|
المحاصصة شر لا بد منه!!
عبدالخالق حسين
الحوار المتمدن-العدد: 1187 - 2005 / 5 / 4 - 12:43
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قيل الكثير عن تلكؤ تشكيل الحكومة العراقية حيث تأخرت حوالي ثلاثة أشهر من الانتخابات، وكان سبب التأخير كما هو معروف، توزيع الحقائب الوزارية ومحاولة القوائم الفائزة بأغلبية المقاعد مشاركة الآخرين من مختلف أطياف الشعب، العملية التي أطلق عليها بالمحاصصة، وبما إن أغلب القوائم الانتخابية كانت تمثل تنظيمات قومية وطائفية، لذلك فالمحاصصة هذه هي عرقية وطائفية أيضاً. قد يستغرب أصدقائي من القراء أن أكتب مقالاً بهذا العنوان والمحتوى، أبرر فيها المحاصصة، خاصة وقد عرفوني وأقولها بكل فخر، من دعاة الديمقراطية والعلمانية والليبرالية، فكيف يتفق هذا مع ذاك؟ إذ عادة يرد الإنسان على خصومه في الفكر والسياسة، ولكني في هذه المداخلة أود مناقشة أصدقائي الديمقراطيين العلمانيين والليبراليين وما يعبرون عنه هذه الأيام من تذمر حول المحاصصة القومية والطائفية الجارية في العراق في توزيع الحقائب الوزارية وتشكيل الحكومة الانتقالية الثانية والتي نتمنى أن تكون الانتقالية الأخيرة في تاريخ العراق الجديد. لا شك إن العلمانيين الديمقراطيين يناضلون من أجل تحقيق نظام ديمقراطي علماني يمثل فيه الإنسان أعلى قيمة وإني واحد منهم وأشاركهم في هذه الأفكار النيرة لبناء عراق يتمتع شعبه بالحرية والديمقراطية والازدهار الاقتصادي والعدالة الاجتماعية. ولكن مشكلة الأصدقاء أنهم في عجلة من أمرهم فيطالبون بالمستحيل، مثلهم كمثل الثوريين الشيوعيين الروس في أوائل القرن العشرين، حيث اعتقدوا بإمكانية حرق المراحل وتحقيق الجنة الشيوعية ولو بالقوة. كذلك الديمقراطيون العراقيون يعتقدون بتحقيق مجتمع اليوتوبيا الديمقراطية (المدينة الفاضلة) بين عشية وضحاها والقفز من حكم صدام حسين الفاشي المستبد إلى حكم توماس جيفرسون الديمقراطي، دون المرور بالمراحل الانتقالية التدريجية من الديكتاتورية المطلقة إلى الديمقراطية المتحضرة. إنهم يتناسون الخراب البشري الذي خلفه الحكم القومي العروبي وخاصة بنسخته البعثية الفاشية، منذ انقلابهم الفاشي في 8 شباط 1963 وطيلة أربعة عقود وما زالت فلول البعث تنشر القتل والدمار في ربوع العراق. يريد الديمقراطيون أن يقفز هذا الشعب من نظام فاشي قائم على القهر والاستلاب والدجل والخرافة إلى نظام ديمقراطي علماني ليبرالي وأن يتحول الشعب العراقي الذي لم يمارس طوال تاريخه الديمقراطية إلى نسخة من شعوب الدول الاسكندنافية وبعصا سحرية وقدرة قادر وبمجرد الإطاحة بنظام القتلة. إني أؤيد بالكامل ما جاء في مقال الدكتور شاكر النابلسي في إيلاف يوم 1/5/2005 (أولويات العهد العراقي الجديد)، عندما قال إن الديمقراطية الطائفية أفضل من الدكتاتورية الطائفية. فما كان يجري في العراق لأكثر من 14 قرناً، ابتداءً من الحكم الأموي في القرن السابع الميلادي إلى سقوط أصنام البعث يوم 9 نيسان 2003، كان حكماً ديكتاتورياً وطائفياً بغيضاً. وكما قال النابلسي، ولحد الآن فمعظم البلدان العربية ترزح تحت أنظمة الدكتاتورية العرقية الطائفية. فالأقليات القومية والدينية محرومة من المشاركة في صنع القرار السياسي في بلدانها وتعامل كمواطنين من الدرجة الثانية في أوطانها. فما هو دور الشيعة في السعودية، ودور الأقباط في مصر ودور الأمازيغ الذين يسمونهم (البربر) في دول شمال أفريقيا في حكم بلدانهم؟ وماذا حصل المسيحيون في جنوب السودان غير القتل والإبادة من الحكومات السودانية القومية- الإسلامية المتعاقبة؟ وهل مشاركة هؤلاء في حكم بلادهم ومنحهم حقوق المواطنة الكاملة هي محاصصة طائفية وعرقية يجب إدانتها؟ أرجو أن لا يفهم من كلامي هذا أني مؤيد للمحاصصة الطائفية والعرقية، ولكني اعتقد جازماً أنه في هذه المرحلة العصيبة والعاصفة من تاريخ العراق لا يمكن القفز على المراحل ولا يمكن إغفال حقوق الطوائف الأخرى من مكونات الشعب العراقي خوفاً من تهمة المحاصصة الطائفية. ففي هذه المرحلة بالذات وبعد ما يقارب الأربعة عقود من جور البعث الفاشي، فلا بد من مشاركة جميع مكونات الشعب العراقي في حكم بلادهم حتى وإن بدا ذلك كمحاصصة طائفية. فشعب العراق، شئنا أم أبينا، يتكون من مختلف الأثنيات والأديان والطوائف. ويجب مشاركة جميع هذه المكونات في حكم بلادهم وحسب نسبهم من مجموع الشعب. لقد كان الحكم قبل 9 نيسان (أبريل) 2005 محتكراً على قومية واحدة وطائفة واحدة ولم يتجرأ أحد بوصفه بالطائفية. وهو النظام الذي رفع شعار لا شيعة بعد اليوم وكانت حصة بقية مكونات الشعب المقابر الجماعية التي تم اكتشاف ما يقارب 300 مقبرة جماعية لحد الآن ومعظمها كان من نصيب الشيعة والأكراد. فماذا نتوقع من هؤلاء الضحايا في العراق الجديد، هل نطالبهم بعدم المشاركة في الحكم خوفاً من تهمة المحاصصة الطائفية؟ لقد حاولت الدكتاتوريات الطائفية المتعاقبة صهر جميع مكونات الشعب العراقي في بوتقة قومية وطائفة الطبقة الحاكمة باسم الوحدة الوطنية. وهذه السياسة هي التي حولت الناس إلى انتهازيين، حيث اضطر كثيرون من غير العرب إلى أن يتنكروا لقومياتهم ويستعربوا ويتحولوا إلى غلاة البعث من أمثال علي صالح السعدي وطه ياسين رمضان الجزراوي وعلي باوي وغيرهم. ونتيجة لهذه السياسة الغاشمة الظالمة تفتت الوحدة الوطنية وتفشت الكراهية بين مكونات الشعب كما نلاحظه الآن حيث دفع الشعب العراقي ثمناً باهظاً. وما يجري في المدائن من جرائم التطهير العرقي وذبح الأطفال والنساء والشيوخ وإلقاء جثثهم في نهر دجلة إلا الجزء المرئي من الجبل الجليدي لهذا التمزق في النسيج الإجتماعي العراقي الذي خلقه البعث الفاشي الطائفي البغيض. والغريب أن معظم الذين يدينون المحاصصة الطائفية، يشكون من تهميش طائفتهم ويطالبون بحصة أكبر لها في الحكومة ويبالغون في نسبتها في الشعب العراقي.
يجب أن ندرك الحقيقة المرة أن نظام البعث أعاد شعب العراق إلى مرحلة الحكم التركي، أي مرحلة ما قبل الدولة العراقية الحديثة، إذ قضى على شعور العراقيين بالانتماء إلى العراق وإنما هناك ولاء مطلق إلى شيخ العشيرة ومرجع الطائفة. وهذا ما تمخضت عنه الانتخابات البرلمانية الأخيرة، حيث كان التصويت للطائفة والقومية وخسرت الأحزاب العلمانية الديمقراطية. طبعاً يجب أن لا نتشاءم فهذه مرحلة عابرة، كما نتمنى، وعلى الديمقراطيين مواصلة النضال الفكري والسياسي في إعادة اللحمة الوطنية ونشر ثقافة العلمانية والديمقراطية واستهجان التمييز العرقي والطائفي. ولكن هذا يأخذ وقتاً وربماً طويلاً إلى أن نستطيع إزالة مخلفات الفاشية.
خلاصة القول أن المحاصصة هي تحصيل حاصل فرضه الوضع المزري الذي يعيشه الشعب العراقي ما بعد البعث. وهي بالطبع ليست الطريقة المثالية لتشكيل الحكومة ولكن وفي هذه الظروف القاسية لا توجد طريقة أخرى أفضل منها، وإن وجدت فهي غير عملية. وهذه المحاصصة هي مؤقتة واعتراف الفائزين بالانتخابات بحقوق مكونات الشعب ومشاركتها في العملية السياسية دون تهميش الآخرين، وهي أفضل من الديكتاتورية الطائفية التي كانت تحكم العراق ومازالت سائدة في البلاد العربية. ولا يمكن إزالة هذه المحاصصة إلا بالقضاء على الإرهاب وفقهاء الموت وبالتالي تحقيق استتباب الأمن وتكريس الولاء للوطن ونشر قيم الديمقراطية والعلمانية والقضاء على التمييز العرقي والطائفي وإعادة ثقة المواطنين بأنفسهم ووطنهم والتأكيد على مبدأ الشخص المناسب في المكان المناسب.
#عبدالخالق_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حملة الانتخابات البريطانية والقضية العراقية
-
محنة العراق وبن سبأ الإيراني
-
فتنة المدائن صناعة بعثية
-
هل البعث قابل للتأهيل؟؟؟
-
ملاحظات سريعة في ذكرى سقوط الفاشية
-
مغزى عولمة تشييع البابا يوحنا بولس الثاني
-
علاقة سلوك البشر بالحيوان في الرد على بن سبعان
-
لماذا الأردن أخطر من سوريا على العراق؟
-
تحية للمرأة في يومها الأغر
-
سوريا والإرهاب
-
أعداء العراق في مأزق
-
اختيار الطالباني رئيساً ضرورة وطنية
-
من وراء اغتيال الحريري؟
-
بريماكوف الأكثر عروبة من العربان!!
-
وحتى أنتِ يا بي بي سي؟
-
العراق ما بعد الانتخابات
-
مرحى لشعبنا بيوم النصر
-
يوم الأحد العظيم، يوم الحسم العراقي
-
الشريف الحالم بعرش العراق
-
مقترحات لدحر الإرهاب؟
المزيد.....
-
بعد استخدامه في أوكرانيا لأول مرة.. لماذا أثار صاروخ -أوريشن
...
-
مراسلتنا في لبنان: غارات إسرائيلية تستهدف مناطق عدة في ضاحية
...
-
انتشال جثة شاب سعودي من البحر في إيطاليا
-
أوربان يدعو نتنياهو لزيارة هنغاريا وسط انقسام أوروبي بشأن مذ
...
-
الرئيس المصري يبحث مع رئيس وزراء إسبانيا الوضع في الشرق الأو
...
-
-يينها موقعان عسكريان على قمة جبل الشيخ-.. -حزب الله- ينفذ 2
...
-
الرئيس الصيني يزور المغرب ويلتقي ولي العهد
-
عدوى الإشريكية القولونية تتفاقم.. سحب 75 ألف كغ من اللحم الم
...
-
فولودين: سماح الولايات المتحدة وحلفائها لأوكرانيا باستخدام أ
...
-
لافروف: رسالة استخدام أوريشنيك وصلت
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|