أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - العدالة الانتقالية: عفو مستتر أم آلة انتقام؟















المزيد.....

العدالة الانتقالية: عفو مستتر أم آلة انتقام؟


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 4145 - 2013 / 7 / 6 - 14:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


العدالة الانتقالية: عفو مستتر أم آلة انتقام؟


تحتاج العدالة الانتقالية إلى ظهير سياسي واجتماعي واسع ممثلاً لأطياف فكرية ومجتمعية متنوّعة، لغرض تطبيقاتها. ومثل هذا الأمر يتطلّب أولاً وقبل كل شيء إرادة سياسية وقدرة على فرض هذه الإرادة طبقاً لحكم القانون، ومن ثم رغبة وسعياً من أجل تحقيق العدالة. وما بين العدالة والثأر فارق كبير، فقد تتحول بعض الإجراءات لمنع الإفلات من العقاب إلى انتقام وكيدية وأحكام مسبقة، ولكنها عند التراخي واللامبالاة قد تؤدي إلى «عفو مستتر»، وإلى «الامتناع» عن ملاحقة المرتكبين وإنزال العقاب بهم، وهذا يعني في ما يعنيه مساعدتهم على الإفلات من العقاب.
والهدف من اتّباع نظام العدالة الانتقالية هو الوصول إلى تحقيق المصالحة الوطنية وإحداث نوع من الانفراج السياسي والاجتماعي، سواء بعد احتلال بالوصول الى الاستقلال، أم بعد حرب أو نزاع مسلح وصولاً إلى السلام، أم بعد انهيار لنظام قانوني وقضائي وأمني وصولاً إلى استعادة السلم والنظام وحكم القانون، أم عند الانتقال من نظام شمولي استبدادي إلى نظام ذي توجه ديموقراطي تعددي.
وبهذا المعنى، العدالة الانتقالية سياق تاريخي تتميّز به تجارب البلدان المختلفة وإن كان بينها مشتركات، لكن لكل بلد خصوصيته، سواء بكشف الحقيقة أو المساءلة أو جبر الضرر أو تعويض الضحايا أو إصلاح النظام القانوني والقضائي والأمني.
العدالة الانتقالية أكبر من قدرة فرد أو مؤسسة أو جماعة أو حزب، وتحتاج إلى جهود جماعية ومشتركة، وإلى توافق سياسي واسع لمنع تكرار ما حصل ولوضع أسس مصالحة تاريخية في إطار حكم القانون ومبادئ العدالة، فضلاً عن إحياء الذاكرة.
لعلّ مبدأ التعويض أمر مهم جداً في إطار العدالة الانتقالية، لكنه من حيث تأثيره يبقى أضيق من جبر الضرر، فالأخير يشمل الإنصاف والعدالة ويتضمن تعويض الضحايا أو عوائلهم، ويتطلب تحقيق العدالة الانتقالية تأسيس لجان وطنية أو هيئات، لكشف الحقيقة والتقصّي عن الانتهاكات الجسيمة.
وهذه اللجان حسبما بينت تجارب العدالة الانتقالية لنحو 40 بلداً وعلى مدى العقود الماضية تشترك في العديد من الأمور منها:
1 - إنها لجان رسمية تنشأ في الغــالب بقــرار أو قانون أو اتفاق سلام بين الأطراف المتــنازعة أو في مرحلة التحوّل والانتقال، أو مرحلة انهيار النظام القانوني بفعل حرب أهلية ونزاع مسلح أو احتلال أو غير ذلك.
2 - إن مدّة هذه اللجان موقتة وهي تعمل خلال فترة زمنية محدّدة أي لبضع سنوات، وتنتهي بإصدار تقرير نهائي عن نتائج أعمالها.
3 - هذه اللجان تبحث في الانتهاكات الجسيمة التي وقعت خلال فترة محددة، وهي عادة لا تمتد إلى فترات زمنية موغلة في القِدم.
4 - إنها تبحث في إرث الانتهاكات الجسيمة من الأوضاع الناتجة منها، سواء تعلّق الأمر بالاعتقال التعسّفي أو الاختفاء القسري أو التعذيب أو غير ذلك.
5 - إن هذه اللجان ليست هيئات قضائية، على الرغم من الصلاحيات التي تمنح لبعض لجان تقصي الحقائق، مثل الاطلاع على السجّلات والوثائق الرسمية والأرشيف، ولها صلاحية استدعاء الأشخاص واستجوابهم.
6 - تصدر هذه اللجان تقارير ختامية بهدف تكون الذاكرة الجمعية والتاريخية للأحداث، لا سيّما الفترات التي وقعت خلالها انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة، وتحديد المسؤولية الفردية والجنائية وتقديم مقترحات للاصلاح المؤسسي القضائي والقانوني والأمني، لا سيّما البنية التشريعية لهذه المؤسسات.
7 - تدعو هذه اللجان عادة للتسامح والمصالحة ودعم وتطوير عملية الانتقال الديموقراطي، وغالباً ما تقوم لجان الحقيقة والمصالحة بالترويج لفكرة المصالحة التي جوهرها المصارحة والاعتراف بالارتكاب وطلب العفو أو المغفرة والاعتذار من الضحايا أو ذويهم، كوسيلة للتطهّر وإعادة الاعتبار للضحايا، وذلك بهدف تحقيق العدالة وردّ الاعتبار للضحايا معنوياً وجبر الضرر المادي والأدبي الذي وقع عليهم، وصولاً إلى قيم المساواة والمواطنة والعدالة.
أما بخصوص مسألة الإفلات من العقاب فهي واحدة من الاشكاليات التي تواجه نظام العدالة الانتقالية، ولعلّها الاشكالية الأكثر تعقيداً التي واجهتها البلدان التي لجأت إلى تطبيق مبادئ العدالة الانتقالية، ففي الارجنتين وعلى الرغم من انتهاء الحكم العسكري وإجراء انتخابات والبدء بعملية التحوّل إلى الحكم المدني، فإن مسألة الافلات من العقاب واجهت تحديات شديدة في ظل النظام الجديد، إذ إن كثيراً من المرتكبين لم يتم التعرّض لهم سواء على نحو مباشر أم غير مباشر، لأنه سيتعين حينئذ شموله عشرات الآلاف من الضباط وضباط الصف من القوات المسلحة والقوى الأمنية الذين تورطوا بأعمال غير قانونية. وكانت الارجنتين قد بدأت بملاحقة المرتكبين وتقديمهم إلى القضاء وإجراء محاكمات جنائية لهم، لكنها شعرت بجسامة المهمة وثقلها، وبالتالي انعكاساتها السلبية، فاضطرت إلى التراجع، لا سيّما في ظل التضامن المؤسسي بين الجيش والمتورطين في الانتهاكات. ومثل هذا الأمر لو استمر لكان قد أدى إلى تقويض المسار الديموقراطي الانتقالي برمته.
وكان ينبغي في التجربة العراقية على الرغم من عدم اكتمال إجراءات العدالة الانتقالية على الحالات التي طبقت عليها، أن تتبع هذا الطريق بدلاً من العقوبات الواسعة التي استخدمت وسيــلة للانتــقام طبــقاً لقــانون «اجتثاث البعث» وقانون المــساءلة والعدالة الذي أعقبه. وقد كشفت أحداث الحراك الشعبي في الأنبار والتي امتدت إلى نحو 6 محافظات عن شمول هذه الإجراءات عشرات الآلاف من المواطنين الذين حرموا من التقاعد أو العمل بسبب انتمائهم السياسي، وقد جرت إعادتهم أو إحالتهم على التقاعد بعد التدقيقات التي أجرتها لجنة متخصصة لبحث مطالب المحتجين.
أما تجربة جنوب أفريقيا فقد استندت إلى تسوية أقرب إلى الصفقة بين المؤسسة الأمنية في نظام «الأبرتايد» وبين الأغلبية السوداء، بحيث لا يتم بموجبها إيداع أفراد الأمن والقوات المسلّحة في السجن، وذلك عبر مفاوضات هيّأت للانتقال الديموقراطي السلمي.
وكانت التجربة التشيلية عبارة عن اتفاق بين السلطة العسكرية الحاكمة بقيادة بينوشيه والمعارضة، على إجراء انتخابات حرّة ونزيهة في إطار دستور ديموقراطي « مقبول» وجديد مقابل إبقاء بينوشيه على رأس المؤسسة العسكرية لعشر سنوات. وعشية ذلك أصدر الديكتاتور بينوشيه عفواً عن قادة الجيش وأجهزة الأمن المتهمين بالارتكابات، قبل استلام المدنيين السلطة، وذلك عند فوز المعارضة بالانتخابات، لا سيّما وقد جاء هذا الاتفاق بعد 15 عاماً من الصراع لم تتمكن المعارضة فيه من الإطاحة بالديكتاتورية وفي الوقت نفسه، لم تتمكن الديكتاتورية من القضاء على المعارضة.
وتختلف التجربة المغربية عن غيرها فقد كانت انتقالاً في إطار النظام الحاكم ذاته، واشترطت مسبقاً الامتناع عن ملاحقة الجناة قضائياً، كشرط أساسي لتأسيس هيئة «الانصاف والمصالحة»، وعملت على جبر الضرر والتعويض وإصلاح المؤسسة القانونية والقضائية والأمنية وإبقاء الذاكرة حيّة مع كشف الحقيقة والمساءلة.
ولعلّ من اشكاليات الافلات من العقاب، هو أن الأنظمة الجديدة تحاول تصفية الحسابات مع الأنظمة السابقة، وهو ما يواجه العدالة الانتقالية التي ستتحول إلى عدالة انتقامية أو إلى عدالة انتقائية عند تطبيقها على مجموعة وإهمالها إزاء أخرى لاعتبارات سياسية أو دينية أو طائفية، وإذا كان القصد التخلص من التركة السياسية، فالأمر لا بدّ له من الابتعاد عن الانتقام والثأر والكيدية، وهو ما يقود إلى عقوبات جماعية وتحميل المسؤولية الكاملة السياسية والأدبية لطرف محدد بحيث يتم إقصاؤه وملاحقة أفراده أو عزلهم وتهميشهم وإبعادهم من الوظائف العليا أو الحياة العامة.
ومثل هذه الإجراءات أخذت تثير جدلاً سياسياً ومجتمعياً بين أطراف جديدة، حول تحديد المسؤوليات لانطلاق المسار الديموقراطي، إضافة إلى ردود الأفعال الواسعة التي سببتها، فضلاً عن أنها لا تفضي إلى ما تطمح إليه العدالة الانتقالية من الوصول إلى المصالحة الوطنية، بل ستثير عدائية جديدة بحيث يتغذى المجتمع على أعمال عنف ومواجهات قد تهدّد السلم المجتمعي وقد تصل إلى تهديد الوحدة الوطنية. وإذا كان تطبيق مبادئ العدالة الانتــقالية ضـرورة لا غنى عنها في فترات الانتقــال فإن التمــييز ضــروري لكي لا تتحول إلى آلــة انتــقام، مثلــما لا ينبــغي أن تكــون عفواً مستتراً بحيث يُمَكِّن المرتكب من الافلات من العقاب.
وحتى يتم الوصول إلى حكم القانون والعودة إلى تحقيق مبادئ العدالة الجنائية المعروفة، فلا بدّ من الإقرار أن إجراءات العدالة الانتقالية هي استثنائية وموقتة وانتقالية ومحددة بزمن، أي انها غير مفتوحة. ولكن ذلك لا يعني إهمال العدالة الجنائية، وإنما إضافة إليها إعمال مبادئ قانونية وجنائية وسياسية لعدالة تعويضية واجتماعية واقتصادية، وهي معادلة صعبة دائما بين العدل والتشفي وبين العدل والثأر وبين العدل والعفو المستتر.

جريدة السفير اللبنانية العدد 12522 ، السبت 6/7/2013



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شرنقة الفصل السابع
- دبلوماسية حقوق الإنسان
- النهضة والمشروع النقدي
- الزيوغانيفية ولعبة الكراسي
- الاختفاء القسري قضية إنسانية
- بصمات الفوضى وإرث الاحتلال
- السويد والآذان !!
- عن العدالة الانتقالية
- الدستور مليء باختلالات وألغام انفجرت بعضها وستنفجر غيرها
- عن الكرد والنجف والثقافة
- الطائفية وانعكاسات الجغرافيا السياسية
- التفكير الديني وفقه المعرفة
- حكاية الحوار العربي- الكردي
- المثقف ونقد الثورة
- -إبادة- التعليم!
- بول وولفويتز ورسائله المثيرة
- حقوق الإنسان: سلاح ذو حدين
- بغداد عاصمة الثقافة العربية!!
- الثورة ومبادرة حكم القانون
- حلبجة ورائحة التفاح


المزيد.....




- بعد وصفه بـ-عابر للقارات-.. أمريكا تكشف نوع الصاروخ الذي أُط ...
- بوتين يُعلن نوع الصاروخ الذي أطلقته روسيا على دنيبرو الأوكرا ...
- مستشار رئيس غينيا بيساو أم محتال.. هل تعرضت حكومة شرق ليبيا ...
- كارثة في فلاديفوستوك: حافلة تسقط من من ارتفاع 12 متراً وتخلف ...
- ماذا تعرف عن الصاروخ الباليستي العابر للقارات؟ كييف تقول إن ...
- معظمها ليست عربية.. ما الدول الـ 124 التي تضع نتنياهو وغالان ...
- المؤتمر الأربعون لجمعية الصيارفة الآسيويين يلتئم في تايوان.. ...
- إطلاق نبيذ -بوجوليه نوفو- وسط احتفالات كبيرة في فرنسا وخارجه ...
- في ظل تزايد العنف في هاييتي.. روسيا والصين تعارضان تحويل جنو ...
- السعودية.. سقوط سيارة من أعلى جسر في الرياض و-المرور- يصدر ب ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - العدالة الانتقالية: عفو مستتر أم آلة انتقام؟