|
من المعارضة إلى المشاركة_تحولات السلوك السياسي الحزبي في المغرب
عبد الإله بوحمالة
الحوار المتمدن-العدد: 1186 - 2005 / 5 / 3 - 09:27
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إن العمل السياسي الحزبي، على فرض المشاركة التامة والانخراط في الفعل السياسي العام بمختلف أبعاده وصعده، يتقاطع في المغرب مع فاعلين آخرين أهمهم مؤسسة الملك كأعلى سلطة في البلاد ثم مؤسستي الحكومة والبرلمان كمؤسستي تنفيذ وتشريع، بالإضافة إلى المركزيات النقابية وجمعيات المجتمع المدني ومجموعة من الفاعلين الآخرين. ويضطر الحزب السياسي في المغرب، في غمرة تفاعله مع هؤلاء إلى صياغة نظام علائقي رابط ومنظم يتحرك سياسيا وفق سياقه وإملاءاته. غير أننا في هذه الإلمامة السريعة سنحاول الاقتصار على التحولات والانزياحات التي طالت بعض التمظهرات السلوكية الطارئة والاكتفاء باستقراء جزء من هذا النظام العلائقي المتشعب، ومن خلال ظرفية زمنية قصيرة ومحدودة هي فترة التناوب ( التداول )، وما تلاها بوصفها الفترة التي تمثل فيها الانزياح بالوضوح الكافي المسعف لعقد المقارنات وملاحظة الفرق.
الملكية والأحزاب السياسية.. ما تأتى بسورة الفاتحة لم يتأت بغيرها.
لنبدأ أولا بالعلاقة بين الأحزاب السياسية ومؤسسة الملك نظرا لأن الطفرة التاريخية التي حصلت في شكل هذه العلاقة بالذات هي التي أثمرت التجربة التناوبية ودفعت بها إلى الوجود والتبلور على أرض الواقع. وعليه فإذا كانت الملكية قد اقتنعت في الأخير بضرورة إشراك كل الأحزاب وجر المستعد منها إلى دائرة تحمل المسؤولية، ( والاستعداد هنا يعبر عنه بإشارات وأفعال ونوايا ولغة سياسية معينة )، وسعت من أجل ذلك، إلى تكسير الحاجز النفسي الهائل الذي ظل يعلو ويتعملق بفعل الخلافات السياسية مع بعضها، وبفعل الاحتكاكات والتراكمات الماضية المكونة من تعارض القناعات وتصادم التصورات والمرجعيات. فإن الأحزاب من جهتها قطعت أكثر من نصف المسافة في اتجاه عرض التوافق، وتلقفت اللحظة بكامل جوارحها وحواسها. ولقد استطاعت بقليل من المراجعة والتردد وكثير من المرونة والتساهل أن تتحول من موقفها التقليدي المتصلب المستمسك بحساسية المعارضة والرفض إلى موقف من لا خيار أمامه إلا ركوب قطار المشاركة من محطة بات جليا للجميع بعد وفاة الملك الحسن الثاني ( يوليو 1999 )، أنها كانت محطة الفرصة الأخيرة. قد يكون من النافل الإشارة إلى أن الوجود القانوني للحزب السياسي في المغرب لا يتحقق فعليا إلا في حدود إدراك وإقرار تامين بحدود الإطار العام الذي هو النظام السياسي المجمع عليه والمتفق على مسلماته، وأن الطموح إلى تأسيس حزب أو تنظيم سياسي معارض أو مناوئ للنظام ولشرعيته لا وجود له في المغرب، وفي أشد الحالات تطرفا يوجد كمجرد فكرة طوباوية مجنحة تقبع في أذهان أصحابها أو تتحرك في هوامش السرية. لذلك فإن التوافق الذي حصل والعرض الملكي الذي طرح لم يكن لأن هذه الأحزاب أقرت بالوجود الجبري للإطار في حد ذاته، أو سلمت به، وإنما كان لأنها اجترحت لها من داخل حرمه لغة مقبولة ومعجما معتدلا وخطابا سياسيا مشذبا قليل النتوءات والمزايدات. أو بعبارة أدق لأنها أفلحت في عقلنة متخيلها السياسي تدريجيا وخفضت من سقف طموحاتها الراديكالية حتى لامس أرض الواقع، وباتت تتشوف أخيرا إلى ممارسة اللعبة السياسية وفق ما استن لها من قواعد وضوابط وأصول منذ الاستقلال إلى لحظتها. ولأن المرء، كما هو معروف، لا يمكن أن يرافق إلا من يسير معه في نفس الاتجاه وبنفس الوتيرة، فقد دعيت هذه الأحزاب إلى المشاركة في تدبير الشأن العام، لكن استدعاءها لم يكن، كما يبدو من الوهلة الأولى، فقط لشغل موقع السلطة الذي لم تخبره سابقا ولم تتمرس عليه إلا هنيهات بالنسبة لبعضها دون البعض الآخر، وإنما ( وهذا هو الأهم )، لإخلاء موقع المعارضة والمراقبة وتنظيم الاحتجاج وتوجيه السخط الاجتماعي الذي قطعت في إتقانه شوطا بعيدا. وحري بمن طال انتظاره وتسرب إليه الوهن أن يرمي نفسه في القطار المقلع حتى ولو كان الثمن على شاكلة القسم السري والتعاهد على أشياء بقراءة فاتحة الكتاب.
الطريق إلى البرلمان.. ما لا يأتي بالمناضلين يأتي بالمرتزقة الرحل.
إذا كانت للحالة الاستثنائية التي آل إليها الوضع الحزبي جذور يمكن للمتتبع أن يرصدها بكل يسر، خاصة وأنها تعلن عن نفسها بالطفو على السطح يوما بعد يوم وأزمة بعد أزمة ومأزقا بعد آخر، فإن لها بالضرورة امتدادات تتجاوز ما هو حزبي إلى دوائر ومؤسسات أوسع وأهم وأكثر حيوية كالمؤسسة التشريعية ( البرلمان ). فالأحزاب بفعل انشقاقاتها المتوالية وتأسيسها من فوق، وبفعل نفور المواطنين المتزايد من نزعاتها السياسيوية الميكيافيلية، أضحت لا تستطيع تحقيق تغطية مقنعة لمعدل مقبول من الدوائر الانتخابية على الصعيد الوطني، مما يدفعها إلى الاستعاضة عن المناضلين الممارسين المعروف ولاؤهم وانتماؤهم وسمعتهم بمرشحين غير مسيسين ولا تربطهم بالأحزاب أية عاطفة أو ميول أو التزام، وهؤلاء عادة ما يخلعون عباءة الحزب مباشرة بعد التأكد من ضمان مقعد لهم في أحد المجلسين، ( نواب أو مستشارين ). وقد يتعدون ذلك إلى احتراف الترحال بين الفرق البرلمانية تحت إغراء الحصول على امتيازات أو تحقيق مآرب شخصية ومنافع قد تكون في نهاية المطاف هي السبب الحقيقي الذي دفع المرشح إلى خوض غمار المعترك الانتخابي من أساسه. إلا أن هذا لا يعني أن الكلام مقصور على هذه الفئة بالذات أو استثناء فئة المناضلين الحزبيين المؤمنين بفكر الحزب وخطه السياسي ولا حتى مجموعة الأطر المقررة، فكثير من هؤلاء، وفي أنصع حالات الولاء والانتماء، لا تأسرهم الهوية الحزبية ولا تمارس عليهم سلطة المرجعية بشكل قهري صارم، بحيث لا يجدون غضاضة في التحلل نسبيا من ترسانة المسلمات الإيديولوجية والمقولات التنظيرية الجاهزة كلما اضطروا إلى ذلك. بل إنهم أصبحوا يعتبرونها عن وعي أو بدونه مجرد خلفية لا أقل ولا أكثر يمكن التضحية بها عند اختبارات الممارسة ونوازلها وإكراهاتها التي لا حصر لها.
ترتيبات الحكومة.. ما لا يأتي بالأغلبيات المنسجمة يأتي بدونها.
نفس الترابط الجدلي نجده أيضا حينما نتأمل شكل العلاقة بين الأحزاب السياسية والحكومة. فحالة الشتات التي سادت المشهد الحزبي في المغرب إبان السنوات القليلة الماضية لم تترك في مقدور أية هيئة حزبية مهما كان تاريخها ورصيدها الرمزي والنضالي الاعتماد على الذات وحدها في تحقيق الأغلبية اللازمة لتشكيل الحكومة، حيث لم يعد إحراز أغلبية مريحة من المقاعد داخل البرلمان واردا حتى في ظل ائتلافات ترقيعية متعسفة اللهم إلا إذا وصل عدد الأحزاب المتحالفة إلى خمسة أو ستة أحزاب أو أكثر وهي حالة غير منطقية في تشكيل حكومة متماسكة. هذه الوضعية النشاز فتحت الباب على مصراعيه أمام استفحال ظاهرة مستهجنة صارت تتحكم في سياق تشكيل الحكومات بالمغرب وتضعف من انسجامها وفعاليتها ألا وهي ظاهرة التفاوض والمساومات والتنازلات التي تضارب على الأشخاص والمناصب كما على السياسات والتوجهات. ولعل مقدمة من هذا القبيل كفيلة بأن تخرج إلى الوجود كائنا حكوميا شائها بلا لون ولا هوية يختلط فيه اليمين باليسار بالوسط والليبرالي بالاشتراكي بالتقدمي بالمحافظ في تركيبة أوركسترالية عجائبية تظل تعيد وتزيد وتعافر وتناور لتعزف لحنا واحدا له معنى وإيقاع وتناغم .. لكنها عبثا تحاول. ومن هنا لم يعد غريبا ولا مفارقا في السلوك الحزبي في المغرب أن نجد حزبا بخلفية اشتراكية أو تقدمية يسارية مثلا ينخرط بلا تردد في سياسات خصخصة مشتطة أو تصفية قطاع عام أو تحجيم مكتسبات اجتماعية للطبقات السفلى والمحرومة من الفقراء والمعدمين في المجتمع.
الأحزاب ودواليب الإدارة.. إعادة نشر وانتشار، ولكل دولة رجالها.
رافق الانتقال السياسي الذي عرفته بعض الأحزاب من خندق المعارضة إلى مناط الحكم وممارسة العمل التنفيذي حركة موازية أشرفت عليها الأحزاب المشاركة حسب الحقائب الوزارية التي أسندت لكل منها. وسرعان ما أخذت هذه الحركة شكل سباق خفي بين الأحزاب المتحالفة حكوميا كان من ورائه دافعان اثنان: ـ الدافع الأول: متعلق بالسعي لضمان حراسة المفاصل الأساسية للمرافق التابعة للوزارات، سواء منها المركزية أو الفرعية أو الجهوية وذلك من خلال عملية أخذت في العلن صبغة التغيير أو التطهير بينما كانت في الواقع عملية إعادة انتشار وتموضع مقصود منها انتزاع تلك المفاصل الحيوية للقرار من يد الخصوم والفرقاء الذين قد يشكل تواجدهم على رأس هذه المواقع عرقلة أو تعطيلا أمام أصحاب القرار الجدد، أي الوزير وأعوانه ومن خلفهم الحزب وأجهزته. ومعلوم أن أحزاب المعارضة حينما أتت إلى الحكومة عبر بوابة ما سمي بالتوافق أتت مسلحة بحكم مسبق في حكم البديهي يتوقع ظهور جيوب سياسية وبيروقراطية ونزعات استنفاعية مناوئة ستعمل على مقاومتها وإحباطها. ـ الدافع الثاني: وكان هو الأهم في المرحلة المبكرة التي تلت تسلم مقاليد الحكومة مباشرة، ويتمثل في المبادرة إلى مكافأة الأطر الحزبية التابعة والمناضلين النشيطين جزاء ولائهم وانخراطهم في مباركة التجربة التناوبية التي كانت المشاركة فيها محل خلاف داخل بعض الأحزاب وتخصيصهم بامتيازات مختلفة تتراوح بين التزكية لمناصب عليا وبين التعيين والتوظيف والترقيات الداخلية والتقريب من الإدارات المركزية.. الخ. هذا النمط من السلوك الحزبي، المنشغل بهم تحصين الذات من الأسباب الخارجية المقاومة، لا يعتبر سلوكا سياسيا طارئا أو وليد هذه التجربة بحد ذاتها، وإنما هو سلوك شائع متعارف عليه في مجال التدبير الحكومي كما في التدبير المحلي، وهو ناجم عن أن التداول بين الأحزاب لا يشكل تقليدا ديمقراطيا يمكن حدوثه تلقائيا وبشفافية، وأن الوصول إلى تدبير الشأن العام حدث لا يتكرر بسهولة في المغرب. وكما لا يخفى فإنه كلما كان التداول على السلطة مستعصيا ومتباطئا كلما طالت التغييرات الاحترازية التي ترافق الانتقالات السياسية المستويات العليا وتجاوزتها متغلغلة إلى وسط السلم الإداري في حركة إدارية شبيهة بانقلابات مصغرة.
الاحتجاج لعبة براغماتية.. وكم حاجة قضيناها بتركها.
ظلت الأحزاب السياسية المغربية ( التي كانت في المعارضة قبل 1998 )، تتفاعل مع الأحداث خاصة تلك التي تمت بصلة للقضايا العربية والقومية وعلى رأسها القضية الفلسطينية وتطوراتها من منطلق براغماتي في كثير من الأحيان مستثمرة الإحساس الشعبي العام بالامتداد القومي والديني لتلك القضايا والإجماع العاطفي للمغاربة واستعدادهم العفوي لتلبية نداء الواجب إزاءها. ولقد وظفت الأحزاب السياسية هذا المعطى مرارا لحشد مسيرات مليونية ضخمة كان المقصود منها بوجه من الوجوه إرسال رسائل وإشارات للحكم تظهر مدى قوتها وقدرتها على تعبئة الجماهير واستنفارهم للتظاهر والاحتجاج متى ما أرادت ذلك. هذا الواقع، على براغماتيته، لم يعد قائما منذ أن تولت أحزاب المعارضة زمام السلطة في المغرب إبان حكومة التناوب وما جاء بعدها، وذلك لثلاثة أسباب في نظرنا: ـ السبب الأول: هو أن رهان الاحتجاج والتظاهر المطلبي والتضامني في المغرب كان دوما مقترنا، على مستوى الدعوة والتنظيم والمسؤولية، باستراتيجيات الفعل السياسي الحزبي عند الأحزاب والقوى الشاغلة لموقع المعارضة حيث دأبت على التوسل له بآليات وأدوات أهمها: ـ التبئير الشديد على مظاهر الأزمات والاختناقات الاقتصادية وتردي الأوضاع الاجتماعية. ـ التوظيف الجيد والمكثف للخطاب السياسي والإعلامي الفعال. ـ الاختيار الدقيق للوقت المناسب. ومعظم هذه المعطيات إذا تأملناها سنجد أنها تكاد تكون غائبة أو على الأقل ضعيفة الحضور بالنسبة للأحزاب التي دفع بها المشهد السياسي التوافقي إلى المعارضة. ـ السبب الثاني: وهو أن الخطاب الاستقطابي التعبوي الذي كان بمقدوره أن يملأ هذا الفراغ منذ لحظتها هو الخطاب ذي المرجعية الإسلامية، لكن الخناق الشديد على هؤلاء جعلهم يركنون إلى خيار التهدئة وتطبيع الأجواء العامة أكثر، وربما مرحليا بفعل تأثير بعض المستجدات العالمية بعد أحداث سبتمبر 2001. ـ السبب الثالث: وتتحكم فيه حيثيات انتقال أحزاب المعارضة نفسها من خلال ترتيبات التناوب، وأهم هذه الحيثيات تغيير نمط التعامل مع القضايا الإقليمية والدولية من المنظور الحزبي الذي يستثمر هذه القضايا في خطاباته السياسية والتعبوية إلى نمط آخر محاط بإكراهات واقع المسؤولية الحكومية خاصة في جانبها الأمني. فبالنسبة لهذا الواقع الجديد تعتبر كل دعوة حزبية للتظاهر التضامني أو الاحتجاجي بمثابة مأزق وامتحان حقيقي للحكومة ولنوعية أدائها الأمني الذي يفترض أن يكون بجرعة أكبر من التفهم والانفتاح وأن يعالج الأمور، في حالة سوئها، بأسلوب مغاير لأسلوب العنف والهراوات والاعتقالات. وإكراهات من هذا القبيل تهون بموجبها قضايا اجتماعية وطنية بالغة الحساسية، فما بالك بالقضايا الخارجية ولو كانت الأحزاب التي وضعت في هذا الامتحان تركز في خطابها السياسي على انتمائها وتضامنها اللامشروط عربيا وقوميا وتقدميا صباح مساء.
الأحزاب والمركزيات النقابية.. طلاق رسمي لزواج كان عرفيا.
لم يطرح سؤال العلاقة بين الحزب السياسي والنقابة بنفس الحدة التي طرح بها في السنوات الأخيرة القليلة. وظلت النقابات رغم استقلاليتها المطلوبة تشكل من منظور الحزب المهيمن واجهة أخرى استطاعت أن تصل في ظروف معينة إلى أن تكون طليعة الحزب وجناحه القوي وورقته السياسية الرابحة في اتجاه الحكم. وظلت الأحزاب تستثمر إمكانيات النقابة لصالحها خصوصا مسألة انتشارها الواسع في صفوف الطبقة العاملة وقدرتها على تعبئة الجماهير والدعوة إلى خوض إضرابات واحتجاجات مطلبية كانت تؤرق الحكومة وأحزاب الأغلبية الموالية لها. لكن السياق الجديد، سياق التناوب وما بعده، بمحمولاته وإفرازاته أوصل هذه العلاقة إلى النفق المسدود وأعاد إلى السطح كل الأسئلة القديمة المعلقة التي تم القفز عنها في الماضي لصالح مثاليات المشترك النضالي والانتماء لنفس الصف وتقاسم نفس الأهداف. وبدأت النقابات، بعد مدة وجيزة من انطلاق التجربة، تدرك أن الأحزاب ستخذلها، وأنها ستطالبها بمزيد من التضحيات والتنازلات تحت غطاء حقوق المتحالفين. كما بدأت تنتبه إلى أن استمرار العلاقة بشكلها وشروطها القديمة ستقودها في النهاية إلى التباس وجودي لن يقف عند حدود الانتقاص من مصداقيتها بل يتعداه إلى الإخلال بوظيفتها، فانخرطت في تأسيس شروط القراءة الجديدة لهذه العلاقة من جانب واحد في أفق تحقيق القطيعة والاستقلال الذاتي وفصم عرى الوصاية التقليدية. لكن هذا الفعل التصحيحي في حد ذاته، اصطدم برد فعل قوي غير مستعد لبدء المراجعات في هذا الوقت المبكر. وهكذا طال النقابات ما طال الأحزاب أيضا وظهر معطى جديدا أفرزته مثل هذه العلاقات وهو أن التحالف بين التنظيمات الحزبية مع بعضها البعض أو مع مركزيات نقابية.. إن كان صعبا وعصيا لحظة إنجازه، ويتطلب أحيانا مخاضا عسيرا، فإنه أصعب وأخطر عند محاولة فضه لأنه قد ينتهي إلى الانشقاق والتشظي.
الأحزاب السياسية والإعلام الحزبي.. هيمنة سياسية ثمنها مرجوعات بالجملة.
تعتبر الصحيفة الحزبية لسان حال الحزب وصوته إلى عموم الناس. وبدون صحف أو منابر إعلامية مكتوبة تبقى الأحزاب في حكم الكائنات الخرساء، لا تتخذ موقفا ولا تصنع رأيا عاما ولا توجه جمهورا. والصحفيون الذين يشتغلون في الصحف الحزبية هم طليعة المناضلين في صفوف الأحزاب لأنهم مطالبون، قبل غيرهم، بالدفاع يوميا عن أفكارها واختياراتها وقراراتها ومجبرون في أحيان كثيرة على تبرير أخطاء زعمائها وفلتات لسان قادتها. إن عملهم، بتعبير رومانسي، هو النضال بالكلمة الذي يتطلب حرية وخيالا وقدرة على الإقناع، ومع ذلك فالمؤسسات الإعلامية التابعة للأحزاب السياسية في المغرب أبعد عن أن تشيع فيها مثل هذه القيم والمبادئ التي يستقيم بها العمل الصحفي الفعال. فعلاقة الحزب بإعلامه علاقة تحكمية رقابية وتوجيهية صارمة تفرض عليه الانغلاق والديماغوجية والتخشب والتبعية، وتؤدي به بالتالي إلى الانفصام عن المجتمع وقضاياه وإلى البعد، إن لم نقل التعالي، عن القارئ وهمومه فتستحيل وظائف الإعلام الثلاث المعروفة، ( إخبار وتثقيف وترفيه)، في المنشورات الحزبية إلى دعاية سياسية لا تتوقف عن تمجيد الحزب والتغني بتاريخه ومواقفه وإنجازاته. إن علاقة الحزب السياسي بإعلامه المكتوب في المغرب علاقة مشوبة بالتوتر والحذر وانعدام الثقة، يزكي هذا أن إدارة تحرير معظم الصحف يتولى رئاستها المباشرة زعيم الحزب أو إطار من أطره العليا المقررة التي تدين بالولاء اللامشروط لهذا الزعيم. وهذه الظاهرة غير مفهومة تماما رغم ما أشرنا إليه من وصاية وبيروقراطية، اللهم إلا إذا انتبهنا إلى أنها قد تكون الوسيلة الأنجع لقطع الطريق أمام بعض الأصوات الفردية أو الجماعية التي تنازع القيادة الحزبية في شرعيتها أو تطعن في اختياراتها. كما أن مدخول الجريدة بالنسبة لحالات معينة قليلة جدا تحقق نسبة مبيعات وتحصل على فرص إشهار قد يكون وراء هذه الهيمنة المطلقة خصوصا وأن الدولة تتحمل جزءا من مصاريف طبع الصحف الحزبية عن طريق الدعم في مجال الورق والاتصالات الهاتفية مثلا.
#عبد_الإله_بوحمالة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأحزاب السياسية في المغرب
-
تخلف جهل.. وحضارة جهالة
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|