ماجد احمد الزاملي
باحث حر -الدنمارك
(Majid Ahmad Alzamli)
الحوار المتمدن-العدد: 4149 - 2013 / 7 / 10 - 22:52
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
الدستور ضمان لحقوق الافراد
د.ماجد احمد الزاملي
يشكل وجود الدستور الضمانة الاساسية لقيام دولة القانون . فالدستور القانون الاعلى ,وهو الذي يبين نظام الحكم في الدولة , وتشكيل السلطات العامة , وتوزيع الاختصاصات بينها , وكيفية ممارستها , كما يبين حقوق الأفراد والوسائل اللازمة لضمانها وصيانتها . والعدالة الدستورية التي تعني في أبسط معانيها مجموع القوانين والأجهزة المختصة بالنظر في مدى مطابقة القوانين الدستورية وكذا البث في صحة انتخاب أعضاء البرلمان وصحة عمليات الاستفتاء. فالدستور يشكل إذا قيدا قانونيا لسلطات الدولة , حيث يبين حدود وأختصاص كل سلطة لا تستطيع تجاوزها , والا تكن قد خالفت أحكام الدستور وفقدت السند الشرعي لتصرفها . فقد حرصت الوثائق الدستورية المختلفة على أن تتضمن في جانب منها الحقوق والحريات التقليدية لاسيما تلك المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية. وفي جانب آخر الحقوق والحريات ذات المضامين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ولم يقف المشرع الدستوري عند حد تسجيل هذه الحقوق والحريات بل عمل على كفالة احترامها وتقدير ضمانات ممارستها ووضع القيود التي تحد من تقييد السلطات العامة لها. بشرط إن تبقى في حدود عدم مساسها بحقوق وحريات الآخرين وعدم الأضرار بالمصالح الأخرى للمجتمع. يعتبر الدستور في البلدان الديمقراطية مصدرا أساسيا لتحديد معالم النظام القانوني في الدولة لما يتضمنه من مبادئ وأحكام تسود حياتها ومؤسساتها وشرعت سلطة القائمين عليها . والدستور يسمو على جميع السلطات العامة في الدولة نظرا لما يتضمن من قواعد وحقوق تعتبر نابعة من إرادة الشعب غير أن هذا السمو يغدو مجرد لفظ أجوف غير مضمون ولو كان بمقدور هيآت ومسؤلين الدولة انتهاكه دون أن يكون هناك جزاء يتقرر على ذلك الانتهاك . إذ يجب أن تكون هناك العديد من الضمانات التي تكفل احترام هذه السلطات العامة للحقوق والحريات التي ينص عليها الدستور ،ومن أهم الضمانات التي عملت مختلف الأنظمة الدستورية على توفيرها لفرض احترام الدستور نجد القضاء الدستوري .
وقد كان من بين أسباب ظهور القضاء الدستوري الصراع القائم بين البرلمان والملك، ثم تطور مع الثورة الفرنسية التي تضمنت مجموعة من الحقوق الأساسية والتي يجب احترامها. أقر القضاءالامريكي بالإجماع ضرورة احترام القانون الدستوري على الرغم من عدم وجود نص في الدستور يمنح للمحكمة هذا الاختصاص ثم بعد ذلك انتقل هذا الأمر إلى دول أمريكا اللاتينية ثم تحول إلى أوروبا عقب الحرب العالمية الأولى، بعد ذلك انتشرت موجة القضاء الدستوري لتشمل مجموع دول العالم، حيث أطلق البعض اسم القانون الدستوري للحريات على ذلك القانون الذي ينظم العلاقات بين الدولة ومؤسساتها والأفراد ويسند للمواطنين عددا من الحقوق والحريات الأساسية. والرقابة القضائية هي رقابة لاحقة لإصدار القانون والعمل به، تمارس من قبل جهات قضائية مختصة، وإن الجهة المختصة بالرقابة على دستورية القوانين في العراق هي المحكمة الاتحادية العليا، وهذا استناداُ لنص المادة "91/ أولاً" من الدستور العراقي، إذ نصت على "تختص المحكمة الاتحادية العليا بما يأتي: أولاً الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة" أما مصر فإن المحكمة الدستورية العليا أنشأت بالقانون رقم 48 لسنة 1979. هي الجهة المختصة بالرقابة على دستورية القوانين وهذا ما نصت عليه المادة "175" من الدستور المصري بقولها "تتولى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح، وتتولى تفسير النصوص التشريعية...."، ومن الدول التي أخذت أيضاً بهذا النوع من الرقابة سويسرا وأسبانيا وفرنسا.
و إذا أصاب الفساد البرلمان نتيجة الصراعات السياسية و الحزبية فإن الرقابة تعتبر هي الوسيلة الأخيرة للأفراد في الدفاع عن حقوقهم، على عكس الحكم الدكتاتوري القائم على حكم الفرد حيث تنعدم هذه الضمانات فتتعرض حقوق الإنسان إلى أبشع الانتهاكات ويتم خرق أحكام الدستور وخرق التدرج القانوني، فتكون الدولة بلا قانون ويسود الظلم وعدم المساواة وعدم احترام القانون، و يؤكد معظم فقهاء القانون الدستوري على أهمية مبدأ الرقابة على دستورية القوانين، لذلك يلاحظ أن دساتير بعض الدول تنص صراحة على بطلان القوانين التي تخالفها، وهذا يعني أيضاً بطلان القانون المخالف للدستور حتى في حالة عدم النص في الدستور على ذلك،و هذا البطلان يعتبر نتيجة حتمية لفكرة الدستور الجامد الذي لا يمكن للقوانين العادية أن تعدله، فإذا أصدرت السلطة التشريعية قانونا يخالف مبدأً أو نصاً دستورياً في دستور جامد، فإن السلطة التشريعية تكون بذلك قد تجاوزت اختصاصاتها و يصبح ما أقدمت عليه باطلاً لمخالفته الدستور دون الحاجة إلى النص على ذلك البطلان في صلب الدستور.
لقد تم تسجيل الحقوق الأساسية للمواطنين في الدستور، ولا يحق لكائن من كان، أن يعتدي على حرمة الحقوق الأساسية للآخرين، حتى ولو كان فرداً من أفراد عائلته. يتمتع بالحقوق أي إنسان, بدون علاقة بالميزات الخاصة به التي تميزه عن الأشخاص الآخرين. وفي وثيقة الحقوق الفرنسية تم التطرق إلى موضوع حقوق الإنسان والمواطن من نقطة الانطلاق لوجود حقوق عامة تُمتلك لأي إنسان, أيا كان, في كونه إنسانًا (الحق في العيش مثلا). إن الحقوق الأساسية تخص كل الناس كافةً. لا يجوز لأي قانون آخر أن تتناقض نصوصه مع نصوص قوانين الدستور. إن سن قوانين الدستور أو تعديلها أو إلغاءها قد جُعلت عملية أصعب في التنفيذ مما هي عليه في القوانين العادية الأخرى. تحتوي قوانين الدستور على قائمة بالحقوق الأساسية للمواطنين، وهي حقوق تخص بالتحديد الفرد.ومنها على سبيل المثال حرية التجمع وعقد الإجتماعات. لا يصح التعامل مع أي شخص - بأي شكل من الأشكال - على أنه في مرتبة مختلفة عن أي شحص آخر، أعلى أو أدنى - على سبيل المثال - بناءً على أساس الجنس أو السن أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العاهة أو لأي سبب آخر يستند إلى حال أو أوصاف الشخص بشكل عام. يحق لكل إنسان أن يتمتع بالحرية والحرمة (الحصانة) والأمن الشخصي. ولا يحق لأي شخص كان أن يقوم بالإعتداء على هذه الحقوق والحرمات، حتى لو كان هذا الشخص من أفراد عائلته أو من الناس الآخرين المقربين إليه. يحق للمواطنين أن يكونوا أحراراً في التحرك في أراضي الوطن، وأن يكونوا أحراراً في إختيار محل إقامتهم. يحق للمواطن أن يحتفظ بسرية حياته الشخصية وحرمة بيته الخاص، كما يكفل الدستور أيضاً حماية الممتلكات الشخصية لكل فرد.
إن المقصود بحقوق الإنسان - أولاً وقبل كل شئ - هي تلك الحقوق المضمونة في إتفاقيات حقوق الإنسان الدولية. فحقوق الإنسان جزء لا يتجزأ من الحقوق الدولية (القانون الدولي). ثم تسجيل حقوق المواطنين الأساسية بدورها في قوانين ودساتير الدول المختلفة. فهي جزء من القوانين والتشريعات الخاصة الداخلية في كل دولة على حدة. ترتكز كثير من إتفاقيات حقوق الإنسان في أساسها على إعلان حقوق الإنسان الصادر من منظمة الأمم المتحدة، وترتبط أحكام هذه الإتفاقيات بمحاربة التمييز والتهميش وكل معاملة من شأنها أن تمس بكرامة الإنسان.
يلاحظ بأن النص على حقوق الإنسان في الدستور يعد أحد الوسائل التي تؤدي إلى ضمان حقوق الإنسان وتعمل على عدم انتهاكها، إذ إن النص على هذه الحقوق في الدستور يعني إن هذه الحقوق مبادئ دستورية وطنية يجب على كافة السلطات في الدولة احترامها، وقد جاء النص على حقوق الإنسان وحرياته الأساسية في الباب الثاني من الدستور العراقي لسنة 2005 تحت عنوان "الحقوق والحريات."
ومن خلال ما تقدم يمكن القول، بأن النص على حقوق الإنسان وحرياته الأساسية في الدستور يعد من الضمانات المهمة، والسبب في ذلك يرجع إلى عدم إمكانية إصدار أي قانون أو تعليمات تتعارض مع أي حق من حقوق الإنسان المنصوص عليها في الدستور، وهذا ما نص عليه الدستور العراقي لسنة 2005، إذ نص في المادة "2/ب" على "لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور.
#ماجد_احمد_الزاملي (هاشتاغ)
Majid_Ahmad_Alzamli#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟