|
الالتزام الديني ..بين الطاعة والطاعة العمياء
اسعد الامارة
الحوار المتمدن-العدد: 1189 - 2005 / 5 / 6 - 09:04
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يستشف الانسان في كل اصقاع العالم المختلفة ان الاديان السماوية منها وغير السماوية انها جاءت تحمل محتوى فكري ظاهر ومحتوى باطن،فالمحتوى الظاهر هو هداية الانسان الى فكر متعالي به من الابدية والازلية والثبات كقانون الحركة والتكامل من ناحية انتسابه الى ذات الباري تعالى مع وجوده، ومن ناحية اخرى في عالم الطبيعة وفي المجتمعات الانسانية وهي بنفس الوقت تابعة الى قانون الطبيعة ومنقادة للحركة والاستمرارية والتطور، اما المحتوى الباطن فهو توجيه التابعين والمريدين على وفق نسق قيمي متسلسل يتعلم خلالها العديد من الاوامر والنواهي منها الاعتقاد بعالم الغيب والارادة الالهية من ناحية ومن ناحية اخرى الايمان بعالم الحس وعالم الطبيعة ومن خلالها رؤية امور الحياة الدنيا وامور الحياة الاخرى،فالدين السماوي قيم ومعتقد يعتنقها الفرد المؤمن ويطبقها بنسب متفاوتة استناداً الى قوة ايمانه وعمقه،وكذلك الحال في الاديان الاخرى غير السماوية التي تشكلت ربما من فلسفات وضعها اصحابها واعتنقها من بعدهم تلامذتهم وبشروا بها بين الاقوام والشعوب والاجناس البشرية التي كادت ان تغطي مساحة شاسعة من البشرية في مختلف ارجاء العالم،مثل البوذية والهندوسية واديان افريقيا غير السماوية ،فهي اذن بالمحصلة النهائية قيم ومعتقدات ايضاً،فالقيمة السائدة في هذه الحالة هي الطاعة العمياء لدى الافراد المؤمنين بالدين ايماناً فوق حدود الوسط الذي يمتد احياناً الى التطرف ويستطيع الدين ان يحشو هذه القيم بدون التفكير بها او مناقشة ما رافقها من شوائب او تفسيرات غير منطقية او تفسيرات مبالغ فيها لبعض الوقائع التي وردت في الكتب السماوية او ربما حرفت لكي تصبح اكثر تأثيراً على عواطف المريدين فترى قوة التاثير هو لغرض جني اعلى درجات الطاعة وللحصول على اكبر المزايا وبالتالي فالقيمة الدينية السائدة هنا جوهرها الاصلي الطاعة وربما العمياء لوحدانية الخالق في الاديان السماوية وعبادة المقدس مثل البقرة الذهبية عند الهندوس او بوذا المقدس عند البوذيين وازاء ذلك يرى (د.محمد شعلان) استاذ الطب النفسي بقوله:بجانب عبادة الله واحياناً بالتبادل معها فيقدس قيمة المال والمكسب ويسعى وراءها ويبيع المرء نفسه وضميره لها فيقتل قدرته على التفكير المستقل ويسخر نفسه لمتطلبات البقرة الذهبية وتارة يشرك بالله او يستبدل به فرعون الجالس على عرش السلطة والذي يكاد ينادي جهاراً بانه ربنا الاعلى وقد يعطي لعبادة الله المجاملة اللفظية معلناً ولاءه لله او الدين او غير ذلك وهو في حقيقة الامر يتصرف كما لو كان هو فعلا فرعون وربنا الاعلى وما دام لن ينقص من واقعه شئ فلا ضرر من الولاء اللفظي دون الفعل. وتدلنا هذه الافكار ان المرء في اعتناقه للدين السماوي او المعتقد غير السماوي تتفاوت مستويات ذلك الاعتقاد بين الحدة والوسطية ،بين التطرف والاعتدال ، بين الطاعة اللفظية والطاعة العمياء وازاء ذلك نقول اننا حينما نطيع بلا تمحص او فحص الافكار مهما كانت دينية او سياسية ، فنية او فكرية فلسفية فاننا نهجر احكامنا الشخصية ونتعاون مع متطلبات السلطات اياً كانت الدينية او السياسية ، فنية اوالفكرية الفلسفية وهو حال المسايرة والخضوع وفيه تجنب العواقب غير السارة والعقوبات والجزاءات في الدنيا من قبل القائمين على الدين في الدنيا وفي الاخرة ايضا وبذلك فأن الطاعة هي بالحقيقة تقوية الخضوع وهي تمثل قيمة يتعلم من خلالها الفرد المطيع الاوامر مهما كانت نوعها ومهما كان مصدرها من الاب او من الام او السلطة الحكومية او رجال الدين او ممن يعطون القيم الدينية ابعاداً ربانية وهذا الحال يقودنا مرة اخرى الى نمط شخصية الفرد المتلقي وهشاشة تكوينه النفسي فأن كان يتأثر بشدة الايحاء وقوة التأثير تحول الى الطاعة العمياء بشكل سريع فهو يحمل بذور هذه الطاعة بشكل متطرف وحاد ومن تمارس عليه التأثيرات النفسية التي توجهه نحو الانواع المختلفة من التدين المتطرف حتى ليغدو الى الطاعة العمياء وحينها يفقد القيمة العليا للدين اي دين كان ، فالدين في اساسه هو دعوة الانسان للتآخي مع اخيه الانسان واحترام الرأي والرأي الآخر وتقديس المعتقد كونه يحمل بذور الانسانية ، فاذا ما تحول الى الطاعة العمياء فأنه سيكون اداة طيعة وسهلة نحو الاهداف غير السماوية لرجال الدين المتطرفين. يقول علماء النفس من المحتمل ان يولد كل هذا التمرس على الطاعة ميلاً عاماً للخضوع بلا تساؤل للقوة القائمة وحينما يتبع كل فرد قواعد خاصة اذا كانت عادلة ومعقولة ،فأن الحياة تجنح الى المسالمة والهدوء والنظام ولكن الطاعة العمياء قد تكون خطيرة مثلما فعل المواطنون والجنود الالمان المطيعون في المانيا النازية بذبح الملايين من البشر كما ان هناك ويلات اخرى ارتكبت بأسم الطاعة مثل قيادة سيارات التفخيخ المتفجرة في العراق واماكن اخرى في ارجاء من العالم او حادث القتل المتعمد ضد البشر تحت مسمى الطاعة العمياء من التابع او المريد لشيخه او امامه حتى ولو لجأ المريد او التابع بعد ذلك الى الانتحار في حال فشل العملية وتساؤلنا ، الا تحرم الاديان السماوية قتل النفس ؟ وخصوصا القتل العمد مثل انتحار المؤمن بشكل قصدي ومتعمد ، هذه الحالات صارت شائعة في عالمنا اليوم وتحدث صراعات اقل حدة بين الضمير الذي ينتفض احياناً لدى المتدين المؤمن بفعل الايحاء الديني والتبشير بالجنة الموعودة التي تفتح ذراعيها لاستقبال المؤمنين واستقبال الرفاق التابعين ، الى الاختيار بين المبادئ الشخصية وتوجيهات شيخه في الطريقة او الدين او المذهب ، ان يمارس العنف والقسوة وانتهاك اعراض الناس بكل قذارة مقابل ان يكسب ثمناً وهمياً لا اساس له في الدنيا الحالية او الآخرة المأمولة ، وكذلك تلك الفتاة التي وهبها الله والدين والمعتقد المساواة مع الرجل في التفكير والذكاء والتصرف واكتساب المعرفة والعلوم والقدرات الاخرى ، اجبرت ان تتنازل وتخنع وتخضع لاوامر التسلط المتمثل برجل الدين الذي ربما كان امياً ويصدر الفتاوى والاوامر والنواهي فهي تواجه حالة انسانية مستعصية كأنها تعيش الماضي في الحاضر وتعاني من ازمة نفسية مستعصية ، ماذا تفعل حينما تتعارض طموحاتها مع اوامر السلطات الدينية ونواهيها فهي تحمل بذور المبادئ الخلقية النقية التي دعى لها الدين والكتب السماوية ولكنها تتعارض مع قيم ممن يفسرون الدين ونصوصه بالطاعة العمياء بشكل صارم ويضعون الاعراف والتقاليد التي لم تنزلها الكتب السماوية ولا الفلسفات التي شكلت اديان غير سماوية. ولو تساءلنا وتساءل الاخرين معنا : ما هي اسباب الطاعة خصوصا بشكلها المعتدل لوجدنا الاجابة عند علماء النفس بقولهم: ان معظم الناس يفترضون شرعية الطاعة للسلطات الحكومية او الدينية او السياسية حيث يرى الناس ان على انفسهم واجبات تجاه الدين ورجالاته والدولة ونظامها واحترام القانون والالتزام به ، كما ان الناس يرغبون ان يكونوا ملتزمين في الدين او لاوامر الحكومة او السلطة القضائية او عدم الخروج على قيم المجتمع السائدة احتراماً لها ويكونوا مهذبين يحترموا كل التعليمات الصادرة من رجال الدين والدولة اوالسياسة ويفوا بكل التزاماتهم ووعودهم ويشاركوا في بناء المجتمع الافضل قيمياً وسياسياً وخلقياً وازاء ذلك فهم يظهروا اعلى درجات الطاعة والوفاء والاحترام والنظام والتضحية بالذات والغالي والنفيس احياناً وخصوصاً اذا تعلق الامر بالمعتقد او الدفاع عنه او عن الوطن او سيادة الارض واحيان اخرى الشرف الوطني،هذه المشاعر والاندفاعات يستغلها الساسة ورجال الدين المتطرفين وبعض المتعصبين من الشوفينيين في تنمية روح العنف والقسوة وتكوين السلوك العدواني تجاه عدو وهمي لا اساس له في البداية مثل غواية الشيطان لدى بعض رجال الدين او توقع الاعتداء من دول صديقة او بعض دول الجوار وتصعيد روح الجانب النفسي الانفعالي لدى البعض من الشباب ضد مذهب ما او دين ما او شعب ما وهو ما سمي بتصعيد وشحن المعنويات قبل الحرب وهو الذي حدث في المانيا النازية ضد دول اوروبا الاخرى وشحن عقول الشباب بفكرة تفوق الجنس الآري على الاجناس الاخرى او كما فعله (صدام حسين) دكتاتور العراق المهزوم ضد دول جوار العراق مثل ايران والكويت وتصعيد مشاعر العدوانية لدى شريحة الشباب من ابناء الشعب العراقي حتى خلق لدى البعض الطاعة في تنفيذ الاوامر ابان حربه ضد ايران ثم تصاعدت الوتيرة لتكوين الطاعة العمياء له ولاسرته حتى اصبح المعيار الذي به يقيس مستوى الوطنية العراقية لدى ابناء الشعب العراقي وانتماءهم للوطن وهو الحال ذاته لدى بعض رجال الدين المتطرفين في اصقاع عديدة من العالم وممن لديهم توجهات عدوانية متطرفة ضد الاديان الاخرى والمذاهب او الحركات السياسية حتى بات الامر كما يلي: من لم يتفق معي في ما اطرحه من افكار واراء دينية او سياسية متطرفة يصبح عدوي مهما كان دينه او مذهبه ولو كان مسلماً او مسيحياً ، عدوانيا او مسالماً يهوديا صادقا مؤمنا او بوذيا مؤمنا او سياسيا معتدلا والامر سيان بينهما. يقول علماء النفس ان الطاعة تتوقف الى حد ما على سمات الموقف وسمات الفرد الشخصية وخصوصا الذي يؤمن بهذا المبدأ وكلما كان قريباً من التجمعات الدينية المتعصبة ومنسجما معها يزيد تأثير قوة سلطان رجال الدين المتعصبين عليه، وان من نتائج الطاعة العمياء خصوصاً للدين ورجاله المتعصبين نتائج مفجعة كما اثبتتها الدراسات النفسية لا سيما لدى الافراد غير المدركين لقدراتهم الذاتية الشخصية والخضوع الى اوامر القائد او امير الجماعة او المرشد الديني او العقل المتطرف في ادارة سياق عمل المنتحرين من الاسلاميين خصوصاً واحياناً يصل الامر من الطاعة العمياء الى الاذعان التام للاوامر مهما كانت قاسية وعنيفة رغم ان دعوات امراء المجموعات وقادتهم ومرشديهم تقوم في العلن امام الناس على نقيض ما يدعون، فهم يدعون الناس على المنابر بأن لا تؤذي احداً لا قوة له خاصة انه لم يسبب لك اذى ، وبنفس الوقت يمحو استبصار مريده او التابع له ويدفعه لان يفجر نفسه بين مجموعة من اطفال المدارس او رياض الاطفال او بين النساء المتوجهات الى العمل او دور الحضانة او المراكز الصحية او استهداف السياح في مناطق عديدة من العالم لكي يأخذهم معه الى الجحيم الذي اختاره ، وهي بحد ذاتها استخدام امثل لعقوبة الموت ينفذها المريد او التابع نيابة عن شيخه او من يقلده او مرشده الديني وهو بذلك جعل منه كبشاً للفداء ، ولا ندري هل انه نقل له صورة كبش النبي ابراهيم (ع) في صورته واقنعه بانها ارادة الله ان يكون قدره الرباني ضحية الانبياء في تقويم الدين الحنيف ، انها جدلية الدين المتطرف والطاعة العمياء وتبريراتها غير المنطقية لتحفيز المريد بالاتجاه الذي يبتغيه .. وفي النهاية نود ان نقول ان الالتزام ايا كان نوعه الديني او السياسي او الفكري او الفلسفي هو محاولة تنويرية للعقل الانساني وانفتاحه على افاق جديدة لم يطرقها الانسان العادي وهو بنفس الوقت سيف ذو حدين احد اطرافه الاعتدال، اما الحد الآخر فهو التعصب والطاعة العمياء والانصياع الارعن والمسايرة لحد مصادرة هذا العقل الجبار بكل انتاجاته المبدعة ومصادرة كل محتوياته المعرفية فيتحول حينئذ الى نقمة بعد ان كان نعمة يحسد عليها الانسان ، وهي التسوية غير الموفقة كما هو حال الاضطرابات العصابية وفي نهاية الامر هو مظهر للصراع الذي يعيشه المريد"التابع" وشيخه وما يتضمنه من عدوان وكراهية لكل البشرية.
#اسعد_الامارة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدافعية واستجابة الانجاز
-
!!نحن .. بين السواء والسواء النسبي
-
الشخصية ..ما هي؟
-
الطبقة العاملة وهوية المجتمع الانساني
-
الدين ..عامل حسم ام صراع في النفس!!
-
العنف ...سرطان الحضارة المعاصرة
-
السلوك غير الاجتماعي لدى الاطفال
-
الشخصية الاعتمادية Dependent Personlity
-
التدين الجديد..التدين الوسواسي
-
العلاقة الزوجية ..اللذة وعبث الخلاص
-
الشخصية الهستيرية
-
الشخصية الانبساطية
-
الدماغ وسيكولوجية الادراك والتفكير
-
الاطفال والتشتت الذهني
-
الشخصية الناقصة -الضئيلة-
-
خطوات نحو التوافق النفسي
-
الشخصية الشيزية -الفصامية-
-
الشخصية القلقة
-
الكبت والقمع هل هما عوامل قوة ام ضعف في الشخصية؟
-
الشخصية الشكاكة
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|