سامان كريم
الحوار المتمدن-العدد: 4136 - 2013 / 6 / 27 - 19:16
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الديمقراطية بين حقيقتها و زينتها!
على هامش الأوضاع في المنطقة
في البداية وفي سبيل فهم أكثر لموضوعنا, أنقل الخبر أدناه مثل ماجاء في الصحيفة الإلكترونية للحدث نيوز, حيث جاء الخبر تحت عنوان (المخابرات الألمانية تفجر مفاجئة من العيار الثقيل حول "الجيش الحر"!) في يوم 14 حزيران 2013 وبالشكل ادناه:
(فجرت صحيفة «دي فيلت» الالمانية اليومية مفاجأة كبرى حيث ان نسبة من يحملون الجنسية السورية فيما يسمى "الجيش الحر" لا يتعدى ال 5% بينما العدد الاكبر يعود الى جماعات اصولية تأتي من ليبيا ودول افريقيا لـ«الجهاد» في سورية بدعم رسمي من دول عربية خليجية. ونقلت الصحيفة عن خبراء أمنيين قولهم: ان المخابرات الالمانية لديها تقرير رسمي وبأعداد دقيقة حول جنسيات المقاتلين في «الجيش الحر» وتمركزهم في انحاء سورية.
من جهة اخرى قال عضو في المخابرات الالمانية: ان بعض المجموعات التي تأتي الى سورية تعمل بتنسيق كامل مع تنظيم القاعدة الا ان الجماعات الاصولية هي اشد خطورة من تنظيم القاعدة حيث تعمل على عقيدة إبادة للأطفال واستخدامهم كدروع بشرية لتحقيق اكبر عدد ممكن في الخسائر البشرية. واضاف العضو في المخابرات الالمانية حول عدد المقاتلين التابعين للجماعات الاصولية الموجودين في سورية (لدينا احصائيات شبه رسمية تشير الى ان العدد يزداد في الآونة الاخيرة حيث بلغ في نهاية العام 2011 ما يقارب 4800 مقاتل أما في منتصف العام الحالي فقد اصبح العدد 14800 بينهم خبراء في مجالات عديدة ومنها تحضير العبوات الناسفة وسبق لهم ان شاركوا في هجمات عدة في العراق وافغانستان الا ان الخطر الاكبر هو مساعدة الدول العربية على اخراج موقوفين اسلاميين وارسالهم الى سورية بهدف «الجهاد» ضد الدولة السورية وهذا ما يختلف مع معايير اتفاقيات الدول التي تحارب الارهاب.
المصدر: الحدث نيوز "http://www.alhadathnews.net/archives/85598").
والخبر الاخر بالجيزة في مصر, وهو قتل "حسن شحاتة" بحجة مذهبه الشيعي والتمثيل بحثته. واخر الاحداث في صيدا... والابواق الامريكية والغربية ومعهما القنوات العربية: الجزيرة والعربية والضرب على الوتر الطائفي.... وبدون خجل تطلب امريكا وفرنسا وقطر وعبر وزراء خارجيتها بإعادة او خلق التوازن بين الحكومة السورية والمعارضة المسلحة, اي إعادة إنتاج القتل والتدمير. واحداث صيدا في لبنان معركة الجيش مع الوهابيين او السلفيين وأخيرا ماتسمى بالفضيحة الدبلوماسية التي انفجرت الأسبوع الماضي بالارتباط مع المكتب الذي فتحته حركة طالبان في العاصمة القطرية الدوحة فُتح المكتب باسم إمارة أفغانستان الإسلامية، الاسم الذي اختاره الملا عمر لنظامه في كابل قبل إسقاطه بالاجتياح الأميركي عام 2001..... هذه هي العناوين الاكبر للاعلام في العشرة ايام الماضية, الاحداث التي يقودها الديمقراطيين في العالم.. من اوباما وكاميرون وهولاند واخرون, وطبعا مفكريهم ومستشاريهم اللذين لايعدون ولايحصون.
المعلومات والاحداث أعلاه ليس فيها شيئاً جديداً, لمتابعين الوضع السوري والعالم العربي. الجديد فيها ليس معلومة ما بل إعتراف أحدى الدول الغربية الكبرى وهي ألمانيا وعبر جهازها مخابراتها بحقيقة تلك المعلومات التي يعرفها السوريين وجميع من يدق قلبه للسلام, للأستقرار, للتمدن.... الاعتراف هو الجديد وبهذا الصورة الشفافة. القضية او موضوع البحث الذي أتناوله هي الديمقراطية وفق ما فهم منها وما قيل حولها, والشعارات التي ترفعها قوى وحركات وتيارات سياسية وفكرية من العائلة البرجوازية لتزينها, او كما يحلو لها من جانب وحقيقة الديمقراطية ومحتواها كماهي وفق معطيات موضوعية ثبتت تأريخيا وتثبت بصورة يومية او ربما كل ساعة من جانب اخر. لا أتناول دور الاعلام والصحافة لانها جزء من تزيين هذه الحركة اي الديمقراطية, سوى في عمليات سوقية كاي بزنس أو ربما بسبب العقيدة الديمقراطية مشحونة بالسوق.
فهم الديمقراطية على صعيد العام اوالشعبي كإنها تحتوي في طياتها الحريات السياسية والمدنية والفردية والاجتماعية وحقوق المراة وأيضا فيما يخص الحكم "الشعب يحدد مصير الحكم" عبر الانتخابات هذا من الجانب السياسي وحرية عمل الراسمال والعمال من الجانب الاقتصادي, علاوة على ذلك تلوح ببعض الخدمات المدنية والاجتماعية في بعض من البلدان الاوروبية مثل الخدمات الصحية والاجتماعية وضمان البطالة.
الديمقراطية على الصعيد التاريخي
الحريات السياسية من حرية الاضراب والتظاهر وحرية التعبير عن الرأي وحرية النقد وحرية التنظيم "تشكيل الاحزاب والمنظمات", والحريات الفردية وحقوق المرأة... فهمت كإنها جزء من محتوى الديمقراطية. ان الطبقة البرجوازية الحاكمة وحركاتها المختلفة وقواها في كل البلدان ومفكريها الموالين والمعارضين, تقوم بالدعاية والتحريض حول هذا الامر, وتزيين الديمقراطية بها. أولا قبل بحث هذا الأمر أرغب في توضيح نقطة مهمة وهي ان الحريات السياسية وهي مدونة وصيغ كقوانين في البلدان الغربية تعني ابلاغ بامر التظاهر او الاضراب او التحشد, اي إبلاغ الشرطة في مدينة او منظقة جغرافية معينة, إبلاغ وليس موافقة... وهكذا نرى تظاهرات حاشدة وكبيرة في اوروبا بدون اية موافقة من قبل الدوائر الامنية... بل يبلغ الشرطة من قبل المنظمين فقط, وهذا غير موجودا في بلدان مثل العراق وسوريا ومصر وإيران وتركيا والجزائر وتونس... يجب الحصول على الموافقة, وهذا يعني تقيد الحريات السياسية, وبالمعنى الفعلي يعني قمع الحريات السياسية كما نراه يوميا. ثانيا يجب ان نفصل بين المراحل المختلفة حين نتحدث عن الديمقراطية والقوانين وماشابه ذلك من البناء الفوقي للمجتمع... في مصر تجري يوميا تظاهرات حاشدة.. هذه الحالات هي حالات في مراحل مختلفة من المرحلة الانتقالية... اي ان السلطة الموجودة ليس في إمكانها ان تعمل وفق قوانينها الاعتيادية, وفق القوانين التي تحدد لمجتمع مستقر. وذلك اما بسبب ان الحكومة الموجودة لم ترسخ بعد, أي ان الحكومة لم تتمكن من جمع الطبقة البرجوازية كطبقة حول برنامجها السياسي والاقتصادي, ولم تتمكن بمفردها ان تقمع الحركات الاحتجاجية والثورية, وهي جاءت عبر الثورة مثل مصر. اي ان التظاهرات في مصر اصبح قانوناً اجتماعيا بقوة الاحتجاج وفرضت على الحكومة. ثالثا: ان ما يشكل الفارق بين الديمقراطيات الغربية والديمقراطيات في بلداننا هي النضال الطبقي عبر التاريخ من جانب والبنية الاقتصادية التي تضمن للبرجوازية ان تقوم بتوفير الخدمات الاجتماعية, من جانب أخر.
مع هذا ان الحريات السياسية التي تروج لها البرجوازية كأنها جزء من محتوى الديمقراطية هي بعيدة عنها بل مغايرة مع الديمقراطية. الديمقراطية تعني " إستبدال السطة بين التيارات المختلفة من الطبقة البرجوازية" اي تحويل السلطة من يد الى يد أخرى في العائلة نفسها... بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري في أمريكا وحزب العمال والمحافظين في بريطانيا والحزب الديمقراطي المسيحي والاشتراكية الديمقراطية في المانيا.. وهكذا. ان البرجوازية فازت بالسلطة منذ اكثر من قرنين وبالتالي فازت بصياغة الدساتير والقوانين والمحاكم وفرضت تقاليدها على المجتمع, بعد ذلك وبعد ذلك فقط زينت الديمقراطية بالمفاهيم التي تفرح وتأجج القلوب والعقول, وحولت الحرية والمساواة الى الحرية والمساواة الشكلية... بالتالي حولت تلك الاهداف المقدسة لدى البشرية الى قضايا تافهة وفرغتها من محتواها. لهذه القضية بعدها التاريخي.
الديمقراطية كحركة سياسية اجتماعية كاملة وشاملة جاءت مع سلطة الطبقة البرجوازية حين تسلم الحكم عبر الثورات وبالتحديد في فرنسا وامريكا... منذ الثورة الفرنسية اختلطت وتشابكت حركة الحرية مع الديمقراطية,... حيث حينذاك فهمت الحرية بقطع الصلة مع السماء والروحانيين وكل ما يتصل بالكنسية في شؤون إدارة الدولة والسياسية... وارجاع كل المسائل الدنيوية الى العقل اي الى عقل الانسان واعماله, وفهمت على انها لا سلطان على الانسان او "المواطن" حيث حينذاك المواطن هو الانسان : انسان كوني وليس انسانا طائفياً او قوميا او دينياً. الوطن والمواطنة هي الصبغة الوحيدة التي تطبع بجبين الانسان بغض النظر عن قوميته ودينه وطائفته....وفق منظور الديمقراطية او الديمقراطيات الموجودة في تلك المرحلة... فقط هناك ميزات لاتشملها تلك الديمقراطيات وهما "الجنس, المراة" والتميز "العرقي" الاسود والابيض.... ولكن هذه كلها هي مسائل ضرورية او ملتصقة بالبرجوازية التي تقود الديمقراطية لبناء سلطتها ودولتها او موطنها... في هذا السياق وهو جوهر هذه المسائل لم إقتربت الديمقراطية من التمييز الاهم اي التمييز الطبقي الشق الطبقي بين طبقة العبيد الجديدة "الطبقة العاملة" والاسياد الجدد" الطبقة البرجوازية"... لم ولن يتحدث عن ذلك... انها لا تشمل الديمقراطية والديمقراطية لا تشملها ايضا.
كان هم الفلاحين والعمال" الذين لم يرتقوا بتكوينهم كطبقة والذين اشتركوا بقوة في تلك الثورات هي الحرية والمساواة في شكليهما الجنيني.... حرية الفلاح هي حرية من اسيادهم الاقطاعية وتحويل الاراضي اليهم.. هذا هو فهمه للحرية والمساواة, وهذا يختلف بطبيعة الحال مع فهم العمال للحرية حتى في تلك الفترة... ناضلوا في سبيل هدم صرح الاقطاعية في سبيل الغاء الطبقات في سبيل الحرية, ولكن ولأنه لم تتوفر الظروف الموضوعية وطبعا الذاتية تحول هذا الهدف او هذا النضال الى شئ اخر الى إيجاد أسياد اخرين الى اعطاء ثورتهم الى أسياد جدد اشد شراسة وعنفا..... مع هذا فهم الاسياد الجدد مطالب الثوار والطبقة الجديدة بعد صعودههم للسطة, فهموا وتم تحويل هذا الفهم الى إفراغ هذه الامال والمطالب من محتواها وتبدليها او امزاجها بالديمقراطية على مر العقود من الزمن. منذ البداية كان "حكم الشعب" و"حق الانتخاب" و"حكم العقل" و"الحرية والاخاء والمساواة" كلها تحولت وباسم الحرية والمساواة الممتزجة بالديمقراطية بعد افراع محتواهما... الى شئ معاكس.. حينذاك وقبل ماركس نرى سان سيمون وفورية واوين... نراهم وهم يحسون الى هذه الحالات ويعبرون عنها بصورة رومانسية وبإشكال مختلفة. حيث العمال او الفلاحين الذين تحولوا الى عمال عبر عملية التراكم البدائية يموتون جوعاً او بسبب شدة العمل وطول مدته, ودون اي حقوق, والعامل والفلاح والمراة ليست لديهم الحق في عملية الاقتراع حيث كانت عملية الاقتراع للاسياد الجدد للبرجوازيين والاقطاعيين الكبار الذين تحولوا الى الراسمالين الجدد عبر استثمار او إستئجار اراضيهم الواسعة, و" ذوي لون البشرة السوداء" كانوا فعلا عبدا دون اي تغير يذكر في حقوقهم..
.
ان الوصول الى حق المراة الانتخابي في المرحلة الراهنة وحقوق الطبقة العاملة وذو لون بشرة الاسود او بعبارة الاخرى ان حق التصويت للجميع... كانت عملية نضالية تمت عبر التاريخ بفعل الحركات النضالية للطبقة العاملة والحركات الراديكالية الاخرى اي تمت خارج حركة الديمقراطية بل بحركة نضالية بوجه الديمقراطية. وهذا ليس قول نظري ما بل التاريخ يثبت ذلك وفق القوانين والدساتير التي صدرت من جانبهم اي من جانب الديمقراطيين وقادة احزابهم ومفكريهم. في أمريكا اقرت عام 1965 فقط, في بريطانيا مهد الديمقراطية فحتى عام 1800 لم يتمتع غير 3 في المائة من المواطنين الإنجليز بحق التصويت, كانوا يشترطون أن يكون الناخب مالكا لعقار يدفع عنه ضريبة ملك. وعندما طالب العمال بحق التصويت، وتظاهروا مطالبين بذلك عام 1830، ضربوهم بالنار وقمعوهم. وبعد أن أبلوا بلاء حسنا في الحرب العظمى، اعترفت الدولة بفضلهم، فأصدرت عام 1918 قانون التصويت لجميع الذكور بعد سن 21 عاما ولم تنل المرأة الإنجليزية هذا الحق حتى عام 1928. ثم أصدر البرلمان عام 1969 قانون التصويت الشعبي، الذي خفض سن الناخب والناخبة إلى 18 عاما. ولم تنل المرأة السويسرية هذا الحق حتى عام 1971. ولم تنل المراة الالمانية هذا الحق حتى سنة 1918. أما في فرنسا بلد الثورة الديمقراطية الكبيرة والثقافة والعلمانية لم تنل المراة الفرنسية هذا الحق حتى سنة 1944.
في الارقام المذكورة اعلاه... تدل بما لا يقبل الشك ان هذه الحقوق البسيطة مثل حق التصويت, الذي هو اصلا فارغ من المحتوى في الحقيقة... تم اكتسابه بالقوة وبالنضالات العمالية والجماهيرية.. ونرى عبر تاريخ سن هذه القوانين وخصوصا التي تخص العمال والمراة.. تأثير الثورات والحركات العمالية وخصوصا ثورة اكتوبر في روسيا والثورة الالمانية 1918-1921... التي اثرت بشكل كبير على تنامي وتطور حقوق العمال والمراة... في كل البلدان الاوربية تقريبا... إذن هذا هو تاريخ الديمقراطية وهي حركة اجتماعية برجوازية كما قلت لتبادل الادوار بين تيارات مختلفة لطبقة البرجوازية.
الديمقراطية في المرحلة الراهنة
اما الان فالوضع مختلف, الديمقراطية التي يقودها الغرب وعلى راسها امريكا وبريطانيا... كداء لكل دواء أصبحت رجعية الى درجة لاتطاق. ليس للشيوعية, اقصد شيوعية ماركس اية صلة ما بالديمقراطية كحركة سياسية اجتماعية لطبقة البرجوازية, بل هي حركة مناهضة لها مثل باقي الحركات البرجوازية القومية و... على رغم الاختلاف بين تلك الحركات, الديمقراطية هي تحجيم وتقزيم حركة الحرية والمساواة في اطار تراكم الراسمال ووفق العملية هذه. اليوم اصبحت تسليح الكونترا الارهابية في سوريا وليبيا عملية ديمقراطية, قصف الناتو لليبيا عملية ديمقراطية غربية تقودها فرنسا وامريكا, دعم وارسال العناصر والسلاح والمال الى الارهابيين في سوريا هي عملية ديمقراطية, قتل "شحاتة" بحجة انه من المذهب الشيعي والتمثيل بجثته عملية ديمقراطية. من الجدير بالذكر ان قتل "شحاتة " في الجيزة هو سهم بوجه التحولات الثورية والاحتجاجات الجماهيرية، وبالتحديد بوجه يوم 30 حزيران والمراد منه تحويل التحولات والمسارات السياسية نحو الصراع الطائفي والديني وفق المشروع والاستراتيجية الامريكية. تأجيج الصراع الطائفي والضرب على الوتر الطائفي وتشجيع الجماعات الارهابية وتقويتهم عملية ديمقراطية, الدفع بإتجاه تحويل الاحداث في سوريا وحتى في تركيا الى قضية وصراع طائفي عملية ديمقراطية, وهكذا يقول خادم الحرم الامريكي ووزير خارجيته في السعودية, اردوغان وحمد بن جاسم المستقيل, ووزراء خارجية فرنسا وبريطانيا وامريكا...
الديمقراطية الكلاسيكية التي تبنتها البرجوازية ابان الثورة الامريكية والفرنسية والتحولات في بريطانيا والمانيا ابان بناء الدول القومية، محتواها هو المحتوى نفسه اي بقاء السلطة بين الاجنحة المختلفة من الطبقة البرجوازية وإعادة إنتاج هذه العملية عبر الانتخابات, ان الديمقراطية وفق منظورها قطعت بصورة نهائية, تسليم السلطة الى طبقة اخرى الى الطبقة التي تبنى المجتمع على ايادها كل لحظة, الديمقراطية تعني دكتاتورية الطبقة البرجوازية بالتمام والكمال. على رغم ذلك كانت هذه الديمقراطية في تلك المرحلة البدائية من الصعود الديمقراطيين في الغرب وامريكا, تعرف الانسان كأنسان كوني له بعض الحقوق, وخصوصا نلمس هذا التصور بصورة ساطعة أبان الثورة الفرنسية... الانسان هنا هو المواطن الذي ينتمي الى بلد ما وفق ارادته. اليوم لم يبقى لهذا التعريف قيمة ما, بل تحولت الديمقراطية وعبر التاريخ, اي عبر الصراع الطبقي ومصلحة الرأسمال على صعيد العالمي الى تشيئات أخرى, حل محل الانسان الطائفة, والقوم الدين والجماعات المختلفة. نرى ذلك في العراق, الهوية الطائفية والقومية والدينية هي الهوية التعريفية السائدة, وحتى في الانتخابات الجماهير لا تنتخب المرشح الفلاني بل تنتخب الطائفة الفلانية والقومية الفلانية, وهكذا لبنان, وفي اوروبا حيث اصبحت "تعدد الثقافات" قانونا وتقليدا لدى المجتمعات الاوروبية التي هي اصلا مجتمعات مرطبة ومختلطة بصورة كبيرة.
وفق المشروع الامريكي القديم الجديد في المنطقة, وهو إعادة صياغة خارطة المنطقة وفق مصالحها الديمقراطية, وهو التقسيم على أساس الطائفية وتحويل كل المشاريع والحركات الرجعية كانت او الثورية الى هكذا صراع اي الطائفي وتقسيم المجتمعات وفق هذه الهوية. سوريا مثال ساطع حول هذا الامر. حيث تدفقت للارهابيين والاموال والسلاح من كل حد وصوب الى سوريا لتمزيقها وتقسيمها وفق هذا المشروع. نسمع مصطلحات سياسية عجيبة تلك التي كانت لم يفكر فيها احدأً مثل العلوية والسنية والمسيحية... كانت فعلا بلد, الدين والطائفة فيه ليست لها اية أهمية تذكر. ولكن بالدعم الغربي والدول الغارقة في الرجعية مثل قطر والسعودية... تحول هذا البلد الى طائفيات مختلفة. العراق ومشروع بريمر الذي بدأه بعد الاحتلال بالطائفية التي كانت الى حد ما قضية منسية او لم تشغل بال الجماهير في العراق, وفي افغانستان حيث ضرب هذا البلد بكل قوة, لأضعاف الطالبان, اما اليوم يفتح لهم مكتب في الدوحة,.. والفضيحة السياسية الكبيرة وفق منظور مواطني امريكا هي قضية سنودن هذا المخابراتي الهارب, الذي كشف ان حكومتا بوش واوباما لم يتورعا في خرق الدستور الامريكي نفسه, عبر التنصت على المكالمات التلفونية والشبكات الاجتماعية في الانترنيت... وتركيا ايضا الحكومة الاسلامية التي تباهت كثيرا بإستقرار البلاد ونموها الاقتصادي وديمقراطيتها... لم تتحمل أحتجاجات الجماهيرية يوماً واحداً حيث قتل منهم اعداد وجرح منهم بالالاف ناهيك عن رشقهم بالغازالمسيل للدموع وخراطيم المياه والهراوات....
الخبر في بداية البحث من المانيا, ولكن ليس من صحوة ضمير بل لان ألمانيا لم تستفيد من التجربة الليبية وتعرف مسبقا لم تستفيد من التجربة السورية من حيث العقود النفطية و الغازية وعقود اخرى لاعادة البناء اذا سقط نظام الاسد... عليه تنأى بنفسها عن مشاركة فعالة في تلك الاعمال البلطجية التي اقدمت عليها امريكا وفرنسا ومرتزقتها في المنطقة.
هذه هي الديمقراطية والديمقراطيات المختلفة في العالم الغربي... ان من ينضال في سبيل الحريات الفردية والمدنية والاجتماعية وفي سبيل لقمة العيش مكانه وحركته ليس ضمن هذه الحركات الديمقراطية, التي أصبحت موديلا وماركة عالمية لتحميق الجماهير والمجتمعات في العالم العربي والعالم بأجمعه. بفضلها اصبح الاخوانجيين والسلفيين والجهاديين والارهابيين كلهم ديمقراطيين, لان الديمقراطية الجعبة التي تحتوى على كل شئ يصلح ويستفيد منه الرأسمال والطبقة البرجوازية... البرجوازية العالمية ليس امامها اية ايديولوجية وقيم, وهي ليست لديها قيم غير الربح وتراكم الرأسمال, ولكن اليوم ليست لديها غير القتل والدمار وتقسيم المجتمعات عبر اشد الافكار رجعية, لتفكيك المجتمعات عبر اشد الهويات الرجعية, الطائفية بالتحديد والدينية واخيرا القومية التي لا ترحب بها في هذه في هذه المرحلة وبالتحديد في العالم العربي.
النضال في سبيل الحريات السياسية والمدنية والاجتماعية وحقوق المراة والنضال الاقتصادي والنضال في سبيل الاصلاحات الجذرية, والنضال في سبيل المساواة التامة بين الرجل والمراة لا تمر عبر اطار وبوابة الديمقراطية بل تمر عبر بوابة اخرى واطار فكري اخر وهذا الاطار هو اطار فكر ومنهج ماركس وبرنامجه البيان الشيوعي. بطبيعة الحال ان هذا الاطار يتطلب ويستوجب توحيد الطبقة العاملة عبر حزبها الطبقي. أخيرا هذا لا يعني ان لا نستفيد من كل الشروخات والفجوات الموجودة في الدساتير والقوانين التي تمررها الديمقراطيات المختلفة لصالح تطوير وتقوية وتوحيد الطبقة العاملة ونضالها. ولا يعني اتخاذ تكتيكات سياسية مختلفة في مراحل مختلفة من النضال الطبقة العاملة مع قوى اخرى.
26حزيران 2013
#سامان_كريم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟