|
المغرب والجزائر:.... أخوة أم حرب باردة
عبد الإله بسكمار*
الحوار المتمدن-العدد: 4134 - 2013 / 6 / 25 - 03:56
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
المغرب والجزائر:.... أخوة أم حرب باردة عبد الاله بسكمار * المتأمل في العلاقات المغربية الجزائرية ، على الأقل منذ تاريخ حديث نسبيا وليكن مارس 1962 أي موعد استقلال الجزائر عن فرنسا سيصاب بالدهش الذي يمكن أن يتحول إلى دوار بفعل تعدد محطات التوتر والصراع والتجاذب بين الجارين الشقيقين : المغرب والجزائر ، وحينما نحدد البلدين بهذا التجرد البارد نوعا ما فإننا نقصد الحاكمين بالدرجة الأولى وللأسف الشديد انعكست تلك العلاقات سلبا على الشعبين الشقيقين اللذين تربط بينهما أواصر الدين والتاريخ واللغة والنضال المشترك بل والمصاهرة العائلية والدموية في كثير من الحالات لاسيما عبر المناطق المتاخمة والحدودية لكلا البلدين ، فكان أن انسحب التوتر والتجاذب على الشعبين أيضا بحكم طبيعة الأزمات المفتعلة في كثير منها ومختلف تراكماتها وتداعياتها على هذا البلد أو على الآخر ، ولم يفلح عقلاء وحكماء الطرفين لحد الساعة في فك العقدة ووضع حد لما يمكن تسميته بالحرب الباردة بين الجارين الشقيقين اللهم إذا استثنينا عقلاء الرواية والأدب والشعر الذين يجتمعون أحيانا هنا وهناك بعيدا عن معمعان السياسة ومقالبها ومناوراتها المدمرة والكئيبة فيتمتعون بالأدب الذي يتسامى على كل الخلافات المزمنة أو الظرفية ويخاطب صميمية البشر في أي زمان ومكان ... لن نقلب مواجع التاريخ من الصراع البني عبد وادي والمريني إلى أطماع العثمانيين في المغرب الأقصى (الذين سيطروا على الجزائرلمدة تزيد عن ثلاثة قرون بينما استعصى المغرب عليهم ) إلى التوسع الاستعماري الفرنسي في الأراضي المغربية والتي ألحقت بالجزائر بعد استقلالها ومنها توات والقنادسة وتندوف وكلومب بشار، بل فقط - ويعرف القراء والمبحرون للوهلة الأولى زاوية معالجتنا لهذا الموضوع الكبير الشائك - سنقف عند محطات بعينها يمكن أن نفسر بها الأزمة الحالية بين المغرب والجزائر وهي حلقة فقط من مسار طويل متأزم في العلاقات الثنائية بين الطرفين ، ولم تشكل لحظات الود والصفاء سوى استثناءات معدودة على رؤوس الأصابع للأسف الشديد فالقاعدة هي التوتر والصراع ، ويدرك القراء دون شك أن قضية الصحراء هي ما نقصد في زاوية المعالجة هذه ، كما أصبح اليقين واضحا عند الكثير من المتتبعين للملف أو المشكل المفتعل وغيرهم من السياسيين والديبلوماسيين أنه قد أصبح ثابتا دائما من ثوابت سياسة قصر المرادية بالجزائر ، أي ببساطة العداء المستحكم والدائم للمغرب ووضع حجرة في حذائه تسمى مشكلة الصحراء الغربية من اجل عرقلة مساره الديمقراطي والتنموي ... إذا كانت الحدود الموروثة عن العهد الاستعماري قد أفادت حكام الجزائربالدرجة الأولى ( والجزائر لم تتضح ككيان سياسي إلا مع استقلالها لأنها كانت ولاية عثمانية وقد تبعت أجزاء منها للسلطة المغربية خلال فترات من التاريخ كمنطقة تلمسان مثلا ) إذ منحت تلك الحدود هؤلاء الحكام مجالا حيويا وامتدادا صحراويا لم يكونوا ليحلموا به لولا مخططات فرنسا واستعمارها الجديد ، والجزائر تدافع بالقض والقضيض عن هذا الامتداد في حين تحاول منعه على المغرب الجار رغم طابعه الشرعي ويعرف حكام قصر المرادية والمخابرات الجزائرية جيدا أن الصحراء هي جزء لا يتجزأ من المغرب بحجج التاريخ والجغرافية والثقافة وكل العناصر الأخرى حتى العرقية والقبلية والدموية منها ، إذا كان الأمر كذلك فان الأبعاد الايديولوجية والاختيارات السياسية لهذا البلد أو ذاك دفعت الأمور إلى مسار درامي تأباه سلوكات حسن الجوار فضلا عن قيم الأخوة والكفاح المشترك وهو المفصل الدرامي الذي عبرت عنه حرب الرمال بين الجيش المغربي ونظيره الجزائري ( أكتوبر 1963 ) والتي تلخصت أسبابها المباشرة في مطالبة المغرب باسترجاع أراضيه التي اقتطعتها فرنسا الاستعمارية منه وفي عمقها كانت صراعا أيديولوجيا ببين نظامين مختلفين في كل شيء ، ... انتهت حرب الرمال إلى ما انتهت إليه لكن بقيت رواسبها النفسية والسياسية مستمرة لحد الآن خاصة لدى النظام الحاكم بالجزائر، هذه المحطة تفسر في جوانب كثيرة طبيعة الصراع الحالي وخلفيته في المنطقة.... وما الجبهة الانفصالية إلا وسيلة لتحقيق أطماع حكام الجزائر في شمال إفريقيا وليس أقلها إيجاد منفذ على المحيط الأطلسي باعتبار المجال البحري الضيق للجزائر وبعده عن مناجم الصحراء وآبار النفط والغاز ، وإذا افترضنا جدلا قيام دولة مستقلة في الصحراء - لا قدر الله طبعا - يصبح من باب الغباء حقا ألا تحول الرقعة الصحراوية المتنازع عليها إلى ولاية جزائرية محضة تحاصر المغرب وتقطعه عن عمقه الإفريقي بما لهذا الأمر الخطير من تداعيات على أمن واستقرار وتقدم المغرب ومعه الجزائر وأيضا موريطانيا . لم تلطف من المواقف العدائية اتفاقية اقتسام حديد البويرات ولا أوفاق حسن الجوار التي وقعها الحسن الثاني مع الهواري بومدين بداية السبعينيات من القرن الماضي وما لبثت الجزائر أن تخلت عنها ( ولم يستشر البرلمان المغربي نفسه في الأمر ) فحرب الرمال ونتائجها العسكرية ( دون السياسية ) التي كانت لصالح المغرب خلقت لدى الحاكمين بالجزائر مايشبه العقدة النفسية ومن ثمة الاتفاق ضد الجار الغربي وقد بدأه المرحوم هواري بومدين لما استقبل مصطفى الوالي ودعمه بالسلاح والعتاد في بداية سبعينيات القرن الماضي وتابع نفس حكام الجزائر المتوالون النهج إياه باستثناء الشهيد محمد بوضياف الذي حاول كما قيل أن يفتح حوارا جديا مع المغرب من اجل حل المشكل المفتعل بالصحراء المغربية وكان ذلك من أسباب اغتياله بعنابة على يد لوبيات الحكم في الجزائر ، ونهجت ليبيا القذافي نفس المسار الذي أنتج ما سمي بجبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب المعروفة اختصارا بجبهة بوليساريو التي ما زالت قيادتها موجودة بجنوب الجزائر ( الحمادة وما يسمى بمخيم الرابوني ) تتلقى الدعم المفترى عليه وتمارس أشنع أنواع القمع المادي والمعنوي في مخيمات الساكنة الصحراوية المغربية التي رهنت ظلما وعدوانا منذ عشرات السنين بتندوف ومخيمات الحمادة .... إن هناك مارب شتى للحاكمين بقصر المرادية في تحريك الملف المفتعل ليس آخرها تصريف الاحتقان الداخلي واتخاذ القضية كشماعة سياسية باسم مساندة حق تقرير المصير، وقد ظلت بمثابة التوجه الثابت للأجهزة الحاكمة بالجزائر، انتهت الحرب الباردة وانهار جدار برلين....التحقت الجزائر باقتصاد السوق ولم تبق من الاشتراكية إلا الاسم... بل راحت المكاسب الاشتراكية أيضا في مهب الريح لكن العداء الثابت للجار المغربي استمر قويا كريها وبشكل مباشر في كثير من الأحيان من بين مظاهره خلال السبعينيات طرد 40 ألف مواطن مغربي من الجزائر سنة 1976 ظلما وعدوانا وبلغ الحقد درجة مساندة حكام الجزائر لاسبانيا الاستعمارية حينما داهمت قواتها جزيرة ليلى المغربية القريبة من شواطئ تطوان في موقف شاذ للجزائر وحدها ومعاكس لمواقف كل الدول الشقيقة والصديقة ونكاية في المغرب فقط ....مئات ملايين الدولارات النفطية تذهب من جيوب الشعب الجزائري في حرب باردة خاسرة لا يستفيد منها إلا الأمبرياليون والمستغلون والانتهازيون ومصاصو دماء الشعوب فقط تلبية وتثمينا لحسابات توسعية وهيمنية على المنطقة ، ولا علاقة لها بالشعب الجزائري وحقه في الحرية والعيش الكريم . لا ندافع عن نظام معين لأن الحاكمين في المغرب هم الآخرون فضلوا في كثير من الأحيان حساباتهم الضيقة والمصلحية ضد مصالح الشعب المغربي بما في ذلك التخاذل في نصرة جيش تحرير الجنوب سنة 1957 والتنكيل بمناضلي اليسار المغربي على اختلاف توجهاتهم تحت ستار الدفاع عن أمن الدولة ، لكن الحقيقة الساطعة الآن توضح بجلاء أن الطرف المتعنت في قبول حل مشرف يحفظ ماء وجه الجميع هي الجزائر الداعمة للجبهة الانفصالية علما منهما معا بأن تقرير المصير قد تم منذ 1975 من طرف الصحراويين المغاربة وأن الاستفتاء المزعوم لم يعد ذا موضوع باعتراف مبعوث الأمم المتحدة نفسه ( فالسوم )... آخر ما تفتقت عنه السياسة الجزائرية في مسألة فتح الحدود أمام الشعبين التي يطالب بها المغرب طرح شروط تعجيزية مستفزة كالاعتراف بدعم الجزائر للجبهة الانفصالية مثلا ليطرح السؤال مجددا من يعرقل التقارب بين الشعوب ومن يضع العصا في العجلة ومن يقود العربة أمام الحصان ؟ إلى متى تؤدي شعوب المنطقة ثمن جريمة تاريخية أفرزتها الحرب الباردة ؟ * كاتب مغربي / فاعل مدني
#عبد_الإله_بسكمار* (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن
...
-
-سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا
...
-
-الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل
...
-
صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
-
هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ
...
-
بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
-
مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ
...
-
الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم
...
-
البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
-
قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال
...
المزيد.....
-
الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية
/ نجم الدين فارس
-
ايزيدية شنكال-سنجار
/ ممتاز حسين سليمان خلو
-
في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية
/ عبد الحسين شعبان
-
موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية
/ سعيد العليمى
-
كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق
/ كاظم حبيب
-
التطبيع يسري في دمك
/ د. عادل سمارة
-
كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟
/ تاج السر عثمان
-
كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان
/ تاج السر عثمان
-
تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و
...
/ المنصور جعفر
-
محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي
...
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|