أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نور الدين بدران - الإصلاح في المملكة العربية السعودية















المزيد.....

الإصلاح في المملكة العربية السعودية


نور الدين بدران

الحوار المتمدن-العدد: 1187 - 2005 / 5 / 4 - 12:45
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


أقمت في المدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية شهراً ، حيث كانت زوجتي المختصة بأمراض الأطفال تقوم بدورة تدريب خاصة على الحواضن الحديثة وتقنياتها المتقدمة والتي لا تعرفها المستشفيات السورية ، وكنت خلال إقامتي هذه أمضي وقتي في مكتبة المسجد النبوي ، وهي مكتبة عظيمة بكل معنى الكلمة ، لا سيما فيما يخص كتب التراث العربي الإسلامي وما قبل الإسلامي ، وذات صباح كنت أقرأ القرآن وإذا بجرس هاتفي الخليوي يرن ونغمته كانت مقطوعة موسيقية ، وبالطبع أوقفتها للرد ولكن في هذه اللحظة تقدم مني شاب ملتح جداً(مطوّع ) ووقف فوق رأسي وأنا أتكلم ، وبعد أن انتهت مكالمتي ، سلم الشاب باحترام ولكن اعترت صوته نبرة حانقة أو لائمة على الأقل وأردف :" هذه موسيقى ألا تعرف أن الموسيقى حرام ؟" هاجت في رأسي عاصفة من الردود منها أني لم أجد آية ضد الموسيقى لكني لجمت العاصفة ورمقته بهدوء قائلاً : شكراً لك، وساد بحر من الصمت جعله ينسحب.
بعد توتر قصير وجدتني أبتسم بل ضحكت وحدي كالمجنون ، حيث خطرت في ذاكرتي قصة معروفة ، ففي أيام النبي جاءه زعيم أحد القبائل ليعلن إسلامه ، وبينما كانا جالسين عبرت السيدة عائشة فنظر إليها شيخ القبيلة وقال للنبي : " أزوجك هذه؟" أجابه النبي :"نعم" قال الشيخ : " أتقايضني بها بتسع نساء من قبيلتي" قال النبي :"لا".

حين رويت ما جرى معي لأحد المقيمين القدماء في المملكة ، قال لي : قبل التغيرات الجارية في المملكة كان يمكن لهذا الشخص "المطوع" أن يضربك وحتى أن يرحلك عن البلاد مهما كان سبب وجودك فيها.
لا يمكن لأحد أن يعرف ويقدر مدى التغيرات والإصلاحات التي جرت و تجري إلا إذا كان موجوداً قبلها ، وبالفعل وفي كل يوم نسمع العبارة التالية : هذا قبل عام أو عامين كان مستحيلاً.
ما أريد قوله - وأعرف أنه صادم للموروث المعرفي – هو أن الممانعة للإصلاح ، اليوم ، في هذه البلاد تنبعث من الأسفل وربما في هذا تختلف المملكة العربية السعودية عن سواها من الدول العربية ، ولا ولن أعود للأسباب وللماضي القريب أو البعيد ، ولكن اليوم بقدر ما تحاول الدولة السعودية أن تتجاوز ببلادها الواقع الراهن ومهما كانت دوافعها وأسبابها ، تجد في وجهها العثرات والبنى المحافظة والممانعة للإصلاح التي تشكل القوى الإرهابية رأس حربتها المسمومة، وليس في كلامي هذا أية محاباة أو مجاملة بل هو نتيجة معايشة ملموسة لتفاصيل الحياة اليومية ، وإيقاعاتها الدراماتيكية المذهلة ، والأخطر في الأمر أن هذه الدولة وإصلاحاتها تتعرض لمقاومة مزدوجة من القاع الاجتماعي و فئاته المتكلسة ومن هيئات كانت إلى زمن قريب جزءاً من السلطة نفسها، لكنها اليوم باتت شبه معزولة وخاضعة بسبب الإصلاحات عينها ، لتقليم أظافرها بشكل يومي، وأعتقد كمراقب أنه ليس بوسع السلطة الإسراع في مسيرتها الإصلاحية أكثر مما هي عليه اليوم ، وهذا اختلاف آخر عن بعض الدول العربية الأخرى كما هو الحال لدينا في سوريا.
لا يعني هذا أن جميع فئات الشعب السعودي ممانعة للإصلاح ، بل ثمة بعض الكتاب والمثقفين والفئات المتمدنة ترغب بوتيرة أسرع وأكثر راديكالية ، ولكنها محدودة وضعيفة التأثير وهامشية ، لاسيما إذا ما قورنت بالإمكانات والهوامش المتاحة لها ، وكمثال فقط ، فقد شنت بعض القوى المحافظة حملة شعواء على من يطالبون بحق المرأة بأن تكشف وجهها ويديها ، وصالوا وجالوا في التلفزيون والصحافة ، وكان المجال مفتوحاً وبأمر السلطات طبعاً أمام الرأي الآخر ، ولكن هذا الرأي الآخر عبر عن نفسه بمقالات محدودة جداً خائفة وضعيفة عموماً ومن موقع الدفاع عن النفس مع أنه تسلح بحجج قوية ومنيعة ، ليس أقلها سرد حوادث تاريخية على أيام النبي وأصحابه وأحاديث نبوية تحلل كشف الوجه واليدين ، ولكن في الوقت نفسه كان مجرد وجود مقالات من هذا النوع وعلى صفحات جريدة الوطن السعودية ، تعبيراً كبير الأهمية على رعاية الدولة واهتمامها بعملية الإصلاح، وهذا أيضاً يعتبر اليوم من قبيل مشاهدات أليس في بلاد العجائب كما أخبرني مقيمون قدماء ، وبما أن كل شيء نسبي ، فإن هذه الأمور تبدو غير ذات قيمة للمواطن السوري مثلاً وبالحري للإصلاحي السوري ، ولكنها في نظري بمنزلة إلغاء قانون الطوارئ في سوريا بل أكثر أهمية.
قبل هذه الأيام كان مصطلح الديمقراطية وغيره من المفاهيم المدنية بمنزلة العبارات الشيطانية ، لكن اليوم أصبح ذا حضور خجول وواهن لكنه يتقدم ، حتى أن ولي العهد الأمير عبد الله في زيارته الأخيرة إلى فرنسا يقول كرد عن سؤال حول الديمقراطية أنها جزء من التراث الإسلامي، ويعني هذا الكثير أن تلفظ هذه الكلمة وتكتب وتطبع في وسائل الإعلام الرسمية.

أما ما يطلق عليهم "الاصلاحيون " فصيتهم في الخارج أكبر بكثير من حضورهم في الداخل ، وقيض لي أن أشاهد محطتهم الفضائية التي تبث من أوروبا ، ولم أجد في أطروحاتهم إلا ما يمكن وصفه بالغيبوبة عن الواقع الملموس بل ثمة روائح محافظة كريهة ، ونقمة صرفة على الحكم السعودي ، ولم أجد ما يمكن وصفه ببرنامج جدير بالاهتمام ، والشتائم تحتل المساحة الأوسع في تلك الأطروحات العجفاء.

مازلت أعتقد أن خطوة عملية واحدة في الحياة أفضل من دزينة من الكراريس والكتب ، وقد جرت خطوات عملية هامة كالانتخابات البلدية ولأول مرة في السعودية ، وبنظري كانت الخطوة الأهم حول المرأة السعودية ، حيث بات من حقها أن تملك بطاقة شخصية (هوية) إذا شاءت ، وتنفصل عن كرت العائلة ، وتالياً جواز سفر وهذا يقتضي كشف وجهها فعلياً ، ولا أدري لماذا تعاملت وسائل الإعلام عموماً الرسمية والمعارضة مع هذه الخطوة بالغة الأهمية ، بقلة اهتمام ، وهو أمر مثير للرثاء كغيره من أمور المعارضة العربية وتقدير رموزها للغث والسمين.
هذه الانطباعات العامة والسريعة لا تغطي عنوانها ولا تفيه بعض حقه ، لكنها ، وربما بسبب ذلك ،انطباعات شخصية ، وإذا كان هنا من الممكن تسجيل اعتراف شخصي ، فقد كنت مرعوباً قبل مجيئي إلى السعودية ، لكني فوجئت –ومرة أخرى كل شيء نسبي – بمدى الأمان والاحترام الشخصي ، وكمثال فقط فبعد العملية الإرهابية الأخيرة في مكة ،بساعات فقط ،حيث تمخضت عن مقتل شرطيين سعوديين، كنت عائداً من جدة وهو طريق مكة نفسه ، وكانت الحواجز الأمنية منتشرة على طول الطريق، ولكن لم أتعرض إلى سؤال ـ لا أنا ولا سواي ـ وكان يكفي أن نمر ببطء أمام الحواجز ، ولا مجال للمقارنة مع تلك الأيام السوداء التي مرت على سوريا في ظروف مشابهة ، حيث كان كل مواطن متهم بعد كل عملية قذرة، وربما قبلها، وما دمنا في حقل المقارنة / المفارقة فأنت كسائق سيارة لا تنال مخالفة سير دون أن يوقفك الشرطي ويخبرك بها ،أي لا توجد مخالفات غيابية،كقاعدة عامة ، لكن قال آخرون أن شيئاً من هذا يحدث كاستثناء يتعلق بشخصية الشرطي وهو أمر بالغ الندرة.

في المدن الكبرى كجدة مثلاً ، تتجاوز الحريات الشخصية الوضع العام لاسيما لدى المقيمين ، حتى أن هناك واحات أوروبية، كما سمعت ، لكني شاهدت شخصياً هناك نساء سافرات وحضرت معرض كتب ، وجدت فيه كتباً، كدت لا أصدق أن الرقابة وافقت على دخولها المملكة ، نعم يمكنك أن تقرأ هنا – وبدون معارض- أي في المكتبات السعودية العامة والدائمة، رواد الحداثة الأوروبية.

التناقض مذهل بين القاعدة المادية البالغة الحداثة (الطرق/ الأسواق/ المؤسسات التجارية والاقتصادية عموماً والمصرفية خصوصاً) وبين البنية الحقوقية العامة، وشيئاً فشيئاً ،كما أعتقد ، ولكن بعد عملية طويلة ومعقدة ، ستنكسر حدة هذا التناقض.



#نور_الدين_بدران (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أصغوا إلى الأغنية البحرينية
- نبيل فياض يهجر
- قاصمة الظهر
- شادي سلامتك ... ويا سيادة الرئيس
- كون آخر
- العلاقة بالآخر مرآة الذات
- النهر الهادر أصم
- الفأس والرأس
- الولايات المتحدة ليست فوق التاريخ
- انتظري
- أشتهي... بعد
- اصح يا نايم .....كفاية
- اللعبة الغامضة
- أهرامات الحماقة
- نقي العظام
- ليت رذائلنا كرذائلهم وفضائلنا كفضائلهم
- كهدوء يتفجر بياضاً له قرون
- وماذا بعد الانسحاب أيها الأحباب؟
- كرة الثلج أم كرة المجتمع المتمدن يا سيدة بثينة ؟
- الفضل لله طبعاً ...لكن


المزيد.....




- القائد العام لحرس الثورة الاسلامية: قطعا سننتقم من -إسرائيل- ...
- مقتل 42 شخصا في أحد أعنف الاعتداءات الطائفية في باكستان
- ماما جابت بيبي..استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي وتابعو ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح ...
- أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202 ...
- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نور الدين بدران - الإصلاح في المملكة العربية السعودية