|
هل في الحزبية والأحلاف ديمقراطية؟
وليد الحلبي
الحوار المتمدن-العدد: 4135 - 2013 / 6 / 26 - 10:46
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ربما كان الغرض الحقيقي من هذا المقال بيان بعضٍ من عور الديمقراطية السائدة خاصة داخل الأحزاب والأحلاف، تلك الديمقراطية – بشكل عام - التي تلهث وراءها الأمم والشعوب – ولها الحق في ذلك –، وذلك من أجل بيان جوانب القصور في هذا النظام السياسي (الديمقراطية)، والذي إن لم يكن أفضل الأنظمة، فهو أقلها سوءاً. الحزبية: رغم أنها واحدة من أهم أذرع النظام الديمقراطي - إن لم تكن أهمها على الإطلاق - غير أنها، بالبديهة، لم تكن معروفة في الأيام الأولى لنشوء هذا النظام في القرن الخامس قبل الميلاد، فمحدودية عدد المشاركين في العملية الديمقراطية في دول المدن، كأثينا وإسبرطة، كانت تفترض أن يكون جميع هؤلاء الأفراد أعضاء فاعلين في حزب واحد، لنسمِّه مجازاً (حزب الشعب)، لكن بعد ازدياد أعداد أفراد الشعب، واتساع رقعة الدولة، وتضارب مصالح الفئات الاجتماعية، وتفاوت المطالب وتنازع المنافع بين الأقاليم، وبسبب وجود نخبة مثقفة قادرة على تمثيل مطالب الناس وقيادتهم، فقد كان لا بد من ظهور تيارات سياسية وفكرية، تجمع أولئك الذين يجتمعون على مشروع سياسي واقتصادي واجتماعي واحد، غير أن الوقت كان مبكراً جداً لنشوء الأحزاب بالشكل الذي نراه الآن، وكان على المجتمعات أن تنتظر إلى ما بعد قيام الثورة الفرنسية أواخر القرن الثامن عشر، لكي تظهر الأحزاب بشكلها الحالي. ومن نافلة القول أن الحزب يدين في تأسيسه إلى مفكر واحد، وأحياناً إلى أكثر من مفكر، يجتهدون في وضع مجموعة من المباديء والأهداف التي يشعرون أنها تجذب إليهم جماهير الشعب، لأنها تتفق مع مطالبهم ومصالحهم وتوجهاتهم الحياتية، وقد صيغت تلك المباديء والأهداف على شكل شعارات ميزت الحزب عن غيره من الأحزاب، فشعار البعث مثلاً دائرة باللون الأحمر تتوسطها خارطة الوطن العربي، وعلم البعث يرتكز على خارطة سوريا، مع عبارة كتبت تحت الخارطة (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة) وقد ذيِّل الشعار بالمباديء:(وحدة، حرية، اشتراكية)، وشعار الحزب الشيوعي السوفييتي (يا عمال العالم اتحدوا). كما أن الحزب يتبنى في العادة علماً أو شارة تدل عليه، فالحزب الشيوعي السوفييتي اتخذ من المنجل والمطرقة (كناية عن الفلاحين والعمال) شارة تدل عليه، وأخذت الأحزاب الشيوعية في باقي الأقطار المنجل والمطرقة لكي تضعها على أعلامها الوطنية، كالحزب الشيوعي اللبناني والحزب الشيوعي التونسي، أما الحزب الشيوعي السوري فقد وضع المنجل والمطرقة داخل النجوم الثلاثة التي تتوسط العلم السوري، بينما اتخذ الحزب النازي شعاره على شكل عقاب فارد جناحيه، ممسكاً بمخالبه دائرة يتوسطها الصليب المعكوف. أما الفاشية فكان شعارها حزمة من العصي والمطرقة، هي شعار الدولة في روما القديمة. وباختلاف الجغرافيا، وتنوع مصالح طبقات المجتمعات، فقد نشأت أحزاب ذات طابع عالمي عقائدي، كالحزب الشيوعي، وأحزاب إقليمية قومية، كحزب البعث، وأحزاب محلية وطنية، كحزب الكتائب، وكثيراً ما ضربت الشروخ صلب هذه الأحزاب فانشقت واختلفت، كالخلاف بين الحزبين الشيوعيين الروسي والصيني، والخلاف بين بعثي العراق وسوريا، كما يمكن أن تظهر تيارات مختلفة داخل الحزب نفسه، بحيث يطلق على بعضها صفة حمائم الحزب، وعلى البعض الآخر صقوره (كما في حزب الليكود مثلاً)، أما العلاقات داخل الحزب، أي بين أفراده والقيادة، فهي تختلف باختلاف الدول، فحيث تدنى المستوى الثقافي للجماهير، اشتدت سطوة القيادة وتمكنت من تنفيذ ما تقرره وحدها بطريقة جبرية، بينما ترتخي قبضة القيادة وتزداد فاعلية الكوادر الحزبية بارتفاع المستوى الثقافي لأعضاء الحزب (كما في الأحزاب الشيوعية)، لذا يمكن الجزم بأن الديمقراطية داخل الحزب هي موضع شك في حالات كثيرة، خاصة داخل أحزاب العالم الثالث، حيث تنتشر الأمية ويتدنى مستوى التعليم والثقافة. ولأن سياسة الدولة تتضمن السهر على تلبية احتياجات مواطنيها، فقد كان لا بد للحزب من الانخراط في العمل السياسي، ولكي يقود الأمة الحزب أو الأحزاب ذات الغالبية، كان لا بد من إجراء الانتخابات، وهكذا كان، فتكونت البرلمانات، وتشكلت الحكومات من حزب أو أحزاب الأغلبية، وقبعت الأقلية في صفوف المعارضة. لكن ما ميز الأحزاب الذكية عن غيرها الأقل ذكاء، هو أنها كانت لا تجنح إلى تولي السلطة - رغم شعبيتها الكاسحة - عندما كانت تتنبؤ بأن الظروف المحيطة بها ليست في صالحها للنجاح في مهمة تولي الحكم، بينما سقطت الأحزاب التي كانت تلهث وراءه من أجل الحكم نفسه فقط. الأحلاف: بداية ينبغي التمييز بين كلمتي (التحالف) و(الحلف): أولاً- التحالف : هو تعاون مؤقت بين مجموعة من الدول في ظرف معين، يفترض بشكل أساسي أن يكون احتمال قيام حرب، حيث تعمل الدولة على ثلاثة محاور: زيادة قوتها {عن طريق التسلح}، واكتساب داعمين لها {عن طريق إيجاد قواسم مشتركة تجمعها بدول تدعمها أثناء الحرب أو تخوضها معها}، وحرمان أعدائها من اكتساب الأصدقاء. وأفضل الأمثلة على التحالف هو تحالف الدولة العثمانية مع ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، وتحالف دول المحور (ألمانيا – إيطاليا – اليابان) في الحرب العالمية الثانية، وتحالف الاتحاد السوفييتي مع الغرب في الحرب ضد ألمانيا في الحرب العالمية الثانية أيضاً، وتحالف بريطانيا وفرنسا وإسرائيل عام 56 في العدوان الثلاثي على مصر. والملاحظ على الأحلاف أنها مؤقتة، تنتهي بتحقيق الهدف من إنشائها، أو الفشل فيه (الانتصار أو الهزيمة)، كما أنها لا تتطلب تماثلاً في الأنظمة السياسية والاقتصادية ولا حتى الاجتماعية لدول التحالف، فاليابان ذات نظام إمبراطوري وألمانيا نازية وإيطاليا فاشية، كما أن دول الغرب رأسمالية والاتحاد السوفييتي شيوعي، كما يلاحظ داخل التحالف، ونظراً لتقارب موازين القوة بين دوله، أنه ليست لواحدة منها اليد العليا في اتخاذ القرار، خلافاً لما سنرى عليه الحال في الأحلاف، بل يبقى تنسيق عمل أعضاء دول التحالف هو السمة الأبرز للعلاقة فيما بينها. ثانياً- الحلف : واضح أن الحلف هو تجمع أكثر من دولة في سبيل تحقيق أهداف مشتركة، يتميز بالاستمرارية ربما لعقود طويلة من السنين (حلف الناتو منذ عام 1949)، ويضم دولاً ذات نظام اقتصادي واحد، حتى لو اختلف شكل نظام الحكم (ملكي، جمهوري، رئاسي)، وفي العادة يكون للحلف مجالس سياسية وأخرى عسكرية تنبثق عنها لجان مختلفة، تسهر على رعاية مصالح الحلف وتحقيق أهدافه، كما أن له قوة عسكرية ضاربة دائمة، وربما كان أهم هذه الأحلاف: 1- حلف منظمة الدول الأمريكية، المنبثق عن معاهدة (ريو 1948) ، الذي يضم معظم دول أمريكا الجنوبية والولايات المتحدة الأمريكية، والذي جسد السيطرة الأمريكية على دول القارة الأمريكية الجنوبية، حديقتها الخلفية. 2- حلف شمال الأطلسي (الناتو-NATO 1949)، الذي يضم الولايات المتحدة ومعظم دول غرب أوربا، وقد نشأ في الأصل بهدف التصدي للنفوذ السوفييتي في أوربا. 3- حلف بغداد، أو حلف المعاهدة المركزية(Central Treaty Organization): وقد بدأ بتحالف تركيا والعراق في فبراير 1955، ثم انضمت إليه بريطانيا وإيران وباكستان، أما الولايات المتحدة فلم تصبح عضواً كامل العضوية فيه إلا بعد ثورة تموز 1958 في بغداد وانسحاب العراق منه، والهدف منه محاصرة الاتحاد السوفييتي من جنوبه. 4- حلف جنوب شرق آسيا (ٍSEATO) 1954، بهدف التصدي للنفوذ الشيوعي القادم إلى المنطقة من الصين، وقد ضم خليطاً ذا مواقع جغرافية متنافرة، فقد تكوَّن من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والباكستان وأستراليا ونيوزيلندا والفلبين وتايلند، وقد انسحبت منه الباكستان بسبب عدم مساعدة الحلف لها في حربها مع الهند عام 1971، والتي أدت إلى انفصال باكستان الشرقية (بنغلاديش) عنها.(سوف نعود إلى هذا الحدث عند الحديث عن تركيا مع حلف الناتو). 5- حلف وارصو: وكان الحلف الشيوعي الوحيد الذي تشكل عام 1955، ولو متأخراً نسبياً، رداً على انضمام ألمانيا الغربية إلى حلف شمال الأطلسي، وقد تشكل من الاتحاد السوفييتي وسبع دول شيوعية شرق أوربية هي (بولندا – المجر – تشيكوسلوفاكيا – بلغاريا – رومانيا – ألبانيا – ألمانيا الشرقية)، وكان هدفه الرئيسي التصدي لحلف شمال الأطلسي، وقد انسحبت منه ألبانيا عام 1968 بسبب تبنيها الخط الشيوعي الصيني. ومن البديهي أنه كانت للاتحاد السوفييتي الكلمة الأولى واليد الطولى داخل الحلف، والذي انتهى بتفكك الاتحاد السوفييتي أوائل تسعينيات القرن الماضي. يلاحظ بأن القاسم المشترك الأعظم في جميع هذه الأحلاف الغربية هي الولايات المتحدة الأمريكية (كما كان الاتحاد السوفييتي داخل حلف وارصو)، وأن الهدف منها، باستثناء منظمة الدول الأمريكية، كان محاصرة الشيوعية القادمة من الاتحاد السوفييتي باتجاه أوربا والشرق الأوسط، ومن الصين إلى دول جنوب شرق آسيا، وبالتالي كان لا بد – بسبب عنصر القوة الفائقة – من أن يكون للولايات المتحدة الأمريكية النفوذ الأوسع داخل هذه الأحلاف، والصوت الأعلى في اتخاذ القرارات داخلها. ولو عدنا إلى انسحاب باكستان من حلف جنوب شرق آسيا بسبب خذلانه لها في حربها مع الهند، لوجدنا أن تركيا اليوم هي في نفس الموقف، فالأحداث التي وقعت لها مع جارتها سوريا بإسقاط السوريين الطائرة التركية، وسقوط صواريخ وقذائف سورية على المدن التركية، ووقوع تفجيرات إرهابية في مدن تركية حدودية، يضاف إلى ذلك منع تركيا من إدخال السلاح المتطور إلى المعارضة السورية، كل ذلك يشي بأن الحلف الأطلسي – بسبب عوامل إقليمية معقدة – لا يقف مع تركيا كما تريد هي، بل يضغط عليها لكي تمارس ضبط النفس، إن لم يكن النأي بالنفس عن الشأن السوري، لذا أرجح أن تركيا سوف تفكر في المستقبل بالانسحاب – أو على الأقل – بالتهديد بالانسحاب من حلف شمال الأطلسي بسبب موقفه المتردد مع تركيا تجاه القضية السورية، كما أنه يشير – مع غيره من الأدلة - إلى سيطرة الولايات المتحدة على القرار السياسي والعسكري داخل الحلف. مما سبق، يتبين لنا أن النظام الحزبي ونظام الأحلاف، كلاهما يستطيع قمع آراء أفراده وأعضائه، ولا يتبقى في النهاية من شعار الديمقراطية – في كليهما - سوى بعض الاسم، وقليل من الديمقراطية، حرصاً على سمعتها، ولدفع العين الحاسدة فقط. 24 جون 2013
#وليد_الحلبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدفاتر القديمة
-
لكل أمة طباع
-
نهاية جميلة
-
الرقدة الأخيرة
-
عندما تمنيت أن يأكلني الدب القطبي
-
عمى الاتجاهات
-
خدعونا ورب الكعبة
-
آيات الذكر الحكيم بين التفسير والتنبؤ
-
هل هي عبقريتهم؟، أم هي سذاجتنا؟
-
سيناء، وعصمة الزعيم
-
(ولكن تعمى القلوب التي في الصدور)
-
هل نحن مقبلون على كارثة أخلاقية؟
-
يتلاعبون حتى في أحكام الله
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|