|
التسوية السياسية ...الطريق المسدود
جمال ابو لاشين
(Jamal Ahmed Abo Lasheen)
الحوار المتمدن-العدد: 4140 - 2013 / 7 / 1 - 12:03
المحور:
ملف - القضية الفلسطينية، آفاقها السياسية وسبل حلها
أكثر من عقدين مرا على مسيرة السلام التي انطلقت في مدريد، والقضية الفلسطينية تراوح مكانها، تلك المسيرة السياسية التي كتب فيها الكثير وهناك الأكثر مما لم يُكتب بعد، وان كان هناك مقاربة لما يجري في عملية التسوية السياسية فالأقرب أنها حالة حرب متواصلة بين الشعب الفلسطيني ممثلاً بقيادته الشرعية، وبين إسرائيل، حرب بكل ما للكلمة من معنى وما يتخللها من انقطاع ليس إلا هدوء يسبق العاصفة، وترتيب للأوراق من جديد لخوض المعركة تلو الأخرى. وفيما تواضع الفلسطينيين في مطالبهم المتمثلة بحل الدولتين، وجدت إسرائيل في التفاوض ثم التفاوض هدفاً بحد ذاته بحيث يمكن القضاء فيه على التطلعات الفلسطينية من خلال فرض الوقائع اليومية على الأرض، ورغم أن العالم كله يرى في التسوية فرصة هامة ويقر للفلسطينيين بدولة كاملة السيادة ضمن حدود العام 1967 وعاصمتها القدس، وينادي بعدم شرعية الاستيطان، إلا أن تفرد أمريكا كوسيط وحيد في العملية السلمية قضى ولا يزال على كل الفرص الممكنة لتجسيد هذا الحل. ولتمكن إسرائيل من الفلسطينيين وقيادتهم شرعوا بتأسيس طرق للحل بعيداً عن المرجعيات الدولية التي تم التوافق عليها، ومن تلك الطرق كان موضوع تبادل الأراضي حيث تضمن إسرائيل لنفسها السيطرة الأمنية على الضفة والقدس ومنطقة الأغوار، وكذلك ترفض أي حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين. ولا تزال إسرائيل حتى اللحظة تصر على أن القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، وأنه لا تراجع لحدود العام 1967، وتُشَرْعِن الاستيطان، وتصر أنها هي التي ترسم حدودها حسب رؤيتها، وأصبحت بالتالي اقتراحاتها لنسب الأراضي المنوي تبادلها لا تتلاءم وحل الدولة الفلسطينية المستقلة بقدر ما تتعلق بالسيطرة الإسرائيلية على الأرض والسكان الفلسطينيين مما وضعها في تصادم مع المطالب الفلسطينية. وفي وقت جاءت المبادرة العربية بالأساس لتجاوز الأزمة التي أحاطت بالعرب والفلسطينيين جراء هجمات 11 سبتمبر، إلا أنها كانت في التوقيت الخاطئ فلم تلقَ دعماً دولياً خاصة والعالم يتهيأ للحرب الأمريكية على ما أسموه (حرباً مقدسة على الإرهاب)، كما أن إسرائيل لإدراكها ذلك لم تعرها أي اهتمام فولدت عاجزة من بدايتها، ولو طرحت في أوقات أخرى كان من الممكن أن تمثل طريقاً جاداً للتسوية. ومع جولات جون كيري وزير الخارجية الأمريكي في المنطقة تولد شعور لدى الكثيرين بأن هناك مطالب إسرائيلية بتنازلات فلسطينية وعربية لحل القضية الفلسطينية وأن المطلوب هو تخفيض سقف التسوية السياسية بما يتناسب والحقائق على الأرض وكأنها تعيد نفس سيناريو النكبة عندما احتفظت بالأراضي الفلسطينية التي استولت عليها بالحرب ضاربة بعرض الحائط قرار التقسيم، ومبررة سيطرتها على أكثر من ثلاثة أرباع فلسطين بحكم أن الواقع تغير. لقد ظهر للكثير من المراقبين أن الإدارة الأمريكية تدرس عدة إمكانيات قبل الشروع بتقديم مبادرة، وأن الرغبة الأمريكية معنية بدعم عربي لاستئناف مفاوضات السلام، وفهمت تلك الرغبة أن إدارة اوباما تراهن على استجابة الدول العربية لمطلب تعديل مبادرة السلام العربية خصوصاً وأن الأمريكان وضعوا شروط في العام 2009 لقبول المبادرة حيث دار الحديث وقتها عن التالي : 1- عدم ذكر القرار 194 في الفقرة "ب" من البند الثاني في المبادرة واستبدال مطلب "الحل العادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين" بمطلب "حل واقعي ومتفق عليه بالمفاوضات" . 2- شطب الفقرة الثالثة من البند الرابع في المبادرة والذي ينص على ضمان رفض كل أشكال التوطين الفلسطيني الذي يتنافى والوضع الخاص في البلدان العربية المضيفة. 3- عدم ذكر حدود الدولة الفلسطينية كما أشارت المبادرة والتي تشمل الضفة والقطاع والقدس الشرقية (الأراضي المحتلة عام 1967) وذلك بالاكتفاء بصيغة "قيام دولة فلسطين مستقلة ذات سيادة" وفي ذلك تعويم للحل المتفق عليه، وترك الأمر للمفاوضات التي تتفوق فيها إسرائيل لفرض الواقع الذي غيرته. 4- عدم الربط بين التسوية الشاملة والتطبيع، واستبدال ذلك بتطبيع يرافق تقدم الخطوات السياسية، وتطبيع سياسي واقتصادي كمبادرات "حسن نية" . إن المبادرة العربية بصيغتها التي تطالب بها الإدارة الأمريكية ستنسف بلا شك القرارات الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية، ورغم كل هذه التعديلات الأمريكية التي تضعف المبادرة إلا أن إسرائيل أعلنت على لسان نتنياهو أنها وإن أرضت الأمريكان فهي غير ملزمة لنا. لقد جاءت المبادرة العربية بالأساس لتحفظ ماء وجه الدول العربية التي تقاعست عن دعم القضية الفلسطينية، فطوال عمر المبادرة التي صار لها 11 عاماً وهي ترحل من قمة لأخرى اعتقد العرب أنها لا زالت صالحة كأساس للحل رغم رفع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لاءاتها المعروفة في وجوههم وهي لا للعودة إلى حدود عام 1967، ولا لعودة اللاجئين، ولا لتقسيم القدس، ولا لوقف الاستيطان وفي ظل الوضع الإقليمي والدولي المتغير، والتفرد الأمريكي اتسعت شهية إسرائيل في قضم الأرض الفلسطينية فتدرجت في طرحها لتبادل الأراضي من نسبة 3% التي طرحها باراك للسيطرة على شرق فلسطين، إلى نسبة 9 : 1 تبادل لمصلحة إسرائيل طرحت في كامب ديفيد ثم في عهد أولمرت وصلت 6.8% ومن ثم تم خفضها إلى 6.3% والغريب في كل ما يطرح أن هذه النسب التي تطرحها إسرائيل ستبقي المستوطنات الكبرى في الضفة وستشطر الضفة إلى ثلاثة أقسام، كما يعتبر الإسرائيليون القدس الشرقية والمستوطنات في محيطها، وكل المناطق العربية المحيطة بها والتي جرى ضمها بعد العام 1967 جميعها أراضٍ إسرائيلية لن يتم التفاوض عليها وتبقى المساحة المشار إليها في التبادل تشكل بالأساس مساحة المستوطنات القائمة حول القدس وقلقيلية وسلفيت وطولكرم وجنين مضافاً إليها التوسع المستقبلي المخطط لتملك المستوطنات بما فيها المرافق وستعطي إسرائيل مساحة مساوية من أراضي موزعة على مناطق جغرافية منها شرقي قطاع غزة، وأراضٍ من صحراء بيسان الجنوبية على الحدود الشمالية الشرقية للضفة الغربية، جنوب شرق بيت لحم، في حين أن الممر الآمن بين الضفة وقطاع غزة فغير مدرج ضمن الأراضي المقترحة للتبادل فمطلب إسرائيل أن يبقى تحت السيادة والرقابة الإسرائيلية. ورغم إعلان دولة فلسطين عضو مراقب في الأمم المتحدة، على حدود العام 1967، إلا أن الدعم العربي تجاه الدولة الفلسطينية لم يرقَ للتحديات القادمة ما بعد الإعلان، والتغير الذي طرأ على المبادرة العربية تحت اسم ( تعديل المبادرة العربية ) أيضاً جاء في توقيت خاطئ حيث العالم العربي لا حول له ولا قوة، والطائفية آخذه في تمزيقه والوضع العام لا يبشر بخير، وما طرحه أمير قطر من تبادل للأراضي ليس سوى مضيعة للوقت فالمشكلة أكبر من حصرها في تبادل الأراضي فقط لأن الطرح الإسرائيلي يتنافى مع أي تسوية مع الفلسطينيين ويمهد إضافة لعدم عودة اللاجئين إلى سلخ ما يقارب 400 ألف فلسطيني من داخل الخط الأخضر لإلحاقهم بالدولة الفلسطينية التي سيسكنها حسب المخطط الإسرائيلي على الأقل نصف مليون مستوطن يهودي، لذلك جاءت جولات كيري مخيبة على المستوى السياسي، وحاول تغطية هذه الخيبة بالترويج لشرق أوسط جديد، (وهو مشروع شمعون بيرس أساساً) يكون للاقتصاد فيه الأولوية، والحديث عن اقتصاد في ظل غياب الرؤية والحل السياسي لا يعدو كونه حلاً مؤقتاً يديم عمر المواجهة ولا يحلها وسيحول فلسطين لبلد تابع لا يستطيع أن يبني اقتصاداً وطنياً. وعلى الرغم من أن سياسة الرئيس أبو مازن في الآونة الأخيرة باتت شديدة الشفافية والمرونة إلا أنها لم تجد دعماً حقيقياً سواء داخلياً أو خارجياً حتى مع الثناء عليها، فحقائق السياسة لا تهتم بالعواطف الإنسانية بقدر موازين القوى والمصالح فإسرائيل لم تتحرك قيد أنملة لإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية والأمريكان في ظل رؤيتهم للإقليم المتغير لا يزالوا يراوحون مكانهم وغير معنيين بضغط حقيقي على إسرائيل. قد تكون المبادرة المعدلة برمتها إنقاذ للوضع الإسرائيلي حيث تأتي في سياق تقديم حلول لمأزق توقف المفاوضات ولضغوط أمريكية على العرب وافقت التراجع الحاد في التضامن العربي ، ورغم أن الإسرائيليين رفضوها جملة وتفصيلاً، فهم يجدون فيها في نفس الوقت حراكاً سياسياً يدفعهم لمزيد من ممارسة الضغوط على العرب خصوصاً وأن الأمريكان طالبوا من قبل بتعديلها بحيث تفرغ تماماً من مضمونها.لذلك قد يكون سحبها أكثر قوة للمفاوض منها في حال بقيت تعرض كسلعة لا تجد لها زبائن، ولن يضار العرب من ذلك حيث بات الهدف منها التطبيع العربي مع إسرائيل بدون ربطها بالتقدم الثنائي في المفاوضات إلا إذا كانوا معنيين بالتطبيع قبل حل القضية الفلسطينية وهذا أمر سيبقى في غاية الصعوبة . وبالنتيجة لن يكون أمامنا والعرب سوى طريق مسدود فإسرائيل ليس في جعبتها أي حل سياسي سوى إدامة الصراع والسيطرة على الشعب الفلسطيني ليعود والعالم من جديد يتحدث في حال الدولتين أم الدولة الواحدة , والحقيقة أن إسرائيل لا تريد أيا منهما , فهي مقتنعة بإسرائيل من البحر للنهر , وما لم تتمكن من فرضه بالقوة العسكرية لتحقيق حلمها يجري اليوم تحقيقه بالصراع الطائفي الذي سيخلق في النهاية دولا مجاورة ضعيفة ومنهكة اقتصاديا , لن تتشكل على المدى القريب والمتوسط أي تهديد لإسرائيل ما لم تطبع العلاقات معها .
#جمال_ابو_لاشين (هاشتاغ)
Jamal_Ahmed_Abo_Lasheen#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نكسة حزيران...التحول الكبير
-
نكسة حزيران ... التحول الكبير
-
في الذكرى ال65 للنكبة .. انهيار القيم في إسرائيل بداية النها
...
-
عيد العمال ..وثورة في الانتظار
-
إسرائيل من التفرد للشراكة الإستراتيجية
-
لماذا كثرت التساؤلات حول سيناء ؟!
-
في الثامن من آذار .. المرأة وتساؤلات مشروعة
-
دولة فلسطينية برؤية إسرائيلية
-
محور إيراني ومحور تركي وتمزق عربي
-
عالم آخر ممكن .. ولكن !
-
الاخوانوفوبيا والآخر
-
في ذكرى النكبة الرابعة والستين صراعنا على الحدود أم الوجود ؟
...
-
اليسار والثورات العربية خطوة للأمام أم خطوتين للخلف
-
في الأول من أيار .. الطبقة العاملة نظرة من الداخل
-
اليسار والثورات العربية خطوة للأمام أم خطوتين للخلف
-
حقوق القوميات والأقليات في تقرير المصير
-
استحقاق الدولة الفلسطينية00 معركتنا السياسية و الوطنية
المزيد.....
-
حلقت بشكل غريب وهوت من السماء.. فيديو يظهر آخر لحظات الطائرة
...
-
من ماسة ضخمة إلى أعمال فنية.. إليك 6 اكتشافات رائعة في عام 2
...
-
بيان ختامي لوزراء خارجية دول الخليج يشيد بقرارات الحكومة الس
...
-
لافروف: أحمد الشرع وصف العلاقة بين موسكو ودمشق بالقديمة والا
...
-
20 عامًا على تسونامي المحيط الهندي.. إندونيسيا تُحيي ذكرى كا
...
-
من أصل إسباني أم إفريقي أم شرق أوسطي؟ كيف يعرف المقيمون الأم
...
-
مستشار خامنئي: مسؤولون أتراك حذروا إيران من إثارة غضب إسرائي
...
-
الحكومة المصرية تفرض قيودا على استيراد السيارات الشخصية
-
-الإمبراطور الأبيض-.. الصين تكشف عن أول طلعة جوية لطائرة من
...
-
الجيش الإسرائيلي: القضاء على قياديين 2 في -حماس-
المزيد.....
|