سامان كريم
الحوار المتمدن-العدد: 4145 - 2013 / 7 / 6 - 02:18
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تحقق هدف الاول للثورة وهي اساقط مرسي و نظامه (الاخواني), هذا بحد ذاته هدف مهم ليس لجماهير مصر بل للمنطقة بأجمعها. الحشود الجماهيرية الثورية المليونية التي ابهرت العالم كله, بنزولها الرائع الثوري في الشوارع والميادين والساحات المختلفة, كانت تصدح من حيث المحتوى للحرية والرفاهية و المساواة : "علشان البنزين, علشان الماء , علشان العمل, علشان الخبز, علشان الكهرباء.... " والحناجر التي تصدح للحريات الفردية والمدنية وحياة افضل... الحشود الجبارة هذه كانت مصممة ومصرة على تحقق اهدافها بالكامل.
المشكلة الكبرى في هذه الثورة هي ان لديها صاحبها و صاحبها هي جبهة الانقاذ البرجوازية التي هي اساسا ضد الثورة, "ثورتها" ضد مرسي فقط وحتى ليس ضد الاخوان كحركة سياسية اجتماعية, خلافها مع النظام الاخواني الاسلامي البرجوازي ليس حول تامين الخبز و ضمان البطالة وزيادة الحد الادنى من الاجور وتوفير الخدمات المدنية من الكهرباء والبنزين, والماء الصالح للشرب, خلافها مع مرسي ليس حول خنوع المصرين للبنك الدولي ... خلافها هو على كيفية ادارة البلد والنظام الرأسمالي وفق رؤيتها القومية و واليسارية القومية المفعمة بالليبرالية المصرية... كان خوف جبهة الانقاذ و كل القوى البرجوازية في المنطقة بما فيها الغرب وامريكا... هو تطور وتوسيع رقعة الثورة واستمرارها... كان الخوف من انفلات الامور من أيدهم وتطور الثورة الى ابعد من ذلك اي الى بزوغ الاعمال والسلطة الثورية في الاحياء السكنية و المعامل والمؤسسات الدولة, كان خوفهم من الطبقة العاملة وقيادتها وتحول هذه الطبقة الى قوة سياسية...
تم علاج هذا الامر بالجيش ودخول الجيش. كان الجيش منبوذاً, وحكم مصر في الفترة الانتقالية ما بعد مبارك سنة ونيف, وكان نظاما قمعيا, لا تمت صلة الى التمدن و مطالب ثورة يناير , بل ظهر وجهه الاستبدادي القبيح. الجيش كمؤسسة دفاعية للدفاع عن الرأسمال و "الوطن الرأسمالي" مؤسسة ضرورية لكافة التيارات البرجوازية سواء كان في المعارضة او في السلطة... هذه المؤسسة هي متلاصقة ومتلازمة للدولة الرأسمالية, وللدفاع عن بقاء النظام الرأسمالي. اذا كان الجيش جيشا عقائديا او ما يسمى بـ "جيش للوطن" وليس ميليشيات مختلفة مثل العراق, جمعت تحت سقف الجيش, سيكون مؤسسة ثابتة مثلها مثل الدولة وفق منظور الطبقة البرجوازية كطبقة وليس كتيارات مختلفة. مؤسسة الجيش ضرورة وجامع لكافة الحركات البرجوازية وقواها المختلفة, بمعنى اخر تمثل الوحدة البرجوازية كطبقة, للدفاع عن طبقتهم ورأسمالهم.... فلسفة وجود هذه المؤسسة هي تضادها مع الثورة, في المراحل الثورية وفي المراحل العادية والاستقرار او الاستقرار النسبي ستكون دورها القمع سواء كان يمارس بشكل مباشر او غير مباشر.
لم يبقى في مصر حركة قوية لم تجرب ذاتها امام الثورة حيث سقط الحركة القومية العربية ما تسمى " بجناح الاعتدال" حزب الوطني بقيادة مبارك... إذن ليس بإمكان هذا الحزب وهذه الحركة او ما تسمى بالفلول ان تمارس دورها كحركة مضادة للثورة... الاسلام السياسي بقيادة الاخوان سقط ايضا والثورة موجهة ضدهم, إذن ليس بإمكانهم ان يمارسوا هذا الدور في مرحلة الثورة... والحركتان هما الرئيسيان للبرجوازية في مصر... لم يبقى ان يمارس هذا الدور إلا "الجيش" الذي يمثل جامعهم ووحدتهم كطبقة. الجيش يجمع البرجوازية كلها كطبقة في مؤسسته, كمؤسسة مدافعة عن الرأسمال و "وطن الرأسمال" ومن هناك تنبثق "الوطنية". هذا هو عنوان الجيش العريض, عليه ان محمد بديع مرشد الاخوان في مصر وبعد سقوط نظامه يخاطب جماهيره في رابعه العدوية في يوم ( الخامس ) من تموز ويقول للجيش" يا جيش مصر العظيم, ادعوك للعودة الى الشعب, وارجع الى حضن شعبك..." هذه الاقوال بعد ان تسمي الاخوان الثورة بالانقلاب بعد ان تتهم الجيش بالانقلاب على "شرعيتهم" فما بالك اذا كان الاخوان في السلطة كما كانوا بالامس. اذن الجيش هو مؤسسة جامعة للطبقة البرجوازية كطبقة وليس كحركات سياسية متصارعة او مخالفة مع بعضها البعض. وهكذا تم اسناد هذا الدور اي دور اجهاض الثورة في لحظة انتصارها الى هذه المؤسسة عبر لصق الجيش بمطالب "الشعب" او انه يمثل الشعب ويدافع عن قطرة دمها... وهكذا تحول الثورة في لحظة الانتصار وهي انتصرت فعلا الى ضدها, حيث استلمت الجماهير الثورية و النقابات العمالية المستقلة اي تلك النقابات التي انبثقت في ثورة يناير وبعدها, ارادتها وممارساتها الثورة الى الجيش بحفاوة بالغة, هذه هي انتكاسة الثورة في لحظة ولادتها. ... لان اليوم 30 يونيو سقط مرسي من ناحية السياسية والاجتماعية والمعنوية..... ان الحديث عن الشرعية الدستورية والانتخابية, هراء فارغ من المحتوى... حين دق ساعة الثورة, اول ما توضع تحت الاقدام هو الدستور والقوانين ... وهذا هو قانون اجتماعي في اية مرحلة ثورية او حتى غير ثورية انتقالية.... القانون الذي تفرض نفسه بقوة... الجيش انقذ البرجوازية كطبقة ولو على حساب حركة من حركاتها السياسية... هذا هو الدرس المهم في الصراع الطبقي الجاري والحاسم في مصر. وهكذا ان الجيش سجل انقلابا, ولكن ليس على البرجوازية بل على "الثورة".
السؤال الرئيس ليس لماذا تدخل الجيش؟ بل السؤال هو كيف تمكن الجيش من التدخل وعلى هذا المستوى الذي حسم الامر بسرعة خارقة؟ كيف تم تفويض الجيش او كيف وظف الجيش نفسه ممثلا للثورة؟ وكيف تمكن من توظيف نفسه بنفسه؟ ليس هذا فحسب بل استقبل تدخل الجيش و اطروحاته بحفاوة بالغة، فتحول السيسي (وزير الدفاع) الى "بطل الثورة" بدون منازع... وتحول اسمه الى اشهر اسم في يوم 30 يونيو في العالم اجمع... الاجابة على هذه الاسئلة, هي اجابة لعوائق الثورة في مصر منذ ثورتها الاولي في يناير وحتى الان أيضا... الاجابة على هذه الاسئلة,... هي إجابة لكي تحقق الثورة واهدافها فعلا.... كان واضحا للعيان ان الحشود المليونية التي نزلت بمعظمها تطالب بالحرية والرفاه بالخبز والحريات الفردية والمدنية والخدمات الاجتماعية... وهم ليسوا من انصار جبهة الانقاذ ولا حركة التمرد... انهم أصحاب القضية ولكن دون راس لكي يقودهم... انهم مادة خام وجبارة للثورة, ولكن بدون الامكانية الى تحويلها الى جسم ثوري اي الى تنظيمات ثورية ذات ارادة ثورية مجسمة في الادارة والسلطة, انهم أدوا ادوارهم بصورة راقية وثورية عظيمة ولكن دون يدركوا انهم يركضون وراء تكرار تجربة يناير, دون ان يكن لديهم العلم بما يجري حولهم, دون يدركوا دور الجيش القمعي بل نسوا كل اعماله القمعية ... وهذا يدل ان الثورة التي تنفجر وانفجرت فعلا... لم تكن لديها أصاحبها.. ومثل اي حالة اجتماعية اخرى, صنعوا لها القادة وصنعوا لها الوسائل الضرورية في سبيل تحقيق اهداف هؤلاء القادة التي لا تمثلهم وبدون ادراك ذلك... ان الثورة المصرية ولحد الان ــ والتي تجاوزت مرحلتين صعبتين ــ هي تحت قيادة البرجوازية من زاوية الافق السياسي ويترجم مباشرة الى الدستور والقوانين المختلفة التي تتناقض مع مطالب الثورة...
لأجل عدم تكرار هذه التجارب المرة... ليس هناك حل اطلاقا وأبدا.. إلا تنظيم الطبقة العاملة في حزبها القيادي وتنظيم الثورة في شكل تنظيمي مدعي للسلطة في المؤسسات والاحياء السكنية و المعامل وكافة مفاصل الحياة في اول خطواتها وبالتالي تهيئة العمال والجماهير الكادحة وكل التحرريين لثورتها الاجتماعية... ليس هناك في مصر ثورة اخرى تمثل مصلحة اكثرية الجماهير الا الثورة العمالية... الديمقراطيات المختلفة من الشعبية و الثورية .. كلها عتيقة ولى زمانها... هذه مهمة صعبة ولابد ان يبدا العمل بالخطوة الاولى....
أهم المحاور لعدم تكرار التجربة السابقة من الثورتين...
هي : البقاء في الميدان ولا اقصد ميدان التحرير او الميادين والشوارع اخرى.. بل في ميدان النضال الحاشد في كل معمل و مصنع ومؤسسة و احياء سكنية إن أمكن... من اجل المطالبة بتحقيق مطالب الثورة.... " توفير البنزين, الكهرباء , الماء الصحي والخدمات العمومية وضمان البطالة, وزيادة الاجور, وحرية التنظيم الاضراب دون قيد او شرط, المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة, فصل الدين عن الدولة والتربية والتعليم....
هي: فصل الافق السياسي بالكامل عن حركة الاسلام السياسي والقومية العربية والافكار الليبرالية المتواجدة بوفرة في مصر... ولكن الحركتان المؤثرتان في هذه المرحلة هي القومية العربية والاسلام السياسي.. يجب دك البنيان الفكري والنظري للحركتين ورميهم خارج حلبة الصراع الفكري... هذه القضية هي مهمة للشيوعي وقادة الطبقة العاملة في مصر... بدون تصفية الحساب مع الاسلام السياسي و القومية العربية من ناحية الفكرية وبالتالي من ناحية الافق السياسي و التقاليد الاساسية والتنظيمية والاجتماعية ليس بإمكان تنظيم العمال والجماهير صوب الثورة الاجتماعية... وحتى ليس بالإمكان منع تكرار التجارب السابقة....هذه يتطلب مجلة نظرية فكرية....او جريدة...هذه القضية المهمة للدعاية لشيوعية ماركس, وتحجيم النفوذ الفكري والسياسي للحركتين وبالتالي ازالة الاوهام حول "الوطنية" و"حيادية الجيش", " مجتمع مصر مجتمع اسلامي".. وما شابه ذلك....
الخطوة الاخرى : التجمع او التنظيم حول هذه المجلة او الجريدة... تحت اي اسم كان تعبر عن النضال الطبقي للعمال...كبداية او كنواة لتنظيم او حزب سياسي للعمال...من الممكن ان يبدا عدد من القادة العماليين بهذا المشروع... ولكن يجب ان يشتركوا في الافكار والافق السياسي في اطار السياسي والاجتماعي العام, في البداية.
الخطوة الاخر: . بموازاة ذلك تشكيل التنظيمات العمالية في المعامل والمصانع والمؤسسات الخدمية كافة.. من النقابات و المجالس واللجان العمالية ... ولكن واؤكد على "ولكن" وفق اسلوب العمل الشيوعي... اي وفق تقليد حركة "الحرية" واقصد بها الحركة الشيوعية ...اي على اساس التجمعات العمومية للعمال.. وانتخاب ممثلين واقعين عن العمال في تلك التجمعات.... وعزلهم مباشرة حين لم يتمكنوا من اداء مهامهم بصورة مطلوبة و فق دستور هذه المنظمات... علاوة على هذا التقليد التنظيمي والاجتماعي يجب ان يتمرن العمال على ادارة المجتمع عبر ادارة معاملهم او مؤسساتهم سواء في البداية بصورة مشتركة مع الادارة البرجوازية او بعدها حين تهيئ الظروف لاستيلاء او مصادرة الثورة لتلك المؤسسات.. طبعا هذه ليس نموذج لتطبيق بصورة حرفية.. بل هي لوحة عمومية للمهمة.
هذه القضايا الملحة في مصر للطبقة العاملة و الجماهير الثورية و الشباب التحرريين........ 5 تموز 2013
#سامان_كريم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟