|
نسخ الإسلام المكي وعواقبه
العفيف الأخضر
الحوار المتمدن-العدد: 7061 - 2021 / 10 / 29 - 20:57
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
من محمد الإيمان إلى محمد التاريخ قراءة للقرآن بما هو وثيقة طبية واعترافات محمدية العفيف الأخضر
الفصل التاسع
نسخ الإسلام المكي وعواقبه
المصلحة العامة، عند المعتزلة،هي الخيط الهادي للتشريع في الإسلام.هذه المصلحة متغيرة بتغير الزمان والمكان،إذن على التشريع أن يواكب حركة التغير والتطور،التي من دونها تضيع مصالح الناس. وهكذا ينتصر اللاهوت على الناسوت،أي العقل الإلهي على العقل البشري.اعتبار المعتزلة للقرآن مخلوقاً وليس قديماً؛ يعني ضمناً أنه ليس كلام الله،بل هو مجرد إلهام،وأن الوحي مجرد إيحاء أو إيحاء ذاتي،كحالة الشاعر مع الشعر.لا وجود لشيطان الشعر الذي يلهمه،بل ما يلهمه هو التخييلات وأحلام اليقظة التي تفرض نفسها عليه.
تحكيم العقل البشري،بالتأويل،في العقل الإلهي،أي الشريعة،الذي نادي به المعتزلة والفلاسفة كان تدشيناً للثورة الفلسفية الإنسانية في تاريخ الإسلام.هذه الثورة التي ُأُجهضت، أفسح فشلها المجال لتدشين عصر الإنحطاط في القرن 12 في المشرق والقرن الـ 15 في المغرب،كما أكد المؤرخ التونسي هشام جعيط.
فقهاء عصر الانحطاط تجمعوا في حزب الحديث والفقه الحنبلي،الذي كتب على رايته:الإنغلاق الديني،والذي تسلم اليوم الراية منه أقصى اليمين الإسلامي التقليدي والسياسي.
تنزيل القرآن في التاريخ،أي في الزمان والمكان،في كل عصر ومصر،هو الهدف الأول من إصلاح الإسلام بدراسته وتدريسه بعلوم الأديان المعاصرة،وتنزيله في الزمان والمكان يتطلب بالضرورة فصله عن الدولة، على غرار الكتابات المقدسة الأخرى،التوحيدية والوثنية؛ويعني أيضاً أن يغدو مرجعية رمزية للمؤمنين به، وليس للمؤسسات العامة،المطالبة بالحياد إزاء جميع أديان مواطنيها.
رفضَ حزب المحدثين والحنابلة بالأمس، تبني المصلحة العامة كرائد للتشريع،المتكيف مع ضرورات وحقائق كل حقبة تاريخية دونما اعتبار للنص.ورفض أقصى اليمين الإسلامي اليوم تبني ضرورة فصل الشريعة عن التشريع الوضعي العقلاني، ليكون هو المرجعية الوحيدة.هذا الرفض الذهاني العنيد أدخلهم جميعاً، ومعهم مجتمعاتهم،في مأزق تاريخي مزدوج:ديني وعملي.ديني:كيف يجوز على الله العليم أن يغير أحكامه بين فترة وأخرى، وأحياناً بين لحظة وأخرى،خلال 23 سنة هـ.ثم يتوقف بعدها إلى الأبد الأبيد؟ عملي:تطبيق أحكام الله وحقوقه تعني بكل بساطة أهدار مصالح غالبية الناس وجميع حقوق الإنسان، التي لا تعترف بها الشريعة وحسب، بل تعتبر انتهاكها عملاً مشروعاً وواجباً، لا يصح إسلام مسلم إلا به، إذا استطاع إليه سبيلا.هنا ينبغي أن نرى المصدر الأساسي للضمير الإسلامي الشقي المعاصر:عجز حتى الشلل عن تطبيق الشريعة عملياً، وعجز حتى الشلل عن تبني أو تطبيق القانون الوضعي. فبقي حائراً، ممزقاً ويهذي،ساقطاً بين كرسيي (بسكون الياء) القدامة والحداثة!.
النسخ ضرورة اجتماعية لإلغاء القديم، الذي غدا غير متكيف مع حقائق العصر، مثل تحريم تدريس الفلسفة وبعض العلوم الإنسانية،في كثير من البلدان الإسلامية،أو بما هو تصحيح وتطوير أفكار وسلوكيات قديمة،لتكييفها مع حقائق العلم والحياة،وبما هو تقدم روحي وعلمي واجتماعي، على حساب معتقدات وذهنيات سحرية، خرافية وظلامية،كعداء الحداثة،والمرأة وغير المسلم والأقليات وحقوق الإنسان والديمقراطية والسلام، الداخلي والعالمي،والإصلاح الدائم للشأن الديني والدنيوي.هذا النسخ هو ضرورة إجتماعية لا بديل لها غير السقوط في الجمود والإنحطاط . بل أن النسخ،بهذا المفهوم،هو قانون تاريخي،تجاهُلُه أو معارضته،عقاب ذاتي لكل مجموعة بشرية تتجرأ على ذلك.
النسخ،بهذا المفهوم التقدمي والتطوري،هو فكرة مركزية ضابطة لتقدم المجتمعات و لتوازنها، وجدير إذن بأن يكون مثالاً أعلى للعقل البشري، الطموح إلى الوصول إلى المجتمع المفتوح ،والأخلاق المفتوحة والتدين المفتوح،أي العقلانية الدينية المتصالحة مع حقائق العالم الذي نعيش فيه.
متى يمكن تشخيص النسخ بأنه أصبح هاذياً؟
عندما يأخذ الاتجاه المضاد لحركة التاريخ؛عندما يكون نكوصاً إلى الوراء،حتى عن المكاسب والانجازات التي تحققت، كما هو الحال عند نبي الإسلام في المدينة:عندما تحول من نبي،اعترف بديانات عصره المعروفة، في مكة، إلى ناسخ للآديان التي اعترف بها،في المدينة؛وإلى محارب،ضداً على المسالمة التي التزم بها في مكة،وقاتل للشعراء والأسرى واليهود في المدينة،هو الذي التزم في مكة الدعوة لدينيه"بالحكمة والموعظة الحسنة"(125،النحل).
هذيان التراجع عن المكاسب والانجازات، التي حققها نبي الإسلام في القرآن المكي،وفي السنتين الأوليتين من الإسلام المدني، قبل أن يُشّرع للجهاد:وصايا بالعدل والإحسان والرحمة ومكارم الأخلاق، والاعتراف بالديانات المعروفة في عصره،كاليهودية والمسيحية والمجوسية والصابئة، بما هن طريق ممكن للخلاص الروحي للمؤمنين بهن،والاعتراف بالحريات الدينية، بل وحتى بحرية الضمير، أي عدم الأخذ بأي دين:"لا إكراه في الدين"(256،البقرة)و"لكم دينكم ولي ديني"(6 الكافرون)و"من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"(29 الكهف)و"إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون ومن آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون"(69،المائدة)،ويعترف لمشركي قريش:"(...)وإنا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين"(24،سبأ)؛قال نبي الإسلام:يا معشر قريش، نحن المسلمين وأنتم المشركين، قد نكون معاً على هدى، إذن دين كل منا يصلح طريقاً للخلاص الروحي،أو قد نكون نحن وأنتم في ضلال مبين،أي ان ديننا ودينكم لا يصلح أن يكون طريقاً للخلاص الروحي. وهكذا يقدم نبي الإسلام اعترافاً نادراً وثميناً،أسّس للإيمان كرِهان على أنقاض الإيمان كيقين أعمى،حتى أن الطبري لما وقف أمام هذا الإعتراف عند تفسيره، أصيب بالإرتباك وانغمس في تأويلات لا طائل منها؛أو "وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون"(117،هود)،أي أن ربك لن يكتب أبداً الهلاك ظلماً على أي بلاد، والحال ان سكانها مصلحون جيدون؛فسرها الرازي في رواية ابن عباس:"إن الله لا يعذب على الشرك بل على الظلم"،أو"إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة"(117،الحج).وهكذا فوض نبي الإسلام إلى الله الفصل بين الديانات،الصالحة والطالحة،إلى يوم القيامة.
لم يرى السيوطي مصلحة في إعادة رواية رواية ابن عباس،رغم أن تفسيره هو تفسير بالمأثور! مقدماً لها تفسيرين إشكاليين:عن عكرمة:"إنا،نحن لعلى هدى،وانتم في ضلال مبين"أي فسرها بعكس معناها!وعن قتادة:"قد قال أصحاب محمد للمشركين:والله ما نحن وأنتم على أمر واحد؛إما أحد الفريقين مهتد"ووضع في جيبه أو:"في ضلال مبين"!الروياتان زورتا تفسير الآية كلياً،كالأولى أو جزئياً كالثانية!الرق النفسي لعبادة الأسلاف يجعل المصاب به هاذياً.ذلك هو حال كثير من النخب الإسلامية قديماً وحديثاً.
وهكذا فالإسلام المكي،اعترف بجميع الديانات بما فيها الشرك،تاركاً الفصل بين هذه الديانات جميعاً إلى يوم الحساب.هذه المكاسب وغيرها، نسخها الإسلام المدني. مثلاً كيف نُسخت هذه الآية ؟ :"عن قتادة:الأديان 6 ف 5 للشيطان، ودين لله (...)" أي الإسلام وحده! وعن عكرمة:"قالت اليهود:ُعزير ابن الله،وقالت النصارى: المسيح ابن الله، وقالت الصابئة:نحن نعبد الملائكة من دون الله، وقالت المجوس:نحن نعبد الشمس والقمر من دون الله،وقال المشركون:نحن نعبد الأوثان من دون الله؛فأوحى الله لنبيه ليكذب قولهم:قل هو الله أحد (انظر السيوطي في تفسير هذه الآية)؛هذا ليس تفسيراً للآية بل تزوير لها:"الله يفصل بينهم يوم القيامة وليس في الدنيا"!في الدنيا من حق كل مؤمن بدين ممارسة شعائره من دون أن يُقدّم على ذلك حساباً لأي مسلم !.
الآيات المكية،في المسألة الدينية،في انسجام مع مبادئ الحريات الدينية.أما الآيات المدنية الناسخة لهن،ففي حالة حرب معلنة على مواثيق حقوق الإنسان. والحال أن عقائد وشعائر أي دين، تفقد شرعيتها الأخلاقية،لمجرد أن تنتهك حقوق الإنسان الأساسية،منتكصة إلى مراحل تخطاها تطور الفكر البشري!.
حسب منطق النسخ الّلامعقول،نسخت آية واحدة من الإسلام المدني:"فإذا انسلخ الأشهر الحُرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم(...)" (165،التوبة)123 آية، أسست للتسامح الديني؛كما أن آية النرجسية الدينية:"إن الدين عند الله الإسلام"(19،آل عمران)نسخت جميع آيات الاعتراف بالحريات الدينية وبالديانات السابقة.ووسّع حكمها فقهاء النرجسية الدينية، مدعين بأن الديانات السابقة، كاليهودية والمسيحية،لم تكن ديانات، بل كانت مجرد شرائع، نسختها الشريعة الإسلامية!وهكذا نُسخت جميع الأديان والشرائع سواء منها التوحيدية أو الوثنية وباتت البشرية، حسب فقه جهاد الطلب،أي غزو البلدان الأخرى، واقعة تحت تهديد: جيوش الجهاد:إما الدخول في الإسلام، وإما الجزية وإما الحرب!ونسخت آية تشريع القتال في المدينة:"أُذن للذين يُقاتلون[بفتح التاء] بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير"(39، الحج) حوالي 70 آية من آيات التسامح والمسالمة،ودخل النبي، المشرّع و المسلح، في جدال عقيم مع اليهود والنصارى، مازال الجميع يكابد عواقبه الوخيمة حتى الساعة:"(...)هل أنبئكم بشرّ من ذلك(...)عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير"(60،المائدة) و:"لتجدن أكثر الناس عداوة للذين آمنوا، اليهود والذين أشركوا،ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا النصارى (...)"(82،المائدة)لكن سرعان ما سيتدخل هذيان النسخ لنسخ آخر الآية محولاً اليهود والنصارى معاً إلى أعداء ألّداء للمسلمين:"يا أيها الذين آمنوا، لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء،بعضهم أولياء بعض،ومن يتولاهم منكم،فإنه منهم"(51،المائدة)،أي خرج من الإسلام ودخل، من حيث يدري او لا يدري، في اليهودية والمسيحية!وهذه الآية أسست لفقه الولاء والبراء الإرهابي، الذي هو اليوم دليل "القاعدة"في إدارتها للإرهاب المعولم؛ودليل أقصى اليمن الإسلامي،في اغتيال أو لإيعاز باغتيال، الحداثيين والديمقراطيين بـ"جريمة"تبنيهم للحضارة الغربية،أي انحيازهم لحضارة"دار الكفر"!
باختصار، الإسلام المدني،نسخ الإسلام المكي بما هو:"إسلام فترة الإستضعاف"حيث كان نبي الإسلام ،كما يقول ورثاء الإسلام المدني،ضمناً على الأقل،قد تكتّم عن جزء من رسالته، لأن الظروف الموضوعية لم تكن تسمح له بالإصداع بها، حتى إذا هاجر إلى المدينة، وجد الفرصة سانحة للتعبير عن كل أحكام دينه، حتى ولو كانت في تناقض مع مبادئ دينه التي بشر بها في مكة .وهكذا فالإسلام المكي الذي تجسد في 4663 آية نسخه الإسلام المدني الذي تجسد في 1573 آية!. تمسك المتصوفة بالإسلام المكي، وفي المقابل، تمسك أقصى اليمين الإسلامي،التقليدي والسياسي، بالإسلام المدني، المستخدم اليوم على أوسع نطاق، في أرض الإسلام وفي العالم،لإنتهاك حقوق الإنسان وسفك الدماء:دماء المسلمين وغير المسلمين. بالعنف والإرهاب!.
فما العمل اليوم لإزاحة عائق آيات الإسلام المدني،الذي ُيعيق أكثر من مليار مسلم على الزواج،بلا عقد ولا شعور بالذنب،بحقبتهم ومؤسساتها وعلومها، وقيمها وحقائقها الاقتصادية والدبلوماسية، وعلى رأسها ضرورة حوار الأديان،كبديل عن حرب الأديان؛كيف يستطيع مسلم أو مسلمة محاورة ممثلي ديانات لا يعترف بوجودها ويوجه، مراراً في اليوم ،في صلواته للمؤمنين بها الشتائم؟ لا أرى إلا قرارين عاجلين ومهمين واقعيين:عملياً،فصل الدين عن السياسة كما يفعل معاصرونا في العالم؛ودينياً،نسخ النسخ،أي نسخ جميع الآيات المدنية،التي نسخت آيات التسامح المكي ورد الاعتبار الديني لهذه الأخيرة؛وتالياً تبني،في التعليم والإعلام،الإسلام الصوفي المسالم ضداً على إسلام أقصى اليمين الإسلامي المدني الشرعي، والجهادي والإستشهادي.
الإدعاء بأن نسخ القرآن والحديث توقف بعد موت محمد غير مقبول لا نظرياً ولا تاريخياً.نظرياً:لأنه يتعارض مع قانون التطور،الذي هو اقوى من جميع النصوص الدينية أو الدنيوية؛التسمر في تقاليد ومعارف مرحلة من مراحل التاريخ، لم يحدث في التاريخ،لأنه يفترض وجود جوهر جامد للظواهر الفكرية والاجتماعية.والحال أن التاريخ يحكمه قانون تطور الأفكار والظواهر، وقانون تجاوز المراحل التاريخية.التاريخ ذاته لا يعود تاريخ، إذا توقف عن توليد الجديد من رحم القديم،ونسخ ما تقادم، ليفسح المجال لما سيولد على أنقاضه.تاريخياً:تاريخ القرآن والحديث بعد موت نبي الإسلام، ينهض شاهداً على هذه الحقيقة:بعد أسابيع من موت محمد،نسخ أبو بكر حق المؤلفة قلوبهم في آية الصدقات،كما يؤكد الطبري في تفسيره لها، راوياً عن عامر،راعي إبل أبي بكر،الذي علق على نسخها :"كانت الرّشى في عهد النبي،فلما ولي أبو بكر انقطعت الرشّى"،أي أن النبي كان يقدم رشوة لغير المسلمين لتأليف قلوبهم وإدخالهم في الإسلام،لكن أبو بكر قطع هذه الرشوة. ومن الجائز الإفتراض بأن الراعي قد سمع هذا التقييم الدقيق من أبو بكر نفسه؛ونسخ عمر وعلي ومعاذ آية الفيء:"واعلموا أنما غنمتم من شيء،فإن لله خمسه وللرسول(...)والمؤلفة قلوبهم (...)"(41،الأنفال)تم النسخ، بعد فتح العراق ومصر.ومذ ذاك التاريخ أصبحت الأراضي المفتوحة لا تُقسم كفيئ على الفاتحين، بل تعود ملكيتها للدولة، التي أممتها وقررت إعطاء الجنود الفاتحين أجوراً، بدل الغنائم التي أسسها القرآن والسنة معاً؛ونسخ الفقهاء آية وجوب العقد في الدين:"وإذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه"(282،البقرة)،محتجين بأن سكان الأمصار لا يعرفون العربية، لغة العقد.إذن اشتراط العقد سيؤدي إلى ضياع المصالح.المصلحة،أي حاجة الناس اليومية، تغلبت على النص القرآني؛ونسخ الفقيه المغربي الونشريسي في كتابه"المُغرب في فتاوى إفريقيا والمغرب "حديث النبي،الذي حرم الصدقة على آل البيت لأنها مُذلة لكرامتهم قائلاً نظماً:
والوقت قاض بجواز إعطا / آل الرسول من مال الزكاة قسطا
في لحظات إزدهارالحضارة العربية الإسلامية في بغداد العباسية،والقاهرة الفاطمية،والأندلس الإسلامية،نسخ الخلفاء فقه" الولاء والبراء" واتخذوا اليهود والنصارى وزراء،ومستشارين،وأطباء ومترجمين.لكن في قرون انحطاط الحضارة العربية الإسلامية اضطهدوهم،كما اضطهدوا المجددين والمبدعين بين المسلمين انفسهم.
صحيح،أن معظم الفقهاء،الذين سكنتهم روح الانحطاط،توقفوا عن النسخ.لكن حركة التاريخ لم تتوقف عن نسخ النصوص، التي أحجموا عن نسخها،باعتراف مفتي مصر:"لم تُطبق الشريعة في مصر منذ 1000 عام،أي قبل دخول الإستعمار إليها بـ 8 قرون!تكذيباً لأقصى اليمين الإسلامي،الذي اتهم الإستعمار بـ "جريمة"إيقاف تطبيق الشريعة،التي يطالب بالعودة إليها،انتهاكاً صارخاً لمواثيق حقوق الإنسان والقانون الدولي!.
في القرن الـ 20 نسخ قاسم أمين آية الحجاب، ونسخ الشيخ الطاهر الحداد آيتي تعدد الزوجات والتفاوت في الإرث والشهادة بين الذكر والأنثى؛وفي القرن الـ21 ،نسخ حسن الترابي عدة آيات، منها آية التفاوت في الإرث والشهادة بين الرجل والمرأة، وآية تحريم زواج المرأة المسلمة من غير المسلم. معترفاً هكذا للمرأة المسلمة بحقها في الزواج ممن تحب، مهما كان دينه:اليهودية أو المسيحية أو الوثنية... ونسخ محمد الطالبي، وجمال البنا وغالب بن شيخ آية ضرب الزوجات: "واضربوهن"(34،النساء).
فيما يخصني،اقترحت،بدلاً من النسخ بالقطّارة، آية بعد آية،اعتماد مبدأ فقهي ناسخ، يؤسس لنسخ كل نص ديني يتعارض مع مصلحة المواطنين،أو مصلحة البشرية، أو مصلحة السلام الداخلي أو العالمي، أو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والوثائق المكملة له،أو مع مؤسسات وعلوم وحقائق العالم الذي نعيش فيه.وهكذا نصل عملياً إلى نسخ معظم القرآن المدني الذي غدا في اشتباك يومي مع العصر.وهكذا نضع لأول مرة حداً لهذيان النسخ،بالانتقال إلى التشريع الوضعي العقلاني، على حساب شريعة الإسلام المدني.
عواقب نسخ الإسلام المكي
من وجهة نظر تاريخ الأفكار الدينية،يمكن التأريخ لنهاية الأساسي من الإسلام المكي،ببداية الإسلام المدني في السنة الثانية للهجرة.هذا النسخ دشن بداية الإسلام المدني،الذي شكل قطيعة رديكالية دينية وعملية ـ قرآناً وسنة ـ مع جوهر الإسلام المكي،الذي قام على أساسين،الاعتراف بجميع الأديان واللاعنف:لا شريعة ولا جهاد.بما أن الصراعات بين الأديان كانت ومازالت أهم أسباب العنف.اعتراف الإسلام المكي بجميع الأديان،قطع الطريق على العنف الديني. كان الإسلام المدني أيضاً قطيعة مع اللاعنف،الذي كان قوام الإسلام المكي؛اللاعنف في تبليغ الدعوة،واللاعنف في الدفاع عنها،الذي حصره نبي الإسلام في مكة في:"الحكمة والموعظة الحسنة"(125 النحل).وأقر أيضاً،وهي سابقة غير مسبوقة،بالإيمان كرهان،مجرد رهان،بآية الشك على أنقاض اليقين الديني الأعمى عادة:"وإنا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين"(24 سبأ) .
اعتمد الإسلام المدني على العنف في جميع المجالات؛خاصة العنف الشرعي والجهادي.الإسلام المدني كان بالنسبة للإسلام المكي،ما ستكونه،بعد الإسلام المدني بـ 7 قرون،مسيحية محاكم التفتيش بالنسبة لمسيحية المسيح وحوارييه.
الدولة الدينية الكاثلوليكية التفتيشية،عرّفت نفسها بما هي عدو" للزندقة".والدولة الدينية الإسلامية المدنية عرّفت نفسها بما هي عدو لجميع الأديان الأخرى الباطلة التي نسخها:"الدين الحق"؛فلم يعد في نظر الله من دين آخر سوى الإسلام:"إن الدين عند الله الإسلام" (19 آل عمران)،وبما هي عدو للمؤمنين بالأديان"الباطلة"،أي لبشرية عصرها!هكذا ولدت الدولة الإسلامية في المدينة،وهكذا مازالت حتى الآن،عند ورثة الإسلام المدني:أقصى اليمين الإسلامي.
تجسد الإسلام المدني في الشريعة والجهاد؛ الشريعة اليوم هي تمييز ضد المرأة،وضد غير المسلمين،وانتهاك لحقوق الإنسان الأساسية بما فيها الحق في السلامة البدنية والحق في الحياة؛ والجهاد بما هو إرهاب معولم، يهدد أمن سكان العالم بمن فيهم المسلمين، الذين تجاوز عدد ضحاياهم ضحياه في العالم.
رأينا كيف مارس محمد في مكة السادية ضد الذات،بمحاولات الانتحار وبتعذيب نفسه بالعبادة الطويلة والشاقة،وبالإتهام الذاتي الهاذي لنفسه. في المدينة اختفت السادية ضد الذات واختفت محاولات الانتحار؛واختفى"التسامي"بغرائزه الجنسية المتفجرة في الانتاج القرآني، وفي الدعوة اليومية لدينه وفي العبادة الطويلة والشاقة.لكن حضرت السادية ضد الآخر، التي كبتها الإسلام المكي المسالم.فأصبح محمد النبي والشاعر في مكة، مشرّعاً،محارباً وقاتلاً للأسرى واليهود والشعراءفي المدينة.وهكذا انطلقت جميع غرائزه العدوانية المكبوتة من عقالها لتصول وتجول.كان يحاول إعطاء الموت الفعلي لنفسه بالإنتحار،أو الرمزي، بالتأنيب والتذنيب وتعذيب نفسه بالعبادة. فأصبح يعطي الموت،الفعلي والرمزي للآخرين.
ذهنية محمد،تحولت من النقيض إلى النقيض؛في مكة كان نبياً حقاً،يدعو لدينه لوجه الله دونما غرض مادي للإتجار به؛فلم يكن يسأل المؤمنين به عن دعوته أجراً،كما تشهد بذلك الآية:"وما أسألكم عليه أجراً، إن هو إلا ذكرى للمؤمنين"(109،الأنعام)؛أكد نبي الإسلام معنى هذه الآية سواء على لسانه أو على لسان أنبياء آخرين مراراً.لكن بانقلابه على نفسه في المدينة،أصبح الغرض المادي حاضراً ناظراً:سواء بحصته،الخمس،في الغنيمة تقليداً لشيوخ القبائل في الجاهلية، الذين كانوا يخصون أنفسهم بربع الغنيمة،أو اختصاص نفسه بإقطاعية فدك الغنية،أو بسؤال مستفتييه أجراً على فتاواه،أي بالحديث والقرآن.وهذا ما تشهد به آية:"يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول، فقدموا بين يدي نجواكم صدقة،ذلك خير لكم وأطهر.فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم"(13، المجادلة).
"عن ابن عباس قال:إن المسلمين أكثروا المسائل على رسول الله(ص)حتى أشفقوا عليه،فأراد الله أن يخفف عنه.فلما قال ذلك:امتنع كثير من الناس وكفوا عن المسألة.فأنزل بعدها الآية التالية لها، (13،المجادلة)،وعن علي ابن أبي طالب:قال لي النبي:ما ترى ديناراً؟قلت:لا يطيقونه،قال:فنصف دينار؟ قلت:لا يطيقونه.قال:فكم[إذن]؟قلت:شعيرة.قال:إنك لزهيد[=تقنع بالقليل أو بخيل].قال [=علي]:فنزلت آية" أاشفقتم"...وعن علي[في رواية أخرى]:ما عمل بها أحد غيري حتى نسخت.(...)وعن علي أيضاً:إن في كتاب الله لآية ما عمل به أحد قبلي،ولم يعمل أحد بها بعدي:آية النجوى.كان عندي دينار،فبعته بـ 10 دراهم،فكنت كلما ناجيت النبي(ص)قدمت بين يدي درهماً،ثم نُسخت فلم يعمل بها أحد بعدي.وعن مجاهد:نهوا[الصحابة]عن مناجاة النبي."(انظر تفسير السيوطي للآيتين)؛ واضح أن المسلمين أضربوا عن مناجاة النبي،مقابل أجر،فنسخت الآية. حقاً إننا أمام مساومة تجارية عنيدة،أمام الاتجار بالدين! نسخت الاية 12 بالآية 13 من نفس السورة: "أاشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإن لم تفعلوا وتاب الله عليكم،فأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله".لا رابط منطقي بين هذه التأكيدات،شأن القرآن غالباً!.معنى الآية:هل خفتم أن تفتقروا بتقديمكم شيئاً من الصدقات،قبل أن تسألوا النبي عن فتوى،و بما أنكم رفضتم أن تفعلوا ما أمرتكم به الآية،وإذا تاب الله عليكم ... فأقيموا الصلاة إذن،و لا تنسوا أن تطيعوا الله ورسوله.
عواقب الإسلام المدني، مقروءة في واقع كل بلد تقريباً في أرض الإسلام.طريقة محمد المدني في التفكير والتدبير في المدينة تعود لشل تفكير وتدبير النخب والجمهور،حتى لا يتشجعوا على التقدم إلى الحداثة؛بما هي انفتاح على الآخر وعلى العالم الذي نعيش فيه.ومازال قطاع من النخب والجمهور،خاصة الإسلامي،يتخذ من إسلام المدينة نموذجاً له معتبراً النكوص إليه في السياسة الداخلية والخارجية واجباً دينياً.فـ"تقليد"،ميميتيزم، النبي في حركاته وسكناته،من أوجب واجبات المسلم.
المهم ليس فهم المظاهر، التي يتجلى فيها الإرهاب،بل فهم الميكانيزمات،أي آلياته وروافعه الدينية ـ النفسية،الكامنة وراء تجليات الإرهاب ومآسيه.أحد هذه الميكانزيمات،هو الرغبة الهاذية في"تقليد" النبي،تقليد كل ما قاله أو فعله،المتأصلة في نفسية قطاع من المسلمين،خاصة السلفيين والوهابيين الجهاديين،والتي تدفعهم إلى إعادة تمثيل ما قاله أو فعله النبي منذ 14 قرناً.أفعال النبي، هن كلقطات التلفيزيون لمن يسجلون ضربة ناجحة في كرة القدم.مثلاً قادة الحركات الإسلامية، يبدأون كتاباتهم بـ:"نعوذ بالله من شرور أنفسنا،وسيئات أعمالنا"،التي افتتح بها النبي"الصحيفة"، ويرسلون لحاهم مثلما أرسل،ويستاكون بعود الآراك مثلما استاك،ويفطرون في رمضان بـ 4 تمرات وكأس حليب كما كان يفطر،ويقتلون المدنيين اليهود ـ أو يتوعدونهم بالقتل ـ كما فعل هو مع يهود بني قريظة.
المظهر الأول لرواسب إسلام المدينة في واقع المسلمين اليوم،هو أنهم،عكساً للأمم الأخرى بما فيها الأقل تقدماً،مازالوا متسمرين في حاكمية القرون الوسطى:حاكمية العقل الإلهي؛ولم ينتقلوا بعد إلى حاكمية العصور الحديثة:حاكمية العقل البشري،الذي حل محل العقل الإلهي في كل شيء: في السياسة والاقتصاد والعلم والفن والأدب وحتى في الدين المصلَح والمعقلن أيضاً ...إلخ.كل تطور، مهما كان جزئياً،نحو الانتقال إلى حاكمية العقل البشري يثير هلع قيادات أقصى اليمين الإسلامي فتسميه"السقوط في جاهلة القرن العشرين"،أو ترجمتها التونسية:"التصحر الديني"!.عجزت هذه النخب عن تكييف الإسلام مع الحداثة، وهي مهمة ضرورية وممكنة بإصلاح الإسلام،فاستبدلتها بمهمة ليست ضرورية ولا ممكنة:أسلمة الحداثة.
ومازال قطاعاً من النخب والجمهور متسمراً في الولاء والبراء، الذي أسس له الإسلام المدني:"يا أيها الذين آمنوا، لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء،بعضهم أولياء بعض.ومن يتولاهم منكم فإنه منهم"(51 المائدة):الولاء للمسلمين حصراً،وعداء اليهود والنصارى و"الكفار"عامة،أي عداء أشخاصهم، ومعبوداتهم، ومؤسساتهم، وعلومهم وقيمهم، وأنماط تفكيرهم وتدبيرهم.وهذا ما شكل حتى الآن عائقاً دينياً وذهنياً لتكيف المسلمين،مع ضرورات العالم الذي يعيشون فيه.
في مكة كان يدعم شرعيته بما ُأُنزل على أهل الكتاب ويوصي أصحابه:"ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن"(46،العنكبوت).أما في المدينة فجادلهم هو نفسه وأصحابه بالتي هي أخشن قولاً وفعلاً.والأدهى،أنه جعل ولاءهم،أي صداقتهم والتعاون معهم مُخرجاً من الملة،مؤسساً بذلك فقه الولاء والبراء الإنطوائي والإرهابي،الذي مازال عائقاً دينياً وذهنياً يردع المسلمين عن الإندماج في حضارة عصرهم،التي أنتجها"أهل الكتاب"!ويردع شعورياً ولا شعورياً،المسلمين في مهاجرهم عن الاندماج في مجتمعاتهم.هذا الاندماج الذي من دونه لا مستقبل لهم :لا عمل،ولا سكن،ولا أسرة. بل تهميش وضياع،وتعاطي وبيع المخدرات،وجنوح وإرهاب!
عملا بفقه الولاء والبراء، الذي مازال شيوخ الإسلام حتى الآن،يكفرون من يحمل جنسيات بلدان غير إسلامية، وخاصة بلدان"دار الحرب"باسم هذه الآية؛من يأخذ جنسية بلد غير مسلم،يخرج من الإسلام ويدخل في دينها حسب فتاواهم!. تساءل الكاتب والمصرفي الفرنسي من أصل تونسي،محمد القروي:عن شكوى الكتاب الفرنسيين، من أصل مغاربي،دائماً في كتاباتهم من فرنسا وخصّهِا ببعض الشتائم.في نظري،ذلك لا شعورياً ، محاولة للتكفير عن خطيئة الهجرة إلى فرنسا،التي تمثل في الوعي الجمعي الإسلامي"دار الحرب"، وحمل جنسيتها بما هي ،لا شعورياً على الأقل، قطيعة مع الوطن الأم،و الدين الأم اللغة الأم ... شأن محمد ديب،روائي فرنسي معروف من أصل جزائري،الذي يشتم اللغة الفرنسية،التي لا يكتب إلا بها،لأنها"قطعت لسانه"فلم يعد قادراً على الحديث والكتابة بلغة الأم!. طالما استشهدت بكتاب مدرسي سعودي، يوصي التلميذ في الإعدادي:إذا حدث وسافر إلى"ديار الكفر":"للتطبب او للتعلم أو للتجارة:فأقم بينهم وأنت تضمر العداوة لهم"! فكيف سيندمج في مجتمعاتهم،وقد برمجت المدرسة عداوتهن في فصوص دماغه منذ نعومة أظفاره؟!.
كتاب اين تيمية:"اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم"الذي،قلّ من لم يقرأه من مناضلي الحركات الإسلامية،حشا أدمغة المسلمين منذ 8 قرون بفقه الولاء والبراء.هذا الفقه الذي يحرم تقليد "أصحاب الجحيم"حتى فيما فيه مصلحة للمسلمين! يقول الكتاب: "لا نقلدهم حتى فيما فيه مصلحة لنا،لأن الله إما أن يعيطنا خيراً منها أو مثلها في الدنيا،وإما أن يعوّضنا عنها في الآخرة"!
الولاء والبراء، حول غير المسلمين إلى"فرقة شريرة"متآمرة على الإسلام،زرع في الوعي الجمعي الإسلامي رؤيا باراونوياك للعالم الذي نعيش فيه،قائمة على الاعتقاد بأن هذه الفرقة الشريرة"اليهودية ـ الصليبية ـ الماسونية"تتآمر على المسلمين.فهي المسؤولة عن انهاء الخلافة الإسلامية سنة 1924 في تركيا؛وعلى ايقاف العمل بالشريعة،وتعويضها بالعلمانية والقانون الوضعي؛وعلى استصدار مواثيق حقوق الإنسان والزام الدول الإسلامية بها.باختصار،فهي المسؤولة عن اختراع الحضارة الغربية المادية والملحدة،وعن فرضها على المسلمين كبديل لحضارتهم الروحية المؤمنة. لهذا السبب ألححت دائماً على ترياقين ممتازين مضادين للإنغلاق الديني في الإسلام:هما حوار الأديان التوحيدية والوثنية،أي الاعتراف بهذه الأديان جميعاً ،كطريق للخلاص الروحي للمؤمنين بهن فضلاً عن تبني حقوق الإنسان الكونية،وضرورة اندماج المسلمين في العالم الذي يعيشون فيه، وفي المجتمعات الغربية التي يعيشون فيها،والمشاركة الايجابية في رفع التحديات الكونية:نزع فتيل قنبلة الانفجار السكاني،حماية البيئة،وقف انتشار أسلحة الدمار الشامل،مكافحة الأوبئة العالمية،والفقر والمجاعة من أجل"قرية كونية"أكثر تكاملاً وتضامناً.
من الضروري إعداد خارطة طريق،بالتعاون مع الإخصائيين الأوربيين والأمريكيين،لتعويض ثقافة الولاء والبراء،ثقافة الكراهية والإنغلاق، بثقافة الإنفتاح والحوار. كيف يقوم حوار حقيقي بين الأديان،ورجال ونساء الدين الإسلامي يعتقدون أن هذا مخالف للشرع؟
أحد رؤساء لجنة الفتوى بالأزهر،صرح في 2001 ،عندما تناولت وسائل الإعلام الحوار بين الأديان بعد مأساة 11 سبيتمبر:"لا معنى للحوار مع البابا إلا بدعوته إلى الدخول في الإسلام"،كما تفرض الشريعة ذلك !ربما لهذا السبب، أفتتح حسن الترابي محادثاته مع البابا،جان بول 2 ،عندما زار الخرطوم،بدعوته للدخول في الإسلام.واعتبر أحد قادة أقصى اليمين الإسلامي التونسي زيارة هذا البابا لتونس في نفس الفترة"غزواً صليبياً"! حروب محمد على يهود المدينة، والتنديد بهم وبالنصارى،في آيات القرآن المدني أسست لهذه الإنعزالية الإنتحارية.حتى أقل واجبات المجاملة الإنسانية واللياقة الدبلوماسية نهى القرآن عنها. كواجب العزاء في جار أو رئيس دولة غير مسلم:"فلا تأسى على القوم الكافرين"(68 المائدة).فضلاً عن آيات التحريض على مقاطعة "الكفار" وقتلهم:"واقتلوهم[=الكفار]حيث وجدتموهم"...لغسل دماغ المسلم لجعله يستسهل سياسياً ويستحل دينياً وأخلاقياً قتل"الكفار"خبط عشواء.وهو ما يجري أمام عيوننا.
رأينا ذلك في 11 سبتمبر 2001 ،وفي الإنتفاضة الثانية حيث كان استشهاديو حماس ينحرون وينتحرون في الإسرائيليين سواء أكانوا واقفين أمام محطة باص،أو مصطفين في الطابور للدخول إلى مرقص أو في مكدونالد...إلخ؛ورأينا ذلك أيضاً في يهود المغرب سنة 2003 ، وبعد ذلك في كنيس الغريبة في جزيرة جربه التونسية؛وفي مسلمي الجزائر"المرتدين".
إستئصال قبائل يهود المدينة،بإجلائهم أو قتلهم،ومصادرة املاكهم،وقتل جميع ذكور يهود بني قريظة البالغين،بين700 و 900،الذين ظلوا يُقتلون بحد السيف على مدى يوم ونصف.ثم تم بيع نسائهم وأطفالهم في الحبشة!.إنها لمأساة حقاً،مثلاً كيف تم التمييز بين الأطفال البالغين وغير البالغين؟ بتعريتهم لمعرفة ما إذا كان شعر العانة قد نبت أم لا.وكل من نبتت شعر عانتهم سيقوا إلى المذبحة. لنتصور الآلام النفسية التي كابدها هؤلاء الأطفال وذووهم خلال عملية التفتيش التي لا تسعفني المعاجم بكلمة لوصفها. هذ الإستئصال أسس للعقاب الجماعي،الذي ألغاه القرآن المكي:"ولا تزر وازة وزر أخرى"(15، الإسراء)،بإقراره فردية المسؤولية الجزائية،التي هي اليوم مبدأ في التشريع الجزائي العالمي؛ كما أسس لإضطهاد الأقليات في أرض الإسلام.وقد لا يكون قتل مليون أرمني في تركيا سنة 1915 إلا مجرد ريامك،إعادة تمثيل لفيلم قتل بني قريظة.مازال جمهور أقصى اليمين الإسلامي في العالم العربي يهدد اليهود المعاصرين بتكرار مذبحة يهود بني قرظة.
الشعار المركزي في مظاهرات الإخوان المسلمين في الأردن،لمساندة حماس:"خيبر، خيبر، يا يهود، جيش محمد سيعود".وعندما زار اسماعيل هنية تونس أستقبله جمهور الإسلاميين بنفس الشعار. حذرت نائبة اسلامية في المجلس التأسيسي،من أن:"مصير جزيرة جربا التونسية سيكون كمصير فلسطين"،أي سيشتري أرضها اليهود.عدد الأقلية اليهودية في تونس أقل من 2000 !.
حتى التخييل الإكتئابي جعل الفقيه عمران حسين،يستلهم مذبحة ذكور يهود بني قريظة،فيعيد صياغة حديث البخاري الشهير،عن قتل المسلم لآخر يهودي قبل نهاية العالم،في سيناريو نهاية وشيكة للعالم اليوم تكون آخر وأقسى عقوبة لليهود الذين،يقول عمران حسين:عاقب الله اليهود أول مرة بالسبي البابلي؛وعاقبهم مرة ثانية بالغزو الروماني وتدمير الهيكل و سيعاقبهم الآن للمرة الثالثة والأخيرة بقضاء جيش الإسلام عليهم حتى آخر يهودي!وتقوم القيامة.
أهل الذمة ،اليهود والنصارى،أوصت آية من القرآن المدني بضرورة إذلالهم:"حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون"(29 التوبة)،إذلال أهل الذمة مسطور فيما سمي بـ"عهد عمر":أن لا تعلو دورهم وكنائسهم، عن دور المسلمين وجوامعهم،وأن يركبوا الحمار إذا ركب المسلمون الحصان،وأن يرتدوا الثياب من لون خاص حتى يعرفهم المسلم،وليس على المسلم ان يبادرهم بالتحية ولا حق لهم في بناء كنائس جديدة أو ترميم ما تهدم منها...سجل إسماعيل مظهر في السنوات 1930 صيغة كانت تكتب في عقود البيع بين المسلم والمسيحي:"باع الهالك ابن الهالك،جرجس مثلاً،لإبني ساكن الجنان،محمد مثلاً...".
تحريم القانون الوضعي وحرية التعبير، اللذين أسس لهما القرآن المدني،مازالت عواقبهما الوخيمة حاضرة في حياة المسلمين اليوم:"والذين لا يحكمون بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"(44 المائدة). معنى ذلك أن القانون الوضعي لا شرعية له، وتطبيقه يؤدي إلى الكفر. قتْل النبي،أحياناً شر قتل،الشعراء الذين انتقدوه أو شتموه،حوله أقصى اليمين الإسلامي إلى تشريع،في البلدان التي يحكمها، يحرم نقد الدين،أي البحث النقدي في الله،في الأنبياء،في نبي الإسلام أو في زوجاته أو في أصحابه.حرية التعبير والتفكير والبحث العلمي أصبحن انتهاكاً للمقدس. المادة 40 من الدستور المصري الإسلامي تحرم نقد الأديان.اقترح أقصى اليمين الإسلامي في تونس، إدخال تحريم نقد المقدس في الدستور.أعلنت الصحافة مؤخراً أن نصف الدستور الإسلامي الجديد منقول من الدستور الإيراني الحالي!.
تحريم نقد الأديان،يحكم بالإعدام على تدريس الإديان الحديثة أو استخدامها.علوم الأديان قائمة على تمرير التأكيدات والأساطير الدينية على غربال النقد.وهكذا تصبح حرية التعبير،أم الحريات جميعاً، بين قوسين.تجريم النقاش الحر والنقد، يسد الباب أمام الحياة الفكرية والديمقراطية وحرية الإعلام.أقصى اليمين الإسلامي في تونس، يسمي الإعلام الحر:"إعلام العار" ،لأنه ينتقد الحكومة الإسلامية؛في مصر الإعلاميون يقدمون إلى القضاء كمجرمين بتهمة نقد الدين أو الرئيس.
كي يعي القارئ عواقب اسلام المدينة في حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية اليوم؛ أقدم له عيّنة من مشروع دستور الإخوان المسلمين، بعد نجاحهم في الانتحابات،وهكذا فنموذج الدولة الدينية،دولة الولاء والبراء،التي أسس لها القرآن في المدينة،مازالت،بعد أكثر من 14 قرناً،بوصلة ذهنية توجه الوعي الجمعي الإسلامي، خاصة عند أقصى اليمين الإسلامي.
إليكم بعض المواد المسطورة في"مشروع الدستور،الذي نشرته جماعة الإخوان المسلمين في مصر سنة 2012 كشاهد على تحويل الهمجية، بما هي حكم الفرد الذي لا يعزله إلا الموت،والتمييز ضد المرأة وغير المسلم واحتقار حقوق الإنسان والقانون الدولي وحقائق العالم الذي نعيش فيه،إلى عقيدة دينية! نظام الحكم: المادة 20:"يقوم نظام الحكم على أربع قواعد:السيادة للشرع لا للشعب،تنصيب رئيس الدولة فرض على المسلمين، لرئيس الدولة حق سن الأحكام الشرعية.فهو الذي يسن الدستور وسائر القوانين؛المادة 26 : "الشورى حق للمسلمين فحسب،ولا حق لغير المسلمين في الشورى؛المادة 31:"لكل مسلم بالغ،عاقل رجلا كان أو امرأة الحق في انتخاب رئيس الدولة،وفي بيعته.ولا حق لغير المسلمين في ذلك؛المادة 43:"ليس لرئيس الدولة مدة محدودة،مادام محافظاً على الشرع، منفذا لأحكامه(...)؛المحافظون؛المادة 62:يشترط في الولاة [المحافظين]ما يشترط في المساعدين لرئيس الدولة:ان يكونوا رجالاً أحراراً ومسلمين(...)ويُتخيرون من أهل التقوى والقوة؛القضاء:المادة 71:يُشترط في من يتولى القضاء أن يكون مسلماً(...)؛المادو 78:لا توجد محاكم استئناف ولا محاكم تمييز فالقضاء (...) درجة واحدة؛الجيش:المادة 90:الجهاد فرض على المسلمين، والتدريب على الجندية إجباري، فكل رجل مسلم بلغ الـ 15 سنة مفروض أن يتدرب على الجندية استعداداً للجهاد؛النظام الإجتماعي: الأصل في المرأة أنها ربة بيت،المادة 101:الأصل أن ينفصل الرجال عن النساء ولا يجتمعون إلا لحاجة يقرها الشرع(...)كالحج.المادة 104:لا يجوز للمراة أن تتولى الحكم،فلاتكون رئيس دولة ولا قاضياً ولا والياً ولا تباشر أي عمل يعتبر من الحكم؛التعليم:المادة 108: يجب أن يكون المنهج الذي يقوم عليه التعليم هو العقيدة الإسلامية(...)،المادة 116:الغاية من التعليم هي تكوين العقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية.توضع مواد الدراسة على أساس هذه الغاية؛السياسة الخارجية: المادة 117:لا يجوز لأي فرد أو حزب أو جماعة، أن تكون لها علاقة بأي دولة أجنبية؛المادة 173: المناورات السياسية ضرورية في السياسة الخارجية،والقوة فيها تكمن في إعلان الأعمال وإخفاء الأهداف،المادة 177: الإسلام هو المحور الذي تدور حوله السياسة الخارجية،وعلى أساسه تُبنى علاقة الدولة بجميع الدول،المادة 178:(...)الدول التي ليس بيننا وبينها معاهدات، والدول الإستعمارية فعلاً كإنجلترا وأمريكا وفرنسا، والدول التي تطمح في بلادنا كروسيا،تعتبر دولاً محاربة(...)ولا يصح أن تنشأ معها علاقات دبلوماسية(...)الدول المحاربة فعلاً كإسرائيل مثلاُ،يجب أن تتخذ معها حالة الحرب أساساً لكافة التصرفات،ويمنع جميع رعاياها من دخول البلاد،وتستباح دماء غير المسلمين منهم." وهكذا فصدى مذبحة يهود بني قريظة مازال يتردد بقوة!.
الدولة الدينية كما عرّفها مشروع الدستور الإخواني هي دولة ليست من العالم الذي نعيش فيه. الدولة الوحيدة المقبولة والقابلة للحياة،في هذا العالم هي الدولة الحديثة التي تستمد شرعيتها حصراً من الشعب السيد،عبر انتخابات ديمقراطية شفافة،وليس من الدين،ولا ينبغي لدستورها أن يحدد دين الدولة،ولا ينبغي أن توجد فيها محاكم شرعية.
هذه الدولة الديمقراطية العلمانية تقوم على 3 ركائز:المؤسسات المكينة،المتمايزة عن بعضها: التشريعية،التنفيذية والقضائية، المسؤولون عن هذه المؤسسات هم مجرد ارقام قابلة للإستبدال، من دون تأثير يذكر على طبيعة أو مصير المؤسسة،المفروض فيها أنها تعمل كطائرة بدون طيار،كما هي المؤسسات الحديثة في الدول الحديثة؛دولة القانون:القانون الوضعي العقلاني،الذي يعتبر جميع المواطنين متساوين أمامه؛دولة لكل مواطنيها،بصرف النظر عن جميع خصوصياتهم الأخرى كالدين والجنس واللغة مثلاً.
هذه الدولة الحديثة هي الوحيدة الجديرة باسم الدولة،لأن مؤسساتها مكينة،لا تعرف أزمة النظام،أي تلك التي تؤدي إلى سقوط النظام؛بل لا تعرف،كجميع الدول الديمقراطية الحديثة،إلا الأزمات الإجتماعية والمجتمعية والاقتصادية القابلة للحل،أو في اقصى الحالات تُحل بإجراء انتخابات مسبقه للإحتكام إلى صناديق الإقتراع.وهذا ما يجعل البلد مستقراً ومفتوحاً أمام السياحة والاستثمار الداخلي والخارجي.لا يعرف"الفوضى الخلاقة للفوضى"،الانتفاضات،بل يعرف فقط اعادة التأسيس بعد كل ازمة،أو حتى قبلها،إذا كان القرار يصنعه العلم وليس صلاة الاستخارة!
قادة أقصى اليمين الإسلامي،مؤلفوا مشروع الدستور،لم يكتشفوا بعد وقد لا يكتشفون إلا بعد فوات الأوان، حقيقة درس التاريخ،الذي تصارعت فيه طواله غريزة الموت،الحرب والعنف والتحاريم الغبية الدينية والدنيوية،مع غرائز الحياة،الحب والسلام،انتصرت فيه دائماً حتى الآن غرائز الحياة على غريزة الموت.كما لم يكتشفوا بعد،الحقيقة الثانية المريرة،هي أنهم يعيشون في الماضي السحيق.في ماض مضى وانقضى.
لقد استثمروا كل طاقاتهم، وآمالهم، منذ 80 عاماً،في الدولة الدينية الإسلامية، لإدارة مجتمع مغلق النوافذ والأبواب،دون تيارات الحداثة المعولمة،التي حكمت على جميع المجتمعات بأن تكون مفتوحة أو لا تكون.هذه الدولة الدينية الإسلامية لم تعد من هذا العالم الذي نعيش فيه.
إنها مأساة من يعيشون ذهنياً ودينياً، بمؤسسات وعلوم، وقيم وأنماط تدين وتفكير وتدبير،أنتجتها حقب سلفت،لحقبة جديدة ـ كلياً جديدة ـ ؛من يعيشون بقيم انتجتها سرعة الجمل،يريدون منها أن تنافس قيماً انتجتها سرعة الكمبيوتر؛ الحقبة الجديدة كلياً هي حقبة الثورة العلمية والإعلامية المعولمة،الحاملة لقيم غير مسبوقة في التاريخ،قلبت رأساً على عقب القيم التي سبقتها.وتستمد قيمها شرعيتها حصراً من سيادة العقل البشري،تعارض بل تصادم قيماً عتيقة وعنيفة،تقليدية ودينية،استمدت شرعيتها من العقل الإلهي، عقل القرون الوسطى الذي هو اليوم مجرد ذكرى.
المؤسسات والقيم لم تعد،في عصر التجديد العلمي والتكنولولجي والفلسفي والأخلاقي وأيضاً الديني،شأن المؤسسات والقيم السابقة لها،تستمد شرعيتها من قدمها،بل تستمد شرعيتها من تطابقها مع قيم حقوق الإنسان،مؤسسات وقيم الفرد السيد، التي لا تنافسها أية مؤسسات وأية قيم أخرى دينية او تقليدية.
قادة أقصى اليمين الإسلامي،قد يساعدهم على فهم لحظتهم التاريخية،أن يتعلموا الدرس من عمق انقلاب القيم في إيران الإسلامية:كل شيء تقريباً محرم فيها.لكن جميع محرماتها مستباحة في 9 على 10 من مساكن سكانها؛دولة من القرن السابع، تفرض نفسها بالحديد والنار على شعب من القرن الحادي والعشرين؛دولة جميع حكامها يصلون،لشعب لم يعد يصلى فيه إلا أقل من 15 % من مسلميه؛دولة جميع حكامها يصومون،لشعب لم يعد يصوم فيه إلا 2 % من مسلميه؛دولة جميع حكامها مؤمنون، إيمان العجائز، بالإسلام المدني، لشعب أكثر من ثلثه ملحد!.
حاضر إيران الإسلامية هو على الأرجح مستقبل مصر الإسلامية ،وتونس الإسلامية، وكل بلد قد تحكمه مومياءات الماضي:مومياءات تنظر ولكنها لا ترى،وتسمع ولكنها لا تعي.عماها وصممها دفعاها، في كل مرة،إلى الرد على قوة حجة عصرها بحجة القوة،التي لا تملك رداً سواه.نتيجة ذلك معروفة: الخروج ليس من السلطة وحسب بل ومن التاريخ أيضاً.
الفصل العاشر
دين العقلانية الدينية
"كل فكر ديني حقيقي لا يستطيع أن يكون في تعارض مع العقل،حتى وإن كان لا يستطيع أن يختزل نفسه إلى العقل فقط." "الطبيب النفسي ب.مارش ِ،السحر والأسطورة في الطب النفسي ص 188"
*******
صدّرت فصل النبوة بتشخيص النفساني ناكط:"إن قلت انك تكلم الله،فأنت تصلي،وإن قلت ان الله يكلمني فعندك أفكار هاذية".هذه هي خلاصة ما يسميه الطب النفسي:"هذيان النبوة"،الذي فصّلناه تفصيلاً في هذا البحث.
إذا كان القرآن وجزء من الحديث،من إملاء هذيانات نبي الإسلام وهلاووسه ليس إلاّ.فهل يعني ذلك تحويل الجوامع إلى متاحف،وايداع المصحف في أرشيفات التاريخ وكتابة إعلان بالليزر على إمتداد أرض الإسلام:السماء فارغة والأرض لا شيء فيها؟سيكون ذلك حقاً جنوناً مطبقاً.التدين،أي الرغبة في حماية أب على كل شيء، قدير لطفله الخائف من عوادي الزمن،والراغب في الخلود بعد الموت، لتخفيف قلق الموت هي،كما تقول علوم الأعصاب،مبرمجة،منذ ليل التاريخ، في الفص الصدغي الأيمن في دماغ كل منا؛منذ اكتشف القرد المتحول إلى بشر،عبر الحلم، الذي يلتقي فيه بأعزائه الذين ماتوا،وهْم وجود حياة أخرى بعد الموت،وعالم غير العالم الذي يعيش فيه،تسكنه روح كل من هؤلاء الأعزاء، بعد ان انفصلت عن الجسد الفاني؛فسمى الروح النْفس،أي النَفَس الذي يخرج من منخريه ويتوقف بعد الموت،ليبدأ رحلته إلى العالم الآخر.وسمى هذا العالم الآخر:دار البقاء في مقابل دار الفناء،دار الولادة والموت، أو الكون والفساد كما سماها أرسطو.
قبل المسلمين،اكتشف اليهود،منذ القرن الماضي،من أفواه الإخصائيين اليهود أنفسهم،أن الخروج من مصر اسطورة،وأنه لا توجد وثيقة تاريخية واحدة،كأوراق البردي مثلاً،تشهد على دخول اليهود،أو العبرانيين كما كانوا يُسموا آن ذاك،إلى مصر أو خروجهم منها.
كشفوا هذه الحقيقة التاريخية المروعة،للمؤمنين إيمان العجائز،في السنوات 1970 ،في برنامج تلفزيوني، بمناسبة الذكرى الألفية الثالثة لخروج العبرانيين من مصر، شارك فيه المختصون في التنقيب الأثري وتاريخ الأديان المقارن ومفسروا التوراة،وشاهدتها أكبر كمية من المشاهدين في تاريخ التلفزيون الإسرائيلي.الأفضل من ذلك،أن علماء الآثار أعلموهم أن سليمان،وهو شخصية مركزية في التاريخ اليهودي،شخصية أسطورية،وأباه الملك ـ النبي داوود شخصية شبه أسطورية(انظر كتاب:" التوراة وقد تعرّت" سواء في الإنجليزية أو في الفرنسية مترجماً عن العبرية)؛ وأفضل مرة أخرى، أعلمهم المختصون في موسى،أن مؤسس الديانة اليهودية،هو الآخر شخصية رمزية،سيرته نقلها كتبة التوراة عن أسطورة الملك الآشوري سارجون.(انظر كتاب أستاذ تاريخ الأديان المقارن في الكوليج دو فرانس،توماس كرمور،:"موسى الذي التقى الله وجهاً لوجه"،والذي استشهدنا به في حلقات"إصلاح الإسلام بدراسته وتدريسه بعلوم الأديان")،وفي مدخل هذا الكتاب أيضاً.
كل ما أثارته هذه الحقائق التاريخية المدوية هو رد أحد برلماني حزب"شاس"الديني في الكنيست، الذي أعلن أمام الصحافة،بكل إطمئنان:"ما يقوله العلم كذب والحقيقة الوحيدة هي التي تقولها التوراة"! لكن دور العبادة في إسرائيل والعالم لم تغلق ابوابها،والتوراة لم تنقل إلى ارشيفات التاريخ، في متحف الآثار لتنام جنباً لجنب مع الفأس البرونزية!.
نفس الإكتشافات العلمية امتدت إلى تاريخ المسيحية.قلّ من المسيحيين المثقفين وحتى المتعلمين من يجهل اليوم أن مسيح الإيمان،صاحب الخوارق والمعجزات،هو شخصية رمزية،وأن مسيح التاريخ شخصية أخرى مختلفة تماماً...حتى البابا بنوا ـ بنوس ـ 16 ،الذي نشر كتابه عن المسيح سنة 2007 ،استعار لأول مرة عناصر كثيرة من مسيح التاريخ دون أن يشير إلى ذلك،كما احتج بعض مؤرخي مسيح التاريخ.وقد تمنيت في حينه، أن يكتب شيخ للآزهر كتاباً عن محمد،يضمنه أيضاً عناصر من محمد التاريخ، التي تجدونها في هذا الكتاب. ومع ذلك فالكنائس لم تغلق أبوابها،بل هي في إفريقيا تفوقت عدداً عن الجوامع التي تتنافس الدول الخليجية في بنائها... والأناجيل لم تُرسل إلى الأرشيفات.
لكن،ربما كان ذلك،من نتائج هذه الإكتشافات العلمية في الديانتين، اليهودية والمسيحية،توجد اليوم عقلانية دينية يهودية وعقلانية دينية مسيحية قويتان،طبعاً جنباً لجنب مع اللامعقول الديني في الديانتين، لا يبدو أنه يمتلك زمام المستقبل.
أريد أنا أيضاً،أن تُتوج نتائج بحثي عن محمد التاريخ،بظهور عقلانية دينية إسلامية،أعطيت خارطة طريق ميلادها في :"إصلاح الإسلام بدراسته وتدريسه بعلوم الأديان"،وسأرسم هنا بعض المعالم على طريق الوصول إليها في الإسلام.وفي الاعادة البيداغوجية إفادة.
المَعْلَم الأول على طريق العقلانية الدينية،هو تأسيس دين العقلانية الدينية على 3 ركائز:التسليم بأن الأديان الأخرى التوحيدية والوثنية أيضاً،اللواتي لازال يؤمن بهن 56 % من سكان العالم،يمكن أن تكون طريقاً للخلاص الروحي للمؤمنين بهن،والقبول بالحوار معهن؛التسليم بأن العقد الإجتماعي،أي الدستور يجب أن يكون علمانياً لدولة لجميع مواطنيها،مهما اختلفت دياناتهم وخصوصياتهم الأخرى؛وأخيراً التسليم بأن المرجعية الشرعية الوحيدة للدولة هي مؤسسات وقوانين وقيم الحداثة العالمية ليس إلاّ . المعلم الثاني على طريق العقلانية الدينية،هو ضرورة تبني الإسلام لحقوق الإنسان الأساسية، اللواتي لا يكون الإنسان إنسانا،حقاً إنسانا في غيابهن؛سيكون نصف إنسان كالمرأة في الإسلام،أو ما تحت إنسان،كالعبد في الإسلام أيضاً.الرق مازال موجودا في بعض البلدان العربية والإسلامية... حقوق الإنسان كونية،لأن العقل المنتج لهن كوني،نفس العقل المنتج للعلوم الكونية أي الصالحة لكل إنسان في أي مكان كان؛فهذه الحقوق إذن تتعالى على الخصوصيات الثقافية كما يتعالى عليهن العقل.هذه الحقوق كونية لأنهن طبيعيات،أي من المفروض أن يتمتع بهن الإنسان بما هو إنسان، مهما كان دينه او جنسه...إلخ.فكل إنسان بما هو إنسان يتمتع بالضرورة بضمانات أساسية غير قابلة للتفريط؛كالحق في الحرية،في الكرامة،في المساواة،في الأمن،في السلامة البدنية،في الحياة وأيضاً بحقوق إجتماعية مساويات للأولى في الأهمية كالحق في العمل،في السكن وفي الملكية الخاصة...
كل دين لا يتبنى حقوق الإنسان،شأن الإسلام، خاصة في بلدان حكومات أقصى اليمين الإسلامي، إيران والسودان نموذجا،يضع نفسه في قفص اتهام المجتمع المدني العالمي،المتكون من حوالي 10 آلاف جمعية غير حكومية،في مقدمتهن ممثلاه الأبرز:منظمة العفو الدولية ومرصد حقوق الإنسان في الولايات المتحدة.كما يجد نفسه في حالة حرب مع قطاعات واسعة من سكان البلدان التي يحكمها، خاصة النساء والأقليات والشباب.وهذه هي حالة كثير من البلدان في أرض الإسلام اليوم.
العقلانية الدينية المنشودة،لن تكون عقلانية إلا إذا صالحت الإسلام مع حقوق الإنسان،مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان،مع الاتفاقية الدولية لمنع التمييز ضد المرأة،مع الاتفاقية الدولية لحماية الأقليات،ومع الاتفاقية الدولية لحماية حقوق الطفل.لماذا؟لأن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يمثل اليوم المرجعية الأخلاقية العليا للقرن 21 .
تبني حقوق الإنسان في دساتير الأمم الإسلامية،في القوانين الوضعية،في المتون والمناهج المدرسية،هو الطريق المفروش بالورد،المؤدي إلى إسلام مُجَدّد،مطّهَر من العنف:عنف الشريعة وعنف الجهاد،ومن دمج الدين في الدولة،ومن تحكيم العقل الإلهي في العقل البشري،وأخيراً أن يكف شيوخ الإسلام، عن اعتبار عقائد وشعائر وأحكام الإسلام عابرات للتاريخ،أي صالحات لكل زمان ومكان، احتقاراً للحقيقة التاريخية:لا شيء في التاريخ بعابر للتاريخ.
المعلم الثالث على طريق العقلانية الدينية هو إصلاح التعليم:التعليم اليوم هو طوق النجاة لكل أمة. كل أمة في أرض الإسلام، مدعوة منذ الآن لتبني أرقى نظم التعليم، في أي بلد كان.العلم لا دين له، ولا قومية له،هو،كالعقل الذي ينتجه،كوني.هو ضالّة الإنسان المتعطش،لأرقى واحدث أشكال المعرفة،يأخذها حيث وجدها.أفضل المناهج التعليمية اليوم،هي في الصين البوذية العلمانية وفي فنلندا المسيحية العلمانية،فلماذا لا نستعير منهما مناهج التعليم وطرق التدريس وكيفية تكوين المدرسين؟ التعليم المطلوب اليوم في أرض الإسلام،ليس التعليم،الذي يضمن للمسلم الحزين مستقبله بعد موته،بل هو الذي يساعد المواطن على حل مشاكله،اليومية العملية،لتأمين مستقبله في حياته: عمل،مسكن وأسره.
المعايير التي ينبغي الاحتكام إليها في التعليم،هي المعايير الدولية.والمعلمون والمدرسون والبروفيسرات،الذين يجب أن يقوموا بمهمة التعليم،من الضروري تكوينهم تكويناً جيداً في ميادين تخصصاتهم،وأن يهضموا أحدث الطرق التربوية في الأداء التعليمي،وأن يخضعوا دورياً لإعادة تدوير وتجديد وتطوير لمعارفهم ومهاراتهم.
من دون هذه الأسس الأولية،لن يكون لأي أمة من أمم أرض الإسلام،لا المكان ولا المكانة المأمولين في عالم القرن الـ 21 .
المَعْلَم الرابع على طريق العقلانية الدينية،هو تبني الإسلام للديمقراطية وثقافتها.فالإسلام مازال أمام الديمقراطية وثقافتها يتراوح بين موقفين:التردد والرفض،كما يفعل أقصى اليمين الإسلامي محتجاً بأن الديمقراطية هي انتقال من سيادة العقل الإلهي، سيادة الشريعة وفقهائها،إلى سيادة العقل البشري،سيادة الشعب السيد وممثلية. ثقافة الديمقراطية: 1 ـ الاعتراف للفرد بحقه في تقرير مصيره في حياته اليومية،بحقه في التصرف الحر في جسده حياً او ميتا.بإمكانه مثلاً أن يهبه بعد موته للعلم ـ وإذا تعذر ذلك ـ يوصي بحرقه،كما فعل كاتب هذه السطور؛ 2 ـ الانتقال من أخلاق القناعة الشخصية الى أخلاق المسؤولية العامة،الذي اعتبره ماكس فبير الشرط الشارط للمارسة الحكم الرشيد؛ 3 ـ إعلام حر،مسؤول وموضوعي:يُطلع بموضوعية المواطن العادي على البرامج المتنافسة،ليستطيع الاختيار بينها.المواطن الديمقراطي هو المواطن المطّلع؛ 4 ـ النقاش الحر والنقاش المتعارض هما المدرسة الضرورية،التي يتدرب فيها المواطن على استخدام قوة الحجة بدلاً من حجة القوة السائدة اليوم في كل بلد تقريباً من أرض الإسلام؛ 5 ـ المعارضة تكون قوة اقتراح للمشاريع والحلول أو لا تكون؛ 6 ـ اقصاء كل استخدام للعنف،النقيض المباشر لثقافة الديمقراطية،التي غايتها الأولى هي الوصول إلى الحكم والخروج منه بالوسائل الديمقراطية السلمية.الحكومة تسقط في البرلمان وليس في الشارع.والخصوم يتبادلون الكلمات والأفكار والمقترحات في البرلمان والإعلام،بدلاً من تبادل اللكمات أوالرصاص في الشارع؛ 7 ـ حظر الميليشيات.الجيش الشرطة وحدهما يحتكران إمتلاك واستخدام السلاح عند الضرورة.
المَعْلَم الخامس،المؤدي إلى العقلانية الدينية،هو الإنفتاح على علوم الأديان، ونظرية التطور، وعلوم الأعصاب، وأفضل إشكال التدين المعاصر،أي الإيمان كرهان،للخروج من الإنغلاق الديني الحنبلي، ومن الجبن الديني،إلى الإنفتاح الديني الحديث والشجاعة الدينية.
العلوم المذكورة،يقدمن للمؤمن إضاءة موضوعية،لمعرفة تكوّن وتطور ومصدر معتقداته منذ ما قبل التاريخ المكتوب حتى الآن. علوم الأديان،تفسر كيف اكتشف القرد،المتحول إلى بشر،عالم الغيب عبر أحلامه؛وكيف استخدم شيئاً فشيئاً شعائر الفكر السحري، لمعرفة العالم الغامض المخيف الذي يعيش فيه،بواسطة المعتقدات السحرية الجمعية.لماذا؟نظراً لإستحالة معرفة أي شيء موضوعي عن عالم وهمي،ولأن العلم في تلك العصور كان مازال منحصراً في السحر.
وباختصار،علوم الأديان تجعل العلاقة بين الإنسان والدين شفافة،بتحرير هذه العلاقة من الفكر السحري والأسطوري، المتجسد في المعتقدات والشعائر الخرافية.لكن هذه الشعائر الخرافية تلبي حاجة نفسية عميقة في النفس البشرية:التحكم في ظواهر الطبيعة الغاشمة، كالكوارث الطبيعية والمرض والموت، بالسحر.الشعائر،تقديم القرابين والصلاة،مثل صلاة الإستسقاء في أوقات الجفاف، التي مارسها الإنسان منذ زمن سحيق،وورثتهن الأديان الوثنية ثم التوحيدية عن الفكر السحري القديم.أوضح تجليات الفكر السحري هي المعجزة التي مارستها أول ديانة وثنية، الأنيميزم، أو الإحيائية،أي عبادة الحجر والشجر وبعض الحيوانات،للتحكم سحرياً في قوانين الطبيعة. حقق الإنسان بالمعجزة أول انتصار وهمي على عناصر الطبيعة،وحتى الانتصار على الموت في معجزات بعض أنبياء إسرائيل التخييلية،كان له مفعول السحر،لأنه قدم للإنسان قناعة تتحدى جميع الفرضيات واليقينيات العلمية المعاصرة،بشرعية رغبته النرجسية في حياة ثانية بعد الموت؛لتخفيف كابوس رُهاب العدم المطلق ورهاب مساواة مصير الإنسان ـ وما أدراك ما الإنسان ـ بمصير الحمار والدودة:الموت مرة وإلى الأبد،دونما أمل في الخلود في حياة ثانية بعد الموت!.
نظرية تطور الإنواع الحية،وخاصة القرد والإنسان،تعطي إضاءة علمية،تنقض طبعاً الرواية الدينية عن أسطورة الخلق الآدمي وتكّون الحياة على الأرض.لكنها تخلص الإيمان من الفكر السحري والأسطوري،الملازمين للإيمان الزائف،أي الخرافي.إنها تقدم لنا تاريخ تطورنا البيولوجي كما تحقق فعلاً منذ 3.7 مليار(بليون)سنة،منذ بداية الحياة انطلاقاً من بكتيريا أولى،وحيدة الخلية في المحيط البدائي،إلى اليوم؛ولتعلمنا أيضا أن تطورنا،الذي كان دائماً ولازال أساساً تطور الدماغ؛الذي مازال متواصلاً إلى غير نهاية.قصة التطور هي قصة التطور من البسيط إلى المتشعب.كما سنرى ذلك تفصيلاً.
نظرية التطور والبيولوجيا الجسُيمية يضيئان،باكتشافاتهما العلمية عبر الأحافير البشرية بالأمس،وعبر تشريح الجينوم البشري في العقدين الأخيرين،تاريخ تطور القرد إلى إنسان منذ 7 ملايين عام.نظرية التطور،كجميع العلوم،هو تاريخ فرضيات وحقائق مفتوحة،دائماً برسم اكتشاف فرضيات وحقائق أكثر شمولاً واتقاناً.أي تفسر ظواهر أكثر، بأخطاء أقل من الفرضيات والحقائق السابقة.
نظرية التطور،كما اعترف البابا جان بول2 ،أمام أكاديمية الفاتيكان العلمية عشية رده الإعتبار لداروين ونظريته:"نظرية التطور اكثر من مجرد فرضية"،أي أنها علم مفتوح على مزيد من الإكتمال والإتقان باكتشافات البيولوجيا المعاصرة،التي أخذت اليوم مكان الفيزياء الفلكية في القرنين الماضيين،لتصبح براديجم لجميع العلوم،أي النموذج الذي تحتذيه في مساعيها وبحوثها العلمية.
اكتشف داروين أن الأنواع المتطورة(فاريانت)،تتطور عفوياً وبالصدفة.هذه التطورات تنتقل بالوراثة وبالإنتخاب الطبيعي،اللذين يستعيدان الأشكال الأكثر تكيفاً مع البيئة.لكن داروين لم يفسر لا مصدر التطور ولا كيفية اشتغال الوراثة.لسبب مفهوم:علم الجينيتيك مازال لم يظهر بعد،لم يظهر إلا في السنوات 1930 .عندئذ اكتشف 3 من علماء الجينيات تفسير التطورات بالتغير.وفي 1953 ،اكتشف عالمان آخران البنية المزدوجة اللولب،هِليس، في أدين(أ.د.ن.)،التي هي الجسيم،موليكول،الذي يشكل السند المادي للجينيات،لتفسير كيف تنتج التغيُرات الجينية نفسها بنفسها من دون تدخل خارجي،أي إلهي. التطور يمكن اليوم مشاهدته بالميكروسكوب. في السنوات التالية بدا تقدم البيولوجيا الجسيمية هائلاً،معطيا للهندسة الجينية[=الوراثية]سلطانا لا حدود له.فقد غدا العلم يحقق"معجزات"علمية مثل:تشريح الجينوم البشري والحيواني،وتغيير الجينات بقصد ممارسة علاجات جينية.
فرضية الانتخاب الطبيعي الداروينية،تحققت حتى بالنسبة للبروتينات،الخلايا المخية.وهكذا مازالت صالحة ككادر عام وكوني للتفكير في العالم الحي.
الفصل الحادي عشر
العقلانية الدينية المُطبقة
النصوص التالية،تُصحح أسطورتي خلق الحياة على الأرض انطلاقاً من آدم،وأسطورة خلق الكون في ستة ايام؛لذلك هي جديره بالتدريس للناشئة بما هي عقلانية دينية مُطبقة.
الدعابة،الجنس التقاليد،الضحك لسن خاصات بنوعنا البشري
بقلم دوس سانطوو
"كل صباح،قبل فتح حديقة الحيوانات،(استكهولم)الشامبانزي،سانتو،يَصّف بعناية مجموعات من الحصى على الأرض.ينتظر وصول الزوار الأوائل أمام زريبيته ليرميهم بقذائفه.كان يُظن أن الاستعداد للمستقبل خاصية بشرية.طالباً، تعلمت بأن الإنسان هو الوحيد الذي يستطيع استخدام الآلة،وبأنه الوحيد الذي يتلاعب بالرموز،وأنه الوحيد الذي يؤثِر الآخرين على نفسه،وأن هذه الخصائص خاصة به. كل هذا أصبح اليوم موضع شك،كما لاحظ،ج.هو برين،بالِو انثروبولوج بمعهد ماكس بلنك(ألمانيا)؛"رصْد تصرفات الشامبانزي على الأرض،في حالة شبه ـ أسر، وفي تجارب العلوم المعرفية،أسقطت الواحد بعد الآخر الخصائص الكبرى الخاصة بالإنسان:المشي على قدمين،استخدام الأدوات،الصيد،الحياة الإجتماعية،الحياة الجنسية،التعاطف مع بني جنسه،الضحك،الفن"؛كما لاحظ باسكال بيك،بالِو انثروبولج في الكوليج دُو فرانس.
قرود الشامبانزي يقايضون اللحم ضد الجنس،يمارسون المزاح،يمارسون جني الثمار،بل يعالجون أنفسهم بالأعشاب الطبية،التي يختارونها تبعاً للأمراض التي يعانونها.بعضهم يصنعون أخفافا "شباشب"لتسلق جذوع الأشجار الشائكة لتكسير الجوز.إنهم يستخدمون الأدوات،وبما أن لهم ثقافة، فهذه الأدوات تختلف حسب التقاليد المحلية،ويعطلون الفخاخ التي ينصبها لهم الصيادون، فتاة الشامبانزي تلعب بالعيدان،كما تداعب البنات عرائسهن.حتى أن الشامبانزي، يمكن أن يكون الأسرة الأشد قرباً منا،بالمساواة مع قرود بونوبو،الذين انفصلنا عنهم منذ 5 إلى 7 مليون عام.
مكانة خاصة:كما يشرح البالِو انثروبولج،باريل،المحاضر بمتحف التاريخ الطبيعي:"قرود الشامبانزي تطوروا في ذات الوقت معنا.عندنا جد مشترك،إنهم اخوتنا والجوريلا ابناء عمنا.قال اخصائي البالِو انثروبوليجا الأمريكي جودمان،منذ السنوات 1960 ،بأن الإنسان ليس إلا"شامبانزي معدّل"؛كان يريد تقريبه من الشامبانزي ومن الجوريلا، اللذين كانا ينتميان حين ذاك إلى عائلة أشباه البشر.أما منذ الآن فالأنواع الثلاثة مصنفون في البشريات.في بداية سنة 2000 ،اقترح جودمان،على أساس الأعمال التي اكتشفت القرابة الجينية الكبرى بين الإنسان والشامبانزي وبونوبو،ضم الشامبانزي وبونوبو إلى الإنس،هومو،(...)القرابة بين الأنواع الثلاثة تشبه القرابة بين النمر،والفهد والأسد(...).المشكلة أن الإنسان يؤلمه أن لا يكون إلا مجرد قرد، كجميع القرود، ويُصر على الاحتفاظ بمكانة خاصة به، بدافع النرجسية البشرية".
منذ تشريح الجينوم البشري في 2003 تلاه جينوم الشامبانزي في 2005 وبونوبو في 2011 ،عثر العلماء على برهان مثير لتقريب البشر من قرود الشامبانزي وقرود بونوبو:98,7 % من أ.د.ن. مشتركة بين الأنواع الثلاثة(...).
"الجين فو اكس ب 2 ،الذي تم التعرف عليه بما هو جين الكلام.بروتينه الخاص به، به مئات من الأحماض الأمينية . منهن اثنان فقط غير متشابهين بين الإنسان والشامبانزي،هذا الفارق الضئيل هو الذي مكن الانسان من امتلاك كلام متشعب.فما هي خلاصة كل ذلك؟أن بعض خصائصنا الشهيرة، تُوجد عند قرود اخرى.لكننا كنا الوحيدين الذين دفعنا بهن إلى أقصى درجات التطور.هذا ما يجعلنا نحتفظ بشيء من النرجسية".(1)
التطور هو أساسا تطور الدماغ
"من دون دماغنا البالغ الإتقان،ما كان ليكون بإمكاننا أن نكون سادة العالم.هكذا يقدم الإخصائي جان جاك هوبلن مفاتيح التطور. س:لماذا الانسان هو النوع رقم واحد على الأرض؟ ج.ج.هوبلن:بفضل دماغه.إذا قارناه مع باقي القرود،فلإنسان يمتلك دماغاً أكبر بكثير مما كان ينبغي بالنسبة لحجمه الجسدي.بدلا من 400 إلى 600 سنتيمتر مكعب،عند القرود الأخرى،دماغ الإنسان هو أكبر 3 مرات.ذلك كان نتيجة ضغط متواصل من الانتخاب الطبيعي، أدى إلى تطور هذا الدماغ الكبير. ـ هل كان من الضروري أن يتطور دماغنا؟ ـ إختصاصنا في الطبيعة،هو تكوين مجموعات اجتماعية متشعبة، تستخدم تكنولوجيا متقنة.وهو ما يتطلب تفوقاً عصبياً عاليا جداً، للبقاء على قيد الحياة.باستمرار،قدم لنا الانتخاب الطبيعي، آخر المساعدات الحاسمة الضرورية،ليصبح دماغنا متفوقاً أكثر فأكثر. ـ لماذا أخذ هذا التطور وقتاً طويلاً؟ ـ دماغنا الكبير قدم لنا مزايا كبيرة،لكنه قدم لنا أيضاً بعض المتاعب؛أي التكاليف التي لابد من دفعها، لجعله دائماً أكبر فأكبر واتقن فأتقن.كان لابد من 2,5 مليون عام،للإنتقال من دماغ،بحجم دماغ الشامبانزي،إلى دماغنا الحالي.هذا التطور تطلب مراجعات طويلة حتى يتحقق. ـ ماذا كانت التحديات التي كان علينا التغلب عليها؟ ـ أولاً،الدماغ مزعج،ولادة طفل تطرح مشاكل التوليد الجدية حقاً.لأن حوضنا بما نحن من ذوي القدمين ضيق.ثم أن دماغنا هش جداً.يداي ورجلاي يتحملان بلا عناء تغيّرات قوية للحرارة.لكن إذا وصلت حرارة دماغي إلى 5 أو 6 درجات فهو الموت.إلا أن اكبر همومنا،هو كيف يجب أن نغذي دماغنا باستمرار. دماغنا لا يمثل إلا 2 % من جسدنا،لكنه يستهلك 22 %من الطاقة، التي ينتجها الجسد.هذا ما يفسر انجذاب الإنسان إلى اللحم،والشحم، وجميع أنواع الغذاء، الكفيلة بتقديم كثير من الطاقة.طبخ الغذاء كان أيضاً وسيلة لتسهيل هضمه وتمثله. ـ كيف تم حل مشاكل التوليد المشار إليها؟ ـ عندنا أكبر دماغ من جميع القرود،لكننا نولد بأصغر دماغ بالنسبة لحجمنا كراشدين.تقريباً 25 %.وهذا ما يسهل مرور الوليد من الحوض.وبالمقابل،فإن هذا الدماغ ليس أبداً مكتملاً عند الوّلادة.نموه يمتد مع الزمن،خاصة خلال 4 و 5 سنوات الأولى.بينما هو عند القرود مثلاً يكتمل خلال عام أو عامين.(...) ـ هل يواصل دماغنا تطوره؟ ـ تماماً.بل بلا شك،تطورُ دماغنا،هو أحد الأشياء التي حسبناها أخيراً.ما نطلبه من دماغ إنسان اليوم، لا علاقة له بما كان يُطلب منه منذ 100 ألف عام أو حتى 50 ألف عام.واصل دماغنا الخضوع لضغط قانون الانتخاب الطبيعي نظراً لتعقد التكنولوجيا، التي نستخدمها،والتشعب المتعاظم للعلاقات الاجتماعية التي ننتجها.التكيف التقني عوّض أكثر فأكثر التكيف البيولوجي،من دون أن يؤدي ذلك إلى اختفاء هذا الأخير مع ذلك.تطور الكمبيوتر هو إحدى التجليات الأخيرة لظاهرة التطور المتواصل للدماغ البشري.لقد دخلنا إلى مرحلة بدأ فيها دماغنا يُخرج مخزون ذاكرته ليفوّض الآلات بالقيام بأكبر كمية من الوظائف نيابة عنه. ـ ما هي المرحلة القادمة لتطور الإنسان؟ ـ بدأ الإنسان يتدخل في تسريع تطوره،فبإمكانه اليوم تعديل جينومه،وهذا حدث غير مسبوق في التاريخ.يقال أن هذا التقدم غير مرغوب فيه،ولكنه لا مفر منه.لا يوجد مثال واحد،في مجرى تطور الإنسان على مر العصور،على تكنولوجيا اخترعها ولم يستخدمها."(2)
الدين والتطور:ولد الإنسان متديناً
إيف كوبنس،بروفسير في الكوليج دو فرانس ومكتشف(لوسي،3 مليون سنة).
ـ متى اكتشف الإنسان المقدس؟ ـ في نظري،منذ ظهوره،منذ حوالي 3 مليون عام،عندما ُأضطر ما قبل البشر للتكيف مع حقبة من الجفاف الطويل،قللت كثافة الغابات.تطورت أدمغتهم،لأنهم باتوا مضطرين للعثور على استراتيجا جديدة للبقاء على قيد الحياة، في بيئة طبيعية كانوا فيها،من بين الحيوانات الآخرى،الأكثر تعرضاً للمخاطر. تطور وعيهم،ومعه تطورت نظرتهم الداخلية:وهكذا أصبحوا بشراً بعدما كانوا ما قبل بشر،بالنسبة لإخصايي ما قبل التاريخ،ولد حس المقدس منذ حوالي 300 عام أو 400 عام ق.م.،عندما ظهرت أدوات مصنوعة فقط للشعائر الدينية.لا أشاطر هذا التحليل.لا حظوا الشعوب البدائبة:كل شيء في نظرهم رمزي ومقدس.الإنسان الرمزي جاء مع اول حجر نحته. ـ في أي لحظة بدأ الإنسان يهتم بدفن موتاه؟لتحضيرهم إلى السفر إلى عالم آخر؟ ـ (...)في موقع انابويلكا(اسبانيا)،تم العثور في بئر طبيعية على 15 جثة ألقيت هناك منذ 500000 عام.كانت الجثث مصحوبة بأداة جميلة النحت،من الحجر الأحمر.لونها لا يمكن أن يكون بالصدفة.لكن القبور الفردية لم تظهر إلا منذ 100000 عام ق.م.(...). ـ هل امتلك ناس ما قبل التاريخ المكتوب معتقدات ناضجة؟ ـ قطعاً.للإقتناع بذلك.يكفي تحليل المغاور المنقوشة 30000 عام،الرسوم الحيوانية والعلامات التجريدية فيها منظمة بطريقة دقيقة،كبرهان على وجود كتابة مقدسة.(...). ـ هل يمكن أن نتصور أن الإنسان لن تعود به حاجة للآلهة ؟ ـ الروحانيات،هن إحدى مكونات دماغنا منذ 3 مليون عام.لكن الإنسان تغير وسيتغير.ستوجد أنواع أخرى من البشر،ستكون قدراتهم الفكرية مختلفة عن قدراتنا،وربما لن يبقوا في حاجة إلى نفس المتعاليات،أي المعتقدات الدينية السائدة اليوم."(3)
فضلت أن أترك لذوي الاختصاص،أي لأصحاب الكلمة المشروعة علمياً،أن يفسروا بأنفسهم صيرورة تحول القرد إلى إنسان،عبر تطور دماغه خلال 2,5 مليون عام،حيث تطور دماغه من 400 أو 500 سنتيمتر مكعب إلى الضعفين.فيما بقي دماغ أقرب القرود إلينا نسباً بونوبو الشامبانزي والجوريلا من دون تطور.وبما أن كل شيء يتغير إلا قانون التغير،وبما أن التطور لم يعد اليوم بالإنتخاب الطبيعي فحسب، بل قد غدا أيضاً وخصوصاً"بالإنتخاب الحضاري"كما سماه داروين،أي بالعلم والتكنولوجيا،أو بعبارة أخرى بتدخل العقل البشري نفسه لتطوير نفسه بنفسه،عبر تطوير مؤسساته،وعلومه، وتكنولوجياته وأيضاً جينياته،وقيمه الأخلاقية ومعتقداته الدينية.العقلانية الدينية قد تكون الطور الأرقى،أو على الأقل طوراً أرقى من أطوار تطوير الإنسان لمعتقداته طوال 3 مليون عام،كما قال كوبنس.أجيال اليوم،وأكثر فأكثر أجيال الغد،لن تعود في حاجة للمعتقدات الحالية الخرافية،القهرية والمعادية للإنسان والعلم والحياة. فلنساعدها منذ الآن على إعادة صياغة أشكال التدين،أو الّلا تدين. في خطاب اختتام مجمع فاتيكان 2 (1962 ـ 1965)،صرح بولس السادس:"دين الله الذي تجسد إنساناً،التقى اليوم مع دين الإنسان،الذي تجسد إلاهاً."؛أي أن العقل البشري بلغ سن الرشد،ولم يعد بحاجة لعكاز العقل الإلهي لكي يتوكأ عليه.
تأليه الإنسان في الحداثة،تحقق بالانتقال من مركزية اللاهوت،إلى مركزية الناسوت،من مركزية العقل الإلهي إلى مركزية العقل البشري،من المعتقدات السحرية والأسطورية المعادية لحقوق الإنسان، إلى دين حقوق الإنسان،الذي لا هم له إلا الدفاع عن هذه الحقوق، ونشرها وتشريبها لوعي البشرية الجمعي. علوم الأعصاب:هل الله منتوج الدماغ؟
المسلَّمة الأساسية لعلوم الأعصاب،منذ ظهورها في السنوات 1980 ،هي أن الظواهر "الروحية"هي في الواقع ظواهر ذهنية،أي ظواهر عصبية ـ بيولوجية، من انتاج الدماغ البشري؛ تبرمجت فيه طوال مسار تطوره، منذ ملايين السنين،تحت ضغط الانتخاب الطبيعي، لحفظ بقائه على قيد الحياة، مثل الحدس،توقع الأحداث قبل وقوعها،الذي مازال قويا لدى الطفل والشامبانزي. افترض فرويد أن التلباثي،أي التخاطر عن بعد،كان ممارسة شائعة عند الإنسان البدائي،كما التيلفون اليوم للإنسان الحديث.(4)
في نظر علوم الأعصاب،ادعاء صدور الظواهر الذهنية،عن مصدر خارج الدماغ،هو راسب من رواسب الفكر السحري الخرافي،المستلَب بتأثير الجن والشياطينن في الدماغ البشري!
مشروع علوم الأعصاب، هو تحديد مناطق الدماغ، أي فصوصه اللواتي ينتجن كل ظاهرة "روحية"، وكيفية اشتغال هذه المناطق والفصوص، وأخيراً التحكم فيهن.تماماً،كما هي خارطة طريق جميع العلوم، المغيّأة بتقديم العلاج كالطب.
مع علوم الأعصاب،سيكون من الممكن علاج الوسواس القهري مثلاً،المسؤول عن أمراض قهرية عدة: وسواس النظافة القهري،مثل غسل اليدين 120 مرة في اليوم،للوقاية من "الميكروبات"،أو الإغتسال والوضوء للصلاة،أو النشاط الجنسي القهري،الغيري والمثلي،الذي يرغم ضحيته على أن يكون نكوحاً، خاصة عند الإصابة بالذهان الإهتاجي،كما في حالة نبي الإسلام،الذي قال صادقاً:"أوتيت قوة 40 رجلاً". ضحايا الجنس الوسواسي القهري،من الجنسين،يناكحون كل من هب ودب في طريقهم، بلا أدنى احتياط للأمراض السارية.ليس بحثاً عن اللذة الجنسية،التي هي غاية النشاط الجنسي البشري، بل بدافع قهري وتحت طائلة الشعور بالذنب.بإمكان العلم تخليص الإنسان من الدافع القهري، ومن الشعور بالذنب المرضيين،لتبقى اللذة الجنسية،وحدها ولذاتها،هي غاية النشاط الجنسي البشري.
الممارسات الوسواسية القهرية هي،كما تفهمها سيكولوجيا الأعماق:"دفاع ضد الجنون".لو يُرغم مريض وسواس النظافة على عدم غسل يديه أو على عدم الإغتسال والوضوء للصلاة،أو على إيقاف نشاطه الجنسي القهري،فإنه يغدو مهدداً بالسقوط في الجنون!لهذا السبب يذهب الوعظ الأخلاقي والصحي،مع ضحايا الوسواس القهري،دائماً أدراج الرياح.
جعلت علوم الأعصاب،من تحليل واستجلاء غوامض علاقة الدين بالدماغ،موضوعها المركزي.وقد حققت حتى الآن انجازات هائلة.
التجديد العلمي والتكنولوجي المتسارع هو اليوم ،حليف علوم الأعصاب في أبحاثها.التصوير بالرنين المغناطيسي،بات يسمح بتحديد مناطق الدماغ،التي تنشط بقوة خلال الممارسات الدينية كالصلاة. أحد هذه المناطق احتلت مكان الصدارة:الفص الصدغي الأيمن،أي منطقة الدماغ المسؤولة عن عديد الوظائف الذهنية،كالسماع،الكلام،الذاكرة والرؤيا الدينية عند الأنبياء والمتصوفة.
في السنوات 1980،نشّط عالم الأعصاب الكندي ميشيل باراسيندرج،هذه المنطقة عند عدة أشخاص، فنجح في ادخال شعور للحضور الديني عند غالبيتهم.يلخص عالم الأعصاب الكندي نتائج أبحاثه، بأن الصوفيين الكبار،أمثال: موسى،أو محمد،أو بوذا أو القديس بطرس،كانوا مصابين بأشكال خاصة من صرع الفص الصدغي،المنتج للظواهر الدينية.للبروفسير هشام جعيط تفسير للوحي، يحسن تعريفالقراء به.(5)
في السنوات 1998،أسْمع طبيب الأعصاب رامتشاند ران،بعض المرضى المصابين بهذا الشكل الخاص من الصرع،كلمات مرتبطة بالدين،فلاحظ استجابات انفعالية غير عادية؛مبرهناً هكذا على وجود علاقة أكيدة بين النظام العصبي"الامبيك"ـ الذي هو منطقة دماغية مسؤولة إلى حد كبير عن الاستجابات الانفعالية ـ وبين منطقة الفص الصدغي الأيمن.لقد بات من الممكن استثارة التجارب الصوفية بالرنين المغناطيسي.
الخلاصة،التي توصلت إليها التجارب العلمية،على منطقة الفص الصدغي الأيمن،هي أن هذا الفص هو منطقة الله والمعتقدات الدينية والميتافيزيقية،الروحية والسحرية والأسطورية.التجارب الدينية ليست إلا شكلاً خاصاً من الصرع:"الله ليس شيئاً آخر غير منتوج الدماغ" كما قال عالم الأعصاب الأمريكي.
يا صناع القرار التربوي إنكم تمرون بفترة انتقال عالمية عاصفة،فترة تغيرات غير مسبوقة اقتصادية، سياسية،تكنولوجية،علمية وثقافية؛تتطلب من جميع صناع القرار في العالم،لكي يواجهوها بنجاعة، أن يحققوا إصلاحات استراتيجية ملحة وضرورية.الإسلام ،كما هو الآن، عتيق وغير مُصلَح،لذلك شكل ومازال عائقاً أمام دخول شعوبكم إلى القرن الـ 21 .فتشجعوا واتخذوا قراراً بإدراج الصفحات السابقة في مناهج التعليم،وخاصة التربية الدينية.هذا القرار قد يساعدكم على قطع العقدة الصعبة التي تقف اليوم حائلاً دون فتح ورشة إصلاح الإسلام،التي تتحكم في فتح باقي الورشات الأخرى.
لماذا ساد الشك الديني؟
الإيمان في الإسلام هو "التصديق بالقلب والعمل بالجوارح".خليط متفجر! لماذا؟التصديق هو سرعة اعتقاد المؤمن فيما يسمع أو يقرأ،بلا سؤال أو تمحيص،هو الاعتقاد الساذج والأعمى في كل ما قاله الأسلاف أو حتى فقهاء الإرهاب عن الإسلام؛هو الاستقالة الكاملة للعقل.وهكذا ينفتح باب اللامعقول، الخرافي والسحري على مصراعيه.هذا التصديق متفجر،لأن على المؤمن أن يعمل بما صدّقه بسهولة من أحكام، وفتاوى دموية غالباً.المؤمن الذي يصدق ما سمع أو قر،أ ويعمل به،يمكن أن يصبح متعصباً أو قاتلاً؛هو إذن قنبلة زمنية،هو بالقوة صاروخ موجه طوع أصبع من يضغط على الزناد. تكفي فتوى من شيخ هاذي، او ماكر، ليحوله إلى شهيد،أي قاتل وقتيل،إلى إرهابي.
الإيمان بما هو"تصديق" لم يولد مع الإسلام الأول.رأينا نبي الإسلام نفسه،خاصة في مكة كان دائم الشك في رسالته؛حتى أنه فكر في ترك بعضها،مما يمليه عليه جبريل،أي هذياناته وهلاووسه، وضاق به صدره:"فلعلك تارك بعض ما يوحي إليك وضائق به صدرك"(12،هود)!وراودته فكرة إفتراء قرآن آخر،يرضي المشركين،الذين كان في أعماقه يتمنى مصالحتهم:"وإنْ كادوا ليفتنونك،عن الذي أوحينا إليك،لتفتري علينا[قرآناً آخر]غيره؛إذن لتخذوك خليلا"(75 الإسراء)؛ وصل شكه في رسالته إلى درجة عليا:فقد اعترف نبي الإسلام بالمساواة في امكانية الصواب والخطأ،أوالهدى والضلال بين الإسلام والشرك:"وإنّا أو اياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين"(24،سبأ)! وفي حديث للبخاري:"نحن أولى بالشك من إبراهيم".
الصحابه أيضاً قلما كانوا يصدقون بسهولة ما يتلوه عليهم نبي الإسلام من قرآن.القرآن شاهد على هذه الحقيقة.فما نسخ منه كان غالباً بطلب من الصحابة،وكان نبي الإسلام يلبى طلبهم فوراً.وقد رأينا نماذج من ذلك خلال هذا البحث.إيمانهم لم يكن"التصديق"،بل كان السؤال والرفض أيضاً، لما رأوا فيه مضرة لهم او لمصالحهم:عندما أخبرهم النبي بـ"خبر السماء":"يا أيها النبي:حرّض المؤمنين على القتال،إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين،وإن يكن مئة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا" (65،الأنفال)؛رأى المؤمنون أن علاقة القوة،مسلم1 في مواجهة 10 كفار ،هي علاقة غير واقعية،إذن غير مقبولة.لم يصدقوا ما سمعوا،بل"استعظموه"في رواية ابن عباس،أي استفظعوه ورفضوه. فاستجاب النبي لهم على مضض،ناسخا الآية فوراً بالآية التي تليها:"الآن خفّف الله عنكم،وعلم أن فيكم ضعفاً: فإن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين،وإن يكن منكم ألفاً يغلبوا ألفين"(66،الأنفال).واضح من"الآن علم الله أن فيكم ضعفاً"أن النبي نسخ الآية استجابة لضغوطهم وليس اقتناعاً باحتجاجهم. وقد تكون هذه الآية نتيجة تسوية تفاوض عليها المؤمنون مع نبيهم.
من أين إذن جاء"إيمان التصديق" لأعمي بالنص دون سؤال؟من إسلام المحدثين والحنابلة الذي حرم السؤال في الدين والقائل:"من أصاب في القرآن بالرأي[=العقل]،فقط أخطأ،ومن فسر القرآن بالرأي فقد كفر".!(الترمزي،تلميذ البخاري الذي أوصاه بإكمال رواية الأحاديث الصحيحة بعده)،نحن أما نكوص جنوني إلى الفكر السحري والأسطوري.العقل ليس مرغوباً فيه وحسب،بل هو محرّم ومجرّم.هذه هي مفاتيح انحطاط المسلمين،اللواتي مازال أقصى اليمين الإسلامي يفتح بهن، أبواب الأنفاق المظلمة، لإدخال أمم أرض الإسلام فيها.
إيمان "التصديق الأعمى"،الذي تُبرمج به التربية دماغ الطفل.دماغ الطفل في حاجة إلى تصديق ما يقوله أبواه ومربوه؛العائلة والمدرسة التقليديتان،قائمتان على التلقين.وهكذا تثقفان الطفل بثقافة التصديق الأعمى،التي تمسخه إلى ببغاء.يوجد عامل بيولوجي آخر لإنتشار ثقافة التصديق في الإسلام،هو أمراض الغباء الـ 3 :الغباء الخفيف،الغباء المتوسط والغباء العميق.شرحنا ذلك في إصلاح الإسلام بدراسته وتدريسه بعلوم الأديان.
الإيمان بما هو رهان على وجود الله سيكون قطيعة تاريخية مع الإيمان بما هو "تصديق"،وانغلاق حاملين للتعصب والعنف. الإيمان بما هو رهان،أسس له في الإسلام نبي الإسلام ؛بشكوكه المتواصلة في رسالته وبآية الشك "24،سبأ"، وأسس له في الحداثة الفيلسوف والعالم االفرنسي،باسكال:إن كان الله موجوداً فقد كسبتَ كل شيء،وإن لم يكن موجوداً فلم تخسر شيئا، فراهن إذن على وجوده...
هذا الإيمان كرهان،هو الذي يملك على الأرجح مفاتيح مستقبل الدين.وهو ليس إيمان القلة المؤمنة من الفلاسفة والعلماء وحسب،بل وحتى بعض رجال الدين أنفسهم،بل وحتى غالبية المؤمنين: السسيولوج الفرنسي،ايف لامِبير،أكد في كتابه:"للخروج من القرن الـ 20"،بأن اجابة المؤمنين المسيحيين على أسئلة دينية جوهرية بما فيها وجود الله نفسه،"تفوقت الإجابة بـ "على الأرجح" كثيراً على الإجابة بـ"يقيناً".(6)
لماذا؟لأن التقدم المكثف والمتسارع للعلم والتكنولوجيا،اكتشاف علمي مهم في العالم كل ثانية،في جميع المجالات،هذا التقدم عرّى الأساطير الدينية،وزلزل يقينياتها العمياء،بتأكيده أكثر فأكثر رحيل القداسة السحرية من العالم،الذي يتعلمن كل يوم أكثر.العلم نفسه،وخاصة البيولوجيا والفلك الفيزيائي،فضلاً عن العلوم الإنسانية الأخرى،أرسلت اليقين ـ جميع أصناف اليقين ـ إلى متحف الذكريات. الفيزياء الكوانطية،ونظرية الكاووس،والبيولوجيا والعلوم الإنسانية،أدخلن في هذه العلوم جميعاً مفاهيم:اللّايقين،اللّاحتمية وصعوبة التوقع.وهكذا فالحقيقة،بما فيها العلمية،هي منذ الآن فرضيات مفتوحة على التعديل والتجاوز،بتأثير تنافس الفرضيات المختلفة،وضرورة تمرير كل منها على امتحان التجربة العلمية.مجموع معارفنا هي إذن،الفرضيات المؤقتة،أي المفتوحة على التطوير والتعديل بفرضيات جديدة تفسر ظواهر أكثر بأخطاء أقل.وهكذا دواليك.هذا منذ الآن فصاعدا هو مفتاح تقدم المعارف والعلوم.وهذا ما توقعه أخي، أبو العلاء المعري، منذ 10 قرون: أما اليقين، فلا يقين.وإنما / أقصى اجتهادي:أن أظنّ وأحدسا.
تبنت جميع الأديان الكبرى،نخباً وجمهوراً، اللايقين.فهل سيبقى الإسلام وحده متمترساً وراء يقينياته العمياء؟كلا."أمة محمد"لا تعيش في جزيرة معزولة كحي ابن يقظان،بل في عالم معولم، تستقبل فيه كل لحظة معلوماته وتأثيراته العلمية والدينية وتتفاعل معها وتستجيب ايجابياً للكثير منها.
ظهور أقصى اليمين الإسلامي على مسرح التاريخ،كفيل،كما في إيران والسودان،بدفع قطاعات أوسع فأوسع من المؤمنين،خاصة الشباب والنساء،إلى اللايقين،للخروج من شرنقة"التصديق"الساذج إلى رحاب إيمان الشك والرهان، على وجود الله بما هو قناعة ذاتية فردية، لا تدعمها أية فرضية علمية، كما يؤكد العلماء المؤمنون أنفسهم بمن فيهم بعض المسلمين كما سنرى ذلك بعد قليل.
لأول مرة في مصر،"أرض الدين"،كما سماها المؤرخ اليوناني هيردووت، ُأعلن في الشبكة العنكبوتية عن ميلاد"موقع الملحدين المصريين"!.
القرن الـ 21،يتطلب وضع جميع الآراء الدينية موضع تساؤول وشك،لإمتحان سدادها،أي عدم معارضتها للقيم الكونية الأساسية،وفي مقدمتها قيم حقوق الإنسان.الإسلام مُستهدَف لأخطار الصدام مع حقوق الإنسان،وحقائق العلم.لماذا؟لأنه الوحيد،الذي مازال يطبق أحكام شريعته الدموية، أو يطالب بتطبيقها،ومازال،في عصر الثورة العلمية العالمية،يقدم أساطيره"العلمية"،كحقائق إلاهية لا تقبل المساءلة!
درجة التحرر والنضج الفكريين،اللتين بلغتها البشرية،التي تزداد مع الأيام استنارة،بفضل ثورة الاتصالات العالمية،لم تعد تسمح لإيمان"التصديق"بأن يصادم حقائق العلم والحياة،فارضاً هكذا على المؤمن تصديق أساطير دينية،عرتها الأركيولوجيا وعلوم الأديان فضلاً عن الفلك الفيزيائي والبيولوجيا، على حساب القيم الانسانية،اللواتي لا حياة للإنسان من دونهن منذ الآن فصاعداً.
الفكر النقدي،كتيار عالمي، تغلغل حتى في رؤوس كثير من عامة المؤمنين فضلاً عن خاصتهم.وهذا ما يسميه زعماء أقصى اليمين الإسلامي"التصحر الديني"،محاولين التصدي له بسلاحين مفلولين: العصا والرصاص،اللذين أعطيا على امتداد التاريخ،عكس النتائج المتوقعة منهما! تاريخياً،ما دخَل الدين في صدام مع العلم إلا خرج مهزوماً.هذا هو درس التاريخ منذ جاليلو.
بعد 10 قرون من قبر،المحدثين والحنابلة،لكلام"نفي الصفات"الإعتزالي،يعود إليه الاهوت العالمي المعاصر.تأكيد الكلام السني للصفات،جميع الصفات لله:من القدرة الكلية الجبروت،التي جعلت من المسلم ألعوبة في يد الأقدار،إلى القضاء والقدر التعسفي، الذي صادر من المسلم حقه في صنع حاضره وتحضير مستقبله،أصبح اليوم بلا مصداقية.أما كلام نفي الصفات،فسيجعل السؤال عن الله بما في ذلك عن وجوده، حقاً مشروعاً لكل مؤمن.
لماذا الشك هو اليوم بصدد الانتشار بين النخب المسلمة،واللامبالاة بصدد الانتشار بين جمهور المؤمنين؟
ذلك أنه غدا اليوم واضحا،أن اثبات وجود الله بالعلم استحالة.فلم تبقى إلا القناعة الفردية،اللايقينية غالباً.الزعم بأن الله هو سبب نفسه،الذي ساد طوال القرون الوسطى،فقد اليوم شرعيته.اذ أن العلم، وخاصة الفلك الفزيائي، والبيولوجيا،تثبت كل يوم، أن وجود الكون هو سبب نفسه،وأن وجود الإنسان هو سبب نفسه، وليس الله، الذي لم يعد وجوده،فلسفيا وعلميا،سبب نفسه.يقول البيولوجي اتلان :"حقاً،النظريات البيولوجية،تسمح لنا بالتفكير ،في أن الطبيعة تخلق نفسها بنفسها وتنظم نفسها بنفسها،من دون حاجة لتقبل وجود بداية مطلقة"(البيولوجي هنري اتلان، لا ينبغي استخدام العلم للتأكد من الأساطير،لوبوان،يوليو 2012).
مثلاً،بدأ الفلك الفيزيائي،منذ عقدين، يفكر في اعادة سيناريو الانفجار الكبير اصطناعيا،الذي تكون منه الكون، منذ 10 أو 15 مليار سنة ضوئية،بعد15 مليار سنة ضوئية قادمة، سيتفكك بعدها،ليستأنف ملحمته؛البيولوجيا هي الأخرى،غدت منذ الآن، قادرة على إعادة خلق الجنين في رحم أمه، بالتحكم في جنسه وخصائصة، وحتى في لون عينيه؛بل أن علماء البيولوجيا ،بدأوا يخلقون الحياة، انطلاقاً من عناصر كيميائية.في 2011 ، نجح البيولوجي الأمريكي،فينيفر،في خلق أول خلية "سانتيتيكيه"،حية في العالم. وهكذا:"تجسد اليوم الإنسان إلاهاً"،فعلاً لا مجازاً،كما قال الباب بولس السادس، في خطاب ختام مؤتمر الفتيكان الثاني في 1962.(7)
الأفراد والمجتمعات، في البلدان المتقدمة، لم يعودوا يرون ضرورة اللجوء إلى المرجعية الدينية،فقد عوضتها المرجعية العلمية.لم يعد العاقر والعاقرة يلجآن إلى الكاهن، او إلى الشيخ، لمعالجة عقرهما، بل إلى طبيب.حاضر البلدان المتقدمة، هو على الأرجح، مستقبل باقي بلدان العالم.
العلم غيب الله عن خلق الكون،وعن خلق الحياة،وعن التدخل في الشأن البشري اليومي.هذه التغييبات الـ 3 ،وعتها البشرية المفكرة كغياب الله عن العالم.
لهذه الأسباب مجتمعة،من مازالوا يمارسون الشعائر الدينية،يزدادون مع الأيام نقصاناً:أقل من 9 % من أرثوذكس روسيا؛5 % من كاثوليك فرنسا؛وأقل من 14 % من مسلمي فرنسا واوربا.وحتى من مازالوا يمارسونها،ما عادت غالبيتهم تمارس الشعائر الموروثة أباً عن جد،شعائر الأسلاف،بل باتوا يجددون فيها تجديدات تقشعر لها فرائس المؤمنين التقليديين:مثلاً في مصر،ظهرت مجموعات طلابية يرتلون الأغاني الغرامية،كما يرتل عبد الباسط عبد الصمد الآيات القرآنية؛في تونس، لم يعد بعض المؤمنين يرى حرجاً في تناول الخمر مع مشوي عيد الأضحى...فكيف ستتطور هذه السلوكيات الدينية ـ الدنيوية خلال عقد أو عقدين أو بعد 50 عاما؟هل سيتساءل يومئذ المسلمون مع المعري: سيسأل قوم: ما الحجيج ومكة؟ / كما قال قوم: ما جديس وما صسم؟
كل شيء ممكن،في عالم لم يعد فيه الإيمان بالتقليد ممكناً؛في عالم غدا الفرد فيه، كل يوم أكثر فأكثر، هو صانع حياته اليومية بنفسه.
ظاهرة أخرى هي تغيير الدين،بالرغم من أن تركيا هي الدولة الوحيدة في أرض الإسلام،التي اعترفت لمواطنيها،في دستور 2006 ،بحرية تغيير الدين؛إلا أن الهجرة الداخلية من الإسلام المدني إلى الإسلام المكي،المتجسد في التصوف،تكثفت خاصة منذ مأساة 11 سبتمبر 2001 ،كما تكثفت الهجرة الخارجية من الإسلام إلى المسيحية واليهودية خاصة في البلدان المغاربية الـ 3:المغرب، الجزائر وتونس.مراسل"مجلة المجلة"السعودية من المغرب،كتب تحقيقاً في 2005 عن ارتداد المسلمين إلى المسيحية:تتوقع السلطات المغربية بقلق، أن يصبح ثلث الشعب المغربي مسيحياً سنة 2030 .سألت المغربي، البروفسير بمدرسة العلوم السياسية،محمد الوافي،العائد حديثاً من المغرب عن هذه الظاهرة، فأجاب بمرارة:"الإرتداد ليس من الإسلام إلى المسيحية وحسب، بل وأيضاً من الإسلام إلى اليهودية.ويبدو أن الظاهرة فاعلة في الجزائر وتونس أيضاً.
ارتفاع درجة الوعي العام ،بفضل الثورة العلمية وثورة الاتصالات العالمية الحاملة لها، غيرت علاقات القوة بين العقل الإلهي والعقل البشري.هذا الأخير غدا سائداً في العالم.أما العقل الإلهي فيجد نفسه في موقف دفاع وضعف، حتى في أرض الإسلام.في بدايات الحداثة،جعل ديكارت من الله ضامناً للحقيقة البديهية، التي أسس بها لعقلانيته العلمية.أما الفلكي الفزيائي، كلود ألليجر،فقد أكد ان شك ديكارت المصطنع، واتخاذه الله ضامنا للحقيقة، لم يقدّم العلم في فرنسا، بل بالعكس أخره.رأى ديكارت في" قوس قزح معجزة إلاهية"؛أيّ تلميذ اليوم في الثانوية العامة، قادر على تحليل قوس قزح كيميائياً، إلى ماء وأطياف ضوئية!
الثورة العلمية،جعلت المعجزات الالهية في خبر كان.بإمكان تلميذ،كما يقول سكرتير أكاديمية العلوم في أحد كتبه،أن يحاكي على الكمبيوتر في نصف ساعة ،سيناريو تكون الكون، منذ الانفجار الكبير، وسيناريو تكون الحياة على الأرض، منذ البكتيريا وحيدة الخلية، في المحيط البدائي،منذ 3,7 مليار سنة،أما علم نفس الأعماق،فقد فسر وجود الله،بواقع أن الطفل،الذي يتخيل أباه إلاهاً أو بطلاً إلى سن 6 سنوات،يبدأ في إسقاط أبيه الفاني،بكل صفاته البشرية، على أب لا يحول ولا يزول، يسميه الله أو الأب الذي في السماء، كما يسميه البدائيون والمسيحيون.تصور الله في الكلام السني، وخاصة الحنبلي، يقدم دعماً للتفسير النفسي له.الله في الكلام السني الحنبلي، له يد كأيدينا، وكرسي ككراسينا،أي أنه يتمتع بجميع الصفات البشرية.لذلك سمى المعتزلة السنة الحنبلة بـ"بالمجِسّمة"،أي الذين يعطون لله جسماً كأجسامنا.آخذهم المفسر المعتزلي،الزمخشري،على ذلك: "وإن قلت حنبلياً،قالوا عني: حلولي بغيض مجِسّم!" استحالة البرهنة العلمية على وجود الله،أفسحت المجال للشك فيه و الرهان عليه.
"الله غير قابل للفهم"
:"من المستحيل،بل من الغباء،أن نريد فهم الله وتفسيره".
هذه شهادة جان لوك ماريون،فيلسوف وعضو الأكاديمية الفرنسية،كاثوليكي مقتنع،وأخصائي عالمي في ديكارت.كان مستشاراً لكاردينال باريس،مون سينور لوستجي. الفكرة المركزية عند هذا الفيلسوف الكاثوليكي: هي أن الله غير قابل للفهم، ولا يمكن إثباته بأي برهان كان. ـ هل الإنسان حيوان ديني،حتى ولو اعتز بإلحاده؟
ج.ل.ماريون:الله يشكّل ما هو أكثر داخلية في الإنسان،هو أكثر حميمية له،منه هو لنفسه،كما قال القديس أوجستين.بعض الإغريق،أكدوا ألوهية الفكر في الإنسان(...)في اقصى الحالات،بإمكاننا حتى القول بأن عجزنا عن اثبات وجود الله،يعزز مسألة الله.
ـ لماذا؟
ـ لأننا قبل اثبات وجود الله،نحن نحبه دون أن نعلم "لماذا نحبه"؟(...)المفارقة هي أننا نُصّر على الكلام فيه بنفس الجهاز المفاهيمي الخاص بأشياء العالم.نريد أن نتأكد من وجوده وأن نبرهن ...إلخ. وهكذا نجعل من الله موضوع دراسة كأي شيء آخر،هذه الرغبة في التملك خاصة بالبورنجرفيا.
ـ إذن ـ كل محاولة للتفكير في الله ليست إلا وهماً؟
ـ (...)يقول علماء اللاهوت الجيدون:الله يحمل جميع الأسماء.ولكن ليس له منها أي اسم.
ـ لكن الميتافزيقا حاولت "التفكير"في الله؟
ـ قطعاً حاولت ذلك حتى كانط،كانت الميتفزيقا تميل إلى إدخال الله في نظام التعريفات،مثل جميع "الموجدات"الأخرى:جميع أشياء العالم الأخرى هن إذن الله،بالضرورة كمثل "للموجود"الأكثر اكتمالاً. لكن الميتافزيقا بعد كانط،تخلت عن البرهنة عن وجود الله.الله يعني في الفلسفة،كشرط لوجود الأخلاق،هو المؤلف الأخلاقي للعالم.وهكذا أنهى أخيراً مهنته في الميتافزيقا كضامن لنظام القيم الأخلاقية.(...)
ـ إذن كيف نتكلم عن الله؟
ـ (...) سماع البعض يتكلمون عن الله،يعطيني الانطباع بأني أستمع لصمّ يعلقون على معزوفة لبيهوفن.
ـ هل البحوث العلمية عن وجود الله ممكنة؟
ـ لم يوجد،ولن يوجد أي بحث علمي عن وجود الله.لأن هذه البحوث تتعلق بأشياء.والحال أنه لا الله ولا وجود الله ينتميان إلى الموضوعية،أي إلى الوجود الموضوعي الذي يمكن البرهنة عليه.
ـ ألا يفتح الاعتقاد في الله باب اللامعقول؟
ـ ينبغي عدم الخلط بين الاعتقاد في الله والإيمان به.الاعتقاد في الله يقوم على اعتبار أي رأي حقيقة، حتى من دون تأكيد التجربة أو البرهان العقلاني.فالاعتقاد هو إذن الدرجة الدنيا من اليقين. (...) الإيمان بالله يُعرّف التجربة،التي تؤكد نفسها في لقاءها بمخاطب غير قابل للفهم.(8)
"الإيمان رهان"
إذا كان الله غدا على نطاق واسع موضع شك:"ولم يوجد،ولن يوجد أي بحث علمي عن وجود الله" كما قال الفيلسوف الكاثوليكي ماريون فإنه لا يبقى للتدين العاقل إلا أن يراهن عليه مجرد رهان. وهذه شهادة قس فرنسي عن إيمان الرهان.هو جرار بِنِطو:قس إنساني.خوري في كنيسة سانت أوستاش"باريس".
ـ هل لابد أن يكون الإنسان متألماً ليذهب إلى الله؟
ـ فعلاً مسألة الله تطرح نفسها على من يتألم.(...)
ـ هل الله كينونة مُفبركة ثقافياً؟
ـ من الممكن ان نقول ذلك.وهو سؤال طالما واجهته أنا بنفسي.(...)جاء للقائي عاجز جسدياً،هجرته أمه طفلاً.في سن الـ 30 أصيب بالأيدز قائلاً لي:"مازلت مستمراً في التعلق بأمل أن يوجد مكان[في عالم آخرٍ]حيث جميع اللامساواة السائدة في هذا العالم سيتم إصلاحها"أنا ايضاً في نفس هذا الموقف. الإيمان رهان.
ـ أنت كقس،تقارن الإيمان برهان؟
ـ لا فقط عندي تساؤلاتي وشكوكي،بل أعتقد أن رهاني يساعدني على الحوار مع المؤمنين.(...) (9).
الشهادتان التاليتان لفلكيين فيزيائيين مؤمنين،مسلم وبوذي،تفندان أسطورة امكانية البرهنة على وجود الله بالعلم،ويؤكدان أن الله مجرد إحساس ذاتي والإيمان به مجرد رهان.بل أن الله،كما يقول مؤرخ العلوم واللاهوتي جاك أرنو:"عند بعض الباحثين المقصود به هو إلاه اينشتين(...)وليس بأي حال من الأحوال إلاه الأديان التوحيدية"(10)
شيء مّا أتى بعالمنا إلى الوجود
بقلم برونو جيدير دوني،أسترو فيزيسيان،مدير مرصد ليون
"العاِلم يصطدم بلغز اللامتناهيات الثلاث:اللامتناهي في الصغر،واللامتناهي في الكبر واللامتناهي في التشعب،أي الحياة والذكاء.(...)بصفتي مؤمناً ـ أنا مسلم منذ 20 عاماً ـ أشعر بالروعة أمام حشود المجرات والكواكب،التي تكشفها تليسكوباتنا ويتراءى لي بطريقة ذاتية،أعترف بذلك، أن في هذا الجمال معنى"(11).
أؤمن بإلاه سبينوزا وأينشتاين
بقلم الفزيائي الفلكي،ترينه سوان ثوان
ثوران،فلكي فيزيائي اخصائي في علم الإكسترا جالاكسيك[علم يبحث في ما هو خارج المجرات]. وهو يدّرس الأستروفيزيك في جامعة فرجينيا.وهو بوذي،وربما راهب بوذي.فما البوذية؟ديانة وثنية. بوذا لم يكن إلاهاً ولا نبياً.بل فيلسوف.لا صلاة في البوذية،لأن الآلهة فيها،إلاه لكل خصلة حميدة من خصال بوذا. مثلاً للصبر إلاه ،وللصفاء الذهني إلاه،وللطاقة أيضاً إلاه...هذه الآلهة، موجودة داخل الإنسان لا خارجه.فكل إنسان إلاه،وكل إنسان ينطوي على الكمال،كمال بوذا.لكن كماله مغطّى بحجاب الأهواء الهدامة، مثل الحسد والحقد،والأنانية والعنف... الجنة البوذية، هي تحرر الفكر من الألم. هنا وليس في عالم آخر.
في نظر الفلكي الفيزيائي، ثوران،الله هو، كما عند سبينوزا واينشتاين،الطبيعة،أي قوانين الطبيعة كالجاذبية مثلاً.لو يحدث، ويتوقف قانون الجاذبية عن الإشتغال، فإن الشمس ستنفجر، وتتلاشى الكواكب التي تدور في فلكها، ومنها كوكبنا. هل العالم تحكمه الصدفة، الناتجة عن تطور الكون،أم تحكمه الضرورة؟ ثوران ،يراهن،مجرد رهان،على الضرورة. ويعترف بصدق العلماء:بأن الفيزياء الفلكية، لا تقدم أية شرعية علمية، لقناعته الدينية الشخصية،التي هي مجرد"ميتافزيقا شخصية"،مجرد رهان بسكالي كما قال:"يبدو أن الكون،يقول ثوران،رُتب على نحو دقيق منذ ولادته،من أجل ظهور الحياة والوعي. أنصار الصدفة يستنجدون بنظرية"تعدد الأكوان"القائلة: أن عالمنا قد لا يكون إلا فقاعة صغيرة،بين فقاعات أخرى لا حصر لها في الميتاكون.الوحيد الذي امتلك التركيبة الرابحة في يناصيب الحياة، والوحيد القادر على أن يوُلّد وعياً،هو عالمنا.أما أنصار الضرورة، فيحتجون بأن كل هذا هو نتيجة مبدأ خالق.مازال العلم حتى اليوم، لا يملك وسائل الحسم بين الصدفة والضرورة.علينا إذن ان نقامر فنراهن مثل باسكال:إذن أراهن على الضرورة".
ـ هل الكون من صنع الصدفة؟
ـ يوجد كوداج للكون متناه في الدقة.حسبنا رصده، لنعاين أنه محكوم بقوانين في منتهى الترتيب والتنظيم.يدرس غالبية العلماء اليوم هذه القوانين،قوانين الطبيعة، من دون أن يتساءلوا ـ على الأقل علانية ـ عن أصلها. ومع ذلك،فهذه القوانين،وعلى نحو محيّر،تمتلك خصائص يوصف بها عادة الله،فهذه القوانين كونية.وهذه القوانين مطلقات، لأنهن لا يخضعن، لا للشخص الذي يدرسهن،ولا لحالة النظام المرصود. وهن خالدات ولا زمان لهن. نعاين بفضل هذه الآلات المخصصات للرجوع بالزمن القهقرى، اللواتي هن التيلسكوب،بأن خصائص المجرات البعيدة، اللواتي نشاهدهن في سن طفولتهن،يمكن تفسيرهن بنفس القوانين الفيزيائية، اللواتي يفسرن المجرات القريبة،اللواتي ُيشاهدن في سن نضجهن.هذه القوانين الطبيعية،هن على كل شيء قديرات،إذ لا شيء في الكون،من أكثر الذرات صغراً إلى أكبر مجموعة من المجرات، يفلت من سيطرتهن.وأخيراً، فهن عليمات:فليس على الأنظمة الفيزيائية في الكون، أن تعلمهن بحالاتها الخاصة، لكي تؤثر هذه القوانين فيهن"يعلمن"ذلك سلفاً.(...)
ـ وأين الله في كل هذا؟
ـ قدمت الفيزياء الكوانطية، البرهان على أن الراصد والظاهرة المرصودة متكافلانن أي في تبعية متبادلة، اذن لا مفر من بروز كائن واعي في الكون لكي يرصده ويعطيه معنى.ليس بالضرورة أن يكون الإنسان، بل كل شكل من الذكاء، قادر على فهم نظامه،وجماله وانسجامه.وجود الوعي، ليس إذن عرضياً بل ضروري. عندما أتكلم عن مبدأ موحد،فالمقصود هنا،هو ميتافزيقا شخصية.العلم لا يستطيع الحسم بين الصدفة والضرورة. ومن جهة أخرى فإن"مبدأ خالقاً"لا يعني بالنسبة لي إلاهاً مشخصاً، يخلق الكون من عدم[كما في الأديان التوحيدية]،بل مبدأ كلي الحضور في الطبيعة،مندمج فيها،كما كان يفهمه سبينوزا وأينشتاين"(...)".
الخلق من عدم،في الأديان التوحيدية:"كن فيكون"،"وإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون"(117 البقرة)."كن فيكون"،هي وريثة تعزيمة الشامان[=الساحر]،في الأنيميزم،أو الإحيائية.أما العلم، فوريث المبدأ اليوناني الشهير:"لا شيء يأتي من لا شيء"،الذي شكل نواة الفكر العقلاني السائد في حقبتنا.
وضع البيولوجي الملحد،ريتشارد داوكينز،على الوجة الأخير من غلاف كتابه:"من أجل الإنتهاء من الله"هذه الكلمات: "تخيلوا، مع جون لينون،عالماً بلا دين...حيث لا وجود لقنابل انتحارية،ولا لـ 11 سبتمبر،ولا لحروب صليبية،ولا لمطاردة الساحرات،ولا لمؤامرة البارود،ولا لتقسيم الهند،ولا للحرب الإسرائيلية الفلسطينية،ولا لمذابح المسلمين الصربو ـ كرواتيين، ولا لإضطهاد اليهود،ولا لـ"إضطرابات" إيرلندا الشمالية،ولا"لجرائم الشرف"... تخيلوا أنه لا وجود لطالبان لنسف تماثيل بوذا،ولا لدق الأعناق في الساحات العامة من أجل التجديف، ولا لنساء مجلودات، لأنهن أظهرن قطعة صغيرة جداً من جلودهن".
وأضيف بدوري: تخيلوا أيضاً، أن بالإمكان الوصول إلى هذه النتيجة،وفي وقت أقصر بـ"دين العقلانية الدينية"،من دون الانتهاء من الله،بعد أن نحد من سلطاته المطلقة، لنحصرها في رمزيته الأبوية:كحام لطفله الذي مازال يخشى عوادي الزمن،وترتعد فرائصه من مصير كمصير الدودة والحمار ...تراباً في التراب! في انتظار أيام أفضل،يبلغ فيها الطفل سن الرشد.وعندئذ لكل حادث حديث. مراجع الفصل الحادي عشر
1 ـ الأسبوعية الفرنسية لوبوان 19/07/2012. 2 ـ حديث مع جان جاك هوبلن،مدير قسم التطور البشري،في معهد ماكس بلانك،لايبستيج(ألمانيا)، الأسبوعية لو بوان ،مصدر سابق. 3 ـ أجرت الحديث د.ج.،الأسبوعية لو بوان،ديسمبر 2011. 4 ـ في 2005 ،كان يساعدني شاب متصوف ذو ذهنية بدائية حقاً،لما أمليت عليه هذا الاستشهاد لفرويد توقف عن الكتابة مندهشا وقال لي:نحن 4 مريدون بيننا وبين شيخنا 400 كلم وفي كل مرة يرسل الى أحدنا رسالة روحية،فيسافر إليه .وهكذا مع الجميع.واقترح علي بدل التلباثي أن أتب رسالة روحية!. 5 ـ تعريف هشام جعيط للوحي،الذي عرفه الطب النفسي بما هو"هذيان النبوة"،هو شكشوكه تونسية،أي سلاطة مشكله.:"وقد حاولت في الماضي،أن أفكر فلسفياً في الوحي،واعتبرته جدلاً بين أعماق الضمير المحمدي،وهو الإلاه الداخلي،وبين الإلاه الخارجي، فيما وراء العالم"(هشام جعيط،في السيرة النبوية ج.1 ص 8)زندقة دينية وتخريف علمي!.وأين مكان الوحي؟هل هو في"منطقة الفص الصدغي الأيمن"كما حددها التصوير بالرنين المغناطيسي،بما هي منطقة مسؤولة عن كثير من الوظائف الذهنية،بما في ذلك الرؤيا الدينية عند الأنبياء والمتصوفة، كما يؤكد عالم الأعصاب الكندي ميشيل باراسيندرج؟ما أبعدك عن الحقيقة.هي كما يؤكد هشام جعيط القلب.نعم القلب!: "وهو [=جبريل]،الذي يوحي داخل القلب،مقر العقل والجوارح"(في السيرة النبوية،ج.1،ص65).حاولْ أن تقول له،أن القلب،كما يعرّفه معجم لارووس الطبي،هو:"عضو عضلي،مهمته تأمين الدورة الدموية"لا غير،وأن العقل،كما تقول علوم الأعصاب،قوة إدراك مقرها قشرة الدماغ الجبهية،وأن الجوارح،هن،كما يقول"المنجد":"العضو من الإنسان ولا سيما اليد".فسيكون برهان البروفسير المركزي الحاسم، البرهان النرجسي،هو كالعادة:"أنا شخصياً،أرفض ذلك بتاتاً"!؛لكن هشام جعيط سيقول أيضاً في شطحة صوفية أخرى:"الوحي يتجاوز العقل"(نفس المصدر ص 113)."العقل الذي في القلب"؟ بالتأكيد.أما العقل،بمعنى الطب النفسي،الذي انتجه العقل،فلا.الطب النفسي منذ بدايات القرن 20،بدأ يشّخص الوحي بما هو "هذيانات وهلاووس"،ويعالجه منذ عشرات السنين ويشفي منه،إذا كان المرض مازال في بداياته؛ويقلل من نوبات الهذيان كثيراً،إذا غدا مزمناً.وقد تسمع الرد إياه!يعرّف جعيط النبوة:"بأنها هبة من الله (...)وينطبق هذا على الملوكية،والثروة،والشجاعة والعبقرية. يولد النبي نبياً،كما يولد الملك ملكاً" (نفس المصدر ص 138).عرّف شاعر ألمانيا ،جوته،العبقرية بأنها:"1 %موهبة و 99 % جهد وعرق"؛يبدو أن تعريف جعيط الصوفي راسب من رواسب قراءة"عبقرية محمد"للعقاد،الذي هو بدوره،صدى باهت لكتاب"الأبطال"،تأليف توماس كارليل؛الطريف في التعريف، هو تعريف الثروة بأنه هبة من الله!مثلاً،ثروة سيف الإسلام،التي تقدر بـ 38 مليار دولار،نهبها من خرينة الدولة،وكذلك ثروة مئات وربما ألوف اللصوص الملياردية من أمراء النفط،هي أيضاً"هبة من الله"! لا حول ولا قوة إلا بالله! 6 ـ ايف لامِبير،للخروج من القرن العشرين،ص 326 . 7 ـ علم البيولوجيا حل محل الفيزياء الفلكية في القرنين الماضيين،كنموذج يتحذي لجميع العلوم. وهي من ألفها إلى يائها تنفي وجود الآلهة.وهذه شهادة أحد علماءها:"ج.د.فانسان:بفضل البيولوجيا أصبحت ملحداً":"بإمكان فيزيائي فلكي،أن يسمح لنفسه بإنفجارات صوفية.أما بالنسبة للبيولوجيست،فإن وجود كائن لا مادي لا أساس له من الصحة.في شبابي انتقلت من الكاثوليكية إلى البروتستانتية، التي هي أكثر منطقية،التعالى فيها فكري أكثر مما هو ديني.كنت سأصبح قساً. البيولوجيا أعادتني من السماء إلى الأرض،إلى المادة،إلى الجسد واللحم(...)عدت مجدداً إلى التعالي الفكري.أصلي ولكن كملحد". ما قاله هذا البيولوجيست الملحد ليس جديداً.استشهدت به بما هو:"يصلي ولكن كملحد"،لإعلام القارئ أن الآراء والمعتقدات الدينية والإلحادية،لم تعد كما في الماضي باقة ورد، تُأخذ كلها أو تترك كلها؛بل أصبحت كققائمة الطعام في مطعم،بإمكانك أن تختار ما تشاء وتدع ما تشاء، بلا أدنى حرج. وهذا ما لم يستوعبه التدين القديم،المرصوص كعلبة السردين!. 8ـ ج.ل.ماريون،من المستحيل،بل من الغباء ان نريد تفسير الله وفهمه،لوبوان،يوليو 2012. 9 ـ جرار بِنِطو ،الإيمان رهان،لوبوان،ديسمبر 2012. 10 ـ جاك أرنو،لوبوان،يوليو 2012. 11 ـ لوبوان مصدر سابق.
الفهرس ـ المقدمة ـ حلم لقائي بمحمد( بعد مراجع المقدمة). الفصل الأول ـ طفولة محمد. الفصل الثاني ـ مالنبوة وما الأنبياء؟ الفصل الثالث ـ ما الهذيان؟ الفصل الرابع ـ هذيان الهلاوس. الفصل الخامس ـ هذيانا التأثير والمس الدينيين. الفصل السادس ـ هذيان الشعور بالذنب. الفصل السابع ـ الهذيان الإكتئابي:الإهتياجي الإكتئابي و نهاية العالم. الفصل الثامن ـ هذيان المتشابهات. ـ الهذيان الفصامي: لغة القرآن الفصامية.
الفصل التاسع ـ نسخ الإسلام المكي وعواقبة الفصل العاشر ـ دين العقلانية الدينية الفصل الحادي عشر ـ العقلانية الدينية المطبقة.
2013 / 7 / 5
#العفيف_الأخضر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
2 لغة القرآن الفصامية
-
الهذيان الفصامي: 1 هذيان النسيان
-
الهذيان الإهتياجي الإكتئابي وهذيان نهاية العالم
-
نداء الى تحالف عسكري تونسي جزائري ضد الإرهاب
-
هذيان الشعور بالذنب
-
هذيان التأثير والمس الدينيين
-
ما هذيان الهلاوس؟
-
ما الهذيان؟
-
ما النبوة وما الأنبياء؟
-
طفولة محمد
-
من محمد الإيمان إلى محمد التاريخ - مقدّمة
-
شهادة تأريخية : نقد الدين - نقد الديكتاتوربة الحزبية - نقد ت
...
-
محمد: من شاعر ونبي في مكة إلى مشرّع ومحارب في المدينة
-
الحلقة الثالثة: هل تحديث العربية ممكن؟
-
الحلقة الثانية: لا علوم بدون مصطلحات - هل إصلاح العربية ضرور
...
-
الحلقة الأولى: هل إصلاح العربية ضروري وممكن؟
-
بورقيبة لم يقتل ابني،بن علي لم يقتل ابني وراشد الغنوشي قتله
-
8 من التربية الجنسية الدينية إلى التربية الجنسية العلمية
-
7 من أجل انتصار دين العقل
-
نداء إلى انتهاك الشعائر الغبية
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|