حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي
(Hussain Alwan Hussain)
الحوار المتمدن-العدد: 4141 - 2013 / 7 / 2 - 21:21
المحور:
الادب والفن
و بالأمكان التوصل إلى إيضاح جلي للفرق بين المميزات الشعرية للأربعينات و الخمسينات من القرن العشرين عندما نقارن قصيدة " فيرن هِل = تل السرخس " (1945) لـ " ديلن توماس " بقصيدة " إني أتذكر ، إني أتذكر " (1954) لـ " فيليب لاركن " (1922-1985) . و قد تبدوا مثل هذه المقارنة غير عادلة تماماً ، لكون قصيدة " تل السرخس " قد نظمت إبان أوج النضج الشعري المتأخر عند " ديلن توماس " ، في حين لا يمكن إعتبار قصيدة " لاركن " " إني أتذكر ، إني أتذكر " قطعة طموحة فعلاً ، رغم كونها عملاً ناجحاً . غير أن من شأن قراءة تينك القصيدتين أن تزودنا بمعلومات مفيدة عن الموقف الشعري للرجلين . و بوسعنا هنا إستعارة عبارة الشاعر " روبرت كونكويست " ( ولد عام 1917) في وصف قصيدة " ديلن توماس " بكونها " إستغاثة غير نزيهة بالطفولة البريئة البسيطة و الحنين إليها " . و تمتلك هذه القصيدة إيقاعاً قوياً ، و تتخللها صور لغوية مضيئة لفكرة " روسو- ويردزويرث " العتيدة حول السماوية و الجمال القدسي للانطباعات الحسية التي تغمرنا خلال فترة الطفولة .( الفكرة هي أن الطفل هو خليقة الله في السماء ، لذا فأنه يحمل في ذاته ألقاً و براءة سماوية منذ ولادته على الأرض ، ثم تتبدد هذه الروعة عند الرشاد بفعل معترك تجاريب الحياة .) أما قصيدة " إني أتذكر ، إني أتذكر " ، فهي إنجاز ذاتي واع بدرجة عالية . و فيها نجد أن موضوعة ذكريات الطفولة و المراهقة قد جرى تثبيتها على أسس تتطلب قدراً من الإطلاع الأدبي لدى القارئ . حيث تغمز القصيدة من قناة كل من الشاعر "أودن" ( أساطير تسمل العيون عن الزهور و الفواكه ... تتحدث إليها قبعة عتيقة ) و كذلك الشاعر و الروائي " ديـﭭ-;-د هربرت لورنس " ( الفتيان كلهم عضلات ذات رأسين ... و الفتيات كلهن صدور ... حقلهم مكان أستطيع فيه أن أكون أنا ) . و يبدو أن الهدف العام لقصيدة " لاركن " هو النيل من فكرة كون الطفولة مرحلة خطيرة جداً في حياتنا ؛ علاوة عن التعبير عن الإندهاش من الإذعان البدائي للجمهور لهذه الفكرة و للأفكار المشابهة الأخرى . إن الأسلوب التهكمي المخادع ؛ و الإنسيابية المأنوسة للبيان ؛ و التحسس اليقظ ، نصف الهزلي ، إزاء الوضع الإجتماعي ( و الذي يتضح بشكل أفضل في قصيدة " دونَلد ديـﭭ-;-ـي " (1922-1995) " حفل الحديقة ") ؛ و تضمين فكرة كون المشاعر الرومنطيقية غالباً ما تمتلك درجة من المبالغة المرغوبة – كلها مميزات نتوقعها من قصيدة تعود لخمسينات القرن العشرين ، يكتبها أحد شعراء " الخطوط الجديدة " (و أسمهم السابق شعراء " الحركة ") . و ينبغي أن يكون مفهوماً في الحال أن الشخصية الشعرية للعقد المذكور تنحدر من إنجازات أولئك الشعراء أنفسهم ، و المتعاطفين معهم ؛ حيث بات من غير المحتمل إخراج مثل هذه القصيدة من طرف شاعر من جيل أربعينات نفس القرن .
ملاحظة المترجم : إكمالاً للفائدة ، أقدم فيما يأتي نص القصيدتين أعلاه ، مع ترجمتهما العربية الحرفية ، مشفوعة بملخص لكل واحدة منهما .
1. تل السرخس
و هي قصيدة قوامها ستة مقاطع تمدح أولاً الأيام السعيدة الخالية التي أمضاها الشاعر و هو فتى في عزبة عمه المسماة بـ " تل السرخس " و الكائنة في "وانسي" بمقاطعة " ويلز " ؛ ثم تنعى خسارته لذلك العهد إلى الأبد بسبب تقادم الزمان . و فيها يستخدم " ديلن توماس " ذكريات أيام طفولته لكي يستكشف الفكرة العامة المتمثلة بالرحلة من " براءة الطفولة " إلى خبرة النضوج . و تنقسم القصيدة إلى قسمين . فالمقاطع الثلاثة الأولى تعرض تجربة الشاعر كطفل سعيد و هو يمضي لاهياً عطله الصيفية في العزبة المذكورة التي تشبه جنة عدن في تماهي الإنسان مع الطبيعة ، فكل شيء أخضر و بلمعان الذهب . ثم تكشف المقاطع الثلاثة الأخيرة يقظة الشاعر بعد إنقضاء عهد براءة الطفولة . و في مركز الفقدان لتلك السعادة و البراءة تأتي أسطورة حياة آدم و حواء في جنة عدن و من ثم سقوطهما إلى الأرض بسبب خسارتهما للبراءة . في البدء ، يصف " ديلن " هذا العالم كما لو كان عالماً سرمدياً يخلو من الخسارة و الفناء . و ببطء ، يتحرك الشاعر في المقطع الثالث إلى التحول نحو إكتساب النضوج من خبرات الحياة بمضي الزمان و فقدان ألق الطفولة من دون رجعة . ثم يقدم في مقطع الرابع فكرة " نوم " الشاعر رمزياً ؛ و هو النوم الذي يختتم بالوميض في الظلام . و تحيل مفردة " النوم " هنا إلى نوم آدم و حواء بعد نزولهما مباشرة من علياء السماوات إلى تراب الأرض ؛ و هو يرمز إلى الوعي المفاجئ بخسران البراءة . و في المقطع الأخير ، يستعيد الشاعر مرة أخرى ذكريات طفولته ، فيسيطر عليه إدراكه لوضعه الحالي المختلف و هو يرسف بسلاسل تجاريب الحياة بعد أن ذبلت فيه خضرة الفتوة . مع ذلك ، فإن حرص الشاعر على أيراد الفعل "غنّيت" في آخر بيت من القصيدة يقترح فكرة عثوره في الفن عن مصدر للتعويض عن خسارة براءة الشباب .
Fern Hill
By Dylan Thomas (1945)
Now as I was young and easy under the apple boughs
About the lilting house and happy as the grass was green,
The night above the dingle starry,
Time let me hail and climb
Golden in the heydays of his eyes,
And honoured among wagons I was prince of the apple towns
And once below a time I lordly had the trees and leaves
Trail with daisies and barley
Down the rivers of the windfall light.
And as I was green and carefree, famous among the barns
About the happy yard and singing as the farm was home,
In the sun that is young once only,
Time let me play and be
Golden in the mercy of his means,
And green and golden I was huntsman and herdsman, the calves
Sang to my horn, the foxes on the hills barked clear and
cold,
And the sabbath rang slowly
In the pebbles of the holy streams.
All the sun long it was running, it was lovely, the hay
Fields high as the house, the tunes from the chimneys, it was
air
And playing, lovely and watery
And fire green as grass.
And nightly under the simple stars
As I rode to the owls were bearing the farm away,
All the moon long I heard, blessed among stables, the
nightjars
Flying with the ricks, and the horses
Flashing into the dark.
And then to awake, and the farm, like a wanderer white
With the dew, come back, the cock on his shoulder: it was all
Shining, it was Adam and maiden,
The sky gathered again
And the sun grew round that very day.
So it must have been after the birth of the simple light
In the first, spinning place, the spellbound horses walking
warm
Out of the whinnying green stable
On to the fields of praise.
And honoured among foxes and pheasants by the gay house
Under the new made clouds and happy as the heart was long,
In the sun born over and over,
I ran my heedless ways,
My wishes raced through the house high hay
And nothing I cared, at my sky blue trades, that time allows
In all his tuneful turning so few and such morning songs
Before the children green and golden
Follow him out of grace.
Nothing I cared, in the lamb white days, that time would
take me
Up to the swallow thronged loft by the shadow of my hand,
In the moon that is always rising,
Nor that riding to
I should hear him fly with the high fields
And wake to the farm forever fled from the childless land.
Oh as I was young and easy in the mercy of his means,
Time held me green and dying
Though I sang in my chains like the sea.
تل السرخس
الآن فيما كنْتُ شاباً و سهلاً تحت أغصان التفاح
حول البيت المغرِّد و سعيداً فيما كان العشب أخضر ،
الليلُ نَجميٌّ على الوادي المشجر ،
الزمن يدَعني أحيّي و أتسلق
مُذهّباً في العصر الذهبي لعينيه ،
و مكرَّماً بين العربات كنت أميراً لمدن التفاح
و مرّة تحت قديم الزمان امتلكت ناصية الأشجار و الأعشاب
تقتفى الأقحوان و الشعير
أسفل أنهار النور المفاجئ .
و فيما كنت أخضر و لاهياً ، شهيراً بين الحظائر
حول الساحة السعيدة و مغنياً فيما كان الحقل بيتي ،
في الشمس التي لا تصبح شابة إلا مرّة واحدة ،
الزمن يَدَعني ألعب و أكون
مذهَّباً تحت رحمة وسائله ،
أخضر و مذهَّباً كنت صياداً و راعياً ، العجول
غنت لبوقي ، الثعالب على التلال نبحت بجلاء و برود ،
و دق السبت ببطء
في حصى السواقي المقدسة .
طوال كل الشمس كانت تمطر ، كانت فاتنة ، حقول التبن
عالية كالبيت ، و الإيقاعات من المداخن ، كانت هواء
و تلعب ، جميلة و رطبة
و النار خضراء كالعشب
و ليلياً تحت النجوم البسيطة
فيما كنت أركب لأنام ، البوم كانت تحمل الحقل بعيدا ،
و طوال كل القمر سمعت ، مباركاً بين الحظائر ، طيور الليل
تطير مع أكوام القش ، و الخيول
تومض في الظلام .
و من ثم الاستيقاظ ، و الحقل ، مثل أبيض جوّال
بالندى ، و العودة ، و الديك على كتفه : كل شيء
مشرق ، إنه آدم و العذراء ،
تجمعت السماء ثانية
و الشمس أصبحت مدورة في ذاك اليوم بالذات .
و لهذا لا بد أن ذلك كان بعد ميلاد الضياء البسيط
في الأول ، المكان الدوّار ، الخيول المأخوذة بالسحر تسير حامية
خارجة من الأسطبل الأخضر الصاهل
قُدُما نحو حقول الثناء .
و مكرَّمة بين الثعالب و وطيور التدرج عند بيت المرح
تحت الغمام الحديث الصنع و سعيدأ فيما القلب كان طويلاً ،
في الشمس يولد مجدداً و مجدداً ،
عَدَوتُ طرقي الغافلة ،
تسابقت آمالي عبر تبن البيت العالي
و لم أهتم بشيء ، إلى صفقاتي السماوية الزرقاء ، التي يسمح بها الزمن
في كل دورانه الرخيم جدُّ قليل و تلك الأغاني الصباحية
قبل الأطفال أخضر و مذهباً
تتبعه تجملاً .
لم أهتم بشيء ، في أيام الخروف الأبيض ، ذلك الزمن يأخذني
إلى شرفة السنونو المزدحمة بظلال كفي ،
في القمر المتعالي أبداً ،
و لا ذلك الراكب للنوم
عليَّ أن أَسمعَه يطير مع الحقول العالية
و يستيقظ للحقل أبداً يهرب من الأرض الخلية الأطفال .
أوه ، فيما كنت شاباً و سهلا تحت رحمة وسائله ،
أمسك بي الزمن أخضر و أحتضِر
وإن غنّيت في سلاسلي مثل البحر .
2. أني أتذكر ، إني أتذكر
في هذه القصيدة ، يتخيل الشاعر " فيليب لاركن " سفرة بالقطار تعيده على نحو غير متوقع إلى مدينة " كوﭭ-;-نتري " مسقط رأسه و الكائنة على مبعدة حوالي 153 شمال شرق لندن . "يا للدهشة ! إنها كوﭭ-;-نتري ، تعجبت " ، " لقد ولدت هنا " يردد هازلاً ما تقوله قصيدة توماس هود (1799- 1845) ألـﭭ-;-كتورية ذات العنوان ذاته . هنا يتولى لاركن ببراعة تفنيد الفكرة الرومنطيقية المألوفة عن روعة عهد الطفولة و المرتبطة بشعراء مثل " ديلن توماس " و " ديفد هربت لورنس " و " توماس هود " و قبلهم " وليم ويردزويرث (1770- 1850) و ذلك عبر تسطير كل الأشياء الجميلة و التي لم تحص له في طفولته ، فهو "لم يخترع الأساطير / تسمل العيون عن الورود و الفواكه " ؛ كما لم يكن هناك أي "حقل حيث يستطيع أن يكون / فعلاً أنا " ؛ كما لم يحصل أنه قد إستلقى مع حبيبة شابة فيما " أصبح كل شيء ضباباً محترقاً " ، و هلم جراً . كل الذي حصل ، و الذي يبينه لصديقة ، هو : " أنه لم يعش طفولته هناك " . و تنتهي القصيدة بنبرة ممتعضة رغم قبولها بالشيء غير المتميز و غير الرائع و المتمثل بـ " لا شيء ، مثل أي شيء ، يحصل في أي مكان " .
I Remember, I Remember
by Philip Larkin (1954)
Coming up England by a different line
For once, early in the cold new year,
We stopped, and, watching men with number plates
S-print- down the platform to familiar gates,
"Why, Coventry!" I exclaimed. "I was born here."
I leant far out, and squinnied for a sign
That this was still the town that had been mine
So long, but found I wasn t even clear
Which side was which. From where those cycle-crates
Were standing, had we annually departed
For all those family hols? . . . A whistle went:
Things moved. I sat back, staring at my boots.
Was that, my friend smiled, where you "have your roots"?
No, only where my childhood was unspent,
I wanted to retort, just where I started:
By now I ve got the whole place clearly charted.
Our garden, first: where I did not invent
Blinding theologies of flowers and fruits,
And wasn t spoken to by an old hat.
And here we have that splendid family
I never ran to when I got depressed,
The boys all biceps and the girls all chest,
Their comic Ford, their farm where I could be
Really myself . I ll show you, come to that,
The bracken where I never trembling sat,
Determined to go through with it-;- where she
Lay back, and all became a burning mist .
And, in those offices, my doggerel
Was not set up in blunt ten-point, nor read
By a distinguished cousin of the mayor,
Who didn t call and tell my father There
Before us, had we the gift to see ahead -
You look as though you wished the place in Hell,
My friend said, judging from your face. Oh well,
I suppose it s not the place s fault, I said.
Nothing, like something, happens anywhere.
أني أتذكر ، إني أتذكر
بلغنا شمال إنجلترا في قطار أخر
هذه المرة ، مبكراً في رأس السنة الجديدة البارد ،
توقفنا ، ثم ، و نحن نراقب الرجال بلوحات الأرقام
يهرولون من الرصيف نحو بوابات مألوفة ،
" يا للدهشة ! إنها كـوﭭ-;-نتري . " تعجبت . " لقد ولدتُ هنا ."
إنحنيت بعيداً نحو الخارج ، و فتشت عن علامة
تفيد أن هذه ما تزال هي المدينة التي كانت " لي "
أمداً طويلاً جداً ، إلا أنني إكتشفت أنني لا أميز حتى
أي جانب هو ذاك الجانب ، من أقفاص الدراجات
القائمة حيث كنا نغادر سنوياً
في كل عطل العائلات تلك ... إنطلقت الصفارة :
تحرَّكت الأشياء . عدت إلى مقعدي ، محدقاً بجزمتي .
"هل ذلك ،" إبتسم صديقي " هو المكان الذي جذورك فيه ؟"
"لا ، إنه فقط المكان الذي لم أعش طفولتي فيه ."
أردت أن أرد ، " إنه فقط المكان الذي بدأت فيه " :
عندها بات واضحاً أنني قد أجّرت المكان كله
حديقتنا أولاً : حيث لم أخترع
أساطير تسمل العيون عن الورود و الفواكه ،
و لم تحدثني قبعة عتيقة .
"هنا لدينا تلك العائلة الرائعة ."
لم أركض إليها عندما كنت مكتئباً ،
الفتيان كلهم عضلات ذات رأسين و الفتيات كلهن صدور ،
سيارتهم الفورد المضحكة ، و حقلهم حيث بإمكاني أن أكون
"أنا حقاً ". سأريك ، تعال إلى تلك
الأيكة من السرخس التي لم أجلس فيها مرتجفاً
مصمماً على حسم الأمر ؛ حيث هي
مستلقية على ظهرها ، ثم " أصبح كل شيء ضباباً حارقاً " .
و في تلك المكاتب فأن قصيدتي البائسة
لم تنهض بدرجات عشر بليدة ، و لا قرأها
أبن العم المتميز للعمدة ،
و لا نادى على والدي ليبلغَّه بخصوصها ، هناك
أمامنا ، إن كانت لدينا ملكة رؤية ما هو أمامنا –
" تبدو و كأنك ترغب بالمكان في جهنم ! "
قال صديقي ، " بناء على ( تقاسيم ) وجهك ." " أوه حسناً ،
أتصور أن الذنب ليس هو ذنب المكان ،" قلت .
"لا شيء ، مثل أي شيء ، يحدث في أي مكان ."
يتبع ، لطفاً .
#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)
Hussain_Alwan_Hussain#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟