أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد دلباني - حول العلمانية: ميلادُ التاريخ وشحوبُ وجه المطلق














المزيد.....

حول العلمانية: ميلادُ التاريخ وشحوبُ وجه المطلق


أحمد دلباني

الحوار المتمدن-العدد: 4152 - 2013 / 7 / 13 - 16:53
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


القليلُ بين الكتاب والمفكرين العرب من يتجرَّأ – إلى اليوم - على ذكر كلمة العلمانية أوالعلمنة أوالدَّنيوة في الخطاب الفكري والسياسيّ، وهذا حتى بين المثقفين المُنخرطين في فضاء أسئلة التحديث الفكري والسياسي والاجتماعي. كأنَّ العلمانية ظلت خطا أحمرَ تتوقفُ عنده أسئلة العقل العربيّ في مُحاولاته اجتراحَ آفاق الدخول في العصر والإسهام فيه بعيدًا عن مُعوِّقات النهضة بمفهومها الشامل. وأعتقدُ أنَّ هذا الحضورَ المُحتشم لمفهوم العلمانية في خطابنا الفكري والثقافيّ بعامة لا يُفسِّرهُ إلا ارتباطه بالمسألة الدينية التي ما زالت تحظى عندنا بنوع من القداسة ومن تراكم اللاَّمفكر فيه والتابو في تاريخنا.
يجبُ التذكيرُ، دائما، بأنَّ العلمانية لم تكن إنجازا قانونيا وسياسيا فصَل الدين عن الدولة فحسب – فذلك لم يتحقق إلا في مرحلة متأخرة - وإنما مثلت، قبل ذلك، التجسيدَ الفعليّ لانتصار العقل المُستقل عن المرجعيات المفارقة وعن كل أشكال الوصاية التي تعلو على التجربة البشرية. من هنا يمكنُ النظر إليها على أنها روحُ العصور الحديثة التي حرَّرت العقل من سطوة اللاهوت، وأعادت بناءَ الشأن السياسيّ على مفاهيم العيش المُشترك والإرادة العامة والمواطنة التي تتجاوز الانتماء الطائفي والمذهبي. هذا هو مفهومُ "الدنيوة" الذي جعلَ من العلمانية إنجازا ثقافيا كبيرًا حايثَ الحداثة المُنتصرة منذ قرون، وأسدلَ الستار على تراجيديا الحروب الدينية وقمع الفكر الحر باسم المرجعية الدينية المعصومة. من هنا يمكنُ فهم العلمانية – فلسفيا – على أنها ميلاد التاريخ بوصفه بيتا للإنسان مكان المُطلق.
إنَّ العلمانية، بالتالي، ليست مفهوما فحسب وإنما هي تاريخٌ جسَّد الانسلاخ من الوصاية الدينية وتحرُّر الفكر من المقدَّس الذي كان يلجمُ العقل. ومن الجدير بالذكر أنَّ المنحى العلماني كان حاضرًا بقوة في الفكر العربيّ منذ عهد النهضة – مرورًا بالفترة الليبرالية فالإيديولوجية – وهذا في صورة تطلعات عامة للإنتلجنسيا والنخب السياسية العربية التي كانت ترومُ الخروجَ من الزمن الطائفي / التقليدي إلى زمن سياسي جديد يقومُ على أفكار المواطنة والدستور والمُساواة والعدالة والإيمان بالعلم والتقدم، وهذا رغم السقوط أمام السّحر الذي مارسهُ علينا النموذج الشموليّ للدولة الحديثة في طبعتها الاشتراكية / الشعبية كما نعلم جميعا. لكنَّ ثقل الماضي كان دائما بالمرصاد من أجل إجهاض مسار التحديث المُتعثر وبناء الدولة الحديثة. ونحنُ نعرفُ أنَّ الأصولية الدينية عندنا تميلُ إلى تكفير كل مسعى يرومُ علمنة المُجتمع وعلمنة التفكير بعيدًا عن الوصاية الدينية في شكلها التقليدي كما نشاهدُ في بعض البلدان العربية التي تحاكمُ المفكر النقدي أو تسجنُ أصحاب الكلمة الحرة ولا تضمنُ حرية المُعتقد.
إنَّ النظام السياسي العربي – في عمومه – لم يكن جريئا في مشروع التحديث والدنيوة، وإنما اختار أيسرَ السُبل التي قد تمنحهُ الشرعية المفقودة في ظل فشل الدولة الوطنية العربية في تحقيق التنمية الشاملة المتوازنة والارتقاء بالإنسان العربي إلى مصاف المُواطنة الفعلية. ولم تكن ورقة التوت الأخيرة التي قد تسترُ عورة هذا النظام إلا التأكيد على الهوية الدينية ومنافسة الحركات الأصولية المنتصرة سوسيولوجيا باللعب على ميدانها. ومن المُؤسف أن يتجرجرَ الكثير من المثقفين وراء سراب الحلم بالخصوصية الحضارية من خلال التأكيد على الأصل الغربي للعلمانية وعدم حاجتنا إليها بدعوى أنَّ الإسلام لم يعرف الكنيسة والسلطة الروحية الدينية ( أنظر أعمال محمد عابد الجابري وحسن حنفي وعبد الوهاب المسيري مثلا ). كأنَّ المجتمع العربي، اليوم، لا يعرفُ التوتر الطائفي. أو كأنَّ الدولة الدينية يُمكنُ أن تكونَ دولة مدنية تحقق المُساواة بين المواطنين دونما اعتبار للأصل الطائفي. أو كأنَّ الدولة التي تقومُ على أصول دينية يمكنها أن تكونَ ديمقراطية بالمعنى الحديث. هذا وهمٌ باعتقادنا. فلا ديمقراطية فعلية وحقيقية تؤمنُ بسيادة الشعب ومرجعية الإنسان إلا في ظل العلمنة. هذا ما يجعلُ من العلمانية، باعتقادي، حلا ضروريا يُنهي أزمنة الوصاية على العقل والروح باسم المُقدَّس الجاثم منذ قرون بمعزل عن أية مُراجعة نقدية؛ ويُسدلُ الستار على التلاعب الإيديولوجي باسم الدين وهذا بتحريره من المُؤسَّسة الرسمية وجعله تجربة شخصية لا تلزمُ إلا صاحبها. إنَّ العلمانية – بهذا المعنى – عِتقٌ للفضاء العام من الحساسيات الطائفية والمذهبية وحضور التعالي الذي ظل سيفا مُسلطا على الحرية الفردية والعقل. وهي – بهذا المعنى أيضا – ترسيخٌ لقيم المُواطنة الواحدة والمُساواة ومبادئ الدولة التي لا تدَّعي ربط الأرض بالسماء واحتكار الحقيقة وإنما العمل على الارتقاء بالإنسان وحماية حقوقه وصيانة كرامته.
أقول، أخيرًا، إن العلمانية ليست دينا جديدًا وليست نزوعا إلحاديا بالضرورة، وإنما هي روحٌ تعبّرُ عن نضج العقل والمجتمع والسياسة من خلال التطلع المشروع إلى الحرية والمساواة والمُواطنة التي تتجاوز الاعتبارات الطائفية والمذهبية، ومن خلال رفض الوصاية الدينية على الإنسان المُنخرط في تجربة إبداع الحياة بالتمركز حول الناسوت. وأعتقدُ أنَّ هذا الأمر ينقصُ بصورة موجعة بعض أوجه فكرنا العربيّ الذي لم يتنطح بشكل كاف لمورُوثه الخاص نقدًا وتفكيكا.--



#أحمد_دلباني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دفاعا عن أمينة التونسية: الجسد العربي ينتفض ضد الحريم
- صبار اليقين
- أدونيس في عمله الشعري الأخير كونشيرتو القدس: متى ينتهي تاريخ ...
- العقل الإسلامي والديمقراطية: المصالحة المؤجلة
- الدين والحداثة: في ظاهرة الأصولية وعودة المقدس الديني
- حول الهوية: أقنوم أزلي أم سمفونية لا تكتمل؟
- في نقد العقل الثوري العربي: فولتير أولا، أم قطع رأس الملك؟
- ألبير كامي بعد أكثر من نصف قرن: الأفق الفلسفي وتراجيديا الهو ...
- أدونيس ناقدا ثقافيا
- في الذكرى الثالثة لغيابه: محمود درويش عدميا
- حول مشروع البروفيسور الراحل محمد أركون: الفكر النقدي سبيلا إ ...
- ميتافيزيقا الجلاد - أدونيس منتقدا الرؤية الوحدانية
- فصل عن العرب سقط من فصول - كتاب الموتى-
- متى ينتهي نشيد البجعة؟
- الكتاب الأسود
- الشرعية السياسية والزمن الثقافي
- في الطوطمية السياسية وحضور الوصاية: الحقيقة والسياسة
- رسالة إلى مستبد عربي
- في مشكلة السلطة العربية واللاشعور السياسي الجمعي: خريف البطر ...
- عن الثورة العربية وأسئلة العقد الاجتماعي الجديد: قد يعود الب ...


المزيد.....




- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي ...
- أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع ...
- الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى ...
- الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي- ...
- استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو ...
- في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف ...
- ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا ...
- فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي ...
- استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
- ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على النايل سات لمتابعة الأغاني ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد دلباني - حول العلمانية: ميلادُ التاريخ وشحوبُ وجه المطلق