أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - مناقشة لتقرير -المجموعة الدولية لمقاربة الأزمات-: سوريا ما بعد لبنان، لبنان ما بعد سوريا















المزيد.....

مناقشة لتقرير -المجموعة الدولية لمقاربة الأزمات-: سوريا ما بعد لبنان، لبنان ما بعد سوريا


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1187 - 2005 / 5 / 4 - 12:42
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


السوري الذي قرأ جزئي تقرير "المجموعة الدولية لمقاربة الأزمات" في بداية العام الماضي عن التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه سوريا في ظل حكم الرئيس بشار الأسد سيشعر بشيء من الخيبة وهو يقرأ تقريرها الأخير المعنون "سوريا ما بعد لبنان، لبنان ما بعد سوريا" الذي صدر في 12 نيسان الجاري. لقد جاء التقرير في وقته تماما. وعنوانه يرصد "تلازم" تطور أوضاع سوريا ولبنان بعد اضطرار سوريا سحب عسكرها ومخابراتها من الشقيق الصغير المجاور. مع ذلك فإن تحليلاته وتشخيصاته إما غير مقنعة أو لا جديد فيها. أما توصياته التنفيذية فمن النوع الذي يتوقعه المرء من مركز دراسات غربي، لكنه يتمتع بدرجة من الاستقلالية ويعمل بمهنية عالية.
ولعل السبب في ذلك منهجي اولا. فمثل معظم التقارير التي تصدرها مجموعات "ثينك تانك" غربية عن "الشرق الأوسط" يتسم هذا التقرير بغلبة مقاربة فنية للسياسة تنطلق من ثبات الأوضاع الحالية وموازين القوى المؤسسة لها. وكما هي الحال دوما تتسم هذه المقاربة بتمركزها حول السلطة وحول السلطة الأقوى، اي عمليا حول السياسة الأميركية والرؤية الأميركية لمشكلات المنطقة وصراعاتها. وهذا من سمات السلطة الغربية اليوم قدر ما هو من سمات مراكز الدراسات التي تقدم لها المشورة. يمكن القول إن السلطة (ما بعد الحداثية؟!) تتخفى وراء حجاب مصنوع من العلم بعد أن كانت تستعرض ذاتها عبر تزيينات إيديولوجية.
التقرير الذي بين يدينا "علمي" ومحافظ. تغيب عنه الاعتبارات المتصلة بقيم العدالة والمساواة ويعوض عن ضعف حساسيته للأبعاد الايديولوجية والثقافية والاجتماعية للسياسة باهتمام بالتفاصيل والتوثيق والمشاهدات الموثقة. في النهاية التقرير نصيحة لصناع السياسة في المنطقة، وهي نصيحة موجهة إليهم بنسبة قواهم: الأميركيون أولا ثم الأوربيين ثم الإسرائيليين ثم الأمم المتحدة واللبنانيين والسوريين، وتناسبهم كذلك بنسبة قواهم.
ليس هذا من باب التقليل من اهمية التقرير والجهد المبذول فيه. غرضنا أن نقول إن غربيين كتبوه لغربيين ومن وجهة نظر غربية وبرسم مصالح وحساسيات غربية. والمبدأ العام في هذه الحالة يقضي بان نفرز تحليلات هذه الدراسات ومعلوماتها عن توصياتها وتفضيلاتها، وان نتعلم ونستفيد من الأولى ونتعرف على الثانية ونفهمها، ونلتزم بها بصورة انتقائية.
قد يكون الجانب الأطرف من التقرير، من وجهة نظر تحليلية، هو إبرازه كون لبنان مسرحا للصراعات على السلطة في سوريا، وأن ما يسمى "الحرس القديم" كان يوظف علاقاته وروابطه في لبنان لعقد صفقات مجزية، ومن ثم استخدام ما تدره من أرباح لشراء الولاء لهم وتعزيز نفوذهم في سوريا. وعلى هذه الخلفية خدم التمديد للرئيس لحود، وقد عارضه بعض نجوم الحرس القديم، الرئيس بشار الأسد في معركته الداخلية على السلطة. وبذلك تكون تناقضات ووجوه الضعف في سياسة سوريا اللبنانية في الفترة الأخيرة انعكاسا محتملا لتناقضات وصراعات داخلية. ليس هذا التحليل جديدا بالكامل على المثقفين اللبنانيين والسوريين، لكن التقرير يقدم إشارات مغنية حوله.
كذلك يبرز التقرير حقيقة خصبة تشير إلى أن الهيمنة السورية على لبنان كثيرا ما اعتبرت أنها مصلحة جوهرية للنظام البعثي لا يتقدم عليها إلا بقاء هذا النظام ذاته في سوريا. وفي راينا نحن أن لبنان هو بالفعل جوهرة التاج البعثي السوري، كما كانت الهند جوهرة التاج البريطاني، وكما هو الشرق الأوسط (حسب جويل بينين) جوهرة التاج الأميركي. ومثلما آذنت خسارة بريطانيا لجوهرتها الهندية بسقوطها من سدة السيادة العالمية إلى مرتبة دولة مسودة ضمن تحالف السائدين العالمي (إن حاكينا لغة بيار بورديو)، فإن اسقلال جوهرة التاج السورية سيدشن تحولا نوعيا في السياسات السورية وربما في النظام السوري نفسه. ولا ريب، استطرادا، ان تحرر جوهرة التاج الأميركية سيكون اكبر خدمة يمكن تصورها لقضية التحرر والديمقراطية في العالم.
الملاحظة الأساسية على تشخيص التقرير أنه يبالغ في احتمال تفجر العنف مجددا في لبنان، ويقلل أو لا يرى احتمالات مقلقة لتطور الوضع السوري. قد توحي نقطة الضعف هذه بان تناول التقرير أسير ظواهر الأمور وتقلباتها الظرفية وغير مدرك لحجم التحول الذي جسده الانسحاب السوري من لبنان، رغم انه وصفه بحق ثاني اهم مصلحة للنظام السوري بعد بقائه حاكما، ورغم انه – فيما يخص لبنان - كان مانعا من تبلور تفاهم لبناني مستقر وتطبيق بنود اتفاق الطائف ذاته.
تتكرر إشارات إلى احتمال تفجر العنف في لبنان عدة مرات في نص التقرير دون أن تسوغه تحليلاته ذاتها. يربط العنف المحتمل بالنظام السوري الذي قد يتصرف بطريقة قطة محاصرة مستخدما ما تبقى من أدواته وحلفائه في لبنان، او بتعجل الولايات المتحدة تحقيق اهدافها الإقليمية العريضة ما قد يستثير ردود فعل عنيفة من قبل سوريا او حزب الله او المجموعات الفلسطينية المحاربة، أو قد تتسبب به الطبقة السياسية اللبنانية الشهيرة بانقساماتها والتي قد توفر فرصا جديدة للتدخل الخارجي وتمهد الطريق للفوضى الداخلية. كذلك يشار إلى ان وسائل العنف ودوافعه متوفرة بالنظر إلى وفرة الأسلحة في لبنان وكونه مسرحا معتادا لحروب بالوكالة بين العرب والفلسطينيين والإسرائيليين حسب تعبير التقرير، وبالخصوص وهو على أعتاب إعادة توزيع كبرى للثروة والموارد فيه. يهمل التقرير، بالمقابل، عناصر كبح العنف: انقسام الطبقة السياسية اللبنانية يحد منه اشتراك جميع أطرافها الفاعلة في رفض الحرب (ما يؤكده انعدام رصد أية "تمارين" عليها، في بلد يقول التقرير إنه يسبح في الأسلحة)، استعداد سوري لتجنب اية مواجهة مفتوحة قد تضع مصير النظام كله على كف عفريت، حرص حزب الله على سياسة مستقلة نسبيا عن كل من سوريا والموالاة والمعارضة اللبنانية، ضعف احتمال أن تعمد أية تنظيمات فلسطينية إلى عنف على الحدود اللبنانية الإسرائيلية او في الداخل اللبناني. كذلك ما أظهرته الولايات المتحدة ذاتها، فضلا عن فرنسا، من استعداد واضح للتمييز بين مرحلتين في تطبيق القرار 1559 ومنحهما اولوية كبيرة للانسحاب السوري على نزع سلاح حزب الله وانتشار الجيش إلى الجنوب.
يقترح التقرير حلا لمشكلة المرحلة الثانية من القرار، بان يدمج الجناح العسكري لحزب الله في الجيش اللبناني كوحدة مستقلة ذاتيا في البداية، على ان تبعد صواريخه إلى شمال الحدود اللبنانية الإسرائيلية مسافة 30 كيلومترا، وعلى ان يربط النزع الكامل لسلاحه بتحقيق تغيرات مهمة على جبهة الصراع العربي الإسرائيلي ومفاوضات السلام الإسرائيلية اللبنانية.
تبدو فكرة استقلال ذاتي لجناح حزب الله العسكري وصفة للمشكلات أو نقلا لها من الحدود مع إسرائيل إلى داخل لبنان والجيش اللبناني. ترى كيف ستتصرف إسرائيل حيال حزب الله ذاته إذا أمنت فاعليته الردعية أو أحست بارتخائها؟ لا يقترح التقرير شيئا لتجنب هذا الاحتمال ولا يشير إليه اصلا. هل يستبعده؟ ليس هذا مرجحا. هنا ثغرة حقيقية في تقرير كان مبالغا في التنبيه إلى مخاطر تجدد العنف في لبنان وحوله.
كان اقرب إلى المعقول لو ربط التقدم على جبهة إدماج الجناح العسكري لحزب الله في الجيش اللبناني والحزب ذاته في الحياة السياسية اللبنانية خطوة بخطوة بالتقدم على مسار حل الصراع العربي الإسرائيلي. إدماج كامل ونزع كامل للسلاح في سياق تسوية كاملة على الجبهتين السورية واللبنانية. ليس هذا خضوعا لمنطق استخدام لبنان قفازا لسوريا، لكنه إدراك لحقيقة أن لبنان لن يرتاح ويستقر تماما دون تسوية بين جارتيه الكبيرتين: سوريا وإسرائيل. قد لا يكون ذلك عادلا، لكن اللبناني الذي يحاول بناء سياسة بلده على إمكانية عزل لبنان عن سياسات المنطقة يفشل ويسبب الكوارث لبلده. هناك مشكلة ينبغي المشاركة في مناقشتها وحلها بدلا من الانسحاب وإدارة الظهر.
يتبنى التقرير مطالب سوريين كثر برفع حالة الطوارئ وتقنين عمل الأحزاب السياسية المعارضة وعقد مؤتمر وطني تشارك فيه أحزاب وشخصيات معارضة ونشطاء لمناقشة قضية المصالحة الوطنية والخطوات اللازمة من أجل انتخابات تعددية، وكذلك إصدار عفو عام عن المعتقلين السياسيين والسماح بعودة أعضاء المعارضة المنفيين الذين لم يشاركوا في العنف. يبدو كلامه هنا مقتبسا من بيانات الأحزاب السورية المعارضة أو كتابات المثقفين السوريين. وهذا أمر مناسب لقضية التغيير الديمقراطي في سوريا. كذلك يقترح وضع أجهزة الأمن جميعا تحت سلطة مجلس أمن قومي أعضاؤه مدنيون، ما يفتح الباب نحو فصل "الأمن" عن السياسة، ورده بالفعل أمنا وطنيا.
يقترح ايضا الإفراج عن جميع السجناء اللبنانيين في السجون السورية وإقامة علاقات دبلوماسية عادية بين البلدين بما فيها تبادل السفارات. السجون طبعا ليست سفارات، والسجناء ليسوا سفراء.
يبقى أن التقرير يعكس عمق تدويل المسألة اللبنانية والعلاقات السورية اللبنانية، وبدرجة متنامية الحال السورية. هذا المعطى يشكل نقطة انطلاق بديهية لأي تحليل للأوضاع الراهنة إلى درجة ان أحدا لا يشعر بالحاجة إلى مناقشته والتفكير فيه.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المسألة الأميركية والثقافة السياسية السورية
- الثقافة المنفية في سوريا البعثية
- دستور السلطة الخالدة
- الرجاء أخذ العلم: سوريا ستنسحب، وكل شيء في لبنان سيختلف!
- في أصل -السينيكية- الشعبية
- وطنية تخوينية أم خيانة وطنية؟!
- جنون الاستهداف والعقل السياسي البعثي
- في استقبال التغيير: ليس لسوريا أن تتخلف!
- ما بعد لبنان: سوريا إلى اين؟
- على شرف حالة الطوارئ: حفلة لصيد -الخونة- بين قصر العدل وساحة ...
- نحو تملك عالمي للحداثة والتغيير تأملات حول شيوعية القرن العش ...
- نقاش حول الدين والثقافة وحرية الاعتقاد
- تسييس العلاقة السورية اللبنانية
- ما بعد الحقبة السورية: تحديات الوطنية اللبنانية الجديدة
- أمام الأزمة وجهاً لوجه
- من يقتل رفيق الحريري؟
- الإعلام الفضيحة: ماذا فعلت جريدة -تشرين- بالحوار مع الأسير ا ...
- السجناء السوريون في إسرائيل أو موقع الجولان في الوعي السوري ...
- دولة مؤسسات أم دولة أجهزة؟
- في ذكرى انتفاضة الجولان: الشجاعة وحدها لا تكفي!


المزيد.....




- جنرال أمريكي متقاعد يوضح لـCNN سبب استخدام روسيا لصاروخ -MIR ...
- تحليل: خطاب بوتين ومعنى إطلاق روسيا صاروخ MIRV لأول مرة
- جزيرة ميكونوس..ما سر جاذبية هذه الوجهة السياحية باليونان؟
- أكثر الدول العربية ابتعاثا لطلابها لتلقي التعليم بأمريكا.. إ ...
- -نيويورك بوست-: ألمانيا تستعد للحرب مع روسيا
- -غينيس- تجمع أطول وأقصر امرأتين في العالم
- لبنان- عشرات القتلى في قصف إسرائيلي على معاقل لحزب الله في ل ...
- ضابط أمريكي: -أوريشنيك- جزء من التهديد النووي وبوتين يريد به ...
- غيتس يشيد بجهود الإمارات في تحسين حياة الفئات الأكثر ضعفا حو ...
- مصر.. حادث دهس مروع بسبب شيف شهير


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - مناقشة لتقرير -المجموعة الدولية لمقاربة الأزمات-: سوريا ما بعد لبنان، لبنان ما بعد سوريا