|
حول المجتمع المدني العربي بعد الحراك
مضر رياض الدبس
الحوار المتمدن-العدد: 4133 - 2013 / 6 / 24 - 02:35
المحور:
المجتمع المدني
منطقياً: كان "من الطبيعي" ، بالإسناد النظري للمقاربة ، أن يكون المجتمع المدني مشوهاً و معدوم النشاط الفعال في ظل حكم استبدادي أكثر ما يخاف من الصيغ التي تشكل تكريساً لثقافة الحرية. و منطقياً: أن يتحرك هذا المجتمع المدني ، بعد الحراك العربي ، تحركاً مطروداً مع هامش الحريات و مع التغيُر في طريقة الحياة. إن المجتمع المدني يتبع دائماً للحرية و الثقافة ، و يشكل تجسيداً حضارياً لهما على المستوى السياسي و الإجتماعي و الفكري. حيث أن للفرد الحر قابلية أكثر للمبادرة و للنداء بحماية حقوق باقي الأفراد ، هو أكثر قدرة على الوعي و الإدراك بضرورة الإرتباط مع الآخر للمساهمة الفاعلة في الحكم بالصيغة المدنية التي تشكل رقابة على الدولة و تحصيناً لحماية الفرد من المجتمع و حماية للأقلية من الأكثرية ، (ذلك بعد إزالة اللوثة المفاهيمية التي تقسم المجتمع إلى أكثرية و أقلية بالمعنى الطائفي أو المذهبي أو الإثني و استبدالها بالمعنى السياسي)، كذلك فالفرد الحر أكثر قابلية لتكريس معادلة العقد الإجتماعي: في التنازل للقانون مقابل مردودٍ من السعادة و الأمن. و يتبع المجتمع المدني للثقافة ، كإسلوب حياة و إدراك للقيم ، فالثقافة مفهوم كثيف بدلالته الإجتماعية و السياسية و حتى الإقتصادية ، و بانعكاساته على مختلف الميادين. من طبيعة إدراك القيمة أول ما يتبلور شكل فنٍ للإرتباط بين الأفراد في سبيل المناداة بها ، و أول ما تتكرس فكرة الثورة الفكرية للتخلص من المسلمات الفكرية الإجتماعية التي أحياناً كثيرة ما يكون لها القدرة على الإستبداد أكثر من أعتى الأنظمة استبداداً و طغياناً. هذا يقودنا إلى أن السؤال حول المجتمع المدني بعد الحراك الإجتماعي هو نقاش لمستوى الحرية و لطبيعة الثقافة ، الثقافة و الحرية متلازمتان ببعديهما الإجتماعي و السياسي ، فلنا أن نقول أن الحرية ثقافة ، و أن الثقافة تتأثر بمستوى الحرية ، و هنا ربما تكون العادات و سلطة الموروث مكبلاً للحرية و ثقافةً نقيضةً لها. و من أجل تعيين طبيعة المجتمع المدني عموماً ، و بعد الحراك العربي خصوصاً ، يجب النظر بعلتين متشابكتين: الأولى هي كيفية فهم المجتمع المدني و تلك أكثر ما تتبع للحرية و الثقافة ، و الثانية هي القدرة على تطوير فن الإرتباط بالآخرين و تتبع لكيفية الفهم بالإضافة لشكل الحوار السائد و طبيعة التواصل و خبرة المجتمع بأشكال التجمع المدني و كذلك تتبع للقيمة المستهدفة. فهم المجتمع المدني: يقودنا التحليل إلى أنه من أجل مجتمع مدني فاعل وجب تكريس الحرية و هدم الصيغ التي تقيد الإبداع ، و إن كان زوال الإستبداد شرطاً لازماً لذلك فإنه يبقى غير كافٍ بوجود قيود أخرى تتمثل في التجذر القبلي و الطائفي و العادات و التقاليد التي هي سلطةٌ مزمنة الإستبداد ، دوغمائية الطرح غالباً ، وجب استبدالها بصيغة المواطنة و التسامح بالتزامن مع بناء دولة الحريات و العدالة الإجتماعية. و إذا انطلقنا من الحرية بمفهومها الأولي ، و هذا أضعف الإيمان ، فلنا أن نقول أن الفرد يكون حراً للقيام بفعل ما إذا اجتاز عقبتي أساسيتين و هما أولاً : القدرة و الإستطاعة على القيام بهذا الفعل أو عقبة الإمكان المادي و ثانياً : السماح له بفعل ذلك بحيث لا يتعرض لعقاب من جراء القيام به أو عقبة الإمكان القانوني. و بهذا لا تكفي ممارسة الحريات و سلطة القانون العصري لبناء مجتمع مدني صحِّي إنما يجب أن تترافق بتنمية الإمكان المادي من خلال حملات التوعية و التعاون لتكوين ثقافة تؤمن بالتعلم من الآخر و الإنفتاح عليه ، وهذا دائماً مقرون بمردود السعادة و الرفاه و الأمن ، و يتطلب إسقاط الزعامات و الولاءات البديلة للوطنية مهما كان نوعها. إذا تحقق ذلك يمكن للمجتمع المدني أن يرصد و يحلل الحقائق بدقة و بذلك يقترح حلول براغماتية و فعالة. ومن أجل وضع القطيعة مع تلك الممارسات و الأفكار التي شجعها الإستبداد و محاربة الثورة المضادة وجب بناء "بيداغوجيا المجتمع المدني" متمثلة في المساهمة المباشرة و الفعالة في الحياة السياسية بهدف خدمة مصالح الأفراد و الجماعات و الدفاع عن حقوقهم بمعزل و باستقلال عن الإيديولوجيا و بتحرر كامل منها. تحتاج بيداغوجيا المجتمع المدني نفساً طويلاً و فكراً يحرر العقول ، بأن تقدم المعلومات غير مدموغةٍ بالصحة أو بالخطأ من قبل معلمٍ أو مؤلف ، إنما تقدم المنهجية و للعقل الإختيار فيما يراه من صحةٍ و من خطأ حتى لو كان يمس أكثر الأفكار تقديساً ، و ليس لهذا أن يتم إلا بالتوازي مع بيداغوجيا حوارية مبكرة لها كذلك كل الإنعكاس على تطوير فن الإرتباط. فن الإرتباط: إن فن الإرتباط ، و إن كان يتبع لفهم المجتمع المدني ، هو أكثر ما يعكس ثقافة المجتمع في الحوار و التواصل ، هو فنٌ يعززه التسامح و تشوههُ الدوغمائية ، فنٌ لا يلجم رأياً بفرضية خطأه المسبقة ، هو يكسر النير ، مهما كان ، و لا يفترض العصمة ، و كما يرى ستيورات ميل : " إن كل إسكات لمناقشة هي افتراض بالعصمة". في الحقيقة ليس الإستبداد السياسي وحده من يسكت نقاشاً ، خصوصاً في العالم العربي ، بل إن كل ما تُفترَضُ قدسيته "تسليماً" ، من عادات و تقاليد و دين و موروث ، له فعل المستبد ، و إن كان الأخير قد "سقط" فإن إسقاط باقي "المقدسات" هو أول مهام المجتمع المدني التاريخية التي تقع على عاتق فئة النخبة المبدعة التي كسرت كل قيدٍ و امتطت العقلانية. إن نشر هذه الثقافة: التواصلية ، الحرة ، العقلانية ، هي مفتاح نجاح المجتمع المدني بعد الحراك ، وهي الضامن لعدم انحدارٍ جديد نحو الديكتاتورية أو الإستبداد ، فلا يمكن أن يُستبد بعقلٍ لا تَستبِد به أفكاره. إن نشر هذه الثقافة بمكوناتها الثلاثة هي علاج للمجتمع المدني : "إسعافياً" بالتوعية ، ثم "فيزيائياً" ، إن صح التعبير ، ببناءٍ لبيداغوجيا مبكرة تضمن استمرار الأداء الصحيح و عدم العودة للخلف. و ربما تأتي ثقافة الحوار ضمن أولويات التغيير في مجتمع ليس من الصعب اكتشاف "ميكافيليلة " منهجه الحواري، بما يحتوي من مراوغةٍ و مكرٍ و خداع و عنفٍ في سبيل الإقناع ، تكرست تحت نير إستبداد ديماغوجي الخطاب و مجتمع دوغمائي الأفكار. لا أرى شِفاء تام من آثار التاريخ إلا بالتربية الحديثة العقلانية التي تنظر للآخر كذات لها كرامة يجب الإعتراف بها ، نفهمه أو نتفهمه ، غاية و ليس و سيلة ، مشروعٌ للإرتباط المدني حول مصلحة مشتركة نبيلة فيها الخير و الصلاح. إن لهَذا من إرهاصات فنٍ مكتمل للإرتباط المدني و دونه شِفاءٌ مقنع لجسدٍ مايزال يحمل جرثومةً خاملةً للشقاء. أخيراً: لا أجد بداً من القول أن على المجتمع المدني أن يحارب الفكر القصووي، فالتاريخ يعلمنا أن القصووية لا تنتج إلا إعادة إنتاجٍ للديكتاتورية لكن بصيغٍ جديدة.
#مضر_رياض_الدبس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سورية و العقم السياسي
-
في يوم العمال...هرطقات بين الإستلاب و الإبداع
-
الأقليات السورية...شيزوفرينيا الهوية
-
سوريا...وَهِم الطائفية و الإضطهاد
المزيد.....
-
الأونروا: الأوضاع الصحية بغزة متدهورة.. وأجساد المواطنين لم
...
-
اعتقال البطل المغربي بدر هاري في أمستردام
-
الجامعة العربية تبحث ملف الأونروا
-
بيان عربي جديد ضد قرارات إسرائيل بحق الأونروا وتهجير الفلسطي
...
-
الجزيرة نت تكشف مصير الأسرى الفلسطينيين المبعدين إلى الخارج
...
-
أوكرانيا تطالب بإنقاذ أسراها من عمليات الإعدام الروسية
-
مستوطنون يقتحمون مبنى الأونروا في حي الشيخ جراح بالقدس المحت
...
-
مستعمرون يقتحمون مبنى -الأونروا- في حي الشيخ جراح
-
الجامعة العربية: حظر الأونروا يقوض أسس حل الدولتين
-
غدا.. اجتماع اللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان في دورتها
...
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|