|
الفتنة المذهبية ليست وليدة الأزمة السورية
ربيع الحسن
الحوار المتمدن-العدد: 4134 - 2013 / 6 / 25 - 06:49
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بدأ التحريض المذهبي بشكله العلني والصريح بين الشيعة والسنة مع احتلال العراق في عام 2003 حيث انتشرت عمليات التفجير والقتل على الهوية من قبل الطرفين، ولكن يمكن القول رغم كل المحاولات لحصول اقتتال سني شيعي في العراق قد فشلت وظلت مقتصرة على جماعات محددة منبوذة من قبل غالبية الشعب العراقي ، ومن المعلوم أن فكر التطرف دخل العراق مع دخول عناصر القاعدة وانتشار فتاوي تكفير الشيعة وتحليل ذبحهم وقتلهم، ورغم خضوع البلد للاحتلال وتدخل دول الجوار فيه وتفكك الجيش العراقي لم يصل التطرف والاقتتال بين المذاهب المختلفة لدرجة أن تهجم قرية على أخرى وتذبح سكانها على خلفية مذهبية أو تقصفها بقذائف وصواريخ مستوردة من الخارج وربما يعزى فشل حدوث اقتتال مذهبي في العراق لأن هناك اندماج حقيقي بين الشيعة والسنة في هذا البلد فكثيرة هي حالات التزاوج بين الطرفين واستمرت حتى بعد الاحتلال كما تجد الكثير من الشيعة والسنة ينتمون لنفس العشيرة. فكان من المفروض إذا أن يكون العراق هو المفجر للفتنة المذهبية في الجوار والمنطقة بأكملها وفي كل الاتجاهات نحو سورية ولبنان وتركيا وإيران ودول الخليج فكل هذه الدول تشبه تركيبتها إلى حد كبير تركيبة العراق المذهبية، وكان الهدف النهائي تقسيم المنطقة على أساسي مذهبي وطائفي حتى يتم الفصل بين مقاومة حزب الله التي جعلت الاحتلال ينسحب من الجنوب في عام 2000 مرغما عنه وبين الفصائل الفلسطينية المتمثلة في حماس والجهاد الإسلامي حتى يسهل عزلها عن بعضهما وعن المحيط السوري الذي يكون قد تقسم أصلا إلى دويلات مذهبية تمهيدا لإعلان إسرائيل كدولة يهودية وبالتالي ضياع حق اللاجئين وتصفية القضية الفلسطينية في المحصلة وإنهاء أي أمل بوجود مقاومة في الحاضر أو المستقبل. فشل مشروع الفتنة في العراق جعل أمريكا وأدواتها يتجهون نحو لبنان البلد المقسم طائفيا ومذهبيا والذي يحوي على أرضه مقاومة أوجعت إسرائيل فتم اغتيال الحريري ليكون بمثابة إعلان انتهاء الاتفاق السوري السعودي الأمريكي في لبنان الذي كان من نتائجه انسحاب القوات السورية من لبنان وإحياء الصراع المذهبي من جديد لكن قدرة حزب الله على امتصاص الأزمة حينها فوت الفرصة بتحالفه مع المستقبل وجنبلاط وصولا لتفاهمه مع الزعيم المسيحي ميشيل عون فاستعجلت إسرائيل الحرب على لبنان في صيف 2006 ظنا منها أن ما عجز عن تحقيقه حلفائها في لبنان من إشعال الفتنة ومحاصرة حزب الله ستقوم هي به عن طريق التخلص من الحزب عسكريا بمساعدة حلفائها حتى تقسم المنطقة كما تريد كما بشرت كوندليزا رايس أيام الحرب حيث لو قدر لهذا المشروع النجاح كانت المنطقة الآن مقسمة لدويلات على أساس طائفي ومذهبي، ولكن بعد أسبوعين من الحرب وجدت أمريكا نفسها محرجة فطلبت من قطر أن تلعب دور الباحث عن حلول لوقف الحرب وبنفس الوقت كوسيط يتصل بحزب الله. انتصار الحزب في هذه الحرب غير المعادلات والحسابات بل كانت النتائج عكسية تماما فرفعت صور السيد حسن نصر الله في أغلب المدن العربية وساد شعور عربي عام موحد بقدرة المقاومة واحتضانها دون النظر لخلفيتها المذهبية. فتغيرت الخطط بناءا على هذه النتائج فتم العمل على محاولة امتصاص انتصار حزب الله وترك الوقت لإسرائيل كي ترتب بيتها الداخلي خاصة على الصعيد العسكري والنفسي وتدرس بعمق نتائج حرب تموز (يوليو) 2006 فانخفضت حدة الكلام المذهبي في تلك الفترة لمعرفة أمريكا وحلفائها بعدم فائدته في مرحلة ما بعد الانتصار مباشرة خاصة في ظل تقاعس الحكام العرب ووصفهم للحزب بأنه مغامر وبأنه سيدفع ثمن حربه مع إسرائيل بتدميره بشكل كامل. وتم العمل بعد الحرب على اتجاهين، الأول: التشويش على الحزب لكي لا يستثمر انتصاره على مدى واسع فطلب من فريق 14 آذار في لبنان بعد انتهاء الحرب مباشرة طرح ملف سلاح المقاومة وضرورة سحبه باعتباره جلب الدمار للبلد وإشغال الحزب بالصراعات الداخلية لإبعاد عنه صفة القوة الإقليمية التي كسرت إسرائيل حتى بلغ الصراع الداخلي أشده في أيار 2008وثم كانت النتيجة الإضطرار لعقد تسوية مع حزب الله في الدوحة. أما الاتجاه الثاني الذي تم العمل عليه هو التقرب من سورية في محاولة لترغيبها من أجل إبعادها عن حزب الله باعتبار الحكم في سورية أقرب للعلمانية ووضع البلد الاقتصادي والاجتماعي هش يمكن عن طريق جذبه للاتحاد الأوربي أن يبتعد عن حزب الله وإيران وذلك عن طريق حلفاء أمريكا في المنطقة وكانت قطر هي الأقرب للعب هذا الدور بعد تمايزها عن السعودية خلال الحرب على الحزب بالإضافة إلى تركيا الباحثة عن دور في الوطن العربي والذي لابد أن يمر عبر سورية وكان هذا مع تغطية فرنسية لإضفاء مناخ غربي نحو التقارب مع دمشق وتكللت هذه الجهود في زيارة ساركوزي- اردوغان- حمد إلى سورية في أيلول سبتمر 2008 . وقد ساهم هذا التقارب في زيادة الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي هشاشة لكون التقارب والاتفاقيات مع تركيا كانت على حساب سورية كما سمح بفتح البلد أمام مخابرات حلف الناتو ومخابرات قطر التي تستضيف أكبر قاعدة أمريكية في الشرق الأوسط على أرضها وبدأنا نسمع بعض التصريحات عن المسئولين السوريين من قبيل أننا لسنا معجبين كثيرا بفكر حزب الله لكننا نحترم مقاومته وفي النهاية لم تنفع محاولات الدول إبعاد سورية عن إيران وحزب الله بالدرجة المطلوبة. يمكن ملاحظة انخفاض حدة الخطاب المذهبي في هذه الفترة بل جرت خلال هذه الفترة اتصالات غير مباشرة بين جماعة الإخوان المسلمين في سورية وبين السلطة السورية وزار القرضاوي سورية وقال كلاما طيبا عن القيادة السورية وكل ذلك كان هدفه الترغيب وفي نفس الوقت التغلغل أكثر في الواقع والتفاصيل السورية وتدمير الاقتصاد السوري. عند اندلاع الاحتجاجات في الدول العربية للمطالبة بالحقوق والحريات وجدت أمريكا وحلفائها غايتهم فيها خاصة بعد إسقاط زين العابدين ومبارك واندلاع الاحتجاجات في ليبيا في 17 شباط (فبراير) 2011 فسورية بلد متقدم في مجال قمع الحريات ونسبة الفساد وبدأت الجزيرة تروج لهذه الفكرة مع تحذير القيادة التركية قبل اندلاع الاحتجاجات في سورية بأن المظاهرات ستجتاح دول عربية أخرى . وعندما بدأت الاحتجاجات في سورية وخلال الأسبوع الأول ظهرت ثلاثة مؤشرات خطيرة تهدف لتحقيق هدف واحد هو الفتنة المذهبية وهذه المؤشرات هي: أولا تصريح اردوغان خلال زيارته لبريطانيا عن طائفة الرئيس السوري وطائفة زوجته. والثاني: قول القرضاوي في خطبة الجمعة أن قتل ثلث الشعب السوري من أجل تحقيق أهداف الثورة هو أمر محلل . والثالث: شعارات وكتابات المتظاهرين في كثير من المناطق التي ادعت أن حزب الله وإيران يقتلون الأطفال والنساء في سورية. مما جعل بثينة شعبان تحذر من فتنة طائفية في سورية؟؟ هذه المؤشرات ظهرت خلال الأسبوع الأول من الأزمة ثم بدأ التحريض الطائفي والمذهبي يتوسع ويكبر شيئا فشيئا حتى تجاوز الحدود السورية ليتم الحديث عن صراع سني – شيعي على مستوى المنطقة بأكملها وبدرجة أكبر بكثير مما كان خلال الحرب على العراق وهذا هو الهدف الذي سعت إليه أمريكا وحلفائها منذ عام 2003 لذلك عاد الحديث عن تقسيم الدول العربية الذي بدأ فعليا بتقسيم السودان حيث العرب مشغولين بالحرب على سورية . ومن المهم التذكير أن خطاب الفتنة هذا يتحمل نتائجه الكارثية كل شيخ يحرض على قتل وتحليل دم الطرف الأخر ولا نبالغ بالقول أن الطائفة السنية هي المستهدفة بالتقسيم قبل غيرها من خلال محاولة اتهامها بالوهابية أو الإرهاب وخلق شرخ كبير بين من ينتمون لأحزاب تسمى الإسلام السياسي وبين من يرفضون هذه الأحزاب ولعل مصر خير دليل على هذا الانقسام الحاد . لذا فإن التحريض المذهبي ليس وليد الأزمة السورية ولكن ربما وصل لمستويات متقدمة لأنه تخطى حدود سورية لذا فإن عقلاء الطرفين مطالبين اليوم أكثر من أي وقت مضى لتطويق حدود الفتنة لأنها إذا انتشرت ستطال الجميع وستحرق الأخضر واليابس .
#ربيع_الحسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في سورية: هل للمؤيدين حقوق؟
-
من غرائب هذا القرن: قصة السوريين مع الانتصار
-
قراءة في خطاب السيد حسن نصر الله بذكرى الانتصار
-
آكل لحوم البشر- إنتاج سوري نوعي!!!
-
متى يمكن أن ترد سورية على العدوان الإسرائيلي؟؟
-
ثوار سورية...جددتم لي الأمل
-
رد على مقال السيد خليل الشيخة : حزب الله وخدعة الشعارات
-
يحق لجبهة النصرة أن تفتخر...
-
الجيش السوري -وَسِوى الرّومِ خَلفَ ظَهرِكَ رُومٌ-
-
أيهما أخطر عبد العزيز الخير أم أبو محمد الجولاني؟؟
-
لماذا يعشق العلويون التطوع في الجيش؟؟
-
نناشد قطر ضبط النفس؟؟؟
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|