|
مصر في غرفة الانعاش
رمضان عيسى
الحوار المتمدن-العدد: 4151 - 2013 / 7 / 12 - 14:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أنظر الى مصر الشقيقة وقلبي يعتصره الألم ، فهي الصديقة الوفية لفلسطين ، ولشعب فلسطين على طول التاريخ ، والروابط مع مصر وشعب مصر قوية ومستمرة في كل الظروف . ما جرى ، وما يجري في مصر لا يمكن لأحد أن يتجاهله أو يقف منه موقف اللا مبالاة . وما شاهدناه ان الشعب المصري اطلق شرارة الثورة في 25 يناير 2012 ، وأعلن أهدافا لثورته ملخصة في الخبز والحرية والعدل والديمقراطية وتكافؤ الفرص ودولة مدنية ، وتحديد مدة الحكم بفترة زمنية . وانتظر من المؤسسات السياسية والأحزاب القديمة والجديدة التي نشأت بعد ثورة يناير وانهيار الديكتاتورية أن تحقق هذه الأهداف . وأخذ شعب مصر يراقب ويترقب مولد جنين ما بعد الديكتاتورية ، خاصة وان شعب مصر عانى لعقود من الديكتاتورية وتزييف الانتخابات ، وملاحقة الآراء الحرة بكل وسائل القهر والتهميش ، وغرق في الفقر وانتشار الأمية سنوات طويلة ، فماذا سيكون شكل جنين ما بعد الثورة ؟ ولما كان الشعب المصري يغلب عليه الطابع الريفي والتفكير المغلف بالدين وتفسيراته لكل نواحي الحياه ، بينما تتركز المفاهيم العلمية والعلمانية والنزوع نحو الحرية والديمقراطية في المدن ، هذا المناخ خرج بنتائج ايجابية لصالح الأحزاب التي تجلببت بعباءة الميراث الديني المقدس ، مثل حزب الحرية والعدالة الذي أفرزته حركة الاخوان ، وحزب النور السلفي . اعتقد حزب الحرية والعدالة أن من يربح الصندوق يربح كل شيء ، ولا مانع من أن يستولي على كل شيء ، والمطلوب من الجميع أن يساعده في الاستيلاء والتمكن في الحكم ، فهو يفهم الديمقراطية من خلال هذا الفهم . فماذا كانت النتيجة ؟ النتيجة أن مرر الاخوان وحلفائهم السلفيون دستورا لا يمت للثورة ولا لأهدافها بصلة ، تم فيه وضع فئات كثيرة من الشعب المصري في حالة من الترقب المشحون بالريبة ، خاصة وان الرئيس المنتخب بدأ بالعمل بانعزالية عن الأحزاب الأخرى التي شاركت في الثورة ، بل وبصورة تهميشية كاملة للعنصر الثوري الشاب .
وبدأ التساؤل ، الى أين نحن سائرون ؟ الى إنجاز الأهداف التي قامت من أجلها الثورة ، الأهداف لصالح جماهير الشعب المظلومة والمسروقة من عائلات الديكتاتورية السابقة ، أم الى تغيير اسم السارق ؟ لقد انكسف المستور لشباب الثورة ، وأحسوا أن مركبة الثورة قد أُخرجت عن مسارها الثوري ، وكل ما يفعله رئيس حزب الحرية والعدالة ، لا يبشر بأن هناك حرية ولا عدالة ، وأن اهداف الثورة تتلاشى يوما بعد يوم . فقامت حركة تمرد ، واستشارت الملايين ، وكان الجواب : لا وألف لا . فكان يوم 30/ 6 / 2013 ، هو يوم ثورة التصحيح ، يوم اعادة مركبة الثورة الى الطريق الصحيح ، اللائق بثورة شعب مصر ومركز مصر . وهبت الملايين خارجة الى الساحات المركزية لتعلن لا لديكتاتورية من نوع آخر ، ولا لحكم المرشد ، ولا للانصياع للإملاءات الأمريكية ، ولا للتهاون في الأمن القومي لمصر وحدود مصر ومياه مصر . وانتصر الجيش للشعب ، وأعطى إنذاره للرئيس مرسي بأن لا ينفصل عن نداءات الجماهير ، وأن الضرر الذي أصاب مصر وشعب مصر تحت حكم الاخوان لم يحدث لها طوال عقود سابقة . وأعلن الجيش أنه اذا لم تنجح الحكومة والأحزاب القائمة في الخروج من الأزمة ، فان هناك خارطة طريق ستنفذ بعد 48 ساعة ، وانتهت المدة ، والرئيس مرسي رفض كل الاقتراحات ، وتمسك بعد التشاور مع المرشد بالبقاء في السلطة . فلم يكن هناك من طريق أمام الجيش إلا أن قام بعزل الرئيس وتأمينه . وكانت ردة فعل الاخوان التجمهر والهتاف ضد العزل والمطالبة بدعم الشرعية وعودة الرئيس المنتخب ، فلم يعترفوا بالفشل ، ولا يهم أن تغرق مصر وشعب مصر في دوامة من العنف والانقسام والحرب الأهلية ، المهم البقاء في الحكم . أصر الجيش على خارطة الطريق ، فتعالت من زعامات الاخوان دعوات لمهاجمة الجيش والحرس الجمهوري ، و اعتلى أفراد من قناصة الإخوان المباني العالية وبدأوا بإطلاق النار من جهتهم ليقتلوا على الفور ضابط بالحرس الجمهوري برصاصة قناص اخترقت جبهته، وأسقطوا أكثر من أربعين جنديًا مصابا في لحظات الاشتباك الأولى، بينما بدأت جحافلهم في العدو بسرعة نحو بوابات الحرس الجمهوري ، وهنا لا بد للجيش من الرد والا غرقت البلاد في الفوضى ، وكانت النتيجة سقوط أكثر من 55 قتيلا من المهاجمين ومئات الجرحى ، بالإضافة الى من قتلوا من الجيش والشرطة . وهذا الوضع أدخل مصر في حالة هي أشبه بغرفة الانعاش ، فخارطة الطريق لا زالت تراوح مكانها ، ولا زالت الأزمة تتفاقم ، فالانقسام على أشده ، والاحتقان على أشده ، وهناك من يعجبهم أن تكون مصر في غرفة الانعاش ، وأن تبقى في حالة أشبه بالغيبوبة . أنه لمؤلم لنا أن تصل مصر الى هذا الوضع الذي لا يمكن تشبيهه إلا بغرفة الانعاش ، وجميع الشخصيات السياسية وقادة الأحزاب هم أطباء هذه الغرفة ، فإما أن يتعاونوا ويساعدوا مصر في الخروج من الأزمة ، وإما هناك من له مصلحة خاصة بعيدة عن الاخلاص لمصر ولشعب مصر وتاريخ مصر . وهناك جهات خارجية وداخلية لها مصالح خاصة ويعنيها ألا تتخطى مصر هذه الأزمة ، فهم في انتظار تقسيم التركة ، إما معنوية أو مادية إذا ما انطفأ نجم مصر ، وغرقت في مشاكل لا مخرج منها . فاسرائيل مثلا تنظر الى مصر على أنها تملك أكبر قوة عسكرية متماسكة ومؤثرة . فإن ما يعنيها هو ألا تفيق مصر من غيبوبتها ، وأن تبقى في غرفة الانعاش الى أجل غير مسمى ، وهذا يعطيها شعورا بالغبطة أن تغرق مصر ودول عربية أُخرى في حالة من الصراع والتشتت والانقسام الاجتماعي . وتقف أثيوبيا مترقبة للوضع في مصر ، وما يعنيها هو انشغال مصر بداخلها لكي تستمر في التمكن والسيطرة على مياه النيل بهدوء ، وتكملة بناء سد النهضة الذي سيُفقد مصر نيلها الذي يعطي التبرير الحي لوجودها واخضرارها ونضارتها . كما أن هناك دولا تحاول تضخيم مركز التأثيري في المنطقة العربية بفعل البترودولار ، لا تريد لنجم مصر أن يبقى ساطعا ، لأنها لا تستطيع أن تتحرك وتظهر ومصر قوية داخليا وخارجيا . وهناك إيران التي ترى في مصر والعراق منافستين تاريخيتين تقفان كالصخرة أمام الطموح الايراني للتوغل في منطقة الخليج ، فالعراق سقط في الشباك الايرانية بطريقة أو بأُخرى ، ومن الصعب الافلات بسبب التجاور الحدودي ، وطبيعة التماثل المذهبي الشيعي بينهما . ففي العراق مراكز شيعية تاريخية تفرض التواصل ليس كدول ، بل كشرائح اجتماعية أيضا . كما لا يمكن أن نغفل النظام البعثي في سوريا ، ورغبته الأكيدة في ألا تخرج مصر من غرفة الانعاش لألى تساند بطريقة أو بأُخرى في الحراك الشعبي والعسكري الحادث في سوريا ضد النظام العلوي البعثي . وعلى مسافة ليست بالبعيدة تقف حركة حماس من مجريات الأحداث في مصر ، فهي معنية بأن تنتهي الأزمة في مصر بعودة الاخوان للحكم ، فنظام الاخوان سوف يترك لهم مساحة أكبر في كل الاتجاهات ، في داخل مصر ، وفي خارج مصر . فهي تعتبر سيناء عمقا استراتيجيا وامتدادا لها تحت شعار المقاومة لما لسيناء من حدود طويلة مع اسرائيل تعطي حماس القدرة على مشاغلة العدو والمناورة في أي صدام مع اسرائيل ، كما أن سيناء هي عمق جغرافي ومخزن سلاحي غير مكلف ، فحماس تريد السيطرة الفعلية وحرية الحركة لها ولمسلحيها وأفرادها في ظل السيطرة الاسمية الرسمية والحماية المصرية ، فمسئولية حماية سيناء ليست من مسئولياتها . وهي بقدر ما تكون علاقاتها قوية مع المجموعات المسلحة المصرية في سيناء بقدر ما يقوي موقعها في جعل اسرائيل تقف موقفا تفاوضيا معها وتخفيف الحصار عنها عالميا . ومن الناحية الاقتصادية ، تعتبر سيناء والأنفاق الموصلة منها الى قطاع غزة هي أكبر كاسر للحصار على غزة ، واكبر ممتص للتذمر الشعبي لأهالي غزة من ضغط الحصار ، كما هي أكبر ممول مالي وتجاري لحماس بطريقة او بأُخرى ، من ضرائب وجمارك . وفي الجانب الآخر هناك أحزاب داخلية لا تريد لسمعة مصر ، ولا لتاريخ مصر ولا لحضارة مصر الخير . فالسلفيون يريدون تحطيم كل آثار مصر ، لأنها تجلب السياح الفاسدين والمفسدين ، والاخوان لا يعنيهم شعب مصر وتنوعه ولا طبيعته الطيبة ، ولا طموحاته في الحرية والديمقراطية الحقة والعدالة ، ولا مركز مصر العربي والعالمي . ان ما يعنيهم هو التمكن في الحكم ، التمكن في حكم مصر بوصفها مركز الوطن العربي .ولكن هل لدى الاخوان خطة تطويرية ، بنائية لحل المشاكل الاقتصادية ولتامين الغذاء وحل مشاكل السكن والعمل لجموع غفيرة من الشباب العاطلين عن العمل ؟ بالطبع ، لا فليس لدى الاخوان أية خطة تنموية ، حسب اعتراف نائب المرشد خيرت الشاطر . هذا من الناحية الاقتصادية ، اما من الناحية السياسية والادارية ، فليس هناك نهج واضح في السياسة الخارجية ، بل هناك تخبط في كل الاتجاهات ما عدا السير في ركب السياسة الأمريكية ، والمراهنة على العلاقة مع أمريكا الراعية لاسرائيل على حساب مصر وتاريخها ، فهم مستعدون للركوع لأمريكا في سبيل السكوت عنهم ومساعدتهم في التمكن في الحكم . ولكن ما هو هدف الاخوان والسلفيون من كل هذا ؟ ان لديهم هدف غير حضاري ، وهو ارجاع التاريخ الى الوراء ، الى دولة الخلافة ، والعودة بكل مظاهر الحضارة العصرية الى علاقات القرون الوسطى . فالاخوان والسلفيون بهذا النهج لا يريدون لمصر أن تفيق من غيبوبة غرفة الانعاش إلا على طريقتهم ومزاجهم ، وليس من أجل التواصل الحضاري الحقيقي لمصر وشعب مصر وتاريخ مصر ، إلا على طريقتهم التي أخرجت الثورة عن مسارها الحقيقي ودفعت مصر وشعبها الى غرفة الانعاش ، فشعار الاخوان مثل شعار كل الديكتاتوريات على التاريخ " إما لي وإما خراب " . ويقف السلفيون في في موقع قريب جدا من الاخوان الذين ينتظرون أن يكون لهم الحظ الوفر من الوضع الراهن . وهناك مسلحو سيناء الذين يريدون تضخيم مركزهم مستغلين ضعف السيطرة على سيناء ، فهم يقومون بمهاجمة مراكز شرطة حدودية في سيناء والعريش، ليفرضوا وجودهم من اجل الاستفادة من الحركة التجارية عبر سيناء ، فهم قد حولوا طلباتهم الاقتصادية والتباطؤ التنموي في سيناء ، الى شعارات لها بُعد أُصولي وديني ، تماثلا مع منظمات مقاومة لاسرائيل في غزة ، فوجود منظمات مسلحة في سيناء ذات توجه ديني وغزة يجعل الوضع أكثر اشكالية لمصر وإسرائيل ، بسبب وجود اتفاقية كامب ديفيد التي تنظم العلاقة بينهما في سيناء . إذا ، ما هو الحل لإخراج مصر من أزمتها ؟ الحل في تخلي جميع الأحزاب المصرية عن تقديم المصلحة الحزبية على مصلحة الوطن ، وتكوين حكومة مشتركة مؤقتة تعد لانتخابات بطريقة ديمقراطية حرة ، ولتكن النتيجة ما تكون ، المهم الالتزام بالمطالب الثورية في الخبز والحرية والعدالة ودولة مدنية للجميع ، بغض النظر عن الدين والجنس ، واثبات هذه المطالب في الدستور .
#رمضان_عيسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كشف المستور وراء تجاهل الحنفاء قبل ظهور دعوة النبي محمد !!!
-
الإسلام السياسي وصكوك الغفران
-
هل كان حمورابي نبياً ؟
-
عوامل القوة والضعف في المشروع الصهيوني
-
المرأة المسلمة تستمريء العبودية
-
خواطر محجبة
-
حقيقة الاسلام
-
قالت لي العنقاء
-
العرب ونظرية التطور
-
الكاتب بين الابداع والأيديولوجيا
-
التعددية والتوحيد وأثرهما الاجتماعي
-
اتفاق المصالحة ، أسبابه ومستقبله !!!
-
صديقي دائما - قصة قصيرة
-
فلسفة الفقراء وفلسفة الأغنياء
-
شهر عسل جديد
-
الوعي العربي والاعتقاد الخوارقي
-
الماركسية وأساليب النضال الثورية
-
العرب وفلسفة التراث
-
ماذا وراء الطلب من الأردن تجنيس مليون فلسطيني ؟
-
ما لم يقال عن حصار غزة
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|