أحمد دادالي
الحوار المتمدن-العدد: 4137 - 2013 / 6 / 28 - 01:23
المحور:
القضية الكردية
أخذت حادثة زراعة الحشيش (القنب الهندي) في قرية تل غزال جراء الحملة التي قامت بها مؤسسة الأسايش بهدف إتلاف تلك النبتة حيزا واسعا في الإعلام والرأي الكردي العام بين مؤيد ومعارض , وذلك في العدة أيام الماضية.
فقبل شهر نيسان من هذا العام أعلنت مؤسسة الأسايش , وعبر عدة بيانات صدرت باسم إدارتها في كوباني عن نيتها القيام بحملة تهدف إلى التخلص من نبتة الحشيش التي عمل بعض ضعاف النفوس على إدخالها إلى منطقة كوباني , وبدئوا بالترويج لها , والحض على زراعتها , واعدين مزارعيها بالفوائد المادية التي سيجنونها , وباحثين بأنفسهم عن الفائدة المادية من خلال الإتجار بها.
التأييد أو المعارضة في الاسلوب والطريقة اللتين اتبعتهما مؤسسة الأسايش في اقتلاعها لهذه النبتة أمر يمكن النقاش فيه , فهو كان مرة باللين ومرة بالشدة , طبعا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ألا أحد منزه عن الخطأ , ومن يعمل سوف يقع في بعض الأخطاء , والتي من الممكن أن تصحح , عن طريق انتقادها بموضوعية واسلوب منطقي يهدف إلى عدم تكرر الأخطاء.
لكن لا أحد يستطيع أن يقول أن محاربة هذه الآفة هي أمر خاطئ مهما كانت حجته , فهذه النبتة تعتبر من المخدرات , والكثير من دول العالم مهما كانت ديمقراطية أو ديكتاتورية , وكيفما كان شكل نظام الحكم فيها رئاسي كان أم برلماني , يقرّون بمحاربة تلك الآفة التي تسمى الحشيش , وفي أغلب دول العالم فقد شكلت حكوماتها فروعا خاصة لمكافحة هذه الظاهرة وسنت الكثير من القوانين الصارمة بحق كل من يقوم بالترويج لها والإتجار بها وتعاطيها.
إن كل دول العالم تعتبر المخدرات ومن بينها الحشيش جرما يعاقب عليه القانون , وبالتالي فإن المروج لها والتاجر بها والمتعاطي لها يعتبرون مجرمين تنزل بهم شتى أنواع العقوبات.
ومن أي منظور نظرت لموضوع الحشيش فهو يكون في خانة السيء أو الشر , سواء من المنظور الديني أو من المنظور القانوني أو من المنظور الاجتماعي.
تجار هذه النبتة يهدفون إلى ملء جيوبهم بالمال بالدرجة الأولى , والقيم الأخلاقية للمجتمع تكون هي آخر اهتماماتهم –هذا إن كانت القيم الأخلاقية ضمن اهتماماتهم أصلا- فبانتشار تعاطي هذه الآفة سينتشر الفساد الأخلاقي , بمعنى أن القيم الأخلاقية التي تربى وحافظ عليها المجتمع ستصل إلى الحضيض , وبهذا الشكل فإن من له علاقة بالحشيش هو بالدرجة الأولى يحارب مجتمعه .
وطالما أن القانون بشكل عام يعتبر الحشيش جريمة فإن كل من يكون له صلة بموضوع الحشيش من حيث الترويج والزراعة والمتاجرة يكون ضد القانون أو يحارب القانون ويكون بذلك خارجا عن القانون.
ولأن الأديان السماوية أيضا تحرم هذه الآفة من كل جوانبها فإن الدائرين في فلكها هم ضد القيم الدينية ويحاربون الدين , بغض النظر عن انتمائهم الديني.
وحسب هذه النتيجة فإن أي طرف من موقعه السياسي والاجتماعي والديني , يجب أن يحارب ظاهرة الحشيش , بدء من الفرد , وانتهاء بالأحزاب والتنظيمات والهيئات والمؤسسات.
في الحالة الكردية ونتيجة لقيام الثورة فيها , وصراع كل من النظام والمعارضة العربية على حكم الدولة , كان لا بد من وجود مؤسسة تقوم بحماية الأمن الداخلي في غربي كردستان , فانعدام الحالة الأمنية يشكل حالة من الفوضى , وعواقب هذه الفوضى تؤثر بالدرجة الأولى على المجتمع , فكان أن أعلنت مؤسسة الأسايش عن نفسها , وحملت على عاتقها مهمة حماية الأمن الداخلي لغربي كردستان , وهي مؤسسة وطنية مستقلة غير حزبية , تابعة للهيئة الكردية العليا والتي هي الممثل الشرعي للشعب الكردي في غربي كردستان , وبسبب انتشار ظاهرة الحشيش وخطرها على المجتمع الكردي , فمن الطبيعي أن تقوم مؤسسة الأسايش بمحاربة تلك الظاهرة وهي بذلك تقوم بمهمة طبيعية من موقعها هدفها يصب في خانة الصالح العام.
الحملة التي قامت بها الأسايش للقضاء على تلك الآفة كانت بالتأكيد حملة مباركة , تهدف إلى الحفاظ على المجتمع الكردي نقيا من الفساد الذي سينتشر نتيجة انتشار تلك النبتة , وقد كانت حملة حصلت على مباركة العديد من الفئات السياسية والدينية والاجتماعية على مستوى المنطقة , وعلى مستوى الأحزاب الكردية فإن أغلبها قد أصدر البيانات والتصاريح التي تتضمن رفضتهم لانتشار زراعة هذه النبتة , و وصل الحد إلى أن بعض الأحزاب بإنزال قرارات فصل بأعضائهم المتورطين بزراعة هذه النبة.
عودة إلى الحملة التي قامت بها مؤسسة الأسايش بهدف القضاء على تلك الآفة , فقد بدأت في كوباني في بداية شهر نيسان من هذا العام قامت فيها بإتلاف هذه المادة في أكثر من 300 قرية تقع ضمن منطقة كوباني , وكانت الحملة مشارفة على نهايتها حينما وصلت إلى قرية تل غزال , ولكن ما حدث في القرية المذكورة لم حصل في أي من القرى التي قام فيها البعض بزراعة الحشيش , ففي القرية المذكورة تعرض عناصر مؤسسة الأسايش إلى إطلاق نار من قبل المزارعين لتلك النبتة , الذين لم يرضوا أن يتلف محصولهم , بعد أن أعمت المادة بصرهم وبصيرتهم , نتيجة لإطلاق النار واضطرار عناصر الأسايش للرد دفاعا عن أنفسهم وقع 3 قتلى والعديد من الجرحى.
وما يدعوا إلى الدهشة والاستفهام هو أن المزارعين وأهل القرية هم أناس مدنيون , فكيف نفسر وجود أسلحة ثقيلة لدى أولئك المزارعين , فهم أقل ما استخدموه من أسلحة من نوع BKS وانتهى الأمر باستخدام سلاح من نوع دوشكا وهذه الأسلحة ليست للحماية الفردية !.
الأمر الآخر المثير للاهتمام هو أن الأسايش قد أتلفت الحشيش في أكثر من 300 قرية لم تصدر عن مزارعيها أي عملية مقاومة , وإن حدث فهو كان بالكلام فقط دون أن يدخل السلاح والرصاص في الموضوع , نظرا لما للمجتمع ثقة بمؤسسة الأسايش ولما لها من شرعية منبثقة عن شرعية الهيئة الكردية العليا , فلماذا في هذه القرية حصل الصدام ؟
يكمن جواب هذا السؤال لدى من روّج لزراعة الحشيش -والمروج يكون تاجرا أيضا- ومن حرض الأهالي على مهاجمة أي طرف يستهدف الحشيش المزروع , والذي قام بالدفاع عن مزارعي الحشيش , وفي هذا الصدد فقد ظهرت عدة أسماء لها علاقة بهذا الموضوع (حسن عطي , مصطفى عطي , علي تمي)
فمن المعروف لدى أغلب أهالي كوباني أن المدعو ( حسن عطي ) كان عضوا في حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا-يكيتي- (محي الدين شيخ آلي) وبسبب قيامه بزراعة مادة الحشيش الصيف الماضي فقد قام حزب الوحدة بفصله من الحزب , فاتجه هو بعد فترة لينضم إلى الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا –البارتي- (عبد الحكيم بشار) وقوبل بالترحيب من قبل البارتي , ومن حقنا أن نتسأل عن السبب الذي يدفع بالبارتي إلى قبول شخص تم فضحه اجتماعيا وفصل على إثر ذلك من حزبه ؟
من المتعارف عليه أن البارتي يستغل هكذا حالات لزيادة أعضائه ولو كانت سمعتهم وصلت إلى الحضيض اجتماعيا , وبالتالي فإن الأعضاء الجدد بأخلاقياتهم المفلسة اجتماعيا تتأثر وتؤثر في البارتي ونهج القومية البدائية الذي يمثله , ومن المعروف أن البارتي في الآونة الأخيرة يعيش تناقضات ليس آخرها مواقف وتصريحات سكرتيره التي أظهرت مدى صبيانيته السياسية على الساحة الكردية , كل ذلك فقط لكي يرضى عنه المجلس الوطني السوري والائتلاف المعارض , واستهدافا للتطلعات الكردية عبر العمل على النيل من شرعية الهيئة الكردية العليا وكيل الاتهامات لها والعمل على تعطيلها , والجهد الجهيد الذي يبذله لخلق حالة من الفوضى في مناطق غربي كردستان , ومحاولاتهم إدخال بعض كتائب الجيش الحر إلى المنطقة الكردية , على الرغم من أن الكرد قد أعلنوا مرارا وتكرارا أن القوة العسكرية الشرعية في غربي كردستان هي وحدات الحماية الشعبية YPG فقط , كل ذلك فقط محاولة من البارتي إلى جر المنطقة الكردية إلى اقتتال لن يخدم الكرد في شيء , لكن سيكون في مصلحة الباحثين عن الفوضة باسم الثورة السورية وتمريرا لأجندات من يعمل البارتي في خدمتهم.
إذا فتجييش الأعضاء باسم الثورة والكتائب ومحاولة جر المنطقة الكردية إلى حالة من الفوضى والاقتتال , الهدف منه إظهار الولاء للمجلس والائتلاف السوري العنصريين مع الكرد ربما يزيل الضباب عن الأسلحة التي كانت موجودة لدى من قاموا بمهاجمة عناصر الأسايش , والمحرض سوف يقوم بتأمين الأسلحة من خلال كل تلك العلاقات المشبوهة , وقبل أن تصل الحملة غلى قرية تل غزال , فقد سبقه العديد من الاجتماعات التحريضية على مواجهة الأسايش إذا ما حاولت الاقتراب من الحشيش المزروع في تلك القرية , بحجة أن الأزمة السورية قد أثرت على الوضع الاقتصادي , وأن للمواطن الحق فيما يزرع , وهنا يظهر مبدأ ( الغاية تبرر الوسيلة ) , حتى لو كان المجتمع هو المستهدف من الأمر , وهذا الأمر هو الغير مقبول جملة وتفصيلا.
الاغرب من كل ذلك هو بعض الوسائل الإعلامية والشخصيات التي وصفت القتلى من جراء تلك الحادثة بالشهداء , وسائل الإعلام تلك وأولئك الشخصيات هم نفسهم الذين يسمون عملية التحقيق من قبل الأسايش مع أي شخص بالخطف , وهم مأجورون ومدفوعون لأن يهاجموا ويكبروا من الاحداث التي تستهدف المؤسسات التي بنيت بإرادة الشعب الكردي , لذلك فليس من الغرابة أنهم أقحموا اسم وحدات الحماية الشعبية YPG في ذلك الحدث , فهدفهم هو ضرب الإرادة الكردية الحرة , وليس أحد المؤسسات فحسب.
للشهداء مكانة عظيمة في قلوب الكرد , ليس في غربي كردستان فقط , بل الأمة الكردية كلها , لكن يظهر أن البعض لا يفهم مصطلح الشهيد جيدا حتى يسقط هذا الاسم المقدس على شخص قتل نتيجة حمايته لآفة تضر المجتمع ككل , فبأي وقاحة يسمون أولئك القتلى بالشهداء ؟
وجود هدف نبيل وسامي متعلق بالتحرر ونضال شخص معين لذلك الهدف حتى موته نتيجة لنضاله هو فقط من نستطيع أن نقول أنه شهيد.
شهداؤنا أولئك العظام الذين ناضلوا وثاروا ضد الطغيان بكافة أشكال وألوانه وقدموا أروحهم طواعية لأجل أن نصل نحن للحرية , هم وحدهم من يستحقون أن نقول هم شهداؤنا.
شهداؤنا -غربي كردستان نموذجا- هم أولئك الشباب والشابات الذين قاوموا ولآخر نفس من عمرهم وبذلوا دمائهم لكي لا تقع مدينة سري كانيه فريسة الذين يكفّرون كل شيء ما عدا أنفسهم وتلك الحرب التي كانت بدعم مباشر من الدولة التركية آنذاك التي أمدتهم بالدبابات , والعديد من شخصيات المجلس الوطني السوري الذين أشرفوا على تلك الحرب , شهداؤنا هم الذين سقطوا تحت قصف النظام في الأحياء الكردية من حلب ولم يسمحوا للنظام بأن يدخل تلك الاحياء طالما أن الكرد متواجدون فيها , شهداؤنا هم من دافعوا حتى نفسه الأخير عن عفرين الخضراء وتل تمر.
شهداؤنا هم من ماتوا في سجون النظام البعثي ولم يطأطئوا رؤوسهم تحت تعذيب النظام لهم , ولن تكفينا الآلاف من المجلدات إذا ما تحدثنا عن شهدائنا وقدسيتهم , لكن أن يسمى تجار الحشيش شهداء , فهو الامر الذي لا يقبل به عقل ولا وجدان , فاعذرونا هؤلاء ليسوا شهداء , ولن يكون شهيد من حاول أن يهدم الأسس الاخلاقية للمجتمع الكردي.
في الاخير فإن تهجم بعض الأطراف المستفيدين من الحشيش , ومشاركة من يعملون على استهداف المؤسسات الكردية الشرعية في ذلك التهجم لا يعني أن الأسايش قامت بعمل خاطئ بل على العكس من ذلك , فإن الحملة التي قامت بها مؤسسة الأسايش للقضاء على نبتة الحشيش هو عمل مبارك , يهدف للحفاظ على الصالح العام للمجتمع , وجهدهم المبذول في تلك الحملة , جهد يستحق الشكر والثناء والتقدير.
#أحمد_دادالي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟