أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد بن تركي - محمدٌ وأشباه الليبراليين















المزيد.....

محمدٌ وأشباه الليبراليين


محمد بن تركي

الحوار المتمدن-العدد: 4134 - 2013 / 6 / 25 - 02:19
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


"لا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوفِ شَيْئَاً، ولَو أنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجهٍ طلق"

"مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا, نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ, وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ, يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ" النبي محمد

أكتب مقالتي هذه وأنا كُلِّي حزنٌ وأسى من بعض ما قرأت من أبناء اللغة العربية وهم يهاجمون نبي الإسلام محمد الهاشمي بتهم يتورع عن قولها حتى الصهاينة. تُهَمٌ لا يوصف بها ولا تقال حتى في حق النازيين و الفاشيين والتتار ومحاكم التفتيش الكاثوليكية. المؤلم في الأمر أنها أقلام عربية من شخوص عربية. (هم طبعا لا يفتخرون بالانتساب للعربية كونها -حسب زعمهم- منبع التخلف والحضارة، ويَدْعُون بدلا من ذلك إلى الانتساب لِلُغَاتِ وقوميات الأقليات المحلية الشقيقة كالقبطية والآرامية والآشورية والسريانية والأمازيغية وغيرها كونها هي هوياتهم الحقيقية التي انتزعها الإسلام منهم ظلما وعدوانا. والله لو كان الإسلام والعرب بهذا الشكل الموحش الذي يصورونه دائماً بأقلامهم وألسنتهم لما استمرت تلك الأقليات موجودةً إلى اليوم، ولانقرضت كما انقرضت حضارات الأزتك والإنكا والهنود الحمر على يد الأوروبيين المتحضرين من أمثال هيرنان كورتيز وفرانسيسكو بيزارو (المسيحيَّيْن). أو كوحشية الحكومة الصينية التي تحكم بالحديد والنار إقليمي التبت وتركستان الشرقية، أو كإرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل الآن جهاراً نهاراً أمام مرأى الجميع -وبدون الحاجة إلى القيام ببحوث ودراسات تاريخية وأكاديمية للتأكد من صحة ذلك- إزاء الفلسطينيين مسلمين كانوا أم مسيحيين. أو كالمجازر الجماعية الرهيبة التي تُرْتكبُ ضد المدنيين الروهينغا من قبل بوذيي بورما، أولئك الذين تروج لهم نفس تلك الأقلام على أنهم أناس متحضرين ودعاة سلام وأرباب فكر وثقافة وحضارة عظام. ويحي! ألهذه الدرجة بلغت بكم يا من تلبسون ثيابنا وتتحدثون بلساننا كراهية الذات وازدواجية المعايير والخصاء الفكري العقيم أن تصنعوا من إخوتكم في الدم والعروبة والحضارة والآمال والآلام وحوشاً ومصاصي دماء، وأن تمتهنوا أكبر رمز لهويتنا الدينية واللغوية والحضارية لغايات لا أعلم ماهيّتها ومداها؟!

لقد قرأت الكثيرَ والكثيرَ من المقالات والكتب التي هاجمت محمداً من قبل اليسار واليمين، والشرق والغرب. وتوصلت من خلالها إلى أن الإسلاميين -في الكثير من الأحيان- ليسوا الفعل وإنما رد الفعل، وللإسلاميين -سلفيين كانوا أو عقلانيين أو إخواناً مسلمين- عذرهم في ذلك، فهذه هويتهم وهذا انتمائهم، وواجبهم الوطني واللغوي والديني والحضاري يحتّمُ عليهم الدفاع عن مقدساتهم وحقوقهم من هاتِهِ الهجمات المزيفة التي خُلِقتْ بحسنِ أو بسوء نية ضد محمد بشكلٍ خاص والهوية العربية والإسلامية بشكل عام. أنا لست إسلاميّ التوجهات، لكنني سئمت النفاقَ الفكري وازدواجية المعايير عند تلك الأقلام العربية. سئمت من اتخاذهم للديمقراطية وحرية الرأي والتعبير مشارط حادة يخرجون بها قيحهم الفكري على مبادئنا وقيمنا. سئمت من توسّلِهم بالقيم المدنية الحديثة ذريعةً رخيصةً ينفثون منها أحقادهم وعقدهم النفسية علينا. سئمت من استخدامهم اسطوانة حقوق الإنسان سلاحاً ينتهكون به حقوق الإنسان المسلم/العربي ودينه وهويته. وسئمت منهم حينما يقيمون الدنيا ولا يقعدونها إن انتقد أحد المسلمين المسيحية أوالصهيونية أو الغرب، لكن إن شتم أحدهم الإسلام ونبيه وقرآنه بلا موضوعية فهذا عندهم حرية رأي وتعبير وليس للمسلمين أدنى الحقوق في الرد أو الامتعاض. منطقهم نحو المسلمين هكذا: "أنتم يا مسلمون إرهابيون: جزارين كنتم أم ضحايا، وكفى!" لكنه الضعف الذي أصابنا نحن المسلمون وسمح لأشخاص يكتبون بالعربية -وليتها بعربية سليمة من الأخطاء النحوية والصرفية والشكلية، بل بعربيةٍ كسيحةٍ ملحونةٍ فجةٍ ممجوجةٍ تعكسُ حالَ الكُساحِ الفكريِّ الذي آلت إليه أفكارهم وأدمغتهم- كسامي الديب وغيره بالهجوم على النبي محمد ووصفه بمجرم حرب.

لننظر إلى شخص النبي محمد من منظور إنساني بحت، متجردين من كافة أحكامنا المسبقة عنه، سنجد بأنه كان سياسياً محنكاً ورجل أعمال ناجحاً جداً. استطاع توحيد العرب وإقامة دولة قوية تكونت بنجاح منقطع النظير في وقت قصير جداً. أسّسَ ديناً تقدمياً في طابعه انتشر حول كافة أرجاء المعمورة، وكلُّ قراء العربية يعلمون ذلك جيداً. المهم في الموضوع هذا كله نقطتان، النقطة الأولى هي أنه أسّسَ ديناً أصبح واحداً من أكبر الأديان في العالم بعد انتشار التدوين بين الناس آنذاك واعتيادهم عليه للتوثيق. فمعظم الأديان الأخرى قد دُوِّنَت بعد وفاة مؤسسيها بسنوات عدة. وأما الأديان، أو الــcults إن صح التعبير، التي تأسست بعد اعتياد الناس على التدوين فليست سوا طوائف محدودة ذات أتباع قلائل. النقطة الأخرى هي أنه بينما كان كل الرجالات العظام في تلكم الفترة ينصِّبونَ أنفسهم آلهةً على أتباعهم، كان محمداً يحذر أشد التحذير من تأليهه وتعظيمه، ويشدد دوماً على أنه ليس إلا بشراً مثله مثل باقي أتباعه، ومن المعلوم أنه امتنع عن تصويره مخافة تأليهه وإطرائه فوق الحدود المسموح بها. وهذه ميزة عظيمة في الإسلام: فلا قداسة لأحد على أحد على الإطلاق، بل الكل متساوون والكل قادرون على النقد والتقويم والتأويل. وهذا ما يفسِّر رفضَ الإسلام إضفاء هالة القدسية على أيٍّ من الرموز الإسلامية: الحديثة قبل القديمة، بل الكلُّ بشر يخطئ ويصيب، والكلُّ معرض للنقد والتقويم وآرائهم عرضة للنقد والأخذ والرد. جِدْ لي هذه السمة في أي من أديان هاتيك الفترة. أنا شخصياً أتفق مع الأقلام الموضوعية التي تحاول كسر صنمية بعض النماذج المعاصرة التي كَثْلَكَت الإسلام وجعلت منه مؤسسة كهنوتية مشابهة للكهنوت المسيحي أوالهيكل اليهودي، كالسلفية بشقيها السني والشيعي والديانة الوهابية... إلخ. لكن التوسل بتلك الأمثلة -المخجلة للإسلام أمام الحضارة الغربية في الحقيقة- ذريعةً للهجوم عليه، فهذا هو السَفَهُ عينُه.

عزيزي القارئ:

أولاً: الليبرالية كلمةٌ مقدسة، كلمةٌ عظيمة، تعني خدمة الإنسانية كلٌّ على قدم المساواة وبمنتهى الموضوعية والحيادية والنقد البناء. الليبرالية والعقلانية بريئتان -براءة الذئب من دم يوسف- من الكثير ممن ينتسبون زوراً وتضليلاً إليهما، فهما ليستا مجارٍ رخيصةٍ تُفَرَّغُ من خلالها شحنات الحقد والكراهية التي تطفح من بالوعة قلوبهم وضمائرهم. ثانياً: أعتقد بأن الكلّ يتفق معي أنه ليست من الحكمة بمكان أن نحكم على أحداثٍ وقعت منذ أكثر من ألف وأربعمئة سنة بالمقاييس الغربية للعصر الحديث، وإلا لما نجا أحد ممن عاش تلك الفترة من تهم الإرهاب والوحشية والبربرية والانحراف الجنسي: فمسيحيو العصور الوسطى وصليبييها كانوا مجرمي حرب، قادة الثورة الفرنسية أيضاً كانوا إرهابيين ومجرمي حرب، المستعمرون الأوروبيون للأمريكيتين أيضاً كانوا من أعتى مجرمي الحروب، بابوات الفاتيكان وقساوستها ليسوا سوى پيدوفيليين يتلذذون بالاعتداء على القصر والأطفال. حتى عيسى، حتى عيسى الذي كان في حقيقة الأمر حاخاماً منبوذاً فقيراً وابناً غير شرعي، قد استولت عليه عقدة النقص التي لازمته منذ الطفولة ليثور على المؤسسة اليهودية التوحيدية العريقة -التي رفضت عتهه وجنونه- ولينصّب نفسه آلهة على الجميع. تقولون بأن عيسى داعية سلام؟ أليس هو القائل في إنجيله، "لا تظنوا أني جئت لألقي سلاماً على الأرض. ما جئت لألقي سلاماً، بل سيفاً"! أرأيتم، لم ولن يَسْلَمَ أحدٌ من هذه التهم إن استخدمنا مفاهيمنا الحديثة لحقوق الإنسان على أحداث وقعت منذ أكثر من ألف سنة لإقرار غايات منشؤها الكراهية والأحكام المسبقة (مع اعتذاري للسيد يسوع المسيح الذي توسلت به مثالا استخدمت من خلاله منطقهم الأعوج لتفسير الأمور). ثالثاً: كان حرياً بتلك الأقلام، إن كانت فعلا شغوفة بحقوق الإنسان لهذا الحد، أن تسخِّر شيئاً من طاقاتها لتكتبَ عن إرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين. نعم، كان حرياً بهم، بدلاً من اتهام محمد بأنه مجرم حرب، أن يتكلموا عن جرائم الحرب التي يمارسها اليمين المتطرف مُمَثَّلاً ببنيامين نتنياهو وآرييل شارون وأفيغدور ليبرمان ضد شعبٍ أعزل لا لجريمة ارتكبها إلا الدفاع عن أرضه وحضارته ومقدساته الإسلامية والمسيحية (بالمناسبة، الإسلاميون لحد الساعة يتذكرون شعباً ودولة اسمها فلسطين. ليتهم يتعلمون منهم صفة الوفاء والإخلاص والولاء للأرض والمقدسات). أيضاً، كان حرياً بهم أن يسخِّرُوا جزءاً بسيطاً من ذكائهم وطاقاتهم وإمكاناتهم الأكاديمية والاجتماعية ليتحدثوا عن الأسلحة المحرمة التي استخدمها الجيش الأميركي، بإمرة مجرمي الحرب جورج بوش و ديك تشيني ودونالد رامسفيلد، لتشويه أطفال العراق وأفغانستان ومدنييها وليكشفوا للرأي العام انتهاكات حقوق الإنسان التي قام بها نفس الجيش ضد المدنيين العراقيين والأفغان في سراديب أبوغريب وغوانتانمو. وكان من الأجدر بهم أن يكتبوا ولو مقالة واحدة تدين ماكينة القتل التي يستخدمها بوذيو ميانمار الآن ضد شعب الروهينغا الأعزل. أو حتى كتابة سطر أو سطرين يدوّنون فيه قسوة الحكومة الصينية وعنصريتها المقيتة في التعامل مع الأقليات التي تعيش خطر انقراض حضاراتها ولغاتها هناك. لكن يبدو أن أبصارهم عَمَتْ عن كل ذلك ولم تَرَ إلا النقاط السوداء في جلباب الإسلام الأبيض.



#محمد_بن_تركي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غربةٌ بين الأبطال والأحلام


المزيد.....




- القائد العام لحرس الثورة الاسلامية: قطعا سننتقم من -إسرائيل- ...
- مقتل 42 شخصا في أحد أعنف الاعتداءات الطائفية في باكستان
- ماما جابت بيبي..استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي وتابعو ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح ...
- أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202 ...
- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد بن تركي - محمدٌ وأشباه الليبراليين