|
كيف نبني جهاز مخابرات علمي ذكي ومتطور ؟
جاسم محمد كاظم
الحوار المتمدن-العدد: 4138 - 2013 / 6 / 29 - 11:18
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قد يعتقد البعض بان الجهد المخابراتي والاستخباري وليد عصر الآلة الحديث لكن التاريخ المدون يخبرنا بان لهذا الجهاز بدايات عرفتها أكثر الشعوب والحضارات . فهو يعود لعصور سحيقة عرفة الأشوريون فأرسلوا جواسيسهم في أكثر البلدان المحيطة بهم لمعرفة نوايا الخصوم . تعداد جيوشهم . نوعيات أسلحتهم و صنف " صن تزو " تفاصيله في كتابة فن الحرب قبل 4000 ألاف سنة وكذلك عمل الفرس . . اليونانيون والرومان . والمغول . يقول قاموس المورد " لمنير بعلبكي " في أصل كلمة المخابرات intelligence"" بأنها عقل . ذكاء . العقل المفكر . أو صاحب الذكاء الخارق أو ويضيف قاموس أكسفورد بأنها العقل المتنبه اليقظ . ومنها " intelligence service" جهاز المخابرات أو ذلك الجهاز الذي يديره ذو العقول الخارقة أو الأذكياء جدا . تطور هذا الجهاز مع تطور البشرية بأدوات الإنتاج وعلاقاته ويقول المؤرخون بان جهاز المخابرات الحديث تطور على أيدي " فريدريك الكبير " ملك بروسيا وأنة صاحب الفضل الأول في تطوير هذا الجهاز كما كان الرائد في تأسيس أول مدرسة للأركان الحربية . واستطاعت أول مدارس المخابرات البروسية من زرع عملائها في ارض الأعداء على شكل تجار جوالين وأصحاب حوانيت يقومون بجمع البيانات والاستماع إلى الكلمات مهما كانت بسيطة . ولان علماء الاقتصاد وجهابذة العلم الإداري يقولون بان عالم اليوم ولد مع بدايات القرن العشرين نظرا لظهور علم الدولة الإدارة الحديثة فسار هذا الجهاز بالتوازي مع هذا التطور التقني الإداري . ولا تستطيع أي دولة أن تنهض وتقوم لها قائمة بدون جهاز مخابرات شديد الذكاء يستطيع حماية اقتصادها وأمنها الوطني من التخريب في عالم المنافسة الذي لا يرحم . ولو قرئنا التاريخ لوجدنا إن كل الإمبراطوريات والدول القوية التي قامت كانت بداياتها ترتكز على تأسيس جهاز مخابراتي عمادة الأذكياء . انشأ هتلر في بدايات ظهوره تنظيمات ذوي القمصان البنية الذين تحولوا مع الزمن إلى جيش العاصفة ذوي الثلاثة ملايين مقاتل ومن قلب هذا الجيش ظهرت وحدة الاستخبارات الشهيرة " Sicherheitstsdient " التي استطاعت كوادرها من تنظيم ملفات لكل فرد ألماني تحت قيادة " رينهار هايدريك " التي كانت النواة الأساسية لجهاز المخابرات الألماني الشهير " السيرشت دينيست " . وكذلك عمل البلاشفة بعد انتصار أكتوبر العظيم على تنظيم جهاز مخابراتي يتغلل في عمق أعداء الثورة لمعرفة نواياهم المسبقة حتى وصل هذا الجهاز بكوادره الذكية إلى معرفة أسرار اتفاقية "سايكس - بيكو" السرية لتقسيم البلدان العربية بين فرنسا وبريطانيا وفضحها على الملا .
يعتبر التجسس " Espionage " من أهم أولويات العمل ألاستخباري والمخابراتي ومن اجل هذا الجهد الهائل تقوم الدول بتطوير نوعيات هذا الجهاز وتطعيمه بالاختصاصيين وحملة الشهادات العليا من الأكفاء والأذكياء جدا في مختلف فروع العلم البشري لتحليل المعلومات واستخراج الاستنتاجات منها ليقوم بعد ذلك هذا الجهاز بزرع عملائه في مختلف المناطق والأماكن . تطور جهاز المخابرات كثيرا مع تطور التقنية الحديثة وكانت كل أو معظم الاختراعات العلمية تستخدم في بادئ الأمر لمصلحة هذا الجهاز لذلك كانت أكثر الأسرار العلمية سرية جدا محمية بكوادر هذا الجهاز من السرقة أو الوقوع بيد الأعداء الذين يحاولون بكل أجهزتهم الأستخباراتية من الوصول إليها لذلك يمكن القول إن هذا الجهاز يسير بالتوازي مع التطور العلمي والتقني وكلما كان التطور العلمي هائلا كان الجهاز المخابراتي لتلك الدولة عنكبوتيا . شاملا في حجمه وشكله .
يعمل جهاز المخابرات على تجميع البيانات من كل مصادرها المتعددة المرسلة من الجواسيس أو المستلمة من فك شفرات العدو أو المأخوذة من بيانات الصحف .نشرات الإخبار .الإذاعات . الصور التلفزيونية . صور الأقمار الصناعية . أقمار التجسس الخاصة . طائرات التجسس الحديثة بدون طيار . معلومات الانترنت .حسابات المواقع الاجتماعية . رسائل الهاتف النقالة ومكالماتها والمعلومات المنقولة عن طريق العملاء السرية والعلنية . تعامل هذه المواد المستلمة على شكل بيانات بسيطة في بدئ الأمر لا تعطي أي قيمة أستخباراتية لكن عمليات التحليل الإحصائي الدقيق لهذه البيانات وفك الشفرات الخاصة وربط العلاقات المبعثرة مع بعضها البعض وتحويل هذه الأشياء غير المفهومة إلى نظام معلومات مقروءة مفهومة من قبل اولئك الأذكياء القادرين على التعامل مع الواقع المعطى حتى الاستنتاج الأخير وربطة بسياسة الدولة التي تستطيع بالتالي التعامل مع كل شي بواقعة الخاص . ينقسم التجسس المخابراتي إلى نوعين مهمين :- أولهما :- التجسس الاستراتيجي :- المشتمل على نظام معلومات يغطي كل الدول المناوئة . العدوة أو المشبوهة بدراسة وتحليل اقتصادياتها . قدراتها العسكرية . طبيعة مجتمعاتها . طوائفها . أديانها معرفة نواياها المستقبلية بنظام الترقب الدائم . ثانيا :- التجسس التكتيكي :- بنظام معلومات يغطي معظم إحداثيات الدولة وهو يشتمل على شبكة عنكبوتيه مهمتها معرفة كل شي يسير ويتحرك في ارض الوطن من اجل مسك زمام المبادرة بالضربة الأستباقية لكل الخصوم المناوئين وزرع الكوادر المخابراتية في كل مكان بدئا بالمقاهي . الملاهي . بيوت اللذة . الحانات . المساجد والمناطق الموبوءة بالفقر المبتلية بالعاطلين وأماكن الجريمة التي تكون سهلة الاختراق من قبل مخابرات الأعداء . حققت عمليات الأجهزة المخابراتية نجاحات هائلة ساهمت في تغيير كفة التاريخ قديما وحديثا ومن الأمثلة المعاصرة لعمليات هذه الأجهزة الذكية يقول التاريخ :-
أن عناصر المخابرات الألمانية في الحرب العالمية الأولى استطاعوا معرفة مصدر توريد الخيول إلى فرق الخيالة الانكليزية فقام عملائها بحقن تلك الخيول بفايروس الحمى عند نقلها بحرا فماتت أكثر تلك الخيول على متن تلك السفن . استطاع الفوج المحمول جوا بقيادة رجل المخابرات الألماني " العقيد سكورزوني " من تحرير موسوليني من معتقلة عام 1944 من حصن "مادلينا " على قمة جبال الألب بعد جهد مخابراتي هائل . قامت الفرق المخابراتية البريطانية بسرقة جهاز الرادار الألماني المتطور ومعرفة أسراره في عام 1941 . جندت الولايات المتحدة الهنود الحمر في أجهزتها المخابراتية وكانت ترسل الرسائل المشفرة بلغة هؤلاء الهنود لكي لا تستطيع أنظمة المخابرات اليابانية والألمانية من فك رموزها . استطاعت المخابرات الكوبية من القبض على كل المشتبه بهم فور قيام قوى الثورة المضادة بعملية خليج الخنازير لإسقاط الحكم الثوري بقيادة فيدل الكاسترو بفضل التنظيم الدقيق لأجهزت مخابراتها . وقام جهاز الموساد بسرقة أسرار طائرة الميراج الفرنسية بعد أن قام بسرقة خرائطها من سويسرا عام 1968 وضرب مصانع الأسلحة في الخرطوم صيف 2012 . وزرع KGB عملائه في كل مكان حتى كان احدهم يقدم وجبات الشاي إلى ملكة بريطانيا كما يذكر مؤلف كتاب "الكي جي بي عيون روسيا اليقظة " تغلغل جهاز المخابرات البريطاني M1-5 في جسد الجيش الجمهوري الايرلندي السري ووصلت دقة معلوماته إلى معرفة أماكن أكثر السيارات التي يتم تفخيخها وإرسالها إلى شوارع لندن وغيرها من مدن الجزيرة .
وأصبحت بعض أسماء أجهزة المخابرات ماركات عالمية تشير إلى شهرة تلك الدول وتفوقها ألمعلوماتي بأسماء مثل CIA و KGB والموساد الإسرائيلي .
يرتبط جهاز المخابرات برئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء و القائد العام للقوات المسلحة نظرا لسرية المعلومات التي يحملها وتتداول معلوماته بسرية تامة ومطبقة مابين قمة السلطة وهرمها ويعتمد في بعض البلدان المتطورة على قوة المهمات الخاصة TASK FORC " ".
فإذا كنا نريد تأسيس جهاز مخابراتي واستخباراتي فيجب علينا في البدء بناء دولة مؤسساتية قوية عمادها العلم .الصناعة والتقدم التكنولوجي مرفوقا بحملة للبحث عن كل العقول الذكية والنيرة القادرة على التحليل والتركيب وربط علاقات الأشياء بعضها مع البعض الآخر لاستنتاج المعلومات المهمة في عالم الشركات العابرة المدمرة للاقتصاد ومنظمات المجتمع المدني الدولية المليئة بالجواسيس . بقي أن نقول في آخر الأمر أن رجال المخابرات هم المجهولون إزاء المعلومون أنهم تلك الكفاءات الهائلة والعقول الذكية مجهولة الاسم والعنوان . الهوية والشكل أنهم الأجسام المضادة السائرة في شرايين دم الوطن لحمايته من البكتريا والفيروسات الضارة يجمعهم الولاء للوطن والشعب بدل الولاء للحاكم والحزب انه الجهاز الذي لابد أن لا يعتريه التغيير مع تغير الماسكين للسلطة لأنة المتعالي على الزمان والمكان . الهيكلية الروتينية والبيروقراطية القاتلة في عالم المعلومة المنفلتة من عقالها والمتغيرة مع دقات الزمن وأناته . هكذا يجب أن ننهض وهكذا يجب أن نكون ولو بجزء بسيط من متطلبات الحياة لكي نورث صغارنا وأبنائنا وطن جميل بمستقيل زاهر لندخل نفق الحضارة والإنسان الحديث كما دخل وأبدع فيه الآخرون . ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،، جاسم محمد كاظم
#جاسم_محمد_كاظم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تضامنا مع حملة التضامن ضد الطائفية -هكذا كانت بغداد في عصرها
...
-
تضامنا مع حملة التضامن ضد الطائفية -هكذا كانت بغداد في عصرها
...
-
يا حسافة - ضاع أبو جاسم هو ولواعيبه -
-
هل تنهي الكارثة العراقية - ب- ملجة مومن - ؟ ...1
-
يا مشايخ الدين . انتم آخر من عرف الله
-
مقترح لحل المأساة العراقية
-
في حقبة هزال التاريخ : -الحملدار- ينتقد ستالين
-
أي أسلام هذا الذي وحد العالم يا عبد الحميد الصائح ؟
-
هكذا قلنا سابقا -- ماذا لو كان الجيش العراقي في ميدان التحري
...
-
ذنبك يا أم كاظم انك -عراقية -
-
اعتذارا للتاريخ.. ..اعتذارا لمعاوية ابن أبي سفيان
-
بمناسبة ال9 من نيسان . كان الأفضل للعراق وأهلة أن يتحول إلى
...
-
ماذا لو حكم الشيوعيون العراق ؟
-
أبرامز : حررتنا من فكر العمامة قبل قيد البعث
-
ماذا سيجد المثقفون العرب في عاصمة الثقافة ؟
-
من لينين إلى هوغو شافيز . اؤلئك صحبي فجئني بمثلهم .. إن جمعت
...
-
غياب الطبقة والمؤسسة في الديمقراطية العراقية = انتخابات برقص
...
-
وستعتنقين الإلحاد بالضرورة يا صغيرتي الحلوة - اليانور-
-
أكاذيب خروتشوف ج 2
-
أكاذيب خروشوف ... ج 1مهداة الى الرفيق النمري
المزيد.....
-
مصر: الدولار يسجل أعلى مستوى أمام الجنيه منذ التعويم.. ومصرف
...
-
مدينة أمريكية تستقبل 2025 بنسف فندق.. ما علاقة صدام حسين وإي
...
-
الطيران الروسي يشن غارة قوية على تجمع للقوات الأوكرانية في ز
...
-
استراتيجية جديدة لتكوين عادات جيدة والتخلص من السيئة
-
كتائب القسام تعلن عن إيقاع جنود إسرائيليين بين قتيل وجريح به
...
-
الجيشان المصري والسعودي يختتمان تدريبات -السهم الثاقب- برماي
...
-
-التلغراف-: طلب لزيلينسكي يثير غضب البريطانيين وسخريتهم
-
أنور قرقاش: ستبقى الإمارات دار الأمان وواحة الاستقرار
-
سابقة تاريخية.. الشيوخ المصري يرفع الحصانة عن رئيس رابطة الأ
...
-
منذ الصباح.. -حزب الله- يشن هجمات صاروخية متواصلة وغير مسبوق
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|