|
حيرة شيخ - قراءة في مقال لعبد السلام ياسين -
يوسف رزين
الحوار المتمدن-العدد: 4145 - 2013 / 7 / 6 - 02:13
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
هذا هو المقال الثاني لي عن المرحوم عبد السلام ياسين مرشد جماعة العدل و الإحسان و الذي إن شاء الله ستتلوه مقالات أخرى عنه ، ذلك لأنني كباحث حداثي أجد نفسي ملزما بدراسة الفكر الديني و تفكيك مقولاته ، فالحداثة ليست فكرا جاهزا نستورده من الخارج بل هي تفكيك و تجاوز للفكر الديني السائد ، و طبعا ليس أفضل لباحث مثلي من دراسة كتابات الشيخ و الأستاذ عبد السلام ياسين ، و هذا المقال هو دراسة و نقد لما جاء من أفكار في مقاله الذي نشره بمجلة الجماعة سنة 1980 بعنوان " العقل و النقل و الإرادة أو أزمة منهاج " فماذا قال فيه ؟ في هذا المقال حاول الشيخ معالجة موضوع وحدة المسلمين ، أو بالأحرى العاملين في الحقل الإسلامي ، ذلك انه رغم مثالية الفكرة التي تجمعهم إلا أنهم منقسمون إلى سنة و شيعة و هو مهموم بهذه الفرقة (بضم الفاء) و يبحث في أسبابها . إننا كما سنرى من خلال متابعتنا له ، يحاول أن يمسك بالقطة السوداء في الغرفة السوداء . إنه يحاول أن يجد جوابا عن الإشكال المطروح : لماذا نحن متفرقون و كيف السبيل إلى التوحد ؟ لهذا فهو يمارس قدرا من النقد الذاتي فيرجع أسباب تمزق المسلمين إلى ثلاث مستويات : العقل و النقل و الإرادة ، لكن هل فعلا نجح في معالجة الإشكالية المطروحة ؟ هذا ما سنراه . بخصوص موضوع العقل ، فانه يعيب على كل طرف (يقصد الفرق الإسلامية) انغلاقه على نفسه و عدم انفتاحه على الآخر " .. فكل من جانبه يدعي الصواب و لا يحاول الاطلاع على ما عند الآخرين .." هذا السلوك يطلق عليه في عالم الفلسفة بالوثوقية أو الذاتية في مقابل الموضوعية ، لكنه بعد هذا الانتقاد البسيط لسلوكيات الفرق الإسلامية ينتقل و دون مقدمات إلى انتقاد العقل الفلسفي في تاريخ المسلمين و يحمله مسؤولية الإلحاد ! كما هو ملاحظ ، هناك ارتباك لدى الشيخ في معالجة الإشكالية التي طرحها . في البداية ينتقد الانغلاق الفكري لدى الفرق الإسلامية ، ثم بعد ذلك يمر مباشرة إلى انتقاد الفلاسفة العقلانيين في الإسلام لأنهم خاضوا في ذات الله و صفاته ثم ينهي فكرته بانتقاد تأله العقل لأنه في نظره لا يعترف بوجود الله ! المرء هنا يتساءل : هل الشيخ مع الانفتاح أم ضده ؟ أم انه يريد انفتاحا بين الفرق الإسلامية لكن بدون أن تنفتح على الفلسفات العقلانية ( و هل يوجد انفتاح دون عقل ؟) الشيخ هنا حائر بين فرقة الإسلاميين و بين توحدهم الذي قد يؤدي الى الإلحاد في نظره . بخصوص رفض الشيخ للخوض في ذات الله و صفاته الذي قامت به الفرق الكلامية فذلك راجع إلى أن النقاش في هكذا أمور كان قد فرض نفسه على المسلمين ، و هي لم تبتدع الكلام في الصفات الإلهية من عندها كترف فكري بل كرد فعل منها على فلسفة الجبر الأموية و هجومات الملاحدة على الإسلام في بلاد العراق آنذاك . أيضا يرى الشيخ أن تخلف المسلمين و تفرقهم راجع إلى " .. عجزهم عن استعمال العقل استعمالا صحيحا لفهم الواقع و الفهم عن الله في مراده من أوامر الكتاب و السنة و الفهم العلمي للتقنيات التي استجدها الإنسان .." في الواقع عبارته هاته تظل فقيرة لشرح معالم أزمة العقل لدى المسلمين . لم يشرح لنا الشيخ كيف يكون الاستعمال الصحيح للعقل ؟ ما رأي الشيخ أن العقل الإسلامي تعرض لضربة قاصمة على يد الاشاعرة ، الفرقة التي أنكرت السببية. يمكن القول أن الشيخ يريد انفتاحا بين المسلمين لا يؤدي إلى استخدام الفلسفات العقلانية حتى لا تضع الدين في حرج . انه يريد وحدة بين الفرق الإسلامية لا تتطور إلى وحدة مع الملحدين . موقف يجعل إسلام الشيخ في حالة دفاع أمام الإلحاد (ألا يوجد إيمان مع العقل ؟) . العقل بالنسبة له يجب أن يقتصر على الفهم العلمي للتقنيات و كأن التقنية ظهرت بمعزل عن العقل الفلسفي و ليس كنتاج له . كيف يمكن تأسيس التقنية في البلاد الإسلامية في ظل عقيدة أشعرية تعتبر الإحراق ليس بسبب النار ؟ ! بعد ذلك يمر الشيخ إلى موضوع النقل ، و في هاته الفقرة يعالج مشكلة الدوغمائية و الوثوقية التي تعاني منها الفرق الإسلامية في تفسيرها للنصوص الدينية . ينتقل بعد ذلك لتوضيح أخطاء بعض الفئات في فهم النصوص ، فهي مثلا تحاول أن تفسر النصوص بمعزل عن تطابقها مع القوانين العلمية " .. فمن الفئات من يدعو للاجتهاد في الفهم عن الله و رسوله دون أن يعترف بضرورة قراءة صحيحة لكتاب العالم ، دون نظرة حكيمة لآيات الله في الكون .." . الشيخ هنا ينتقد بشكل ضمني السلفية النصوصية التي و أن حاولت الاجتهاد في فهم النصوص فإنها تطبقها بمعزل عن مقتضيات العقل . كلام الشيخ هذا له دلالة خطيرة ، غير معتادة في الخطاب الأصولي ، لأنه إذا كنا سنقرأ النص الديني مع عدم إغفال كتاب العالم فهذا يعني الشك في النصوص و النظر في مدى مطابقتها للقوانين العلمية . هل هذا ما قاله الشيخ أم أنها زلة لسان من طرفه ؟ ! إذا كان هذا ما يقصده فهذا يعني أن العقل حاكم على النقل و ليس العكس و هو المشكل الذي نعاني منه إلى اليوم و يجعلنا امة لاعقلانية . شيء غريب .. ينتقد الشيخ العقلانية لأنها تؤله العقل و يدعو في نفس الوقت إلى عدم قراءة النصوص بمعزل عن كتاب العالم ! . أيضا ينتقد الشيخ الحركيين الذين لا يعيرون بالا للنصوص و لا يتقيدون بها . سؤال : ماذا يفعل حركي مع نص يقول له : " تسمع و تطيع للأمير و إن ضرب ظهرك و اخذ مالك" هل هذه النصوص لها فعلا القدرة على توجيه المسلم الوجهة الصحيحة أم إنها بحاجة إلى نقد و غربلة ؟ يدعو الشيخ إلى إحداث توازن بين القراءتين (النصوص و العلم ) ، فكرة وجيهة و يا ليت الإسلاميين يجدون لنا توازنا بين النص الذي يعتبر الزلزال غضبا من الله و بين كتاب عالم يعتبره ظاهرة طبيعية صرفة . (في هذا الصدد تبدو الهيرمانوطيقا -علم تأويل النصوص- و هي تلوح بيدها من بعيد) . يرد الشيخ فرقة الفرق الإسلامية إلى كون كل واحدة منها تدعي أنها على الكتاب و السنة (مشكل الوثوقية) . هذا المشكل يرجعه إلى الاختلاف في الذهنيات و النيات ، لكن لماذا هي كذلك ؟ هل درس الشيخ التطور التاريخي لهذه الفرق و الإشكاليات التي اعترضتها و المشاكل التي عانت منها ؟ ما زلنا لحد الآن مع أفكار هي اقرب إلى الانطباعات العامة منها إلى التشخيص الدقيق للإشكالية . بعد أن درس أزمة وحدة المسلمين على مستوى العقل و النقل يمر بعد ذلك إلى مستوى الإرادة و يرجعها في هذه الفقرة إلى تعدد رغبات الإسلاميين ، فالسلفيون يريدون تطبيق السنة و محاربة البدع و الصوفية يريدون وجه الله و الجماعات الإسلامية تريد الحكم بما انزل الله . في هذا الصدد ينتقد الشيخ مرة أخرى انغلاق الذهنيات و انعدام الإنصاف و حب الرئاسة و سلطان الهوى لدى الفرق الإسلامية. الشيخ هنا دون وعي منه يفضح الصفة الأساسية للأصوليات : التعصب، و هو كما هو واضح معني بوحدة الصف الإسلامي و لذلك يمارس نوعا من النقد الذاتي ، فينتقد التقليد و اتباع نصوص العلماء و إهمال النصوص الأصلية (الكتاب و السنة) أو كما يصفها ب : المعين الصافي . يرى أن قول أبي بكر و عمر هو دون قول الله و رسوله ( دون وعي منه يرتب المصادر حسب أهميتها ) ، و ينتقد تعطيل الفكر لدى البعض و الاعتماد على النقل الآلي و إهمال مقاصد الشريعة و يرى أن التوحيد بين الفرق الإسلامية لا يكون إلا بإصلاح الذهنيات و نبذ التقليد. كيف يمكن معالجة كل هذه الأمراض في غياب العقل ؟ ! في نهاية هذه الفقرة يتضح أن معالجته لموضوع الإرادة غير واضحة ، فهنا يعالج أزمة ذهنيات لا أزمة إرادة . يمر الشيخ بعد ذلك إلى موضوع العقيدة ، مرة أخرى يقع في الاضطراب ، يعلن انه يرغب في اتحاد المسلمين و إنهاء فرقتهم ، و يطرح لذلك بضعة أفكار تدفع في هذا الاتجاه من قبيل إصلاح الذهنيات و التخلي عن التقليد و الانغلاق ، لكنه ينسف هذا التوجه بطرحه لموضوع العقيدة . ألا يعلم أن هذا الموضوع مفرق أكثر مما هو جامع ؟ ألا يعلم أن موضوع العقيدة ليس أصيلا في الإسلام و انه لم يكن مطروحا في عهد الصحابة الأوائل و انه لم يظهر إلا بعد أن مزقت الأمة إلى فرق و شيع ؟ إذن إذا كان يريد توحيد الصف الإسلامي و لم الشمل فلماذا يطرح مثل هذه المواضيع الخلافية ؟ الشيخ هنا دون انتباه منه يورد عقيدة لعالم حنبلي (البربهاري) مليئة بالأمور الخلافية و هذه مقتطفات منها "..و اعلم رحمك الله انه لا يتم إسلام عبد حتى يكون متبعا مصدقا مسلما .." أليس هذا هو التقليد بعينه و قتل ملكة التفكير و التساؤل لدى الفرد ؟ حينما يكون الفرد متبعا مصدقا مسلما دون تفكير أو اعتراض ، ألا يتحول هو من معه إلى جماعة من الصم البكم العمي فهم لا يرجعون بل هم كالأنعام بل هم أضل ؟ ألا يسمى هذا في لغة الفلسفة بالامتثالية الدوغمائية ؟ هل هكذا يمكن أن نوحد بين الفرق ؟ ! ألا يقول القرآن :" و الذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما و عميانا " ؟ اية 73 سورة الفرقان، " ..فمن زعم انه بقي شيء من أمر الإسلام لم يكفناه أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فقد كذبهم ، و كفى بهذا فرقة طعنا عليهم ، فهو مبتدع ضال مضل محدث في الإسلام ما ليس فيه.." ، السؤال الذي يطرح نفسه : أيهما يؤدي إلى الفرقة و التشتت : الإتباع أم الابتداع ؟ منذ متى كانت الدوغمائية و الامتثالية سبيلا للتوحد و التآلف ؟ أليس العكس هو الصحيح ؟ ألا يرجع السبب الحقيقي في الفرقة و التشتت إلى أن كل حزب بما لديهم فرحون كما شرح القرآن ؟ أليس الحل هو التسامح و تقبل الاختلاف و حرية الفكر لا مصادرته و الحجر عليه ؟ .. إذن لماذا يطرح الشيخ موضوع العقيدة إذا كان يريد الوحدة بين الفرق الإسلامية ؟ ألا يعلم أن لكل فرقة عقيدتها الخاصة ؟ و هو ما سنوضحه خلال تقدمنا في هذا التحليل ، " ..و القرآن كلام الله و تنزيله و نوره و ليس بمخلوق ، لان القران من الله و ما كان من الله فليس بمخلوق.." ما رأي الشيخ أن الشيعة يقولون العكس و لهم أسبابهم الوجيهة ؟ فاعتبار القرآن من الله معناه انه قديم و بالتالي نقع في الشرك لأنه لا قديم إلا الله . كيف يطمع الشيخ إذن في الاتحاد مع الشيعة و هو يتقدم إليهم بهذه القضية الخلافية المؤدية إلى التكفير كما قال البربهاري ".. و المراء فيه كفر .." . هذا الأخير يستمر في طرح عقيدته المفرقة لا الجامعة فيقول : " .. و الإيمان بالرؤية يوم القيامة . يرون الله تعالى بأمين رؤوسهم و هو يحاسبهم بلا حجاب و لا ترجمان .." ما رأي الشيخ أن الاباضية يرفضون القول برؤية الله يوم القيامة أم انه لا يرغب في الاتحاد معهم ؟ و تستمر عقيدة البربهاري في طرح المواضيع الخلافية و لكننا نكتفي بهذا القدر . ثم يمر الشيخ بعد ذلك لمعالجة موضوع الصوفية ، و رغم أن توجهه الرئيسي في هذا المقال هو توحيد المسلمين إلا انه ينسى هدفه و ينخرط في المواضيع الخلافية و يدعهما ، ففي فقرة " الصوفية يحاربون البدع " و كمحاولة منه لتبرئة ساحة الصوفية من التهم التي لصقت بهم من شعوذة و انحراف يورد قولا لفضيل بن عياض هو كالتالي :" آكل مع اليهودي و النصراني و لا آكل مع مبتدع ، و أحب أن يكون بيني و بين صاحب بدعة حصن حديد " ..هل هذا قول يجمع الشتات ؟ هل صار المسلم المبتدع أقل درجة من اليهودي و النصراني ؟ ألم يلاحظ الشيخ مقدار العنصرية و الحقد الكامنين في هذا القول ؟ ألم يقبل القرآن من الأعراب إسلامهم رغم عدم إيمانهم ؟ " قالت الأعراب آمنا قل لم تومنوا و لكن قولوا أسلمنا و لما يدخل الإيمان في قلوبكم.. " أية 14 سورة الحجرات أليس القرآن أكثر رحابة و تسامحا من هذا الفضيل ؟ ألا يدعو الشيخ إلى العودة إلى الأصل و النبع الصافي و ترك أقوال من هم دون الله و رسوله ؟ لا يقف الشيخ عند هذا الحد من التحليل ، بل يستمر في مقاربة موضوع تفرق المسلمين لكنه في فقرة " خروم الإسلام " يرتكب خطأ منهجيا بان ينظر إليه من منظار سني صرف ، بينما من يريد التوحيد بين الفرقاء المتنازعين عليه أن يوسع من مجال رؤيته و يقف على الحياد . ففي مقاربته يتهم الشيخ العقل بمساهمته في تفريق المسلمين " ..لا بد أن نرى كيف تفاوتت الإرادات و تنازعت و كيف استخدم العقل في خدمة هذه الإرادات المذهبية و السياسية و الشخصية و ترجمت النصوص و أولت الأوامر الشرعية و اختلقت الأباطيل (ماذا يقصد الشيخ بالضبط بكلمة الأباطيل؟) كل ذلك اثر لعامل مهم يسود الإرادات البشرية فيسود من خلالها العقل و ينفذ بالتأويل و الكذب و الجدل إلى النقل فيشوهه.." إذن الشيخ يعتبر أن العقل هو السبب في هذه المشاكل و انه هو من افسد النقل ! حسب هذا الكلام يجب علينا إلغاء العقل في فهم النصوص . الشيخ هو يحاول إيجاد حل للازمة فانه يعيد إنتاجها ، انه لا يأتي بجديد غير تكرار الإيديولوجية السنية القائمة على تغليب الوحي على العقل بل إلغاءه تماما . و إذا ألغينا العقل و المنطق كيف يمكننا فهم النصوص ؟ ألن تصبح عرضة للسفسطة و الفهم الجامد و ينقسم المسلمون إلى فرق و أحزاب كل حزب بما لديهم من فهم دوغمائي فرحون ؟ أليس الاحتكام إلى مقتضيات المنطق هو الكفيل بتقريب الافهام المتباينة و بالتالي تقريب شقة الخلاف ؟ ألم يأمرنا الله بتدبر آياته " أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها " الآية 24 سورة القتال ، ألا ينتقد هنا القلوب / العقول المقفلة . إذن كيف يريدنا الشيخ أن نفهم النصوص بعقول معطلة ؟ ألا ينهانا الله أن نطبق آياته دون تفكير " و الذين إذا ذكروا بآياتنا لم يخروا عليها صما و عميانا " الآية 73 سورة الفرقان . إن عبد السلام ياسين قبل أن يجد حلا لمشكلات التراث كان عليه أولا أن يتحرر من بداهات هذا الأخير ، أما و الحال انه يرددها دون تمحيص فإنه سيظل يدور في حلقة مفرغة دون أن يشعر . ينتقل الشيخ بعد ذلك إلى النقد التاريخي محاولا وضع الإصبع على مكمن الداء . لا يبذل أي مجهود في نقد هذا التاريخ بل يردد في اتكالية مقولة لعلم سني (ابن حزم) الذي يوضح أن خروم الإسلام أربعة : " قتل عثمان و قتل الحسين و يوم الحرة و قتل الزبير" . تبقى قولة صادرة عن عقل سني له ما له و عليه ما عليه . إن الخروم في التاريخ الإسلامي أكثر من أن تعد و تحصى . ماذا عن اغتيال سعد بن عبادة ؟ ماذا عن حرق المرتدين ؟ (هل كان الرسول يحرق الكفار؟) ماذا عن قتل مالك بن نويرة و اغتصاب زوجته ؟ ماذا عن نفي أبي ذر الغفاري إلى الربذة ؟ ماذا عن ضرب عمار بن ياسر ؟ ماذا عن قتل فقهاء الإسلام في النهروان ؟ ماذا.....؟ ماذا .....؟ و ما أكثر الماذات في تاريخنا الحزين . لكن الشيخ لا يرى خروم الاسلام الا في اربعة ، لكن هل هي فعلا كذلك ؟ 1- قتل عثمان: بالنسبة للذين قتلوا عثمان فقد كانوا اربعة من الصحابة ! (محمد بن أبي بكر و عمرو بن الحمق الخزاعي و محمد بن أبي حذيفة و عبد الرحمان الخزاعي ) 2- قتل الحسين و يوم الحرة :في هذه النقطة على الأقل يتخذ عبد السلام موقفا من يزيد بن معاوية و لا يبرر عمله على غرار بعض الفقهاء السنة 3- قتل عبد الله بن الزبير : هل يعلم الشيخ أن هذا الشخص ارتكب جريمة فرعونية حيث قتل سبعة ألاف أسير من جيش المختار الثقفي بعد استسلامهم له ؟ هل يعلم ان عبد الله بن الزبير ضيق على أل البيت و كاد أن يحرقهم في شعب عارم (احد شعاب مكة) لولا أن أنقذهم المختار ؟ إنه كما يتضح لا يمكن إيجاد حل لأزمة الفكر الإسلامي دون التحرر من بداهاته و مقولاته ، أما أن يمارس الشيخ عمله النقدي اعتمادا على مقولات تراثية لا تخلوا من حمولة إيديولوجية ، فإن عمله النقدي هذا محكوم عليه بالفشل شاء أم أبى . أيضا في فقرة " شخصيات مخربة" يتضح جيدا قدرة الشيخ المحدودة على ممارسة النقد . انه بتصديقه لمعطيات التراث السني و عدم تحرره منه يحكم على نفسه أن يتحرك داخل مربع صغير ..صغير جدا ..مهما حاول و مهما ناضل ، فلن يأتي بجديد . الشيخ يردد في تسليم مطلق بمقولات التراث السني أفكارا من قبيل أن أحداث الاقتتالات الكبرى بين المسلمين في القرن الهجري الأول يعود سببها إلى شخصيات مخربة لا غير. إن أحداث مقتل عثمان و التحكيم و انشقاق الخوارج و معركة النهروان و مقتل علي تستحق منا أكثر من بحث و تدقيق ، لان الروايات التاريخية بخصوصها مضطربة و لا يمكن أن تنطلي على المؤرخ المدقق . و كمثال على ذلك قصة مقتل علي بن أبي طالب على يد ابن ملجم ، هل يعقل أن يقدم ابن ملجم على عمل كهذا طمعا في الزواج بخطيبته قطام التي اشترطت عليه أن يقتل عليا إن أراد أن تقبل به زوجا ؟ هل من يريد الزواج يقدم على عملية انتحارية كهذه ؟ إن الروايات بخصوص هذه الأحداث هي بحاجة إلى تمحيص و مطابقة مع الواقع كما قال ابن خلدون قبل الانطلاق إلى عملية النقد و التحليل . إن فرقة الخوارج هي بحاجة لأكثر من مؤرخ محايد قبل أن يكون منصفا . هل فعلا كانوا يقتلون مخالفيهم آم أن تهمة الاستعراض ألصقت بهم من طرف خصومهم ؟ لماذا نجد حاليا طائفة الاباضية أكثر الفرق الإسلامية هدوء و مسالمة علما أنها احد فروع الخوارج ؟ ينتقد الشيخ الحجاج بن يوسف و يذكرنا انه و أمثاله واجهوا دائما معارضة من لدن العلماء المجاهدين . ألا يعلم الشيخ أن الخوارج هم من حمل عبء مواجهة الحجاج ؟ لماذا يصمت عن شبيب الخارجي و كفاحه ضد الاستبداد الأموي ؟ أيضا يورد الشيخ بيتا شعريا لعمران بن حطان فارس الخوارج يشيد فيها بضربة بن ملجم لعلي بن أبي طالب . إلى أي حد يمكننا أن نثق في ناقل هذا الشعر ؟ الشيخ ينسى أن الشعر المنحول ظاهرة متفشية في تراثنا الإسلامي و أن مصادر الخوارج الأصلية فقدت باحتراق مكتبتهم المعصومة بتاهرت عند اكتساح الفاطميين لها و أن كل ما يروى عنهم هو منقول من مصادر خصومهم . ينتقل الشيخ بعد ذلك إلى انتقاد المختار بن أبي عبيد الثقفي . مرة أخرى يرتكب خطأ منهجيا ، إذ ينتقده انطلاقا من مصادر السنة ( ماذا يتوقع الشيخ من السنة بخصوص خصومهم الشيعة ؟) هل يتوقع عبد السلام ياسين من مؤرخ المملكة أن يكون منصفا معه ؟ هل يظن انه سيذكره بما فيه ؟ إذن لماذا يعتمد الشيخ على كتابات السنة في حق المختار ليضعه في خانة الشخصيات المخربة ؟ يعتمد الشيخ هنا على حديث نبوي يقول " ان في ثقيف كذابا و مبيرا " لو كان الشيخ يقرأ التراث الإسلامي بعقل المؤرخ المحترف لاشتم في هذا الحديث توجيها سياسيا معينا ، لكن ما العمل و الشيخ يرى انه يجب إلغاء العقل أمام النقل ؟ لقد اتهم هذا الشخص بأنه مشعوذ و مدعي نبوة الخ .. و هذا أمر مفهوم لان كتبة التاريخ الخاضعين للسلطة الأموية و العباسية لا يمكن أن يذكروا رمزا شيعيا بالخير و إلا صبوا الماء في ناعورة خصومهم الشيعة العلويين و سيكون أمرا مفيدا لسياساتهم لو نسبوا حديثا للرسول يدين في هذا الشخص . المختار هذا أنقذ آل البيت من الحصار المضروب عليهم من طرف عبد الله بن الزبير و انتقم من قتلة الحسين و الأهم من ذلك انه ساوى بين الموالي و أشراف العرب (هل هذا عمل رجل مخرب ؟ ! ). و يتقدم الشيخ في مقاله عبر مزيد من التحليل ، و مرة أخرى يلقي بأسباب أزمة المسلمين على كاهل شخصيات معينة ، و كأن صراعاتنا و اختلافاتنا سببها شخصيات شريرة لا عوامل موضوعية و مادية . هكذا و دون أدنى شك يتهم الشيخ عبد الله بن سبأ بإفساد الإسلام و نشر عقيدة التناسخ و القول بالرجعة . هل فعلا عبد الله بن سبأ شخصية حقيقية آم مختلقة ؟ هذا هو السؤال . هذا الشخص اليمني أريد تحميله أوزار الفتنة الكبرى و مسؤولية الاقتتال الإسلامي الإسلامي (اليمنيون كانوا أكثر قوم قاوم الأمويين لذلك لا يستبعد أن تعمد الآلة الإعلامية الأموية عن طريق مؤرخيها إلى ذم الشعب اليمني في شخص عبد الله بن سبأ ) . هذا الفتنة يجد المؤرخون المحترفون من السخف اختصارها في شخص عبد الله بن سبأ و دوره التخريبي التآمري المزعوم . إن انشطار المسلمين إلى سنة و شيعة يعود إلى أسباب مادية اجتماعية اقتصادية لا إلى شخصيات مخربة . لقد تشكل لدينا المذهب السني لأنه المذهب الأكثر تعبيرا عن المجتمع الرعوي و المذهب الشيعي لأنه يعبر عن المجتمع الزراعي (هناك تطابق بين الهلال الخصيب و الهلال الشيعي ) و الصراع بين المذهبين هو صراع بين بين نمطين اقتصاديين متناقضين احدهما يقوم على الرعي و الآخر على الزراعة . ثم يمر بنا الشيخ إلى فقرة " جسر الوحدة " ، و مرة أخرى يستمر الاضطراب و التناقض . فهو بعد أن طرح عقيدته البربهارية المكفرة لمن لا يتفق معها ، هاهو الآن يدعو إلى توحد المسلمين سنة و شيعة (لا يذكر الاباضية) ب " .. تفاعل يتجاوز بحكمة العقل (قبل قليل كان يذم العقل) و مضاء الإرادة هذا التراث المشتت و يلتحم بالآصرة رجوعا إلى الكتاب و السنة ، ننظر فيها مباشرة على أن القرآن هو قانون الله المحفوظ و خطابه إلينا و على أن السنة النبوية قبل الخلافات (هل هناك سنة نبوية بعد الخلافات؟) هي النموذج.." فكرة جميلة لكنها سطحية. أي سنة سيعود إليها السنة و الشيعة و كل فريق لديه سنته الخاصة به (البخاري لدى السنة و الكافي لدى الشيعة) كيف سيعود الطرفان إلى السنة و فيها حديث يسب المختار الثقفي احد رموز الشيعة ؟ بل كيف سيعود الطرفان إلى القرآن و هما مختلفان حول تفسيره ؟ و كمثال بسيط على ذلك ، السنة يعتبرون "صالح المومنين" المذكور في القرآن هو جبريل و الشيعة يعتبرونه هو علي الخ ..من الاختلافات في تفسير القرآن الكريم . الشيخ ينطلق من فكرة ساذجة و هي أن هناك أصلا واحدا ينطلق منه الطرفان . صحيح أن القرآن واحد بين الفريقين و لكن كلفظ و ليس كمعنى . فكل فريق يفسره على طريقته و من منظوره الإيديولوجي . و في خضم بحث الشيخ عن تأسيس جسر وحدة بين السنة و الشيعة لا يفوته التنديد بالالتواء و الانحراف الفلسفيين و مذاهب الضلال (لم يحددها بالاسم) و الزندقة ( المرادف التراثي للعلمانية لدى الشيخ) التي تدعوا لتعطيل الشريعة و الاكتفاء بالحقائق المزعومة (حقائق العلم صارت من الزعم !) و زخرف القول من الشطحات ( يورد الشيخ سيلا من العبارات الإنشائية و أحكام القيمة لا تليق بمقال نقدي ، ثم إن مصطلح شطحات هو لصيق بالصوفية فكيف يرمي به الزنادقة / العلمانيين ؟ ألا يخشى أن ينطبق عليه قول : رمتني بداءها و انسلت ؟) يقترح الشيخ كوسيلة للتوحيد بين الطرفين أن يتواصل صوفية السنة مع نظرائهم الشيعة لاختراق الحدود المفتعلة بينهما . فكرة جميلة و ذات إبداع ، لكن ألا يلاحظ الشيخ ان التصوف (كفكرة) ذو أساس فلسفي يمتح من الغنوصية و العرفان و الإشراق و الأفلاطونية الجديدة و الهرمسية و التأويل الباطني و ان ميزته الأساسية هي انه لا يلتزم بحدود النص بل يشطح عنه نحو عوالم أكثر جمالية و بهجة و إشراق .إذن لماذا ينتقد الالتواءات الفلسفية و التصوف أساسا ذو اصل فلسفي ؟ ! يبدو الشيخ معنيا فقط بالاتحاد مع الشيعة و التواصل معهم رغم الخلافات العميقة بين الطرفين ، أما الزنادقة/ العلمانيين فهم خصومه . إن الزنادقة/ العلمانيين لا يدعون إلى تعطيل الشريعة بل فقط تعطيل الحدود و تعديل بعض الأحكام كالشهادة و الإرث . أما مقاصد الشريعة من حفظ للدين و النفس و العقل و المال و العرض فلا يختلفون عليها .أما الشيعة ففي شريعتهم زواج المتعة و الخمس و سب الصحابة ، فأيهما أهون و كيف يصبر عليهم و لا يفعل نفس الشيء مع الزنادقة/ العلمانيين ؟ لماذا يتناسى حلف الفضول؟ بعد ذلك في فقرة " قومات العلماء" ينتقل الشيخ إلى الحديث عن محنة خلق القرآن ، و يمتدح صمود ابن حنبل كأحد " ..المدافعين عن الحق.." و السؤال الذي يطرح نفسه : هل معارضة القول بخلق القرآن يدخل في خانة الدفاع عن الحق أم في خانة الدفاع عن رأي عقيدي معين مختلف عليه ؟ لقد سبق و تحدث الشيخ في هذه الفقرة عن آل البيت بكونهم أصحاب الحق و كيف أن المأمون كاد أن يميل لهم و لكنه ينسى أن آل البيت الشيعة قالوا بخلق القرآن . فمن يملك الحق إذن ، الشيعة أم ابن حنبل ؟ هل وقف ابن حنبل ضد استبداد الخليفة العباسي لنسميه مدافعا عن الحق أم أنه في الواقع عارض فقط هذه المسألة العقيدية المختلف حولها ؟ . ثم ننتقل معه إلى فقرة " حكم السيف " التي يتحدث فيها عن " انكسار الفكر الديني " دون أن يشرح لنا ماهية هذا الانكسار ".. و كما كانت تنكسر السيوف و تتقصف الرماح في ميادين الوغى انكسر الفكر الديني و التوت المذاهب .." يورد مفهوما غير واضح ..هل قبل حدوث الفتن بين المسلمين كان لديهم الفكر الديني أم الدين ؟ ما هو هذا الفكر الديني الأصلي الذي انكسر ؟ هل يستطيع أن يحدده لنا ؟ الشيخ فيما بعد سيتحدث في كتاب "نظرات في الفقه و التاريخ" عن مفهوم الانكسار التاريخي . من الواضح انه تطوير للمفهوم الأول . في هذه الفقرة و في تناقض تام مع منهجه القاضي بإلغاء العقل يدعو الشيخ إلى استعمال العقل لإجراء النقد التاريخي : ".. و اليوم و نحن ننشد وحدة المسلمين يلزمنا أن نستعمل لخدمة حركة التجديد النصوص التي أجمعت على صحتها الأمة و في مقدمتها القرآن الكريم و نستعمل العقل و إحباط الدسائس التاريخية.."إذن فالعقل حسب الشيخ صالح لنقد الروايات التاريخية و غير صالح لنقد النصوص الدينية ! و كيف سنقوم بتجديد النصوص التي أجمعت على صحتها الأمة و في مقدمتها القرآن الكريم دون عقل ؟ و ما رأيه أن النص الوحيد الذي أجمعت عليه الأمة (سنة و شيعة و اباضية) هو القرآن الكريم (كلفظ و ليس كمعنى) أما الأحاديث النبوية فمختلف عليها ؟ يورد الشيخ في مقاله فقرة يتحدث فيها عن دعوة الإمام احمد بن حنبل للقبول بالإمام الجائر . فشرط الإمامة عنده الغلبة و ليس العدل . إذن كما أوضحنا من قبل فإن احمد بن حنبل ليس مناضلا من اجل الحق كما ذكر الشيخ بل ناضل من اجل فكرة عقيدية مختلف حولها لا اقل و لا أكثر أما بخصوص الاستبداد فقد كان متخاذلا بل و منظرا له . الغريب أن الشيخ لا يتخذ موقفا واضحا من ابن حنبل بل يشرح كلامه بعكس معناه ! فابن حنبل يقول بالواضح " ..من غلب عليهم بالسيف حتى صار خليفة و سمي أمير المؤمنين فلا يحل لأحد يومن بالله و اليوم الآخر أن يبيت و لا يراه إماما ، برا كان أو فاجرا .." تنظير واضح للرضى بالأمر الواقع ، و مع ذلك يعلق الشيخ على موقف ابن حنبل بالآتي ".. و بما أن الإمام لم يدرك أبا حنيفة و مالكا ليقوم معهما إلى جانب زيد و محمد و إبراهيم فقد فتح الباب بفتواه للمطالبة بالحق و كسر أنظمة الطغيان ! (كيف ؟ العكس هو ما فعله ابن حنبل ! ) لم يكن علاج يراه الإمام للواقع المكروه إلا السيف يقارع السيف ، و القوة تصرع العنف المتسلط .." ابن حنبل قال عكس هذا الكلام ، فعلى أي أساس بنى الشيخ هذا التحليل ؟ من الواضح أن الشيخ وجد نفسه محرجا من إدانة منهج ابن حنبل المنظر للاستبداد و هو يتبع العقيدة البربهارية الحنبلية . (كلما تقدم الشيخ خطوة انفجر لغم تحت قدمه ) بل انه يفسر قول ابن حنبل على انه دعوة للقومة المسلحة ، في حين أن العكس هو الصحيح ، فابن حنبل يدعو للقبول بالإمام المتغلب سواء كان برا أو فاجرا ." ..إذا كان الأمامية يقفون عند أئمة بأعينهم فإن الزيدية جعلوها حقا لكل عالم له سيف ، أما الإمام ابن حنبل فما كان يعنيه و هو الذي عانى بلاء بني العباس النظار الفلاسفة المذبذبين بين روافض و شيعة غلاة ، إلا أن يقترح حلا للكابوس الجاثم على صدور الأمة ، لذلك أوصى بالقومة المسلحة .." هل عبارة " ..تكون الجماعة مع من غلب .." التي قالها ابن حنبل تعني القومة المسلحة ؟ ! أم تعني مسايرة السلطة الحاكمة المتغلبة بغض النظر عن أفعالها . أليست هذه العبارة الحنبلية تكرارا للشعار السني الشهير " اللهم انصر من أصبح " ؟ . الشيخ كما هو واضح ضعف عن انتقاد ابن حنبل فأول كلامه في الاتجاه يخدم إيديولوجيته . و هذا هو عيب الكتابات الإيديولوجية : لي الحقائق و النصوص . أيضا يعجز الشيخ عن اتخاذ موقف واضح من الإمام الغزالي المنظر هو أيضا للقبول بالاستبداد و كذلك ابن الجوزي الحنبلي الذي كرس حياته فقط لصيانة العقيدة ، أما الاستبداد فقد رضي به . في الواقع ما نفع العقيدة إذا كانت تحمي الاستبداد ؟ ألهذا الأمر جاء الإسلام ؟ ألا يستحق كل من ابن حنبل و الغزالي و ابن الجوزي إدانة من الشيخ ؟ في نهاية هذا المقال ، يمكن القول ، كتحليل و نقد لما جاء في مقالة الشيخ عبد السلام ياسين ، انه حاول معالجة إشكالية الوحدة لدى المسلمين ، لكنه عجز عن ذلك ، لاضطراب في المنهج و قصور عن الفهم العميق . إن الشيخ هنا يقدم أفكارا عامة ، نوايا صادقة ، انطباعات شخصية ، تمنيات جميلة ، لكنه عاجز عن التشخيص الدقيق للازمة و الإمساك بجذر المشكل ، لهذا وقع مرارا و تكرارا في التخبط و التناقض ، فالعقل يكون هو المشكلة ثم في موضع آخر يتحول إلى حل و الفلسفة أيضا هي أصل الداء متناسيا أنها الأساس الفكري للتصوف الذي ينتسب إليه ، و الشيعة ثوار و دعاة حق و في نفس الوقت منحرفون عقائديا لقولهم بخلق القرآن و يجب الاتحاد معهم و لكن من قال بخلق القرآن فهو كافر حسب العقيدة البربهارية و ابن حنبل منظر للاستبداد و لكن لا بأس من تحوير كلامه أو تقويله ما لم يقله و جعله منظرا للقومة المسلحة ، أما الغزالي و ابن الجوزي فلا بأس من المرور عليهما سريعا و عدم تحديد موقف واضح منهما لأنهما من أئمة السنة الكبار ، و الحل لجمع شمل المسلمين سنة و شيعة هو العودة إلى الكتاب و السنة و كأن سنة السنة هي سنة الشيعة و المسلمون عليهم أن يتخلوا عن التقليد و الفهم الجامد للنصوص و في نفس الوقت على الواحد منهم أن يكون متبعا مصدقا مسلما حسب العقيدة البربهارية ، و الوحدة لا بد منها مع إخواننا الشيعة مع ما هم عليه من الغلو و سب الصحابة و في نفس الوقت يمكن الأكل مع اليهودي و النصراني و لا يمكن الأكل مع مبتدع مسلم . أيضا في استخدامه للتاريخ لنقد أحوال المسلمين و البحث عن مكمن الداء يتجاهل أن هذا التاريخ كتب بطريقة سياسية . إن الشيخ هنا هو قارئ هاو للتاريخ أكثر منه مؤرخا محترفا يحاول العثور على كنه الأخبار و القوانين المحركة لها و الإشكالات التي مرت بها أثناء تدوينها . كل هاته الإشكالات لا يعيها عبد السلام ياسين و ينتقد الخوارج و المختار الثقفي ناسيا انه يخدم وجهة النظر الأموية و العباسية دون وعي منه . للتذكير ، الخوارج الذين لا يفتأ الشيخ يذمهم ، هم الذين حملوا الإسلام إلى بلاد المغرب بعد أن ارتد البربر اثنتي عشر مرة ، و لولا الخوارج لما ثبت البربر على الإسلام ، و ما منهج الشيخ الاحتجاجي و عدم قبوله بالاستبداد على عكس المذهب السني إلا لدماء خارجية تجري في عروقه دون أن يشعر . إن هؤلاء الخوارج لهم عليه حق التقدير و الإنصاف و عدم التسرع في إصدار الأحكام ، فمن خلالهم عرف المغاربة الإسلام ( ألا يدعو الشيخ إلى النصفة ؟ كيف يتبرؤ إذن من أجداده الصفرية و الاباضية ؟) من الواضح أن الشيخ حاول من خلال هذا المقال (كتبه سنة 1980) أن يعالج إشكالية محيرة ..إشكالية اكبر من قدراته . لقد بذل جهدا طيبا في معالجتها لكنه انتهى باستمرار إلى التناقض و الباب المسدود . هذه المقالة ربما كانت هي إرهاصات كتابه " نظرات في الفقه و التاريخ" (كتبه سنة 1989) الذي تميز بأفكار واضحة و منظمة و متماسكة إلى حد كبير . تبقى كلمة أخيرة و هي أن الشيخ ما كان له أن يتعب نفسه كل هذا التعب و الزنادقة / العلمانيون لهم حل ناجع لمشكلة الفرقة (بضم الفاء) و هو التسامح و تقبل الأخر المختلف وحرية العقيدة و الدين لله و الأرض للوطن (الشيخ يذم الانغلاق على الذات). أيضا بخصوص الاستبداد يمكن حله عن طريق نظام ديموقراطي ، علما أن النظام الديموقراطي العلماني و أن اختلف مع الشريعة في الحدود فانه يتطابق تماما مع مقاصدها ، لذلك لا داعي لوضع العلمانيين ( يسميهم زنادقة !) في خانة أعداء الدين ، فأعداء الدين لا يدعون إلى العدل و المساواة و الرعاية الاجتماعية و إلا كان الإسلام يدعو إلى عكس هذه الأشياء .
و السلام
#يوسف_رزين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أحداث 23 مارس 1965
-
الكتابة على الجسد..بحث في الدلالات
-
وداعا نابليون
-
أنثروبولوجيا الحرام
-
تاريخ المطبخ الفرنسي
-
شدو الربابة بأحوال مجتمع الصحابة
-
الحرية الجنسية في الإسلام
-
نشأة علم التاريخ عند العرب
-
فلسفة التاريخ بين هيغل و ماركس
-
تاجر البندقية .. إعادة تفكيك
-
إشكالات بخصوص التاريخ الإسلامي
-
أنثربولوجيا الأضحية ..محاولة للفهم
-
الاحتلال الروماني للمغرب
-
وليلي مدينة إقامة يوبا و الحكام الرومانيين
-
لوح بابلي..حوار السيد و العبد
-
لمحة عن الحياة العلمية في الأندلس في عهد الناصر و المستنصر و
...
-
الحقيقة الغائبة
-
عبد السلام ياسين من منظور حداثي - نظرات في الفقه و التاريخ -
-
البغاء في الإسلام
المزيد.....
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|