أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - ماجدة تامر - التجارة بالشباب والعمر الضائع















المزيد.....

التجارة بالشباب والعمر الضائع


ماجدة تامر

الحوار المتمدن-العدد: 1188 - 2005 / 5 / 5 - 13:15
المحور: حقوق الانسان
    


"ولد الإنسان حراً لكننا نراه مكبلاً بالأغلال في كل مكان"، هذه عبارة شهيرة للفيلسوف الفرنسي "جان جاك روسو".
فالحاجة البشرية أصبحت عنواناً لاستعباد الإنسان وحرمت عليه حريته الحقيقية ومنعته من أن يكون سيد نفسه في يوم من الأيام.
وعلى الرغم من أن البشرية قد تخلصت من الرق منذ سنوات ليست طويلة، إلا أنها استبدلته بعبودية أخرى هي عبودية العمل، حيث أصبح الناس مضطرين لبيع طاقة شغلهم لسادة جدد مقابل مبلغ من المال لابد منه لاستمرار الحياة.
وهكذا نجد أن العبودية لم تكن مجرد مرحلة في تاريخ البشرية أو ظاهرة تنتمي إلى المراحل البدائية من هذا التاريخ بل إنها استمرت بشكليها المباشر وغير المباشر حتى يومنا هذا.
فتجارة الكائنات البشرية في الأماكن العامة وفي وضح النهار أصبحت معروفة من قبل الجميع، ولنأخذ مثالاً على ذلك ظاهرة تشغيل الخادمات لدى بعض العائلات الثرية وبالأخص في العواصم الكبرى.

لقد اعتاد الناس على مشاهدة الخادمات كالسيريلنكيات والفيليبينيات وغيرهن على شرفات المنازل في تلك العواصم والبلدان وبالمقابل نادراً ما نصادفهن في الشوارع، وإن صدق ذلك فإن دورهن يقتصر فقط على حراسة الأولاد في المنازل التي يعملن فيها وكذلك يمكن مصادفتهن وهن يلقين بأكياس القمامة في الحاويات الخاصة.

الخادمات الشابات موجودات حتى في العديد من منازل ذوي الدخل المحدود أساتذة، تجار صغار.. بغية التخفيف من الأعباء المنزلية، وإذا كان عدد قليل منهن يتمتعن بشيء من الاحترام والحرية النسبية من قبل الأسر اللاتي يعملن عندها، إلا أن الأغلبية منهن يعاملن بشكل مشين.
لقد بدأت تجارة الخادمات القادمات من سيريلنكا ثم من إثيوبيا والفيليبين والهند ومدغشقر، عبر مكاتب خاصة قائمة الآن في بعض البلدان حيث يذهب مندوبو هذه المكاتب إلى هناك ويتعاقدون مع هؤلاء الشابات في موطنهن الأصلي وذلك بتوقيع عقود الاستخدام الخاصة و باللغة الإنجليزية أولاً.
ولا يمكن لهؤلاء المستخدمات أن يتصورن بأن هذه العقود لن تصبح نافذة المفعول فيما بعد، فالعقد شيء والواقع شيء آخر وبشروط بالغة القسوة وقد تصل من 2000 إلى 3000 دولار أو أكثر للخادمة الواحدة .
ينحصر عمل هذه المكاتب بصورة خاصة بكل ما يتعلق بالأوراق اللازمة وببطاقة الطائرة وكلفتها والحصول على الفيزا المطلوبة، وكذلك بإبرام عقد ثان هذه المرة مع رب العمل يذكر فيه موعد وصول الطائرة التي تقل الخادمة، وعندما تضع قدماها على أرض المطار يصادر جواز سفرها من قبل رب العمل الذي ستعمل عنده من دون أن تعلم، ويبقى هذا الجواز رهناً عنده لحين انتهاء مدة العقد.
إن هؤلاء الخادمات اللواتي يتمتعن بسقط لا بأس به من العلم والثقافة وربما بمسحة من الجمال ويتطلعن بتفاؤل إلى الحياة، قد تركن أهلهن وعائلاتهن وربما أزواجهن وأولادهن في حالة من الفقر المدقع بغية تحسين مستواهن المعاشي، فهن يتصورن بأن هناك عملاً مناسباً وبأجور معقولة مقارنة بحالة الحرمان في بلادهن الأصلية.
ولكن للأسف لا يلبث هذا العمل الجديد أن يصدمهن ويحطمهن فلا يوجد أي راحة في عملهن على الإطلاق ، حيث لا يسمح لهن بأن يخرجن يوم لوحدهن للراحة أو الاستجمام من عناء التعب إلا في المهمات المحددة لهن فقط ، كما لا يسمح لهن بالتحدث مع أقرانهن.

أسيرات ومعاملة سيئة :

الأجر مبدئياً يصل إلى 100 دولار أمريكي في الشهر، تسلم إلى الخادمة في أحسن الحالات وأحياناً تسلم هذه الأجور السنوية إلى صاحب المكتب حال توقيع العقد معه، وإذا توصل عبيد هذا العصر الحديث إلى إرسال قسم من أجورهن إلى أقاربهن فإن هذا لن يتم قبل مضي بعض الوقت، ذلك أن أجور الأشهر الأولى من العمل تذهب لإيفاء الديون المترتبة على بطاقة الطائرة ورسوم أخرى بعد وصولهن إلى مكان العمل.

وفيما يتعلق بالمنامة فإن قليلاً من هؤلاء الخادمات تحصل على غرفة نوم لوحدها، الكثيرات منهن ينمن على سجادة في صالون المنزل بعد أن تنام العائلة أو على طاولة مطبخ البيت أو على لوحة خشبية صنعت خصيصاً لهذه الغاية، وعند غياب العائلة من البيت تبقى الخادمة فيه ويغلق عليها الباب جيداً وأحياناً يمكن إعارتها إلى عائلة أخرى قريبة وبصورة مؤقتة.
ويضاف إلى هذه الشروط القاسية المشتركة التي تطبق على الآلاف من الخادمات الاحتقار والشتائم والتهديدات وأحياناً الضرب، وإهمال المرضى منهن وأحياناً وقوع حالات الاغتصاب والاعتداء عليهن.

وعندما يجدن أنفسهن حاملات من قبل أرباب العمل عندئذ يرغمن على دفع أجور التوليد أو الإجهاض.
تنشر الصحافة التابعة لهذه البلدان يومياً الإعلانات الخاصة عن خادمات مفقودات أو هاربات دون أن يمتلكن أية دراهم أو جواز سفر ودون أصدقاء أو معارف، هدفهن الوحيد الوصول إلى سفاراتهن طلباً للمساعدة والعودة إلى بلادهن الأصلية.

ولكن سرعان ما تعمل سفاراتهن ما بوسعها على إعادتهن إلى أرباب عملهن إلا أنهن يقعن من جديد في الفخ يحث يعمد رب العمل إلى استغلالهن أكثر.
وهناك الكثيرات منهن يمكثن في السجون لمدة طويلة بعد أن تلحق بهن التهم الكاذبة من قبل أرباب الأعمال.
وإذا ما توصلت إحداهن إلى تقديم شكوى إلى السلطات المسؤولة في تلك البلاد فإنها تذهب أدراج الرياح ولا قيمة لها فليس هناك أي قانون عمل يحمي هؤلاء العاملات الآسيويات أو الإفريقيات.

وتجرى لهن الفحوصات الطبية المطلوبة خوفاً من انتشار الأمراض المعدية كالسل والإيدز والملاريا واليرقان وما شابه. لا خوفاً عليهن بقدر ما هو خوف على أسيادهن.
ويذكر في العقد أنه إذا ما تعرضت الخادمة إلى الضرب أو التعذيب أو التحرش الجنسي فإن العقد يصبح لاغيا.
ولكن كيف يمكن لهذه الخادمة المسكينة أن تتقدم بشكواها هذه سواء بالحضور إلى السلطات المختصة أو هاتفياً طالما أنها محرومة من الخروج لوحدها.
ولكن مهما يكن وحتى في حالة إثبات شكواها فليس هناك أي تعويض ممكن لهذه الضحية، وقد تجد نفسها مع بطاقتها الجوية فقط للعودة إلى بلدها الأصلي وبالمقابل يحصل مكتب التوظيف على تعويضات من قبل رب العمل المعتدي.

قانون الصمت وترويض الخادمات :

وهناك مكاتب توظيف عديدة تنصح علناً وبصورة طبيعية زبائنها باللجوء إلى ترويض الخادمات إن بدا منهن أي تمرد أو مخالفات.
المحامية المدافعة عن حقوق الإنسان السيدة "ميريل عبد الساتر" تستنكر ذلك، وتعرف العديد من الحالات التي تحصل فيها هذه الإجراءات عند إعادة هؤلاء الخادمات إلى مكاتب التوظيف. ولا يتردد آخرون من سجن بعضهن في غرف مظلمة وتعذيبهن.
هذا هو قانون الصمت أو القبول ضمنياً في عصرنا الحديث بهذا النوع من تجارة الرقيق والذي لا يذكر اسمه صراحة.
وهكذا تذهب أعمار تلك الشابات أدراج الرياح يبعن ويشترين كالأنعام أو كالبضائع ويعاملن كالآلات وكأنهن مجردات من الأحاسيس والمشاعر ومن رغبتهن في أن يعشن حياتهن بكرامة وإنسانية أكثر دون خوف من أحد ودون أسر لحريتهن التي هي أغلى شيء في هذه الحياة.



#ماجدة_تامر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحركة العمالية ... المقدمات والآفاق
- المرتزقة : جنود الثروة
- البرامج التجسسية الجديدة للاستخبارت الامريكية
- الصين : القوة الآسيوية الاولى
- اوروبا أمام مشكلات الهجرة
- لماذا تعتبر اوروبا مهد الحداثة ؟
- - الادارة الامريكية الجديدة و- تأليه القوة
- التحديات الجديدة للأوروبيين
- آراء حول تعريف الامبراطورية الجديدة
- أزمة المجتمعات الحديثة
- تحديات المنتدى الاجتماعي العالمي
- نحو عالم آخر ممكن
- إشكاليات المجتمع المدني


المزيد.....




- منظمة التعاون الإسلامي ترحب بإصدار المحكمة الجنائية الدولية ...
- البنتاجون: نرفض مذكرتي المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتني ...
- الأونروا: 91% من سكان غزة يواجهون احتماليات عالية من مستويات ...
- الإطار التنسيقي العراقي يرحب بقرار الجنائية الدولية اعتقال ن ...
- وزير الدفاع الإيطالي: سيتعين علينا اعتقال نتنياهو وغالانت لأ ...
- قرار الجنائية الدولية.. كيف سيؤثر أمر الاعتقال على نتانياهو؟ ...
- أول تعليق للبنتاغون على أمر الجنائية الدولية باعتقال نتانياه ...
- كولومبيا عن قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو وج ...
- تتحجج بها إسرائيل للتهرب من أمر اعتقال نتنياهو.. من هي بيتي ...
- وزير الدفاع الإيطالي يكشف موقف بلاده من أمر اعتقال نتنياهو


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - ماجدة تامر - التجارة بالشباب والعمر الضائع