|
فى انتظار 30 يونية
داود روفائيل خشبة
الحوار المتمدن-العدد: 4137 - 2013 / 6 / 28 - 01:23
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
فى انتظار 30 يونية داود روفائيل خشبة
أكتب هذا ونحن على بعد أقل من 72 ساعة من توقيت ستترتب عليه على المدى البعيد آثار بالغة الأهمية. لا أحد يمكنه أن يجزم بما سيحدث أو حتى أن يتصوّر تحديدا ما يمكن أن يحدث فى الساعات التى تسبق ذلك التوقيت أو الساعات التى تليه. رغم أننا كلنا نعرف الصورة العامة للموقف الراهن ونعرف القوى والاتجاهات والتيارات والجماعات وحتى الأفراد ذوى التأثير فى الموقف الراهن، إلا أنه مهما يكن إلمامنا ومهما تكن إحاطتنا بكل ذلك، إلا أن ما يحدث على أرض الواقع تدخل فيه وتقرره وتحدده عوامل لم يكن بمقدور أحد أن يأخذها فى حسبانه. هكذا كانت دائما أحداث التاريخ الكبرى، حتى إن جاءت متـّفقة مع التوقعات ولم يرَ فيها أحد مفاجأة، إلا أن النتيجة تأتى بصورة وبتفاصيل لم يكن من الممكن التنبّؤ بها مسبقا، بل قد يحدث أن بعض العوامل التى كان يُخشى أن تكون معوّقة يتـّضح أنها كانت بالفعل دافعة، وقد يحدث أن بعض العوامل التى كان يُرجى أن تكون مساعدة يتـّضح أنها كانت بالفعل معوّقة. هكذا فإننا مع كل ما نعقده من آمال ومع كل ما نسعى مخلصين لتحقيقه من خلال حركة 30 يونية فإن العقل يقتضينا أن نعترف بأن أحدا لا يستطيع أن يعرف ما قد يحدث ولا أحد يستطيع أن يتنبّأ تحديدا بما قد يترتـّب من نتائج مباشرة. العقل يقتضينا أن نكون مهيّأين لكل النتائج حلوها ومرّها. لكننا مع ذلك يمكننا أن نكون على يقين من أمر واحد، وعلينا أن نفكّر في ما يجب علينا عمله وما يجب أن نعمل على تحقيقه فيما يلى 30 يونية — مع ملاحظة أن "30 يونية" ليس زمنا محدّدا بل هو رمز لكل الآلام والآمال التى انبثقت عنها هذه الحركة. ما يمكننا أن نكون على يقين منه هو أنه ايًّا كانت النتائج المباشرة لما سيجرى فى الساعات الاثنين والسبعين المقبلة فإن حركة شباب "تمرّد" قد أحدثت بالفعل تغييرا فى الأوضاع القائمة، وأنها، إيجابا، قد فجّرت طاقات فى جماهير الشعب ستظل فاعلة وستظل تعمل رغم كل ما قد يجابهها من سلبيات، وأنها، سلبا، قد عرّت دعاوى الإسلام السياسى وفضحت زيف الإخوان المسلمين وكتبت أوّل سطر فى نهايتهم المحتومة. هذا مكسب كسبناه بالفعل وأيًّا كان ما سيحدث فى الأيام أو الأسابيع التالية فإن هذا المكسب سيبقى ركيزة وذخرا لأجيالنا الصاعدة المسئولة عن مستقبل الوطن. ما الذى يجب علينا عمله وما الذى يجب أن نعمل على تحقيقه فيما يلى 30 يونية؟ لن أكرر ما يردده عقلاؤنا عن حقّ وفى صدق وإخلاص عن ضرورة توحيد الصفّ ونبذ الخلافات والتجرّد من الأهواء والأنانية، إلخ.، كل ذلك كلام جميل، مطلوب أن يقال ويردَّد كثيرا، ومطلوب أن نستمع إليه فى وعى وجدّية. لكن ما أريد أن ألفت أنظارنا إليه هو أن بناء وطن ديمقراطى حرّ لا بدّ أن يبدأ من الجذور. أساس المجتمع الديمقراطى وركيزته الأساسية هى البِنى (جمع بِنية) التحتية. لا يمكن أن يقوم مجتمع ديمقراطى إلا إذا كانت الديمقراطية منتشرة ومتغلغلة فى كل تنظيماته وكل تجمّعاته على كل المستويات. لنعمل على نشر ومساندة النقابات والاتحادات والروابط والجمعيات والمنظمات فى كل مكان ومن كل نوع وعلى كل مستوى. إننى مقتنع بأن تشكيل أى تجمّع صغير يقوم على التعاون والتفاعل الحرّ فى سبيل هدف مشترك، ليكن ذلك ناديا للعبة رياضية معيّنة، أو ليكن جمعية لهواة الشطرنج، أىّ تجمّع كهذا هو لبنة فى بناء المجتمع الديمقراطى. ومجتمع يتآلف كل أفراده فى شبكة من مثل هذه الوحدات الديمقراطية، بدءا من النوادى الرياضية مرورا بالنقابات المهنية الحرة حتى منظمات رعاية حقوق الإنسان — مجتمع تنتظمه شبكة من هذه التجمعات الديمقراطية لا يمكن أبدا أن يفسح مكانا لحاكم مستبدّ ولا يمكن أبدا أن يعطى الفرصة لأى سلطة بأن تزيّف إرادته فى انتخابات غير نزيهة. قد تبدو هذه فكرة بعيدة عن قضايانا الملحّة، لكنى أعتقد مخلصا أن العمل فى هذا الاتجاه هو ضرورة لإقامة مجتمع ديمقراطى سليم. الديمقراطية لا تأتى من فوق، لا من حاكم ولا من زعيم ولا من مصلح. الديمقراطية لا تبنى إلا من أسفل لأعلى. وعلى أىّ حال، فهذا شىء يمكن أن نعمل على تحقيقه بصرف النظر عما قد يحدث فى الأيام القريبة القادمة. فلنعمل فى كل الأحوال على بناء ديمقراطية الجذور. وإذا احتاج الأمر للنضال فى سبيل ذلك، إذا وجدنا أن مجرّد تكوين جمعية لمحبّى أسماك الزينة تقف فى سبيله قوانين ولوائح مكبّلة، فلنناضل. فكل مكسب صغير على طريق الحرية المنظمة، هو مساهمة فى بناء المجتمع الحرّ الذى نريده لأبنائنا، مجتمع لا يخضع لإرادة مرشد ولا لفتوى فقيه بل تسيّره الإرادة الحرّة لشركاء متساوين. داود روفائيل خشبة القاهرة، مساء 27 يونية 2013
#داود_روفائيل_خشبة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نوعان من الترجمة
-
توافق ما لا يتوافق
-
لقطة
-
من هم العلماء؟
-
اعتراف واعتذار
-
فى لغة القرآن (2) قصار السور
-
فى لغة القرآن (1) مقدمة
-
أين الثورة؟
-
لماذا الدين؟
-
الحرية والسلطة
-
التاريخ الإسلامى والدولة الإسلامية
-
مرجعية الأزهر
-
الإخوان والثقافة دونت ميكس!
-
وحى الشعراء ووحى الأنبياء
-
سورة الفتوى
-
حكايتى مع الدين
-
حدود احترام أحكام القضاء
-
هل بقى أمل؟
-
فى الدين (8) الإسلام
-
فى الدين (7) المسيحية
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|