رحيم شامخ
الحوار المتمدن-العدد: 4138 - 2013 / 6 / 29 - 14:47
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ان يكون المتدين طائفيا فهذا امر طبيعي ولا يتعارض مع المتبنيات التي يقيم عليها المتدين اسس ايمانه الديني بل ان هذا بالذات وليس غيره هو النتيجة الطبيعية للتدين وخلاف ذلك ينبغي ان يعزى الى اسباب اخرى خارجة عن التدين ذاته تتعلق بالبيئة الاجتماعية والثقافية ومجمل العوامل الحضارية التي تطبع حياة الانسان.
لكن ان يكون العلماني طائفيا فهذا الامر مما يثير الاستغراب والتساؤل لتعارضه الواضح مع الاسس التي يقوم عليها التفكير العلماني ونقضه للسياقات الحضارية التي انتجت التفكير العلماني وتناقضه مع الغايات التي يدعو الى تحقيقها والافاق التي يسعى الى الوصول اليها.
متابعة ما ينشر من كتابات في الاعلام العربي فيما يتعلق بهذا الموضوع وخاصة ضمن تناول الصراع السوري وتحوله الى صراع طائفي بين السنة والشيعة فان القارئ سيلاحظ بوضوح ان هذه الكتابات تلقي باللوم على الشيعة - حزب الله وايران والعراق- في تحويل الصراع السوري من اجل الاطاحة بنظام بشار الاسد من صراع من اجل التخلص من نظام ديكتاتوري ينتهك حرية وكرامة الانسان واقامة نظام ديمقراطي يحترم الانسان وحقوقه في الحرية والكرامة والعدالة، اقول تلقي باللائمة على الطرف الشيعي في تحويل هذا الصراع الى صراع طائفي مذهبي وتتناسى الدور الاكبر الذي لعبته وتلعبه فتاوى التكفير التي تصدر من جزيرة العرب في اذكاء الصراع الطائفي وبصورة خاصة منذ سقوط النظام السابق عام 2003 وصعود الشيعة الى سدة الحكم في العراق. والجميع يعرف الثمن الباهظ الذي دفعه العراق وما زال يدفعه من دماء ابناءه كنتيجة مباشرة لهذه الفتاوى والاموال التي تجمع والمقاتلين الذين يجندون ويرسلون الى العراق بدوافع دينية طائفية عنصرية مع تشجيع واضح لفئات لها مصلحة كبيرة في عودة الامور الى ماكانت عليه قبل عام 2003.
نحن لا ننفي دور التجييش الطائفي المضاد والذي يتخذ من وسائل الاعلام والمساجد والحسينيات والمسيرات الدينية مجالا له في اذكاء حدة الصراع الطائفي واطالة امده واستثماره من قبل اطراف سياسية سواء في العراق او ايران او لبنان وهو في كل الاحوال وكما اشرنا في البداية لا يتناقض جوهريا مع الدين بل لا تجد دينا على الارض ليس مقسما الى طوائف ومذاهب تتصارع فيما بينها فكريا وثقافيا والى هنا والامر مقبول ويقع صمن قضايا الخلاف الاخرى التي جبل عليها بني البشرلكن هذا الخلاف والاختلاف هو في ذات الوقت قنبلة موقوته سرعان ما تنفجر بوجه صانعيها وغيرهم اذا ما تهيئت الظروف المناسبة والامكانيات المادية والسياسية والعوامل الاخرى وتاريخ اغلب الاديان شاهد على ذلك.
المهم ان نقول ان واجب المثقف والذي هو رديف بالمعنى للعلماني ان لا يكون طرفا في هذا الصراع وبشكل خاص لانه يمتلك الادوات التي تؤثر تاثيرا خطيرا في تاجيج هذا الصراع من خلال قدرته على الوصول الى الناس عبر وسائل الاعلام وبالذات عندما يتحول الى شاهد زور يستعين به المتدينون من كلا الطرفين على اسناد حجهم وتدعيم مقالاتهم بمفاهيم ومقولات تاتي قوتتها من كونها تاتي من خارج الحقل المعرفي الذي يتحرك فيه المتدين الطائفي.
وقد لاحظنا في مثلين على الاقل - جمال خاشقجي ولينا خوري- توجههما بقوة لالقاء اللوم على الطرف الشيعي في تحويل الصراع السوري الى صراع طائفي دون التطرق الى الدور الكبير الذي لعبه السلفيون والتكفيريون وخاصة الاخوان المسلمين وجبهة النصرة في هذا الصراع من خلال اعمالهم التكفيرية الطائفية ليس ضد العلويين فحسب بل ضد المسيحيين ايضا واثارتهم النعرات الطائفية من خلال الاعمال التي تستهدف المساجد والمراقد التي تعتبر مقدسة عند الطرف الاخر وهذا سبق بوقت طويل تدخل حزب الله في معركة القصير ودخوله كحليف عسكري للنظام السوري في الصراع.
على العلماني ان يحافظ على المسافة التي تفصله عن كل الاطراف المتصارعة وان يوظف موقعه الفريد لطرح مبادرات سلمية وحلول عملية مستندة الى رؤية عقلانية موضوعية متجذرة في السياق الحضاري الذي ادى اصلا الى نشوءالعلمانية كاحد الحلول والخيارات للحيلولة دون انتهاك كرامة الانسان وحريته تحت اي ذريعة من الذرائع والبحث عن خيارات سلمية افضل لمقاربة الاختلافات بين بني البشر والتي يقع على راسها الحوار مع الاخر المختلف على اساس ان الاختلاف هو السمة الطبيعية وان التشابه والشكل الواحد هو امر بعيد المنال. ان هذا الامر وحده هو الكفيل بتجنيب المنطقة المزيد من النتائج الكارثية والتي يبدو ان لا نهاية لها اذا استمرت القوى الطائفية في استثمار حالة الجهل والعاطفة الدينية الغوغائية في الدفع نحو مزيد من الدمار لهذا الشعوب التي كانت يوما ما منارا للحضارة الانسانية على الاف السنين. الطائفي لا يستطيع ان يقدم شيئا للانسانية لانه لايمتلك غير وصفات الجهاد والتكفير وجعل الناس امة واحدة.
على العلماني ان يستغل منصته الاعلامية لاشاعة افكار التسامح والمحبة والمشاركة وبث افكار التنوير والحضارة والقيم الانسانية التي تتوجه للناس جميعا بغض النظر عن اللون والجنس والعقيدة والعوامل الفارقة الاخرى لان وحدة المصير الانساني هي ما يجب ان يقود الطريق نحو المستقبل الزاهر للانسانية في هذه المنطقة وفي اي منطقة اخرى من العالم المحيط بنا.
ان الطائفية وباء على الجميع مكافحته متدينين وغير متدينين لان اثاره ونتائجه لا تميز بين شخص واخر والكل فيها خاسرون هي تقتل انسانية الانسان وضميره وقيمه قبل ان تقضي على وجوده ومنجزاته وحضارته.
#رحيم_شامخ (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟