|
المشروع الاسلامي في مصر ... فشل للنظرية و التطبيق معا
احمد الكناني
الحوار المتمدن-العدد: 4149 - 2013 / 7 / 10 - 09:29
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الاسلام السياسي في مصر نظَر له ثمانين عاما او يزيدون و حكم عدَة الشهور اثنا عشر شهرا و سقط خلال ساعات هذه الدراما الغريبة تثير سحابا من التساؤلات حول مدارات من الزيف و الوهن تحيط بمجموعة من الرؤى يحسبها اصحابها انها تستند الى تشريعات سماوية خالدة و صالحة لادارة المجتمعات ، لكن هذه النظرية ذات الخمسة و الثمانين عاما لم تصمد اثناء التطبيق كثيرا ، و اوقف العمل بها بعد عام واحد فقط . لقد انهارت ملهمة الاسلام السياسي في العالم اجمع و بمنتهى السرعة على يد الجيش المصري امتثالا لارادة قطاعات واسعة من شعب مصر زادوا على ثلاثة و ثلاثين مليون نسمة هتفوا برحيل الجماعة . وقد اجمع المهتمون بالشان المصري على ان التخبط الكبير في السياسة الخارجية ، و الانقسام و الفوضى داخل المجتمع المصري، مضافا الى استمرارية التراجع في اداء الاقتصاد، تشكل خطايا جسام تتحمل اوزارها جماعة الاخوان ككل، نتيجة لاحكامهم القبضة على السلطة التشريعية بمجلسيها الشعب و الشورى و على السلطة التنفيذية متمثلة بالرئيس و مستشاريه . في هذا المقال ساتحفظ على مناقشة اسباب انهيار الجماعة كتحفظي على ترجيح صحة اي من الافتراضات المتبناة من قبل اطراف الشارع المصري من انه انقلاب على الشرعية او تصحيح لمسار الثورة او انها ثورة ثانية و ربيع عربي جديد او هي عودة لمصر الى ما قبل الثورة ، رغم ان دلالات الواقع تشير الى ظهور بوادر حراك قوى اليسار و اللبرالية ضد الاسلامين لاعادة هيكلة الربيع العربي من جديد ، هذه المؤشرات بالامكان استشمام رائحتها من تونس الخضراء هذه الايام . ما يعنيني هنا هو تراجيديا نهاية فصول اسطورة جماعة الاخوان المسلمين، و ما ستخلفه من تداعيات على حكومات الاسلام السياسي في المنطقة التي بدت متوجسة لما اصاب حكومة الاخوان المخيبة لامالهم ، و القادم سينبئنا بما هو اعظم عندما تتكشف عورات ولاة الدين والرعية من قادة الاخوان امام شعب مصر مما يؤثر سلبا على قادة دول الربيع ممن هم متحدون مع الاخوان في السلوك و المنهج . لكن المحللين يعتقدون بان انتكاسة جماعة الاخوان المسلمين لا تعني نهاية الاسلام السياسي ، فهم على صواب في ذلك و عقيدتي ايضا ان هؤلاء باقون كقوة مؤثرة في الشعوب ، نعم سيخفت وهج تنظيراتهم و تقل وتيرة جموحهم الاستبدادي، لكنهم باقون ، و الدلائل على ذلك ستاتي ... المهم هو الواقع المعاش الذي افصح عن فشل و هزيمة نكراء للحكومة الدينية برئاسة ملهمة التيار الاسلامي جماعة الاخوان بشقها السياسي الممثل بحزب الحرية و العدالة و من وراءه فطاحل التنظير الذين ملاءوا الدنيا ضجيجا لخمسة و ثمانين عاما ، اعتلوا خلالها المنابر و تعالت اصواتهم عبر السنين و سودوا صحائف الكتب بالتنظير للحكومة الاسلامية و الدعوة الى تحكيم شريعة الاسلام رافعين شعار " و من لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون " . و قد نجحوا بتفوق في الهام كل الحركات الاسلامية في شرق الارض وغربها بافكارهم حول قيادة الاسلام للحياة السياسية ، ليس على مستوى التنظيرفحسب و انما وصلت نتوءاتهم الى سدة الحكم بالفعل كبدائل للدكتاتوريات المخلوعة من قبل شعوبهم بزعم انهم فوق الشبهات و انهم الاكفاء في ادارة الحكم ، معتمدين اساليب المراوغة في الجمع بين مفاهيم الدولة الحديثة و بين ما يعتقدون من مفاهيم مستنبطة من الشريعة الاسلامية "بحسب فهمهم للنصوص " تنتمي تلك النصوص الى حقبة ما قبل الدولة الحديثة ، اذ لا توجد هناك ثمة سنخية بين مفاهيم الدولة المدنية الحديثة و بين المفاهيم الاسلامية للحاكمية ، و الموجود هو التضاد و التنافر الظاهر بينهما . و محاولات التزاوج بين المفاهيم المتنافرة من قبل دعاة الاسلام السياسي معناه انقسام المجتمع على ذاته ، و هي احدى اهم الاشكاليات التي تواجه الحكومة الدينية بقول مطلق . فأما ان يصاغ دستور الحكومة الدينية بالمفاهيم الاسلامية في مجال ادارة الدولة على اساس تجربة حكومة النبي (ص) و دولة الخلافة الراشدة و العمل بمقتضاها، و يعتمد الاسلام كدين رسمي للبلاد و الشريعة الاسلامية هي المصدر الوحيد للتشريعات ، و يكون ولاء ابناء البلد لله و للدين ، وبانتماءهم هذا الى زمرة المسلمين يكون لهم ما لهم و عليهم ما عليهم من الحقوق و الواجبات ، و غير المسلمين ممن يعيشوا في كنفهم تحكمهم العهود و المواثيق . اوالعمل بمقتضى الدولة المدنية الحديثة اذ لا دين رسمي حاكم في البلد ولا شريعة دينية تعتمد كمصدر للتشريعات ، و الولاء يكون للوطن، و حق المواطنة هو الحاكم من دون التمييز على اساس الدين او العرق. و مفهوم الولاء للوطن او للدين مفردة واحدة ضمن منظومة متكاملة للحكومة المدنية او الدينية ، و الخلط بينهما يعد تحايلا و تلاعبا على الشعوب . و هذه المسألة بالذات اعني المواطنة و الانتماء للوطن و رفض الانتماءات الدينية و المذهبية تشكل اهم المعضلات التي تواجه الاسلام السياسي ، و قد اثبت الاخوان فشلهم الذريع في تحقيقه ، و انما سعوا حثيثا الى اخونة المجتمع و جعله حاضنة المذهب السني ، بأعطائهم الضوء الاخضر للسلفيين ليتجاهروا علنا من خلال المنابر و الفضائيات و الحكم بكفر الخارج عن مذهب السنة و الجماعة من اتباع المذاهب الاخرى ، في سابقة لم تشهدها مصر من قبل على الاطلاق . و اتساءل هنا اي دولة مدنية هذه تسحل فيها الجثث في الشوارع نتيجة اعتناقهم مذهب لا ينتمي الى مذهب السنة و الجماعة من قبل اناس مسلمين قدرت اعدادهم بما يزيدون على الاف و بمرأى و مسمع من الجهات الامنية و سكوت مطبق من قبل حكومة الاخوان . و اقول بكل ثقة ان طول فترة حكومة الاسلام السياسي تتناسب مع طريقة التحايل على مفاهيم الدولة المدنية ، فكلما اتقنت لعبة التحايل كلما طال امد الحكم و العكس صحيح ايضا . وهذا ما فشل الاخوان في تحقيقه ايضا رغم دعواتهم الكاذبة حول تطبيق الدولة المدنية التي اطلقها مرسي في خطاباته الاولى كرئيس لمصر. وهو السر في استمرارية حكومة الاسلام السياسي في ايران الى هذه اللحظة . و الا بالله عليكم كيف يمكن التوافق بين حاكمية الولي الفقيه مع حاكمية الشعب التي هي احدى اهم مفردات الدولة الحديثة ، مع ان حاكمية احدهما تنفي حاكمية الاخر ، و كلاهما منصوص عليه في الدستور الايراني. و التوافق بينهما حاصل بتبني مبدأ الانتخابات و تفعيل حاكمية الشعب لكن بشرط امضاءها و اقرارها من قبل الولي الفقيه ، و بذلك صححوا التوافق بين مبدأ ولاية الفقيه و مبدأ حاكمية الشعب. و الادهى من كل ذلك و الامر ان فقهاء الاسلام السياسي يطالبون بالحق الالهي في الحاكمية ، و انهم مفوضون من قبل الاله في تسيير امور الناس لانهم الاصلح و الاكف ، و ما على الناس الا السمع و الطاعة . لكن هذا النوع من الحكم ذكرته الكتب السماوية فيما تضمنته قصص الانبياء اوالملوك من الحق الالهي في الحكم و بحسب المقاييس التي يختارها الاله للناس لا ما يختارونه لانفسهم ... حدث ذلك مع طالوت عندما نصب ملكا ولم يؤت سعة من المال كما اراد الناس ، لكن الله اصطفاه عليهم و زاده بسطة في العلم و الجسم . و حدث مع سليمان و داود عندما جمع الله لهم النبوة والملك .. وحشر لسليمان جنوده من الانس و من الجن من يعمل بين يديه و الطير و الجبال و الريح غدوها شهر و رواحها شهر ... و لم يحدث ذلك مع نبي الاسلام فيما نقل عنه الكتاب الكريم من انه حكم بالحق الالهي . " قل لا اقول لكم عندي خزائن الله و لا اعلم الغيب و لا اقول لكم اني ملك ان اتبع الا ما يوحى الي ... " و حكومته في المدينة كانت مستمدة من المجتمع ذاته و بحسب الاساليب المتبعة و المالوفة عندهم ، و ما جاء في نص الوثيقة التي كتبها النبي لم يخرج عن تلك الاساليب و التي حددت العلاقة بين القبائل في المدينة من مسلمين و يهود من جهة و بينهم و بين المشركين من جهة اخرى على شكل عقد اجتماعي انضوت تحته كل الاطراف رغم عدم التجانس بينهم ، و الجدير بذكره هنا ان الوثيقة جاءت نتيجة نقاشات مطولة و توافقات من كل الاطراف مسلمة كانت او يهودية للحفاظ على مصالح الجميع ضمن اطار مجتمع المدينة الجديد . و ارجاع الخلافات الى مرجعية النبي للبت فيها ليس من باب الحكم بالحق الالهي باعتباره رسول الله و انما هو امر قد اتفقوا عليه و اثبتوه كبند من بنود الوثيقة . و كذلك حكومة الخلافة الراشدة لم تشهد الحق الالهي قط ، و انما استمدوا شرعيتهم في الحكم من البيعة و شورى اهل الحل و العقد ، بما فيهم الامام علي القائل : فأن بيعتي لا تكون خفيا و لا تكون الا عن رضا المسلمين وفي ملأ و جماعة . و عليه فالدولة الدينية اعني حكومة الحق الالهي لا وجود لها فيما ورثناه من تجربة النبي و الخلفاء في الحكم .. نعم هي موجودة في مخيلة بعض المرجعيات الدينية تصورا منهم انهم يقوموا بدور النيابة عن الله و رسوله ، و هذا يعطيهم الحق في الحكم و من دون رادع من احد ، لان الراد عليهم راد على النبي و الرد على النبي رد على الله و هو كحد الشرك بالله ، و قد بينت اكذوبة مثل هكذا تصور في مقال سابق نشر على موقع المثقف بعنوان" المرجعيات الدينية ..المنشأ و المستند". و الحكم بالشكل الذي يستند الى المؤسسة الدينية بأي نحو كان هذا الاتكاء سواء بشخص الفقيه كما في ايران او حكم الجماعة الاسلامية كما هو الحال مع الاخوان المسلمين ، مع قشور من مسميات الديمقراطية يعتبرشكل هجين و مأله الى الزوال عندما تعي الشعوب حقيقة الامر كما حدث مع شعب مصر الابي .
#احمد_الكناني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
-
ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على النايل سات لمتابعة الأغاني
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|