في الطريق الى بغــداد (5)
- 9 -
( من يعرف يروي ومن لا يعرف يروي أيضاً
عجيب أمر هذا العالم )
الرسالة التي أرسلها مام جلال الى جريدة الاتحاد "
ولا أقول وجه بها ( . . . ) " لأن الجريدة مختبر الثقافة من بريد القراء الى
الافتتاحية، والقائد السياسي يحاور الجريدة لا يوجهها فهي كاشفة ثقافية وهو مستثمر
سياسي . . عليه لم تكن رسالته المعنونة الى جريدته الحزبية،
" والصحافة الحزبية يحتمل القائمون عليها التوجيه
خصوصاً في المناخات العالم ثالثية . ." الرسالة إعلان عن ضرورة رفع الأقنعة في
مواجهة المطلب العراقي . . العراقي بالتغيير الكلي للنظام الغرائبي والضرورة هنا
تتوالد فيها التفاصيل، تفاصيل الطموح وتفاصيل المعوقات وفي التفصيلين تتوضح رغبة
النظام الذليل بالبقاء ورغبة الإنسان العراقي بالخلاص . . أوراق النظام في
التنازلات وأوراق الإنسان العراقي في قواه السياسية والثقافية ( المنتجة للغة
الخلاص). .
لا نتفاجأ إذا أقدم
النظام مثلاً على خطوة تتجاوز اللامركزية الإدارية والفيدرالية أيضاً الى إقامة
دولة كردية في كردستان العراق الممتد بخطوط العرض والطول المحمية دولياً ومن شأن
هكذا خطوة كما يتصور وبغباء وذهنية قومية وعشائرية القيادة تشتيت وحدة الطموح
العراقي المعارض، وهنا وضوح مام جلال أمام كل احتمالات التنازل الرخيص فعراق
المستقبل كما تقول الرسالة ليس عراق الغالبية ولا الأقلية انه عراق الإنسان المتعدد
الثقافات، فالطموح السياسي بعراق ديمقراطي فيدرالي أو لا مركزي الإدارة أو ما يتفق
عليه السياسيون الفاعلون لمرحلة الانتقال الى صناديق الاقتراع بشقيها الوطني
والمناطقي، والديمقراطية ممارسة ووقائع من أجلها يخلع المر جبته للصلاة على قارعة
الطريق . . ففضاء الحرية يتكفل بوصول الأدعية الى الحقول . . ويتكفل ايضاً بإبقاء
لغة الأحلام مصدر قوة للذين لا يغادرون الجبل ( . . . ) في يوم تُمتحن فيه
الاختيارات ولا يغادرون الوقائع لأنها مصدر الديمقراطية.
وفي رسالة مام جلال الى جريدته كشْف عن أخطاء ثقافية
في الممارسة الثقافية للجريدة " منبر ثقافة الحزب " . ز وهنا مصيبة الشافهة حيث
تتحول الى ممارسة ثقافية فيتفرد السياسي بالمكتوب ( . . . ) ويصبح المثقف ( مجرد
كلام ) . . ولعل الصديق من بعيد جاسم المطير والعدو في ترديده بيان المثقفين
الكويتيين قد نبّه الصديق عباس البدري "مدير تحرير الاتحاد" الى تلك الشفاهة بطريقة
ساخرة ومؤثرة فعباس الذي يعشق " أو هكذا يدعي " قوت الأرض لأندريه جيد وهو المهجّر
الى إيران بصفته ( تبعية ) "كما يدعي النظام عليه" . . ان يكون الكاتب وليس المتلقي
وان يكون المصدر ، مصدر رسالة مام جلال وليس معبرها . . فطموح التغيير الكلي لنظام
هجّر وقتل ونفى الأعداد بالملايين لا يحتمل الطموحات الضيقة . . فإذا كانت
الديمقراطية ممارسة للوقائع فالحرية فضاء قد يتوهم بعضهم الدخول الى كواكبها عبر
المسموح . . والمسموح جدار لا تربطه بقوت الأرض علاقة المكتوب بل علاقة الشفاهة
وجبتها تركمانية، عربية، آشورية أو كردية.
العراق للفرد وللجماعة ولا غالبية ولا أقلية إلا في صناديق
الاقتراع التي هبتها دائمة دوام الدورة الدموية للأحرار، دوام فضاء الحرية ودوام
الوقائع مصدر الديمقراطية . .
هكذا
تُخـلع الجبّة ونقرأ الطموح المكتوب بعيداً عن الشفاهة ( . . . )
- 10 -
إن السوء يبلغ أقصاه حين تكون الطريق الى بغداد بهذا اليسر
والمعارضة عاجزة عن السير في تضاريسها وشعابها المعروفة ( . . . ) فأمام تنازلات
النظام وتكتيكه الطفيلي ينبغي على المعارضة قولاً وعملاً صياغة برنامج التغيير
الكلي للنظام وأقولها للمرة الألف التغيير الكلي للنظام وردم مجاريه التي خرّجت
سادة الوضاعة الذين يزجُّ بهم النظام هذه الأيام في عربة تكتيكه الهزيلة محاولاً
استثمار الخلل الواضح في أداء المعارضة وبياناتها الصارخة وحروفها المغبرة . . كأن
مياه الوجود والحداثة لم تمنحها فرصة الاغتسال من التكرار الرتيب . . ولأن الطريق
سالكة ولأن المعارضة عاجزة عن صناعة فعل الوصول ( . . .) نشط النظام بل فتح مجاريه
مسنوداً من الأعراب ونصائحهم مستثمراً كل لغة الشماتة ينطقها مرة حسين نصرالله الذي
احترمنا استشهاد ولده ولم يحترم الشيعة . . شيعة العراق الذين لا يخلو أي بيت من
بيوتهم من شهيد أو ضحية . . كتبنا وتبرعنا للسيد حسين نصرالله ولم ننتقد القيادة
الميدانية الإيرانية لحزبه ولا الإدارة المخابراتية السورية لسياسته ولم ننتقد حسن
نصرالله لإدمانه الخضوع لضابط الارتباط (المندوب السامي السوري) غازي كنعان ولم نقل
بأن السيد وحزبه ورقة ليس لها صلة فعلية بلبنان بل بحراس الثورة الإيرانية
ومخابراتها وبالإدارة السورية ومخابراتها . . لم ننطق بذلك في أي يوم من الأيام
فكيف لحسن نصرالله ومن أين جاء بهذه المعنويات الإرشادية لشيعة العراق وهم من خرّجت
مدارسهم من علّم حسن نصرالله المفردات وهم الذين لا يحيدون عن نصرة المظلوم وعن
مقاومة الظالم وهذه أبلغ الوصايا وأرفعها عند شيعة العراق . . لم يتبق للسيد إلا
سَوق الشهداء الى محاكمة لإعدامهم ثانية وهذه المرّة على يده وليس على يد صدام حسين
( . . . )
أما السادة من مدراء
عامين سابقين غزوا المعارضة ولم يتم إخضاع غزوهم لسؤال التعارض الحقيقي مع نظام
ساهموا في صناعة مفردات تعامله الخلقي إذ تتجسد النذالة بصور جديدة على تاريخ هذه
المفردة . . والسياسي حيث الشذوذ عن كل قواعد هذه العلم والتاريخي إذ يموت النهر
فتنعدم أهمية الضفاف . . هؤلاء من وفيق السامرائي الى القادة الأشاوس الى سعد
البزاز يحق لهم مغادرة المعارضة التي دخلوها كما يدخلون الى بيت خالتهم ولهم الحق
بمغادرة هذا البيت السهل الدخول والعودة الى رحم النظام إذ يتغذون من حليب لغته
ويعودون الى الخدمة الرائعة في القتل والتزوير، في هتك أعراض الناس وفي التسلية
بقطع الأعضاء التناسلية وفي صنع معارض للعيون والأنوف والألسن . .
أما الرفيعي الذي لم أسمع بإسمه من قبل وحتى لا نسيء
الى العائلة الرفيعية كربلائية كانت أو نجفية فسأمنحه لقب " السحيلي " لتسهيل مهمة
وصوله الى بغداد واللحاق بموكب الإنجازات الصدامية العظيمة . . . انه نشاط النظام
وأوهامه حول أهمية انسحاب هؤلاء من معارضة لم يُحسبوا عليها ولن يُحسبوا وان دخلوا
الى تسمياتها السطحية . . فالمعارضة . . فم الطفل العراقي وأوجاع الأمومة العراقية
وهي اليقين على ملامح الراهن العراقي . . فإذا أصابها خللٌ وعجزتْ عن صناعة اللغة
السياسية المناسبة ينبغي على كل مَن يهمه إسقاط النظام وإقامة البديل الكلي أن يسعى
الى إعانتها في إصلاح الخلل وليس في استغلاله . . وكم هو محزن أن يكون باقر إبراهيم
( عضو المكتب السياسي السابق للحزب الشيوعي العراقي ) أحد هؤلاء الذين تنكروا
للشهداء والضحايا وصولاً الى العمر ( عمره وتجربته ) راح يغذي من جديد صلافة النظام
رغم إدراكه بأن رفاقه الذين سبقوه يوسف حمدان – ماجد عبدالرضا لم يحصدوا غير "سيارة
برازيلي" ومغلف الراتب الشهري أما نضالهم وتاريخهم فقد تم رميها تحت عجلات حامل
الأوامر من مراتب الأجهزة الأمنية والمخابراتية وهي أكثر من أن تعدها "السيد
عبدالأمير الركابي الذي قال عن نفسه مؤخراً انه شيعي ويساري وعربي أصيل ومن سوء حظه
انه يمتلك مواصفات تمكنه من تشكيل حكومة عراقية جديدة . . هكذا سيأتي عبدالأمير
بمركبة سحرية تمسح تاريخ النظام ودمويته بمواصفات شيعية يسارية وعربية أصيلة وكأن
ناظم كزار لم يكن شيعياً ولا يسارياً ولا عربياً أصيلاً . ." هكذا يروج عبدالأمير
لنفسه ويناشد من قناة الجزيرة والسيد الرئيس تحديداً ( . . . ) السير باتجاه
الديمقراطية . . لماذا لا يناشده تثبيت ما يروجه عن الوزارة ورئاستها . . ماذا يريد
عبدالأمير ؟
أعرف عبدالأمير الركابي
منذ العام 1978 بصفته الثقافية ككاتب ووجدته حميماً في علاقته يمتلك ذاكرة جيدة
وأتذكر كيف سرد حكايات التمرد الذي قادته القيادة المركزية في أهوار العراق . .
سرده على مسامع القاص حيدر حيدر الذي صنع منها روايته التي فاقت شهرتها أهميتها (
وليمة لأعشاب البحر ) وأعرف ان عبدالأمير مولع بتقاليده الجنوبية ويحب الغناء "
الشروكي " الأصيل . . ولا يبخل قلمه بكتابة المقال المتزن الذي يتمايز بلغة رشيقة
مدركة لمساحتها وذاهبة بدلالاتها الى حيث هدف الكتابة في صناعة الانحياز . . ومن
كتاباته التي أحتفظ بها " محمد مهدي الجواهري " و "آخر الصرخات في وادي العجائب "
والتي نشرناها حين أطلقنا مجلة الرصيف في بيروت عام 1981 ومقاله عن " حيدر صالح
والكلوشار " . .
هذا عبدالأمير
الركابي بوجهه الثقافي العاري والذي لا تقبل لغته الأقنعة . .
أما الوجه الآخر لعبدالأمير حيث تتعقد الصورة وتسوء،
فعبدالأمير لم يكن معارضاً للنظام بل كان همه وشغله معارضة الحزب الشيوعي العراقي
وعلى عبدالأمير الكثير من علامات الاستفهام التي جعلتني وغيري كلما فكرنا بسلوكية
عبدالأمير نحس بأننا خُدعنا ويدعم إحساسنا هذا الكثير من البيانات التي يروجها
عبدالأمير باسم اتحاد الطلبة العام أو بأسماء جديدة لأحزاب شيوعية وهمية " تعرفها
أجهزة النظام ( . . . ) ويعرفه الحزب الشيوعي ايضاً لكن شهرزاده لم تنطق بعد ( . .
. )" وهذا الوجه نقل المخفي الى العلانية في كتابته عن تشييع صدام وفي الترويج
لنفسه بأخذ مبادرة للمصالحة بين المعارضة والنظام وهي مهمة كبيرة ليس على عبدالأمير
بل على كل الذين يفكرون بإيجاد أي قاعدة للمصالحة مع نظام غرائبي يُدمن الجريمة
وطفيلي لا يتوانى عن استخدام كل الأوراق من أجل استمراره متحكماً بالبلاد والعباد
ومثل هذه المهمة تعوّد النظام وأجهزته خلقها والعمل عليها ( . . . )
وكتب عبدالأمير سيرة لرحلته الى عمان وبيروت بلغة
توضح ان الرجل بشخصيتين ولغتين، لغة الكاتب العاري ولغة الموظف في الأجهزة السرية
الذي كلّف نفسه بمهمة التلفيق المدوزن لها فمن مقابلاته التي صار يتباهى بها دون
خجل للحمارنة والمطايزة والمجالي وبن بيلاّ الى استغلاله الحوار مع السيد حسين فضل
الله الى مباركته البيانات التي توقع باسم " الكادر " والحزب الشيوعي براء منه . .
كل هذا في مهمة كان أسس لها برزان
التكريتي ووزع موظفيها على لندن وباريس . .
سأكتفي بهذا القدر البسيط من التفاصيل فلم يخطر ببالي الكتابة عنها
في موضوع الصناعات الهزيلة للنظام ( . . . )
الشاعر غيـــلان
31/10/2002