حسين علي الزبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 4135 - 2013 / 6 / 26 - 02:48
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الديمقراطيه هذا الحلم الجميل الذي يداعب مخيلة الكثيرين ويدفع بالبعض منهم الى الى انتهاج كل السبل والوسائل الى تضيق الخناق على طائرها واقتناصه في حين يندفع البعض الاخر في تقديم التضحيات الواحدة تلو الاخري , ولا يتردد في فرش طريقها بالزهور وتقديم كل الاغرآت لكي تحط قربه , فالجميع مقبلين عليها طالبين ودها وحضورها حتى ولو كان الثمن باهضا ..! اما لماذا يفعلون ذلك ..؟ هل لانها الحالة المثلى التي يحس فيها الانسان انه سيد نفسه وقادر على تحقيق اختياراته وافضلياته...؟ وهل هي كذلك حقا ام ان هناك صيغة اخرى وسياقات مختلفه ان انتهجها الانسان فانه سيكون اكثر حريه واكثر استقلاليه ومقدره على تحقيق ذاته وانجاز استحقاقاته الحياتيه بطريقه انسانيه راقيه ...؟
قطعا ان ليس هناك بديل للديمقراطيه ولا نهجا او طريقا اخر يمكن ان يحقق الرضى للنفوس الحائره المضطربه او ينعش الامل في انها بعيد عن الاستغلال او التحكم من قبل الاخرين وفرض مشاريعهم واطروحاتهم عليها, ان الفرد في ضل الديمقراطيه الصحيحه يستعين بموضفين اكثر كفائة وبراعه منه في تنفيذ برامجه ومشاريعه , فان احسنوا وابدعوا رضى عنهم وجددعقود عملهم ,وان اخفقوا ولم يتمكنوا من تنفيذ المطلوب بكفاءة وحذق انهى عقودهم واستبدلهم بالاكفء , وهذا هو بالضبط ما يجري حقا في ضل الانظمه الديمقراطيه السليمه , اما ما نراه من التفافات عليها وتجاوزات لنصاعتها حتى في الدول العتيده في تطبيقاتها فهذا من شرور القائمين على التطبيق وضحالة حسهم الاخلاقي والوطني , وهي انحرافات ومثالب تحسب عليهم وليس عليها .
اذن الديمقراطيه هي الشكل الوحيد الذي يستطيع كل مواطن ان يشعر فيه انه يقود البلد من خلال المنهج الذي يختاره والاشخاص الذين اختارهم لتنفيد ذلك المنهج بابداع يثابون عليه او قصور يسائلون عنه , وذلك لعمري هو افضل صيغه تمكن العقل البشري من الوصول اليها وامن من خلالها حقا طبيعيا - مدنيا لكل فرد في الاستقلاليه والتفرد كونه حرا حرية حقيقيه بانصياعه لقانون وضعه هو بنفسه ولم يفرضه عليه احد, واعلن واقر عن رضى وتفهم وقبول ان حريته تنتهي حين تصطدم وتتعارض مع حرية الاخرين او حين تصطدم وتتعارض والقوانين التي صنعها بنفسه , وبالتالي فليس هناك من فرض عليه الا ما افترضه هو مسبقا , وان نفس هذا الحق يتمتع به كل الافراد الذين يمثل مجموعهم الاراده العامه اى ارادة الشعب , هذه الاراده هي التي ستحدد مع من تتعامل وتمنحه حق تمثيلها , اي تجعله صاحب السياده طالما هو يمثل ارادتها وتسقط هذه السياده او تستردها حينما يدير لها ضهره او ينحرف عن بنود الاتفاق المبرم بينهم . وهي الصيغه العمليه الممكنه ليحكم الشعب نفسه بنفسه بعيد عن الترجمه الفنطازيه للمعنى الحرفي لها .
واذا كانت تلك هي الصوره الحقيقيه للديمقراطيه الحقيقيه فاين نحن منها وهل ما يمارسوه من يفترض ان الشعب قد منحهم السيادة لتنفيذ قوانينه وتحقيق مصالحه منسجم او محقق لها ,وهل هو الشعب حقا من منحهم السياده وذلك يعني ان لانختار جانب من الموجود , وانما نحدد نحن الموجود ثم ننتخب الصفوة منهم وعى اساس المنهج الذي نتبناه او نراه محققا لما نريد ...!
هل من يمسكون بعصى السلطة الان , مستوفون للشروط والموهلات الاساسيه للتمثيل الديمقراطي القائم على جمله من الامور الاساسيه ومن بينها ما ذكرنا , واذا افترضنا ان التكتلات التي جائت مع المحتل والتي تكونت بمباركته هي احزاب سياسية وطنيه , وان من ترشحه هو حائز على ثقة الشعب فاين هي المناهج التي تعاقدت مع الشعب على تنفيذها واذاكان حديثنا محصورا بالمستثمر الديني فما هو منهج هذا المستثمر وما هي برامجه , هل تكليفه الوطني ان يعمل على اسلمة المجتمع واجتراح هيكليه جديده للدوله تقود الى قيام الدوله الدينيه كما هو الحال في ايران , او ان المناهج يجب ان تطرح على اساس البناء الوطني والتقدم العمراني والعلمي للبلد ولا علاقة لها بالدين وهل انه سينفذ الثانيه وفق فهم ووجهة نظر الاولى...! وفي امر كهذاعليناان نحدد اسلوبه وطريقة تفكيره هل ستكون وفقا للاطر والسياقات الدينية او السياسيه وهل يمكن حصر الحدود الفاصلة بينهما في كل الاحوال والاشخاص واذا ما تم الاهتداء الى صيغة مناسبه لفعل ذلك فهل يمكن تطبيقها في كل الاوقات والماكن ولا سيما المتعددة المذاهب والطوائف الدينيه كبلادنا .....؟
قطعا ان الاسلمه لا يمكن ان تجد ارضية صالحه في بلادنا حصرا لغناها النوعي والعرقي والمذهبي وبالتالي فان ما يستطيع فعله المستثمر الديني هو ان يتصرف كسياسي وهو امر تلبسه المثالب وتركبه الشبهات من حيث انه سيعمل في ميدان هو ليس ميدانه او تخصصه الذي يمتاز به على سواه كما وانه مشبع بالاحكام الثابتة الجاهزه مما يولد انغلاقا لا يتفق والالية الديمقراطية في العمل او اللباقة والمرونه في الحنكة السياسيه , اضافه لىتنكره لرغبة وارادة من انتخبوه فهم صوتوا له لكونه محسوبا على الدين وليس السياسه, او انهم فضلو فيه الجانب العقائدي المبدئي الذي يبتعد عن المضاربات والمصالح السياسيه .! ,
ان الكيفيه التي انتهينا لها تضعنا اما تسائل مفاده ان المستثمر الديني الذي هو عاجر عن صناعة الدوله الدينيه بسبب قضايا جوهريه تتعلق بتركيبة المجتمع وهو ليس الافضل في العمل كسياسي فلماذا يقبل عليه ويفضله الجمهور...؟ لا شك انهم يفترضون فيه الامانة والنزاهة الذان يمثلان المعنى العميق للتدين , وهنا لنا ان نتسائل بعد ان اختبرنا كل ادوار هذا المستثمر هل هو حقاعلى مثل هذه المزايا التي تمثل افضليته...؟ان العراق الان في وضع مادي يمثل عتبه لم يسبق له دخولها من قبل فالاف الترليونات من الدلارات التي تشكل ميزانيتة سنويه , لم ترتقي اليها احلام العراقين في الصحوة او المنام مع تعطيل شبه تام لمشاريع التنميه المهمه في كافة المجالات الصناعية والزراعية والعمرانيه , وبغياب جيش حقيقي في تعداده وامكانياته ومستويات تسليحه , يفترض في وضع كهذا ان يكون الفرد في بحبوحة ماليه تتجلى اثارها وتنعكس على حياته في كل المجالات فالاموال المتكدسه لدى الدوله يمكن ان توفر للمواطن من التسهيلات مايرتفع به الى مستوى لائق من العيش يتناسب وامكانيات بلده الحقيقيه , غير ان المستثمر الديني القابض على مقاليد لامور المتحكم فيها قد قلب الامر بصورة مرعبه , فعطل كل شي او حوله باتجاه طبقة السياسين واركان الدولة واقطابها واجهزتها التنفيذية وموضفيها من الدرجات المعتبره اما الباقين اي غالبية الشعب فيتخبطون في بحور من الحرمان والفاقه ,...! ان ركام هائلا من المنغصات والمحبطات تجثم بثقلها الرهيب على صدوركل الفئات والشرائح من المواطنين وتجرهم الى المازالق الخطره وتدفع بالواعين منه الى حافات الجنون.
وازاء هذا الاخفاق المهين في ادارة الدوله بطرق عقلانيه رصينه , عمدوا الى بدائل كارثية لعينه قضت على وحدة المجتمع ومزقتها شر ممزق , فكان التخندق الطائفي البغيض والانقسام الفكري الذي دفع بكل مجموعه الى ان تتبنى افكارا استراتيجيه مناقضه لتطلعات وروى المجموعة الاخرى مما يسير بالبلد الموحد منذو الاف السنين الى المضي في طريق الشقاق والتقسيم .
لقد تقلص وجودهم في المواضع المطلوب فيها , وتركو المواطن يطحنه الارهاب وعصابات الجريمة المنضمه وشكل اكثرهم المليشيلت والمنضمات العسكريه التي تعمل في الخفاء فتقتل وتنهب وتهجر وتصفي كل اصحاب العقول النيره التي ترفض العيش وفق اجواء ومفاهيم كانت سائده قبل الف وخمس مائة عام ...! واضهر اعلامهم الديني من النشاط ما لايتناسب وموتهم العقائدي فاغرقوا الساحة بسيل من الخصومات التي يرجع عهدها الى زمن الرسول وبعثرو حياة الناس واهتماماتهم في قضايا غابره وسير واحداث ليس لاحد من مصلحة في اجترارها وسرد تفاصيلها بدقته متناهيه كما لو كان الراوي قد عاصرها وعاش احداثها او كان طرفا في صناعتها , مع ان الفرد وقد غاص الى القاع في هذاالبحر الصاخب من المشاكل التي لا تنتهي غير قادر على تذكر ما تناوله في عشاء امسه ...!!.
وسنواصل الحديث في المقال القادم الذي نامل ان يكون الاخير في هذا الموضوع .
#حسين_علي_الزبيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟