|
من مسائل برنامج الإنقاذ الوطني في تونس
احمد حرشاني
الحوار المتمدن-العدد: 4132 - 2013 / 6 / 23 - 16:11
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
المسالة الأولى :مبادرة الإنقاذ : لا يكفي الإعلان" يجب العمل فورا" ---------------------------------------------- مبادرة انقاذ "الثورة" ، انقاذ المعارضة ، انقاذ "السلطة " الحاكمة انقاذ الاسلاميين المعتدلين ، انقاذ القومية والعروبة ، إنقاذ تونس في سياق تحولات كبيرة تحدث في المنطقة العربية تستوجب من الجميع توحيد الرؤى لمواجهة خطر الفتن و تقسيم المقسم ولعبة الاختراقات للدول والشعوب وسناريوهات استنزاف الجيوش العربية ومحاولة تدميرها لخلق حالة من الانفلاتات والصراعات العربية – عربية ، والاسلامية – اسلامية ، والاسلامية – علمانية ، والعرقية والقبلية والدينية والطائفية الخ من الصراعات اللانهانية الممنهجة والمبرمجة خاصة وان هناك قابلية كبيرة للاشتعال اجتماعيا ودينيا وعرقيا وثقافيا نتيجة بؤس الوعي العربي واستغراقه في السذاجة ، فهو وعي قبل علمي وقبل فلسفي لا يزال في مرحلة الاسطورة والخرافة في زمن الثورة المعلوماتية . فهذا المشروع الشرق-اوسطي الذي يتخفى تحت مسمى الربيع العربي والثورات العربية يهدّد الجميع ولا يستثني أحدا وهو مشروع استراتيجي ومبرمج ومعد له سلفا وله منهج واضح يتكرر في كامل المنطقة العربية بنفس الشعارات والعناصر والأهداف والوقائع. فما هي بنيته ؟ ما هي مكوناته ؟
بنية " الثورات العربية ": بداية نذكر ان ديكارت الفيلسوف الفرنسي اعتبر العالم مكوّنا من فكر (الحركة) ومادّة (الإمتداد) ومن ثمة قولته الشّهيرة " أعطني حركة وامتدادا أصنع لك العالم",. كما نذكر ايضا ان عالم النفس الامريكي السلوكي والموضوعي و الطبيعي والحتمي يقول: أعطوني خمسة أطفال أصحاء أسوياء التكوين فسأختار أحدهم جزافا, ثم أدربه , فأصنع منه ما أريد طبيباً أو فنانا أو عالماً أو تاجراً أو لصاً..... بغض النظر عن ميوله وسلالة أسلافه ما يُقال في علوم الطبيعة انسحب على علم النفس التجريبي ويمكن أن ينسحب على صناعة الثورات في عالمنا المعاصر وهو ما يجعل من هذا الربيع العربي المزعوم أو الثورات العربية لها بنية موضوعية لابد من محاولة الكشف عنها لتيسير فهمها . الثورة قد تكون لها أرضيّة ومبررات على صعيد الواقع ، وقد تصنع أرضيتها ومبرراتها على أسس علمية موضوعية نتيجة دراسات إستراتيجية تتعلق بكل المواضيع ذات العلاقة :اللهجات ، الأولياء الصالحين ، المفكرين ، رجال الدين، الفكر ، التعليم ( مع العلم أن برامج التعليم في العشريات السابقة هي صناعات أو املاءات غربية في علاقة الاقتراض وما يقتضيه ن التزامات على صعيد بناء نموذج الإنسان المستقبلي ). اذن بناء على برامج صُنعت في الغرب تُصنَع الثورات العربية التي تُراهن على نتائج اقتصادية ومجتمعية حسب مواصفات محددة للقوى الكبرى . فالغرب الاستعماري لا يريد إفناء الآخر العربي والمسلم لأنه بكل بساطة مصدر ثروات ويد عاملة وسوق استهلاكية لذلك سيُقدّم له كم مادي محدد يكفيه في تجديد قوة العمل و فَرض وسيفرض عليه القيم المتغيرة والتاريخية والمتحولة التي تخدم مصالح الغرب الاستعماري ( نفس القيمة تتحول من سلبية الى ايجابية بناء على وظيفتها في مكان محدد وزمان محدد مثال "المجاهد" الذي يقاتل النظام السوري هو قيمة ايجابية وثائر ويدعم من كل المنظمات العالمية والدول الكبرى ويحتفل به في وسائل الإعلام ويُكرّم ويُمجّد لكن نفس الشخص اذا نظر الى اسرائيل بطرفة عين فهو ارهابي أي ان الاسلامي هو في نفس الوقت ارهابي ومجاهد بناء على مدى استجابته لاستراتيجيا الامبراطورية العالمية ذات المطامع الاستعماريّة ثمة "لوجسيال" للثورات العربية وهو "لوجسيال" يتطور ويُحسّن ليلائم الواقع أكثر فأكثر بناء على تطورات هذا الواقع المتغير والمتحرك . هذا "اللوجسيال" الثوري الناتوي ( نسبة الى قوات الناتو) له ممهدات تاريخية منها البرامج التعليمية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي فرضها البنك العالمي وصندوق النقد الدولي .فنحن لم نكن ، كما اعتقد البعض في السابق ، فئران تجارب لبرامج ستطبق في العالم الغربي كاستعمال حقنة دواء ما بمقابل مادي لتجريب نجاعة هذا الدواء استعماله ، وإنما كنّا بناءات واقعية لأبنية نظرية تمهيدا لهذا الخراب الذي نعيشه اليوم. بمعنى ان الخراب له ارضية تاريخية مبرمجة سلفا عبر رؤى علمية موجهة للعرب والمسلمين تحضيرا لهذه المرحلة التي نعيشها الآن . هذا لا يعني انه لولا اكتشافات اليوم "الربيعية" و"الناتوية" لما كان بالإمكان الحديث عن الأمس بهذه الطريقة بل هو شكل من مراجعة المعنى بناء على حقائق أصبحت واضحة للعيان منها الاحتلال عبر كذبة الربيع العربي . ومن أمثلة الاستراتيجيات التي استخدمت بالأمس استعدادا لهذا اللحظة التاريخية الدموية بامتياز في الوطن العربي والعالم الاسلامي : محاولة القتل المنهجي لكل أسباب الحياة في هذا الأمة عبر التضخيم مثلا من فكرة "الحداثة" سياسيا( المقصود هنا هو" قشور الحداثة" وليس الحداثة الحقيقية لانها مرفوضة في منطقة يُصنع تخلفها منهجيا للتحكم فيها مراقبتها ومعاقبتها حسب الظروف) والنفخ فيها طيلة الأزمنة السابقة وفي معظم البلدان العربية ، بمعنى لم يكن هناك فعل حقيقي لإرساء الحداثة وهو فعل اشرف عليه الغرب ودعّمه وتواطأ معه . هذا الإرساء لدعائم حداثة زائفة و استفزازية اقترن بشنّ حملة على الإسلاميين بتمويل غربي وهو ما سيجعل من النتيجة الحتمية لهذه الممارسات التناسبية : حداثة زائف ومحاربة الاسلاميين هي رد فعل هذه الحركات الدينية المتطرفة والتعاطف الشعبي معها اليوم ( وهو تعاطف نسبي يختلف في الزمان والمكان وبدا يتراجع نسبيا اليوم خاصة بعد انكشاف كذبة الربيع العربي في سوريا ) من اجل التجنيد الشامل العقائدي والطائفي ضد كل اشكال الممانعة التي تعرقل مشروع الشرق الاوسط الجديد . هذه الدائرة الجهنمية للعالم العربي والإسلامي صُنعت ضد حقيقته أو جوهره وهي التعايش والانفتاح و التعدد بما هي قيم تاريخية وشرعية وفلسفية . وما يحدث اليوم على ارض الواقع هو ممارسات مخابراتية لزرع بذور الفتن والحروب وقطع الرؤوس والأكل المتبادل للحوم البشر بين الأشخاص المدافعين عن الأديان والأعراق والطوائف والأحزاب والتوجهات الفكرية أي انه هناك محاولات جرذانية وسرطانية متصهينة لتحطيم هذه الحقيقة الجوهرية التاريخية والشرعية والفلسفية وهي إمكانية التعايش والبحث عن آفاق أرحب للحرية والكرامة بعيدا عن العصبيات القاتلة .
المسالة الثانية : ما العمل؟ وما هي الأسس النظرية والواقعيّة للتحالف بين كل القوى التي تراهن على "الخصوصية التونسية"؟ إنّ الصراع اليوم ،على خلاف من تروج له قنوات الفتنة وشيوخ الفتنة والدوائر العالمية وأذيالهم من المتاسلمين وتجار الدين ، ليس ضد الإسلام ولا ضد الاسلاموية المعتدلة و لا السلفية العلمية بل ضد كل أشكال التطرف من اليسار إلى اليمين الذي راهن على المشروع الشرق-اوسطي ، فتونس ليست "إمارة إسلامية" ولا "مقاطعة شيوعية" وهي ذات شخصية قائمة الذات لها خصوصيتها لها التي تتجلى في كل أفكار وممارسات التونسيين عبر التاريخ. فتلك الفلاحة الفقيرة ، بما هي نواة من نواتات المجتمع ، التي توجد في اي نقطة من النقاط النائية في الجمهورية التونسية وفي اي قرية مهمشة من القرى التونسية وفي اي مدينة محرومة من المدن التونسية ساهمت في بناء تونس وفي الدفاع عن دينها يوم جاهدت ضد الجهل والفقر . لقد استجابت لنداء الاسلام الذي هو نداء تونس ، نداء التقدم والتطور والعلم والمعرفة والعلم .لذلك ،لا يمكن لليسار او اليمين ان يعيش الا في اطار اتحاد يعبر عن الشخصية التونسية التي قاومت الاستعمار و تشبعت بإسلام التحرير والتنوير وتشكلت عبر آلاف السنين. هذا يستوجب قواعد منهجية في العمل الميداني من خلال خلق تنسيقيات ذات حركة عمودية وأفقية حسب متطلبات الفعل في كل لحظة من اللحظات التاريخية . هذه التنسيقيات تكون على طريقة المجموعات التي قاومت الاحتلال( منهم واليهم )والتي ساهمت في بناء تونس مثلا " فلان الفلاني " في" دُوّار " كذا " من قرية كذا و في ولاية كذا ، هو من حيث البنية المكونة لانيته المركبة والمتفاعلة "قادة وقواعد" في ذات الوقت . وهو يعبر عن ارث تونسي تمثل في مقاومة الاستعمار وتأسيس الدولة الوطنيّة والحفاظ على كياناها على مر تاريخه العمري. هذا يستلزم إعادة الاعتبار لكل من ساهم في بناء تونس منذ الاحتلال الفرنسي لتونس اي تكريمه وتعويضه على كل ما ساهم به ولو بكلمة في خدمة تونس . هذا الاعتبار يجب ان يكون ماديا وروحيا لان هؤلاء كانوا جيش تونس الشعبي وسيبقون كذلك في مقاومة كل أشكال الاحتلال ثم هو تحصين لتونس من كل عمليات الاختراق في حالة وجود من يحاول بث الفتنة وزرع الحروب الأهلية كما حدث في الجزائر و يحدث الآن في سوريا . بلغة أخرى لابدّ من حدس نوع من الطريقة الاستباقية في الدفاع والجاهزية قبل حدوث الاختراقات الممنهجة مثلما يحدث في العديد من البلدان التي صُنعت فيها الثورات بشكل قبلي عبر الاشتغال على الاحتجاجات وتأجيج نارها وتحريف مسارها ، تجنبا لأي طارئ قد يحدث ، بما أنّ المنطقة أصبحت مفتوحة على مشاريع غامضة المصدر . فالدفاع يجب أن يكون شعبيا أو لا يكون ، عبر حشد أكثر ما يمكن من الوطنيين مهما كانت مشاربهم وهو مقتضى تحصين الذات التونسية من كل اختراق يعتمد المال و الدين والسلاح كما يحدث في منطقتنا العربية الآن . فما هي شروط هذا المشروع الوطني للإنقاذ؟ شرطان أساسيان وهما : التحصين الديني-الوطني والتحصين المادي-التنموي هذان الشرطان يحب ان يكونا رسميين وتنظيميين في شكل تنسيقيات مفتوحة وذات حركة عمودية وأفقية لأنها ليست حركة دغماية/ وثوقية منغلقة بُنيت على التعصب التيولوجي ( الاسلاموي) او الشيوعي . فالشخصية التونسية لها مقتضياتها النظرية والعملية التي يجب احترامها في إنشاء التنسيقيات . هذه الشروط يجب أن تترجم إلى أفعال في الواقع بما أنّها أفعال إستراتيجية وليست آنية ، فهي ليست ردود أفعال غايتها الكرسي او السلطة ، وإنّما أفعال استرتيجية لا يمكنها الا ان تنتصر مهما طال الزمن. خذ مثلا ليبيا ، ان سقوط القذافي خلق فراغا كبيرا على مستوى "التنسيقية الشعبية" التي يمكنها ان تتحرك دفاعا عن الوطن بعيدا عن كل انتماء حزبي او ارتباط بحاكم ما . فاللجان الثورية كانت مرتبطة بالشخص وليس بالوطن مع العلم انه بالإمكان توظيف أشخاص اللجان الشعبية بما هي بُنى تحتية منظمة وذات خبرة في الكفاح ضد غزو الناتو واحتلال الأرض والإنسان . على العكس من ذلك ،ان التنسيقيات ، في تونس، هي التي خلقت الشخص بالمعنى الرمزي وليس التنظيمي وليس الشخص المادي ، بمعنى إنّ الفكرة موجودة بشكل قبلي وما على الحزب أو الشخص إلا تحويلها إلى كيان قائم الذات أي تحويلها إلى جسم سياسي فاعل ... هنا لابد أن نسال : ألا يمكن للتوجهات الاسلاموية أن تشتغل على هذه" التنسيقيات بالقوة "وتحولها الى "تنسيقيات بالفعل" كي تصبح خاضعة لمخططاتها الشراق-اوسطية ومؤتمرة بأوامرها ومتحكمة فيها و توجهها لخدم ما هو مطلوب اليوم في كامل المنطقة العربية خاصّة و أن هذه التنظيمات الإسلامية تتميّز بقوة عقائدية كبرى في حشد الجماهير ؟ نعم ، ذلك ممكن... ولكن بشكل جزئي ، وبالتحديد من خلال توظيف هذه الحركات للشرط المادي واستغلاله والاشتغال عليه وهو نقطة ضعف ( نسبيا ) الشخصية التونسية ، لكن روحيا من سابع المستحيلات أن ينجحوا في ذلك لان مشروعهم الروحي لا يلتقي مع روح شخوص التنسيقيات المتحولة والديناميكية والمتغيرة من قرية إلى قرية من" دُوّار "الى "دوّار" من ولاية الى ولاية ، بينما الحركات الاسلاموية هي حركات عقائدية لا يمكن لروح التونسي ان تستجيب لها . بلغة أخرى ، إنّ الاستجابة ممكنة لكنها محدودة في المكان والزمان و لن تكون استجابة حقيقية وإستراتيجية ، والحجة على ذلك الواقع التاريخي الذي يؤكّد انفعال الشعب إزاء هذه الحركات عند ظهروها إلى السطح من خلال الممارسة الانتخابية الأخيرة يوم 23 اكتوبر 2011 ، لكن ذلك لم يمنع التراجع سريع في شعبيتها في فترة وجيزة بشكل ملفت ، وهو ما يدل بشكل قاطع على الوجدان الديناميكي للشعب ، كما يدل أيضا على أن هذه الحركات الاسلاموية لم تستجب لنداءات وحاجات الشعب الروحية والرمزية ... يبدو أنهم غرباء عنه و ليس إعجاب بعض الأفراد بهم في لحظة تاريخيّة ما الا دليل على انفعاله ضد نظام قاسى منه وأراد ان يرُدّ الفعل ضده بالارتماء في اي احضان اخرى شرط ان تكون لم يتحرش بها النظام السابق ( انفعال يعكس جهل بحقيقة العلاقة القائمة بين هذه الحركات والنظام السابق ، وكذلك جهل بمن له القدرة الحقيقية على تسيير شؤون الدولة زد على ذلك جهل بان الاسلام في الحركات الاسلامية هو تقية وتجارة بل هو نسخة مشوهة عنه لانه يُختزل في وهابية خادمة مطيعة لمشاريع خارجية لا تمت للاسلام وللمسلمين بصلة ). اذن ، هناك من تحرك في انتخابات 23 اكتوبر الفارطة بناء على انفعالات حادة وحتى مرضية ازاء النظام السابق نتيجة الفساد الذي ينخر كيانه بما فيه من عائلية وجهوية وبعض الانحرافات في المسائل القومية والاسلامية . في تلك اللحظة التاريخية من عمر الشعب التونسي يمكن لكل من هبّ ودبّ ان يفوز في الانتخابات عدا النظام السابق . بالتالي ، ان نجاح الاسلامويين لا يعود الى قوتهم الذاتية فقط ( قوتهم محدودة بكم بشري ثابت اضيف اليه بعض المعجبين والمعجبات من الفاشلين والذين ارادوا التكفير عن ذنوبهم وبعض المخدوعين والمعجبين بما وقع في البلاد من ملاحم نضالية) وانما يعود اساسا الى نقمة الشعب على جملة من الممارسات " الطرابلسية " ، مع الملاحظ ان الشعب لم ينقم على دولته ومؤسساته وقوانينه وحقوقه وانما على فئة محددة من المجتمع وهي الطرابلسية التي مزقت الكيان التونسي ونهبت خيراته وامتصّت دماءه تحت مسميات عدة ، والدليل على ذلك ان الشعب خرج للدفاع عن دولته ومؤسساته تضامنا مع الجيش عشيّة ما يسمى" بهروب بن علي" . في البداية ، لم يكن الشعب يريد كتابة دستور ولم يطالب بالمجلس التاسيسي ، كما انه لم يكن يطالب بالشريعة (لانه بكل بساطة مسلم وهو شئ بديهي فليس له الوقت للتفكير في اسلامه لانه يحياه في كل تفاصيل حياته وبطريقته الخاصة ) بل كلّ همّه هو استعادة كل من حقوقه التنموية المشروعة و السياسية المسلوبة. لقد كانت أولويات الشعب هي التنمية إلى درجة ان روحه العظيمة مستعدة لمسامحة اي كان شريطة ان تُعاد له حقوقه المهضومة او على الاقل ان تكون هناك مساواة بين الأفراد في المجتمع وبين الجهات في كامل الجمهورية . ولقد عبّر قيس سعيد عن هذه الفكرة الخلاّقة التي لا يمكن ان تنبع الا من وجدان وعقل تونسي اصيل لا هَمّ له الا مصلحة الوطن والمصلحة العامة والتقدم المستمر بناءً على التوظيف الجيد لأخطاء الأمس توظيفا ايجابيا يخدم المصلحة العليا للوطن . ومفاد هذه الفكرة هو ان يتكفل كل رجل أعمال ممن جُمّدت أموالهم بتنمية جهة محددة بناء على تصور عادل للتنمية الجهوية أساسه التمييز الايجابي . فمن المبادئ السامية للشعب الذي دفع الغالي والنفيس بدءا بانتفاضته وصولا إلى كل مراحل الكفاح المعاصر ضد الوهابية مرورا بوقوفه التاريخي مع الشعب الليبي أيّام غزو قوات الناتو لأراضيه و ووقوفه التاريخي مع ضحايا الفيضانات في الشمال التونسي ، من هذه المبادئ االثابتة التي لا تتزعزع مهما كانت صروف الدهر أنّ الامور لا تتغير سريعا وان ذلك يتطلب وقتا والمهم بالنسبة اليه هو ضمان حقوقه الطبيعية والسياسية . لكن عندما طلب منه رئيس الجمهورية الصبر في شكل هدنة ، وقد صبر واستجاب ، لكنه اكتشف ان ذلك لم يكن الا خدعة لابعاده عن مشاكله الحقيقية ، و هو ما أدى الى رد فعل عنيف في سيدي بوزيد ضد الرئيس ، وفي سليانة ضد الوالي . فعندما عادت حليمة الى ممارساتها القديمة عبر أشكال قديمة- جديدة ( من تهميش حليق الى تهميش ملتحي) عاد الشعب الى عاداته الاحتجاجية وهي عادات لها تاريخ طويل في تونس لا علاقة لها بالمتاسلمين وتجار الدين .( يبدو ان لهؤلاء عادات وتقاليد اخرى غير عادات الشعب واسلامه المعيش (من مبادئ الاسلام المعيش ربي مقالش هكة ، ماقالش بيه ربي ، وهي مبادئ مارس بها الشعب احتجاجاته، فحماية المؤسسات ورفض التخريب هو استجابة لنداء طبيعي ديني تونسي مع العلم ان الحرق قام بها مجرمون من اجل السرقة او من اجل تصفية حسابات ضيقة ولم يكن الحرق منهجا او طريقة نضالية من طرق الشعب التونسي النضالية عبر التاريخ .على العكس من ذلك هناك في الطرف الآخر ، وهو طرف سياسي غريب كل الغرابة عن روح الشعب التونسي ، من زرع الألغام وأطلق الرصاص في بئر علي بن خليفة والروحية واحرق البلاد وقتل العباد الخ من البربرية والوحشية والهمجية المنظمة والممنهجة... ) لذلك لابد من التمييز بين عادات وتقاليد الشعب في الاحتجاج وبين عادات وتقاليد المتاسلمين وتجار الدين ، فالفرق بينهما شاسع وكبير ولا يحتاج إلى بيان . كما انه من الضروري أيضا التمييز بين إسلام الشعب وهو إسلام معيش و بين إسلام المتاسلمين وهو إسلام وهابي يدعي السلفية والسلفية منه براء ... الدرس الأخير الذي بدأت بعض ملامحه تتجسد في هذا التحالف بين القوى الديمقراطية التونسية التي تُراجع نفسها باستمرار بناءً على الرجة الأخيرة لظاهرة "الربيع العربي " هو أنّ العاطفة سواء كانت دينية او اجتماعية او عائلية او شخصية لا يمكن أن تبني دولة تضمن مستقبل الجميع كما لا يمكنها أيضا أن تُمثّل شرطا للعيش المشترك ولفلسفة الإنقاذ الوطني . ان الدولة والمدنية والعيش المشترك كلها معاني لا يمكن ان تتاسس الا على العقل الذي يحسب ويُموضع ويُجرّد بحثا عن حد أدنى من الحقوق الذي يُعدّ أفضل من حالات الانفلات والفوضى التي تهدد البلاد . لقد تحدّث روسو في عقد الاجتماعي عن حالة طبيعية تسبق بناء الدولة بما هو بناء عقلاني ، بينما في وطننا العربي هناك حالات انفلات وهي التي تشرع وتفرض بناء الدولة قبل الموت القادم الذي يهدد الجميع من خلال حرب الكل ضد الكل ، ذلك ان الانسان اصبح ذئبا للانسان بفعل فتاوي شيوخ الناتو التي تحلل ذبح المسلم لاخيه المسلم وذبح كل من يقف ضد مشروع الشرق-اوسط الجديد او ما يسمى بالربيع العربي ...ان حالات الانفلات هي وضعيات مصطنعة تُوظّف فيها بشكل منهجي الاحاسيس والمشاعر و الوجدانيات والقواعد القبلية والجهوية والعائلية وهي قواعد قبل-مدنية ، وهو ما تجلّى بوضوح في الانتخابات السابقة التي كانت العصبية محركها الأساسي وليس العقل ، لذلك أنتجت بناء مشوهً لا يشبه لأي كان من الشعب التونسي .على العكس من ذلك ، ان الاعتماد على العقل سينشا بالضرورة انتاجا يشبه الجميع او قل سيصنع عقدا اجتماعيا يساوي بين كل الناس بمعزل عن تصوراتهم الدينية والثقافية وأعراقهم وقبائلهم وهذا الاتفاق او العهد العقلاني( صحيفة/ دستور/ عهد المدينة) هو سفينة النجاة للمجتمع أولا ، والمنطقة العربية ثانيا ، والإسلام ثالثا . وبالتالي إنّ العقد الاجتماعي الذي يُعبّر عن وحدة الكل المختلف والمتنوع ( وما تحالف الإنقاذ سوى وجه من وجوهه ) هو الطريقة العقلانية والأرقى في مواجهة كذبة الربيع العربي و"تطهير" الاحتجاجات العربية المشروعة من أدران شيوخ الناتو ومطامح الصهيونية وسمسرة روسيا وبربرية الاقتصاد الأمريكي المتوحش.
#احمد_حرشاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من مسائل برنامج الانقاذ الوطني في تونس
المزيد.....
-
مادورو يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
الجزء الثاني: « تلفزيون للبيع»
-
عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و
...
-
في ذكرى تأسيس اتحاد الشباب الشيوعي التونسي: 38 شمعة… تنير در
...
-
حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
-
تركيا تعزل عمدة مدينتين مواليتين للأكراد بتهمة صلتهما بحزب ا
...
-
تيسير خالد : سلطات الاحتلال لم تمارس الاعتقال الإداري بحق ال
...
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|