أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - جهاد علاونه - فشلوا في تربيتي















المزيد.....

فشلوا في تربيتي


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 4146 - 2013 / 7 / 7 - 22:34
المحور: سيرة ذاتية
    


فشل الجميع في تربيتي,فلم يربيني لا عمٌ ولا خال ولا أمٌ ولا أبُ ,وربيت نفسي بنفسي ولم أتعلم لا في المدارس ولا في الجامعات وثقفتُ نفسي بنفسي ذلك أنني أميل إلى المزاجية في كل شيء ,ومزاجي في التعليم يختلف عن مزاج باقي الناس,ولم أشعر طوال حياتي بالندم على الذين فشلوا في تعليمي وتربيتي وتثقيفي,ولم أشعر أمام الناس بالخجل من كون أبي فشل في تربيتي,بل أنا سعيد جدا بفشل الجميع بتربيتي تربية تقليدية وسر ثقافتي تكمن في فشل الجميع في تربيتي,فكبرى المدارس التربوية لم تُفلح في تربيتي, والشارع العام الذي يقال عنه بأنه يُربي الأطفال وأبن الجيران وأصحاب الطفولة كلهم فشلوا في تربيتي ولم يفز منهم أحد بهذا الشرف العظيم في تربيتي,وغادرت التعليم منذ المرحلة الإعدادية أي أنني غادرت المدرسة وأنا في الصف الثالث الإعدادي لذلك لم أتعلم من المدرسة شيئا ولم أدخل الجامعات للدراسة وقرأتُ على نفسي ورسمت لنفسي خطة دراسية,وقرأتُ وحدي كبرى النظريات العلمية في التربية وأساليب التربية والتدريس الحديثة وبصراحة لم يعجبن أحد لذلك أنا وحدي يعتبرني بعض الخبراء مدرسةً في التنوير مستقلة بحد ذاتها وكأنني مؤسسة ثقافية أو مؤسسة أكاديمية,فأبي فشل فشلا ذريعا ,وأمي فشلت في تربيتي,وجيراني والمسجد وشيخ الجامع كلهم فشلوا في تربيتي,وأنا أمامكم رجل غير مُربى هكذا فشلت في حياتي كلها ولم يعرف أي أحد من الناس طريقة لتربيتي.

ويغضب بعض الناس إذا قيل لهم أنتم غير متربين,وربما يزداد بعض الناس غضبا لمجرد سماعه مثل هذه الكلمة أما أنا فلا أغضب منها وأعترف بأنني غير متربي لا من أُمي ولا من أبي ولا من أي مصدر آخر من الممكن أن نحصل منه على مصادر التربية وتعلمها وتعليمها ونشر ثقافة التربية والوقوف في وجه صعوبات التعلم,فكل الذين عرفتهم فشلوا جدا في تربيتي,مات أبي وأنا في الصف المدرسي الخامس الابتدائي ولم يتمكن وقتها من تربيتي تربية صالحة كما يُربّى معظم الأولاد,أعترف الآن بأنني عشتُ طوال حياتي ولدا غير مُتربي,حتى أمي فشلت في تربيتي لأنها كانت تعمل في وظيفة حكومية وكانت تخرج من البيت مبكرا وتعود مساء لتطبخ لنا الطعام ولم يكن لديها وقت لتربيتي تربية حقيقية,لذلك أنا ولد(مش مُربى) نهائيا,وعجز التاريخ عن تربيتي حتى الفلاسفة الذين أحببتهم فشل معظمهم في تربيتي وحتى الشعراء والأدباء كلهم فشلوا في تربيتي ولهذا السبب خرجتُ من الأرض وحدي وقد شققتها شقا,خرجتُ نقيا من الشوائب مستقلا برأيي وبفكري,لأنني هكذا نشأتُ جامحا ومحبا للتهور وللضياع وللمتاهات الطويلة والبعيدة المدى,فأينما وجدت مكانا لا توجد فيه أنظمة وقوانين مرعية يطيب لي المقام فيه فنشأت غير محب للضبط وللربط,ولم أفلح بدخول العسكرية كباقي الشباب المحيطين بي لذلك لم أتعلم النظام طوال حياتي علما أنني غير فوضوي ولو تعلمت النظام لنشأت فوضويا فالذي يسميه البعض نظاما لا يمكن لي أن أعترف فيه بأنه نظام بل هو فوضة وفوضوية ,وحتى هذه اللحظة ما زلت أنسانا فوضويا غير ملتزم بأي نظام داخل البيت ما عدى حبي الشديد للنهوض من النوم مبكرا جدا قبل بزوغ الفجر, والنوم مبكرا جدا بعد العشاء مباشرة.

لم يفلح أبي بتربيتي أو أنه لم يعطه الله وقتا إضافيا لذلك ولم يكتب لي الله أن أنشأ متربيا جدا على يد أبي أو عمي,أما جدتي فقد كانت تعترف لي بأنني مُتربي جدا وخلوقٌ جدا ذلك أنني لم أكن أُعصي لها أمرا.

وعليه فقد لجأت إلى الكتب الدينية لتربيتي فقرأت المذاهب الأربعة للشريعة الإسلامية وعرفتُ أوجه الاختلاف بينها ولكن للأسف لم يعجبنِ منها ولا أي مذهب,فتعلمت وثقفتُ نفسي بنفسي لعلي أخلقُ لنفسي مذهبا جديدا وقرأت كبرى المدارس الفلسفية والأدبية وتعمقت بقراءة الفلسفة وبقراءة النظريات الاجتماعية وحفظت أشعار العرب وحياة الشعراء وقرأت الروايات الروسية والأمريكية والأدب البوليسي ولكن للأسف لم يفلح أي مذهب بتربيتي فما زلت على نفس الحالة التي تركني أبي عليها قلقاً خائفا حذرا مدمنا على الخوف وعلى الإرهاب ومن النادر جدا أن أشعر بنعمة الأمن والأمان الدائمين ولهذا أبتعد في أغلب الأحيان عن أماكن تواجد الناس وأميل إلى العزلة قليلا وأحيانا أكون متناقضا مع نفسي حيث أحب الناس وأحب الجلوس معهم في الحارات وعلى أبواب الدكاكين وصالونات الحلاقة حيث ترتاح نفسي أحيانا فأسمع أخبار الناس وأعرف من مات منهم ومن الذي طاب ورُدت إليه روحه بعد نزاع طويل مع الموت ومع الألم ومع الكبرياء,إنها حياة موحشة جدا ومدهشة جدا تغتالنا في أجمل اللحظات وتجعلنا غير منسجمين حتى مع أنفسنا ومع كل هذا أجد نفسي بين الفينة والأخرى محبا للحياة ومحبا للتغيير ,وحاولت دائما أن أكون صريحا مع نفسي ومع ذاتي وأن أعيد النظر في مسألة تربيتي من جديد فافشل مرة أخرى في العودة إلى الطفولة وتلقي الأوامر من هذا ومن ذاك,وعلى كل حال سيأتي يومٌ عليّ أجد فيه من يربيني ويعلمني التربية من جديد.

وأحيانا وهذا مؤكد فعلا أطمئن جدا على نفسي وأكتشف بأن فشل الجميع في تربيتي كان من صالحي وفي مصلحتي لذلك نشأت حرا غير مستعبدٍ لأحد ونشأت في هذه الحياة غير ملتزم مع أي مذهب لذلك كل الذين فشلوا في تربيتي أشكرهم جدا جدا ومن أعماق قلبي,فكون الجميع فشلوا في تربيتي فهذا بحد ذاته يعتبر لرجلٍ مثلي نجاحٌ كبير جدا لأنني خسرت المذاهب كلها والمدارس كلها وخسرتُ كبرى نظريات علم النفس التربوية وربحتُ نفسي فنشأت مثل السيف فردا لا يجاريني أحد في أسلوبي.

فلو نجح أبي وعاش وقتا إضافيا لتربيتي لَما كنت ذلك الولد المتمرد, فمن الممكن أن يضربني ضربا مبرحا من أجل إخضاعي لدين الآباء والأجداد ولكن ورثت عن أبي وجدي بالفطرة السليمة حب الشعر وحب الأدب بكل صنوفه أما من ناحية التربية التقليدية فقد مات جدي ومن ثم مات أبي ونشأتُ كما ترونني ولدا هرب من المدرسة وهرب من نظريات التربية الحديثة والتقليدية,تماما مثل المرأة الحسناء التي تهرب من كاميرات التصوير ولوحات الفنانين,ولو نجحتْ بعض المذاهب الأخرى في تربيتي لكان الوضع مزريا جدا ولفقدتُ هويتي الشخصية فهويتي الشخصية لا تنتسبُ إلى أحد ولا تمت بصلة إلى أي أحد ولا إلى أي مدرسة,لو رباني أحد لَما وجدتموني اليوم مستقلا برأيي.



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكفار هم خير أمة أخرجت للناس
- نحن أكذب أمة عرفها التاريخ
- خوفي وقلقي
- أيهما أفضل المواطن المسلم أم المُلحد؟
- حقيقة الدين الإسلامي
- بين الأمس واليوم
- نحن
- عصر التنوير
- السحر الحقيقي
- بوذا والتخلص من الرغبات
- نفحات مسيحية
- العودة للتراث
- نحن أمةٌ مجرمة
- وسخ الدنيا
- من الذي سيصلح الأرض,المسيح أم المفكرون؟
- العرب الفراعنة
- دراسة نقدية عن رواية القط الذي علمني الطيران
- لماذا كان المسيح كثير البكاء؟
- اليهود والعصفور
- أين تذهب ثرواتنا الوطنية؟


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - جهاد علاونه - فشلوا في تربيتي