فادي كمال الصباح
الحوار المتمدن-العدد: 4132 - 2013 / 6 / 23 - 20:30
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تعتبر مسألة زواج النبي محمد من زوجة زيد إبنه بالتبني من أكثر المسائل القرآنية المثيرة للجدل والريبة حول حياة النبي محمد, و كانت من الأهمية بحيث وردت حولها في القرآن بأكثر من 5أيات صريحات, و نجد لها صلات مع الآيات ما قبلها و بعدها ,بينما إقتصر في موضوع طبيعة الحكم بين المسلمين بإشارة بسيطة ضمن أية واحدة, وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ .. {الشورى/38}, ولم يذكر شيئاً حول الخلافة أبرز مسبب للصراع وأنهار الدماء بين المسلمين منذ 14 قرناً .
بعيداً عن كتب السيرة و التراث المروي التي لا تخلو من بعض الحقيقة و التي سعت بكل جهدها لتلفيق القصص و المبررات لهذا الزواج المثير للجدل , سنحاول البحث بين ثنايا و سطور تلك الآيات, عسى أن نكتشف جوانب أخرى لم يسلط عليها الضوء .
ترد هذه الأيات الصريحات من سورة الاحزاب كما يلي:
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا {الأحزاب/36} وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا {الأحزاب/37} مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا {الأحزاب/38} الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا {الأحزاب/39} مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا {الأحزاب/40}.
بتدبر بسيط لهذه الأيات, نرى أن الاية36: " وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا", كأنها محاولة لإستباق ردود فعل معترضة متوقعة على ذلك الزواج , عبر الدعوة لكم الأفواه و كبح الأفكار و التحذير من عدم التسليم و عدم الرضوخ أمام ما يعتبر من قضاء الله بالاضافة لما يقضيه محمد و هنا لم يكتفي القرآن بطلب التسليم والرضوخ أمام قضاء الله بل أضاف قضاء محمد نفسه.
و تبدأ الأية 37 ,بنوع من المن على زيد بالاشارة الى أن محمد أنعم عليه كما أنعم الله عليه ," وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ ", و تكشف لنا هذه الأية أن هنالك حواراً دار بين محمد و زيد حتى قال له: "أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ ", و هو ما يؤكد الذي ذكر كتب التراث الاسلامي بوجود خلاف بين زيد و زوجته و نية زيد بالانفصال عنها , كما تكشف عن وجود رغبة باطنية من محمد بإنفصال زيد عن زوجته ليتزوجها, لكنه يخشى كلام الناس و يعيش صراعاً داخلياً بين رغباته وتقاليد المجتمع:" وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ", و بما أن القول بالرغبة الدفينة من محمد بإمرأة زيد لا تعجب الكثير من المسلمين للقداسة المطلقة التي يحيطون بها محمد المنزه عن الرغبات البشرية بنظرهم, نشير لهم بتصريح القرآن في آية لاحقة بمعيار الاعجاب بحسن النساء لزيجات محمد : لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ الأحزاب/52}, وبالعودة للأية 37 من سورة الاحزاب ايضاً, فمجرد أن زيد إنتفت حاجته من زوجته أي قضى منها وطراً, جاء القضاء الإلهي مباشرة بأن صارت زوجة لمحمد:"فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا", هذا ما يعتبر تعارضاً كبيراً مع آيات أخرى دعت للإصلاح بين الزوجين في حال الخلاف و هذا لم يحصل هنا إلا ظاهرياً: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا {النساء/35}, و هذا الحكم التلقائي بالانفصال التام غريب لأنه لا يحل للمؤمنين بالزواج من زوجات محمد بعده ,كما ورد في نفس السورة : وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا {الأحزاب/53} , و هو تجاوز لكل التسهيلات القرآنية التي شرعت للزوجين بالرجوع لبعض بعد الطلاق إن أرادا ذلك: الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ .. {البقرة/229} فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ .. {البقرة/230}, ولا شيء يؤكد أن زينب لن ترجع لزيد ثانية بعد طلاقها منه.
إذا تجاوزنا مشكلة الطلاق السريع(إذا كان بالامكان إطلاق مصطلح الطلاق!) ,تظهر لنا مشكلة التزويج التلقائي, فلا نجد في سياق الآيات أنه جرى أخذ رأي زينب إذا توافق على الزواج من محمد أم لا , كما لا نجد أنه جرى إتباع الخطوات التقليدية والشرعية الاسلامية لحصول الزواج التي أكد عليها القرآن نفسه, من خطبة العروس و عقد الكتاب : وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ {البقرة/235}, وأيضاً لا نجد أي إشارة في هذه الحالة عن عدة شرعية لزينب قبل أن تتزوج من محمد.
في إزاء غياب شروط ضرورية لاتمام الزواج الاسلامي عند هذه الحالة في القرآن, نجد أن كتب السيرة والصحاح أخذت على عاتقها سد الفجوات الحساسة عبر إيراد قصص وأخبار عن وجود عدة وخطبة.
بعد ذلك تكشف لنا الآية 37 عن الهدف الحيوي والضروري جداً ! ,لهذا الطلاق السريع والتزويج الأسرع من الله مباشرة: لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا {الأحزاب/37}, هنا لابد من طرح بعض الاسئلة:
- هل كانت توجد ظاهرة خطيرة في ذلك الزمن ,بكثرة لحالات الرجال الراغبين بطليقات أبنائهم بالتبني, تبرر هذا الاهتمام الكبير من الله بهذه المسألة ؟!.
- ألا يكفي تنزيل آية بتشريع هذا النوع من الزواج, ليتحقق المطلب دون إثارة الشبهات ؟!.
- لماذا كل هذا التسرع بالطلاق و الاسرع بالتزويج دون أي مقدمات؟!.
و بالنظر الى النتائج المترتبة على هذا التشريع القرآني بحرمة التبني, يظهر لنا الواقع كيف أن هذه الخطوة إنعكست سلباً على الايتام الذين هم بأمس الحاجة للشعور المماثل لعطف الأب وحنان الأم , وعلى المحرومين من الأبناء من السعادة بوجود الأبناء.
في النهاية يحق لنا أمام هذا الجو المريب و الغامض الذي يلف هذه القصة من كافة جوانبها , أن نتسأل , لماذا وردت هذه الآية: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا {الأحزاب/36} , هل المقصود بالمؤمن والمؤمنة , زيد و زينب؟!, وهل كانا ضحية مؤامرة حيكت عبر إستغلال إيمانهما الأعمى بإستسلمهما لمشيئة ظنا أنها من إله أراد حل مشكلة عظمى من خلالهما ؟!, وهل كان محمد يحتمل أن زينب ستقابله بالرفض فنسب الزواج برمته لله و حذر من عصيان هذا الأمر؟!
#فادي_كمال_الصباح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟