عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4133 - 2013 / 6 / 24 - 19:55
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الدين لم يأتي ولن يكون ترفا ولا حاجة مرتبطة بالله وحده ولا مبرر له على قاعدة رغبة الله أن يفرض إرادته دون أن تكون هذه الإرادة مصدرها دعم (النحن) بما يخدم الوجود ويسهل لها طرق النشأة الكاملة التي أساسها مصلحة الإنسان وخدمة وظيفة الاستخلاف والخلق, فهو يطرح لنا معالجة تتوافق بينها وبين أن يكون وجود الإنسان حقيقيا وحرا لذلك حرم الدين الظلم كما حرم علينا أن ننتهك الوجود وسماه الله تعالى ظلم النفس.
لذلك كان ظلم الاخر وظلم النفس بمستوى واحد كونه خطيئة لا تغتفر لمجرد أننا نريد ان نتجاوزها لأن التجاوز هذا بحاجة إلى تصحيح العلاقة أولا بين الظالم والمظلوم من خلال العودة إلى الرباط بينهما وهو الجزء الثالث من كيان نحن, وهذا الجزء مرتبط بالدين كما بينا فلا بد أن يمر الإصلاح منه وبه وإليه لأن الوظيفة التي جعلت هذا الرباط ضروريا والتي لها أصول في مسألة الاستخلاف والخلق هدفها الإصلاح, فكل ما لا يتناسب ولا يتماهى مع الإصلاح هو خارج الدين وخارج إرادة الله الأولى.
هنا لا بد أن نبحث عن الدين بينهما بين الروابط التي تجمعهما وتفرق بينهما نبحث عن الدين لا صورة نظرية بل واقع مجسد نبحث عن التدين عن الالتزام بالدين, نبحث بين علة الوجود وغائيته وما بين العلة والغائية تتجلى لنا إرادة الديان, إذن محل البحث ينحصر في إرادة الله وما يتفرع عنها من مظهر له ارتباط بنظم سليمة تؤطر سلامة التوافق والتناظر المبني على أن كلاهما شئ واحد له ماهية ذات وجهين لا يكتمل كل منهم إلا بالأخر وهما معا يشكلان وظيفة الاستخلاف ويبرران علة الخلق التي حصرها الله باستهداف الرحمة وجعلها قاعدة الإصلاح في الأرض وفي السماء.
السؤال هنا هل يسمح الدين مثلا لنفسه أن يرتبط في تبيان ماهيته خارج أطار نحن؟, أي بمعنى هل يمكن أن يكون التدين بما يمثل أن يكون له وجود حضوري خارج ال (نحن) ثم يبسط ما يراد منه عليها بما يملك من قوة الحضور والتأثير؟, أعتقد أن الجواب محسوما بالنفي فليس هناك أطار أخر يمكنه أن يستوعبه إلا العقل والعقل هو المدخل الوحيد للنحنوية, لأن الغير عاقل غير مكلف ولا مستوجب عليه الإقرار به.
التعقل هنا يكمن في صورة الخيار الحر الذي تمليه الحاجة للدين كمؤشر على نضج الأنا وقدرتها على أن تنسجم مع واقعها ومع حلمها في المثالية وسعيها للكمال, هنا يكون الإدراك والوعي بها أساسا نتاج عقلي فمن لا يملك هذا المدرك لا يمكنه أن يكون واعيا ولا مستدلا عليه ففاقد الشيء لا يمكن أن يستعمله أو يكون عاملا به دون أن يكون متصلا به ,لذ فإن التدين الحقيقي ينطلق من معرفة الذات أولا وقدرة هذه الذات الوعي بوعيها لأن الطريق لله يبدأ من هنا من المعرفة بها (من عرف نفسه فقد عرف ربه).
الغريب أن اللا دينين لهم تصور مماثل وإن أختلف في أسبابه فهم مثلا يرون العقل حاجة أكثر من ضرورية وإن الإنسان بلا عقل ليس إنسان قيمة ولكنهم يرون أن العقل ولد من رحم وليد العبث والصدفة التي جعلته يقترن بهذا الكائن الذي أسمه إنسان ,إنهم يعتقدون أن الإنسان كائن همجي حيواني بالفطرة ((أن عدم إثبات التطور أو الحاجة والضرورة لوجود العقل ينفي الحاجة إلى مخرجاته المادية والمعنوية المتمثلة في التقنية والفكر والمنطق والأخلاق وقد يصبح الأمر طبيعيا إذا نادى العقل تحت ضغط الطبيعة أو الغريزة بالتراجع إلى ما قبل العقل على اعتبار أن العقل لم يكن مدبراً لوجوده وإنما جاء وفق عملية عبثية قام بها الإنسان في مراحله الأولى الحيوانية إبان مشيه على أربعة)) .
اللا ديني عندما ينكر الدين أصلا هو ينكر أن يكون الإنسان عاقل أصلا إنه يرى فيه حيوان يتعلم شيئا فشيئا يتحول بهذا التعلم الحسي اللا مرتبط بأصل منتظم إلى إنسان!, إنه يقر من حيث لا يعي بأن الدين مرتبط بالعقل بالوعي بالمحسوس المدرك عقلا يقر أن ارتباط العقل والدين هو ارتباط عضوي لا ينفك وإن لم يصرح حقيقة بذلك.
لذا فإن هذه النتيجة تقودنا إلى فهم أن الدين تعقل والتدين هو ترجمة العقل للدين كقيم تضبط وتسير وجود الأنا, التدين العقلاني تدين يسير بن نحو بلوغ هدف الدين الذي يحمي علاقات الأنا الثلاث من الإنحراف ويصون الوجود بذلك من الخطأ والخطيئة والجهل , إنه يعني الاستجابة إلى الصورة التي رسمتها السماء للأرض تلك الصورة الحالمة التي يسودها أطار ثلاثي الأبعاد الحب ,السلام, الحرية .
على العقل أن يترجم الدين الذي هو شبكة علاقات الأنا إلى واقع سلوكي يفسر ما تلقى العقل من نقل ويحول هذا الفهم إلى منهج وفق قراءة تتسق مع جوهر الدين الممتد عميقا في فطرة الإنسان وذكرته الأولى, ولا تخرجه من الروحية الشفافة التي تتناغم مع ضعف الإنسان الطبيعي وميله الفطري نحو البساطة والتيسير ليرتقي بخياره في الحد الأقلي من شروط الدين نحو العزيمة التي تعني التعمق في الدين والتشدد في ضبط السلوك الذاتي للأنا دون أن نجعل من العزيمة هذه مبدأ وجوبي.
هذا القول لا يعني عزل الدين في أطار روحي خاص وضيق وحصر الدين في دور بيني محدود طرفيه الله من جهة والإنسان المتدين حصرا من جهة أخرى, لكن المطلوب بدل ذلك مد هذه العلاقة بكامل الاطراف الثلاثة بنفس مستوى الأهمية بحث يكون احترامنا وتقديسنا لعلاقة الله بالسماء كما هي علاقتنا بالأخر وكذا علاقتنا داخل الأنا نفسها لتخرج الوجود الكوني كله من تحت سلطة الإنسان اللا منتمي للإنسانية بصيغتها الفطرية الطبيعية, وبهذا تخرج الكون الوجودي من الدائرة القطبية التي محور مدارها الله بوصفه قهار جبار ذو جبروت لتضع بدلا منه (الأنا) التي تنتمي للرحمن الرجيم الجميل اللطيف وأن يكون ذلك وضحا ومحدد ومباشرا وعلنا.
إذن التدين الذي نسعى له هو إخراج الإنسان من فهوم الإيديولوجية العقيدية الضيقة وتحسيسه أن التدين هو انعتاق نحو الأصل الطبيعي للأشياء تكوينا, يقول الدكتور محمد أمين الإسماعيلي، رئيس شعبة ماستر المذاهب العقدية للديانات ،من مركز الأديان للبحث والترجمة ، تحت عنوان (مقارنة الأديان بين العلم والإيديولوجية) أن التدين فطرة في الإنسان بأن منحه الله تعالى هذا التدين بالتدرج، وعلم الإنسان أشياء لم يكن يعلمها من قبل، وبين أن هناك من يقول إن الإنسان بحث عن الدين إلى أن وجده ،ومن يقول بأن الله تعالى هو الذي أنزل الدين والإنسان منذ آدم عليه السلام كان موحدا، كما بين أن الإيديولوجية كمنظومة إذا أفرغناها من محتواها وملأنها بالمحتوى العقدي فلا إشكال فيها، وأن القرآن تجنب استعمال مصطلح عقيدة لإلغاء الإيديولوجية وعوض عنها بمصطلح الإيمان.
إن فهمنا بأن الدين هو تصحيح مسار الأنا نحو المثالية يعني تبني فكرة أن الدين حرية وليست قيد ولا معتقد يجعل المتدين أسير خطوطه بالانقياد لما في العقيدة من إلزام والتزام حتى يسعى لهذا الفهم من خلال خياره الخاص ,أن خيار الإنسان الانتقال من الدين للتدين والتحول بأن يأخذ هذا الانتماء للحرية طريق للعقيدة يعني تنازله باختيار أيضا عن جزء مما منحه الدين له من أفق ممتد من الأكثري المباح حتى حدود الأقلي الواقع بين الأمر الرباني والنهي عنه لكي يريد تركيب الأنا وإجبارها على الرضوخ والامتثال لمتطلبات العقيدة.
التدين لا بد أن يعكس صورة الدين التي فهمناها إنها أعادة رسم طريق الأنا في علاقتها مع الأخر الند ومع لأخر الفوق لتصل في ذلك لمثالية نسبية تسعد الإنسان وتمنحه القدرة على الصلاح والإصلاح, فأي تدين لا يعكس صورة الصلاح ولا الإصلاح لا يمكن أن يكون مصداق للدين بفهمه رقي إنساني وتكامل وسعي للكمال البشري ويتحول بذلك الدين إلى تخريب الإطار الصحيح الذي يضبط الأنا في دائرة الأمثلية المطلوبة.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟