|
النقيض الاسلامي الكلي للديمقراطية!
مالوم ابو رغيف
الحوار المتمدن-العدد: 4146 - 2013 / 7 / 7 - 00:22
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
اذا كانت الشعوب تناضل من اجل الديمقراطية وحقوق الانسان والعدالة الاجتماعية، فكيف لنا ان نفسر بان الديمقراطية وبدلا من ان تكون حلا للمشاكل والصراعات السياسة، تكون هي نفسها المشكلة، كما في العراق وفي مصر وفي تونس.؟ واذا كانت الانظمة في الدول الغربية انظمة مستقرة سياسيا واجتماعيا بفضل الديمقراطية، فلماذا عدم الاستقرار الذي تشهده البلدان في الشرق الاوسط بعد ان اختارت الطريق الديمقراطي للوصول الى السلطة.؟ سنشير اولا الى ان الانظمة الديمقراطية في الدول الغربية لا تقتصر على الديمقراطية السياسية، اي تلك التي يسمح فيها تشكيل الاحزاب والمنظمات والجمعيات السياسية والمهنية والمدنية وتضمن الوصول الى السلطة عبر آلياتها القانونية والدستورية المختلفة، انما تشمل ايضا الديمقراطية الاجتماعية، ونعني بها منظومة الثقافات والعلاقات التي تربط الافراد مع بعضهم وتربطهم مع المجتمع والمبنية على المساواة والاحترام والمحمية بقوانين، مثل المساواة بين المراة والرجل، والمساواة بين الطوائف المكونة للشعب، واحترام حق الانسان في اختيار دينه وعقيدته وميوله الجنسية وارائه السياسية، ودعم الدولة لكافة الفعاليات الاجتماعية والثقافية، ومعاقبة اي اجبار مهما كان نوعه، اكان اجبارا ثقافيا او اجتماعيا او دينيا او شرطويا. ان اخلاق المجتمع في هذه البلدان تستند على وعي جماعي بما يجيزه وما يحضره القانون وليس على ما يحرمه الدين وتمنعه العقائد. الديمقراطية الاجتماعية هي اساس نجاح الديمقراطية السياسية، اذ ان المجتمعات التي تحكمها علاقات عدم المساواة، كما هو الحال في المجتمعات الاسلامية، حيث القوانين العادات والتقاليد والالتزامات الدينية تكون مثل جدران لمعتقل شاسع لا يسمح للافراد بتجاوزه، انها مثل انظمة السجون التي على النزلاء التقيد بها قسرا. ان منظومة الاخلاق والقيم الاسلامية تمثل الانا العليا{ المجتمع} حيث تفرض قوانينها وسيطرتها وقيمها على الـ {هو}الانسان الفرد فلا يبقى له من حرية الاختيار الا عاداته السرية. ان هذا التناقض بين قيم المجتمع المتزمت اخلاقيا حتى وان كانت لا تظهر على السطح، تعكس حالة النفاق الموجودة في المجتمعات الاسلامية. ان ذلك يعني ان مجمل الاختيارات لا تتم بمعزل عن تاثير هذه القيم التي تشكل المرجعية الاساسية اللاشعورية للافراد. الديمقراطية ستكون فاشلة ان لم تعمل على هدم منظومة الاخلاق والاعراف الموروثة من النظام الشمولي الدكتاتوري والذي يشكل الدين احد ابنيته الفوقية، اذ ان هذه المنظومة الموروثة ستكون العامل المعرقل لنجاح اي تجربة، وبدون هدمها ولو تدرجيا، ستكون الديمقراطية مظهرية، شكلية خالية من جوهرها التحرري. اذا جاز لنا ان نصف الديمقراطية بـ اللعبة، فان الدستور يمثل قواعد اللعب الاساسية التي لا يجب الخروج عنها اطلاقا. من ناحية اخرى يكون الدستور بمثابة الاب والام للقوانين التي تسن وفق قواعده، انه بالنسبة للقوانين، مثل الله للمؤمنين يفرض شروطه وعليهم الالتزام والطاعة. لذلك لا يجب ان يكون للدستور اب اخر غير مبادئ حقوق الانسان العالمية، غير المبادئ الديمقراطية الانسانية، غير النظر الى الانسان كانسان مجرد دون اعتبارات الدين واللغة والقومية والجنس واللون والميول. لا يجب ان يكون الله وصيا على الدستور، اذ ان الله نفسه يحكم من خلال وكلاء، والحقيقة ان رجال الدين لم يعدوا وكلاء، لقد حجروا على الله واصبحوا اوصياء عليه. عندما يكون الدستور متسقا يخلو من مطبات الدين والاخلاق فان التنافس الانتخابي يجري خارج ميادين الصراع الطائفي والاخلاقي. الفائز في الانتخابات هو ومنتخبوه، سوف لن يكون على طرفي نقيض مع الخاسر ومنتخبيه، سيكون في منطقة الحياد لا يسمح له بالميل نحو جهة ما، سيكون ملتزما بنفس نظام وقوانين ودستور الخاسر وجماهيره، ما يميزه عن الخاسر هو خططه حول البناء الاقتصادي والضرائبي والاصلاحي والوعود التي يقطعها على نفسه والتي تذكره فيها الصحافة وتكون رقيبا دائما عليه. في انتخابات بلدان الشرق الاوسط، يكون الرابح، فيها هو النقيض الكلي للخاسر ومنتخبيه، سوف لن يكون حالة حياد، انما حالة احتلال، حالة انحياز، حالة لفرض الامر الواقع المضاد، ان فوزه يعني لغير المتعاطفين معه قضاء وقدرا يسعى الجميع للتخلص من بلائه. سيكون نقيضا طائفيا ودينيا واسلاميا للمعسكر الاخر. الديمقراطية قد تكون صراعا بين الاحزاب، لكنها لا يجب ان تكون صراعا بين الناس كما في البلدان العربية. وبما ان جميع الاحزاب الاسلامية، وبدون اي استثناء، هي لملوم لمشاريع اخلاقية وطائفية وقوانين لا تؤمن بالتساوي ولا بالعدالة الاجتماعية، فالارزاق من الله، وغير المسلمين هم من اهل الذمة والعلمانين كفرة، وتعادي كل من يختلف معها بالرأي والسياسة، فانها وفي حالة فوزها تخلق حالة من الصراع والتناقض الاجتماعي والطائفي والاحتباس التحرري الذي يؤدي الى امراض اجتماعية خطيرة مثل تلك التي نراها تنتشر في المجتمعات عند وصول الاحزاب الاسلامية الى سدة الحكم. وذا كانت الديمقراطية تفترض وصول الاصلح او الافضل وفق اختيارات الناس، والذي سوف لن يكون مختلفا حتى عن الذين لم ينتخبوه كثيراـ اختلاف سياسي فقط وليس اختلاف اخلاقي، فان في حالة وصول النقيض الكلي، اي النقيض السياسي والاجتماعي والطائفي والديني والاخلاقي، فان ذلك يضع مشروعية خضوع الملايين الذين لم ينتخبوه والذين يتناقضون معه كليا ايضا في حيرة من التساؤل والصراع الفكري. فهو سيكون وصيا عليهم وليس مكلفا منهم، خاصة اذا كانت نسبة فوزه مقاربة لنسبة الخاسر، مثل نسبة محمد مرسي الذي فاز بـفرق واحد بالمئة على المرشح المنافس. الديمقراطية تكليف وليس وصاية كما يضنها الاسلاميون. من هنا اقول، ان اشراك الاحزاب الاسلامية في الانتخابات يعني تدهور وضياع الاوطان وعدم استقرارها.
#مالوم_ابو_رغيف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثورة المصرية: التناقض بين الديمقراطية وبين الاسلام السياسي
-
مع الدكتور جعفر المظفر: هل يخلع حسن نصر صاحبه مثلما يخلع الخ
...
-
السعار الاسلامي في مصر ونموذج الثورة السورية
-
اللهم اعز الاسلام بصوت المغنية احلام
-
سوريا: ثورة ام حرب اجرامية؟!
-
القرضاوي في اخر مراحله
-
القواعد اللاتي لا يرجون نكاحا
-
البحث عن جثة صحابي
-
الاسلاميون اذا دخلوا ثورة افسدوها!!
-
الدول الغربية ترفع شعار الاسلام هو الحل.
-
دولة الاغلبية الشيعية!!
-
عراق بلا دين عراق افضل، عراق اقوى واجمل.
-
مهمات الشيوعيون العرب
-
نظم الاخلاق الدينية وتناقضاتها مع القيم الانسانية
-
فوضى الحرية
-
التثقيف الاسلامي من اهم عوامل التحرش الجنسي
-
لماذا لم تحدث الثورة في البلدان الرأسمالية لحد الآن؟
-
من اخطاء الرفيق النمري: عدم التفريق بين الطبقة وبين ايدلوجيت
...
-
من اخطاء الرفيق فؤاد النمري: البرجوازية الوضيعة! 1-2
-
الاسلام الحاكم والاسلام المعارض ومهمات اليسار في العراق
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|