيق الدولية ومقررات الأمم المتحدة ومبدأ التفاوض أساسا لحل القضايا
الترابية.
3-
المساهمة الجادة في بناء مغرب الشعوب مما يفسح الباب للمساهمة في بناء وحدة شعوب
العالم العربي.
4- دعم الشعب الفلسطيني من أجل إقامة
دولته المستقلة عاصمتها القدس.
5- مواجهة النظام العالمي الجديد القائم
على القطبية الواحدة وتعزيز التضامن بين الشعوب وتوطيد الأمن والسلم
العالميين.
إن بناء القطب
الديمقراطي الجذري مهمة صعبة ونتيجة لصيرورة معقدة وطويلة ستعرف فترات المد والجزر
وإن كنا نعتبر أن هناك إمكانية واقعية أن تعرف هذه الصيرورة تقدما مهما في المرحلة
الراهنة وسيكون القطب، في مرحلة معينة وفي جزء منه، قطبا لا شكليا بسبب إلتزام بعض
مكوناته بقوى سياسية منخرطة في التناوب المخزني.
إن ما سبق يعني أنه يجب أن نتحلى بأكبر قدر من الصبر
والمثابرة، رغم التراجعات الظرفية، والمبادرة وتجاوز المعيقات الذاتية والموضوعية
التي سيضعها الأعداء ( الخزن) والخصوم ( القوى المنخرطة في التناوب المخزني ) أمام
هذا المشروع العظيم. وعلينا أيضا أن نتبنى بعمق وصدق ثقافة الوحدة وأن نبتعد عن
الحلقية وأن ننفتح على القوى الأخرى لتحريك كل المشترك المتاح بينهما، كما أننا
ملزمون بتجاوز التفكير التقني للقطب نحو مزيد من الإجتهاد النظري والعملي لتأطير
هذا الخيار سياسيا وتنظيميا.
البيضاء في يوليوز 1999