نبيل حاجي نائف
الحوار المتمدن-العدد: 4148 - 2013 / 7 / 9 - 10:48
المحور:
الطب , والعلوم
التفكير
لقد عرف أحدهم التفكير بأنه سلسلة من العمليات العقلية ( أو المعالجة ) التي يقوم بها الدماغ عندما يتعرض لمثيرات استقبلها من الحواس , والتفكير بمعناه الأوسع هو عملية بحث عن معنى الأوضاع والمثيرات التي يتعرض لها الفرد , وقد يكون المعنى ظاهراً حيناً , وغامضاً حيناً آخر ويتطلب للتوصل إليه معالجة مكونات تلك الأوضاع .
إن دماغنا أهم أعضاؤنا وأكثرها تعقيداً وهو وراء كل عملياتنا الحياتية , سواء أكانت حركات بسيطة كتحريك مفصل في الأصبع أو حركات معقدة مثل المشي والسباحة وقيادة السيارة أو الكتابة والقراءة .. , أو كانت أعمال كالوعي والتفكير والتذكر والكلام والتعلم والخلق والابداع ,أو كانت أحاسيس ومشاعر وكافة العواطف والانفعالات, فهو الذي يولد اللذة والألم والسعادة أو الشقاء , فهو الذي يتضمن ذات ووعي كل منا .
ففيه تجمع المعلومات عن المحيط وما فيه , وعن حالة الجسم الداخلية, بواسطة واردات مستقبلات حسية – الحواس- التي تستجيب للمؤثرات الميكانيكية والضوئية والحرارية والكيميائية – نظر وسمع ولمس وذوق وشم .... – وتحولها إلى نبضات عصبية كهربائية ترسلها إلى الدماغ , الذي يقوم بتفسيرها وتصنيفها وتقييمها , وتخزين مضامينها ومعانيها , لكي يستخدمها في الحفاظ على الجسم وتحقيق حاجاته ودوافعه .
" يمكننا أن نتتبع نشوء العقل ( أو المعالجات الفكرية ) من أبسط الكائنات العضوية المفكرة والتي تمتلك ألياف عصبية إلى أعقد تلك الكائنات وهو الإنسان . ويمكننا أيضاً أن نصنع آلات تمتلك الكثير من السمات والخصائص المادية لمثل تلك الكائنات المفكرة البسيطة . وهكذا يبدو أن الكثير من جوانب العقل الإنساني لها أساس مادي محدد . وهناك جوانب من العقل لا نستطيع بعد تفسيرها تماماً من خلال البناء المادي , ولكن الثورة العقلية لا تزال في المهد .
إننا نعتبر أن الوعي والإدراك هما أساس مفهوم العقل أو التفكير , وهذا ما حجب عنا أساس مفهوم التفكير ، فالإدراك والوعي والفهم , هم المراحل المتقدمة جداً من المعالجات الفكرية للأحاسيس .
إن التعرف يتضمن التمييز, وللتمييز لا بد من المقارنة, لذا فالتعرف ليس عملية بسيطة وهو الأساس الذي يبنى عليه كل تفكير . والتعرف بالنسبة للعقل البشري يتم ببناء الهويات أو المفاهيم التي ترمز الأشياء التي تم التعرف عليها . وبناء على ذلك يمكن أن نعتبر كل بنية تقوم بالتعرف هي بنية تستطيع أن تفكر إذا قامت بمعالجة ما تعرفت عليه لكي تحقق أوضاعاً محددة . وهذا التعريف للتفكير يسمح لنا بتصنيف الكثير من البنيات على أنها تقوم بالتفكير.
ومن هذا المنظور يمكن اعتبار حتى البنيات الاجتماعية هي بنيات مفكرة مثلما وحيدات الخلية هي بنيات مفكرة .
ويمكن إرجاع كل تفكير مهما كان متطوراً ومعقداَ يمكن إرجاعه إلى أسسه , وإذا أخذنا التفكير البشري كمثال فإننا نجد أنه يعتمد بشكل أساسي على البنيات اللغوية الفكرية ومعالجتها ( وهوأيضاً يفكر بدون الاعتماد على اللغة ), والتي يمكن إرجاعها إلى البنيات الفكرية العصبية والتي بدورها يمكن إرجاعها إلى البنيات الفزيولوجية, والتي ترجع إلى البنيات الكيميائية التي ترجع إلى البنيات الفيزيائية .
إن أساس التفكير في رأيي هو القدرة على التعامل مع الخيارات والتحكم بها لتحقيق هدف معين . وهذا ما جعل الكثير من البنيات هي بنيات مفكرة . فبنية الحياة ، وكذلك بنية كل كائن حي حيوان أو نبات , والبنيات الاجتماعية , والكومبيوتر , وغيرها هي بنيات تتعامل مع الخيارات وتحقق هدفاً معين . فهي تفكر .
و للكائنات الحية عناصر وآليات متعددة للتفكير غير العناصر والآليات العصبية , فهي تعتمد العناصر الفيزيائية والكيميائية والفزيولوجية والأعضاء والأجهزة, وآليات متنوعة في التعامل مع الخيارات المتاحة للوصول إلى الأوضاع المستقرة والمناسبة لنموها واستمرارها(مثل جهاز أو أجهزة الحماية والمناعة_أجهزة التغذية والهضم والتمثل_أجهزة التكاثر والتزاوج_....), ويكون أغلبها موجوداً عند الأحياء البسيطة و القديمة ولا يعتمد على الجهاز العصبي أو على الأحاسيس وإذا اعتمد على جهاز عصبي فهو يكون جهازاً بسيطاً , ويجب أن ننتبه كما قلنا إلى أن الجهاز العصبي يعتمد في عمله على العناصر والآليات الفيزيائية والكيميائية أيضاً.
التفكير البشري
إن التفكير البشري هو تعامل فكري مع الخيارات المتاحة يستبق التعامل الواقعي معها , وهذا ما يميز التخطيط البشري عن تخطيط الكائنات الحية الأخرى , فتخطيط تلك البنيات يجري بالتعامل مع الخيارات المادية الموجودة , حسب البرنامج الوراثي الموضوع , ودون استباق المستقبل بشكل فكري .
فالكائنات الحية البسيطة تعتمد على العناصر والقوى الفيزيائية والكيميائية والحيوية الموجودة . وإن كان هناك الذاكرة فكرية محدودة , ولا تتوقع أو تتنبأ للمستقبل , إلا حسب عوامل وراثية محدودة , وإن حدث وقامت بعض الكائنات الحية بمشاريع مستقبلية , فيكون هذا مبرمج فزيولوجياً وعصبياً وليس فكرياً وبشكل واع مثل الإنسان .
وهذا هو الفرق الأساسي والهام جداً بين تفكيرنا وتفكير غالبية الكائنات الحية الأخرى , وهذا ما عرفه وشعر به كل من فكر في هذا الموضوع , فنحن نفكر ونتعامل مع الوجود بطريقة مختلفة عن باقي الموجودات لأننا نستخدم البنيات الفكرية اللغوية التنبؤية ( السببية واستباق المستقبل ) وخصائصها الفريدة في التعامل مع الخيارات .
إن هذا الفرق الهام جداً هو ما يميزنا عن باقي الكائنات الحية وباقي بنيات الوجود الأخرى , فنحن نتعامل مع الخيارات في زمن مفتوح ( نسبياً ) , ماض و حاضر ومستقبل , أما باقي البنيات الحية فتتعامل مع الخيارات المتاحة لها في زمن الماضي والحاضر فقط ولا تستطيع استباق الحاضر إلى المستقبل في تعاملها مع الخيارات ( إلا بشكل غريزي وراثي محدود ) .
فاللغة والتخطيط الفكري , والسببية المتطورة هو ما يميز تفكيرنا عن باقي بنيات الوجود , فنحن فقط نستطيع أن نختار الخيار الأنسب من بين مجموعة خيارات متاحة لنا , وذلك بالاعتماد على أفضليتها المستقبلية وليس الحالية , وذلك باستعمال البنيات الفكرية اللغوية "التنبؤية " المتطورة العالية الدقة . وكلما كانت دقتها أعلى كان تخطيطنا أكثر فاعلية في تحقيق أهدافنا الموضوعة .
التفكير البشري والتفكير بشكل عام
إن التعامل مع الخيارات من أجل اختيار المناسب , هو أساس التفكير , يتم بناءً على أحد الطرق التالية:
1 _ بناءً على تأثير البنيات الخارجية على البنية المتعاملة مع الخيارات, أي أن الخيارات تكون مفروضة مباشرة على البنية, والتفاعلات بين البنيات الفيزيائية مثال على ذلك: النهر عندما يشكل مساره أو مجراه فهو يشكله حسب العناصر والقوى أو التأثيرات - أي الخيارات الفيزيائية- التي تحدث له.
2-بناءً على تأثير البنيات الخارجية ولكن بعد مرورها بمعالجة بسيطة أو معقدة, أي أن تأثير الخيارات يكون غير مباشر ويخضع لتعديل وتغيير حسب المعالجة التي يخضع لها , وأعقد أنواع المعالجات هي التي تتم في العقل البشري . ومن هذا المنظور نجد أن التفكير لم يعد مقتصراً على الإنسان أو الحيوان فهو موجود لدى بعض البنيات, فهو حادثة طبيعية منتشرة لدى بعض البنيات , ولكن الفرق الآخر و الهام بين التفكير البشري و الحيوانات المتطورة من جهة , و تفكير باقي البنيات المفكرة الأخرى من جهة ثانية هو وجود الإحساس أو الشعور المترافق مع التفكير والمتفاعل معه في نفس الوقت, وهذا الإحساس يصبح لدى الإنسان على شكل وعي متطور واسع . ويتشكل أيضاً وعي جماعي .
إن هذاالتوضيح للتفكير البشري يسٌهل فهمه , ويساعد في التعامل معه لبناء معارف عالية الدقة , وبالتالي يسهل التعامل مع الأوضاع لتحقيق الأهداف والدوافع .
فإذا اعتبرنا أن التفكير هو التعامل مع الخيارات المتاحة واختيار المناسب (أي معالجتها كما في الكومبيوتر) بناءً على طرق وآليات معتمدة سابقاً وذلك للوصول إلى أوضاع محددة سلفاً .
وإذا جعلنا الأحاسيس والإدراكات والوعي هي مرافقة للتفكير وليست من أساس التفكير فهي مستقلة عنه ولكنها مساعدة , فإننا نجد أن الكائنات الحية الأولية- وحيدة الخلية- تفكر ولكن بعناصر وآليات فزيولوجية و كيميائية . وأن هناك الكثير من البنيات تفكر فتعالج الخيارات المتاحة وتختار وتصحح وتعود وتختار للوصول للأنسب لها .
ووجدنا أن التفكير ليس مرتبطاً بالجهاز العصبي فقط كما يظن أغلبنا, فنحن نربط التفكير بالأحاسيس والانفعالات والمعالجات الفكرية المنطقية مع أن كل منهم له عناصره وآلياته الخاصة به , لكنهم يعملون معاً , وهذا يجعل نتائج عملهم معقدة متشابكة ويصعب فهمها . فيجب تحليل ناتج عملهم لكي يتوضح لنا عمل كل منهم .
وكل تفكير يعتمد التعرف والذاكرة , ولكي يتم التعرف لا بد أولاً من التأثر بالمراد التعرف عليه , ثم لا بد من الاحتفاظ – الذاكرة- , وتصنيف هذه التأثرات , وذلك بالاعتماد على تمييز تأثيرات كل منها على الآخر , وهذا يتم بمقارنتها مع بعضها لتمييز الفرو قات بينها . فالتعرف يتضمن التمييز , وللتمييز لا بد من المقارنة , لذا فالتعرف ليس عملية بسيطة وهو الأساس الذي يبنى عليه كل تفكير - أو المعالجة الفكرية- .
والتعرف بالنسبة للعقل البشري يتم ببناء الهويات أو المفاهيم التي ترمز الأشياء التي تم التعرف عليها, وبناء على ذلك يمكن أن نعتبر كل بنية تقوم بالتعرف هي بنية تستطيع أن تفكر إذا قامت بمعالجة ما تعرفت عليه لكي تحقق أوضاعاً محددة , وهذا التعريف للتفكير يسمح لنا بتصنيف الكثير من البنيات على أنها تقوم بالتفكير.
ومن هذا المنظور يمكن اعتبار حتى البنيات الاجتماعية هي بنيات مفكرة مثلما وحيدات الخلية هي بنيات مفكرة .
ويمكن إرجاع كل تفكير مهما كان متطوراً ومعقداَ , سواء كان هو أو البنيات التي تقوم بهذا التفكير , يمكن إرجاعه إلى أسسه الفيزيائية .
وإذا أخذنا التفكير البشري كمثال فإننا نجد أنه يعتمد بشكل أساسي على البنيات اللغوية الفكرية ومعالجتها , والتي يمكن إرجاعها إلى البنيات الفكرية العصبية والتي بدورها يمكن إرجاعها إلى البنيات الفزيولوجية, والتي ترجع إلى البنيات الكيميائية التي ترجع إلى البنيات الفيزيائية. و تتفاعل البنيات اللغوية مع البنيات الاجتماعية عبر الناس الذين يستعملونها وهذا يعقد الوضع كثيراً.
#نبيل_حاجي_نائف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟